ترجمة: رمضان مهلهل سدخان
اللورد بايرون في الذكرى المئوية الثانية لرحيله
كانت وفاة بايرون، قبل 200 عام، في 19 نيسان، مليئة بالتناقضات مثل حياته. فمع كونه واحداً من أكبر المستهترين في التاريخ، توفي بايرون مناضلاً ملتزماً من أجل الحرية في حرب الاستقلال اليونانية. لكنه لم يقتل في المعركة. بل أصيب بالحمى بعد جولة بايرونية [رومانسية] أثناء العاصفة، وانهار جسده النحيل عندما أخذ أطباؤه ما يصل إلى لترين ونصف من الدم، معتقدين بأن القيام بذلك سيزيل المرض. لم يُسمح بدفنه في دير وستمنستر – إذ كان شخصية ماجنة للغاية – ولكن عندما أُعيد جثمانه من اليونان إلى إنكلترا ليُدفن بالقرب من مقر عائلته في نوتنغهامشير، اجتذب الموكب حشوداً ضخمة من الناس من كل طبقة من طبقات المجتمع. وعلى الرغم من كونه أرستقراطياً، إلاّ أن بايرون كانت بداياته متواضعة نسبياً قبل أن يرث لقبه في سن العاشرة، وقد دافع عن قضايا المستضعفين طوال حياته. لقد عاش حياة باذخة وجذبَ فضول الجمهور الذي لا نهاية له، لكنه عاش أيضاً فترات من الزهد والعزلة. وبرغم كونه صديقاً ثابتاً ومحباً، لكنه يمكن أن يكون قاسياً تماماً في علاقاته الرومانسية. ووصفت صديقته الليدي بليسينغتون شخصيته بأنها "شبيهة بالحرباء"، ولا يمكن أن تخضع لأي توصيف دقيق.
وبحسب ما ورد عنه قال الشاعر مازحاً بأن كتّاب السيرة الذاتية في المستقبل ("أنا أمنّي نفسي بأن أحصل على أكثر من واحد") سيواجهون صعوبة في التقاط جوانبه المتعددة: "سيمثلني أحدهم كنوع من الكراهية السامية للبشر ... و[آخر] سوف ... ولو من أجل المعارضة فقط، يقوم بتمثيلي كرجل لطيف، أسيء التعامل معه". ولو كان بإمكانه أن يرى قرنين من الزمن في المستقبل، لكان رائعاً ببصيرته: ربما تقع سيرتاه الذاتيتان الأخيرتان في خانة "الرجل اللطيف"، الذي يمثل بايرون كضيف حفل العشاء النهائي، لكنهما تفعلان ذلك من وجهات نظر مختلفة جداً.
إن كتاب "بايرون: حياة في عشر رسائل" بقلم أندرو ستوفر، الذي قام بالتدريس والبحث في أعمال بايرون لمدة خمسة وعشرين عاماً. وكون هذا الكتاب علمياً ويمكن الوصول إليه على حد سواء، فهو يمثّل جزءاً من الاتجاه الحالي في السير الذاتية الأدبية التي تستخدم أعمالاً مختارة كمحرّك للحديث عن لحظات محددة في حياة الكاتب (انظر، على سبيل المثال، كتاب لوكاستا ميلر "كيتس: حياة مختصرة في تسع قصائد ومرثية واحدة"، 2021). وفي حالة بايرون، لا يعد هذا بالأمر السيئ. إذ يتمخّض عنه كتاب مضغوط بشكل جميل (إذا كنت تريد المزيد، يمكنك الرجوع إلى السيرة الذاتية المعيارية للكاتب ليزلي مارشاند منذ عام 1957، والتي تقع في ثلاثة مجلدات)، ويبرز صوت بايرون الرائع والآسر، وهو في أكثر حالاته مرحاً في رسائله. لقد كتب 3000 رسالة في حياته القصيرة، غالباً بإلحاح شديد لدرجة أنها تبدو وكأنها تنزيلات downloads عالية السرعة لأفكاره الأكثر إلحاحاً. يستخدم ستوفر Stauffer كل رسالة اختيرت بعناية لتوضيح فترات حياة بايرون المليئة بالإثارة: حياته المرفّهة في كامبريدج (مثل جميع الأرستقراطيين في ذلك الوقت، لم يكن عليه في الواقع حضور أي فصول دراسية للتخرج)؛ وجولته الكبرى من البرتغال إلى ألبانيا؛ وسنوات شهرته وزواجه الكارثي في لندن؛ وقصص الأشباح مع آل شيلي the Shelleys في سويسرا الصاخبة؛ والتهتّك في البندقية. وأخيراً، قراره بالعمل كممول إنساني للحرب اليونانية.
الشيء الأبرز يتمثل في أطول رسالة معروفة كتبها بايرون إلى ناشره وصديقه جون موراي في العام 1819. هذه الرسالة تحكي قصة علاقة الشاعر المضطربة مع مارغريتا كوغني، وهي امرأة شابة من البندقية متزوجة من خبّاز، والتي قامت، في سلسلة من المحاولات الكوميدية، بمنع بايرون من الانفصال عنها. تلك القصة التي تنتهي بشكل دراميّ بإلقاء نفسها في قناة. ويشير ستوفر إلى أن بايرون كتب الرسالة وهو يعلم جيداً بأنه ستجري قراءتها بصوت عالٍ لزوار مكتب موراي في لندن، المتلهفين لسماع أحدث مآثر الشاعر النجم مباشرة. ولم يكن الأمر مخيباً للآمال: فالرسالة جذابة ومضحكة ومبالغ فيها مثل المسلسل التلفزيوني. إن كراهية النساء المضحكة في الرسالة، تلك الكراهية الممزوجة بجرعة خفيفة من الطبقية وكراهية الأجانب – إذ يقدّم الشاعر في مرحلة ما ملاحظة محبطة مفادها بأنه بسبب الحرارة، فإن مهبل النساء الإيطاليات "يصبح مسترخياً ومرناً ورقيقاً" بعد الولادة – كان المقصود منها هو صدمة زمرة موراي المحافظة وتسليتهم ودغدغة مشاعرهم. ويصف بايرون كوغني بأنها "حيوان جميل جداً"، وفي ما يقرب من 3000 كلمة في الرسالة، يستخدم تقريباً كل استعارة متحيزة جنسياً لامرأة "مشاكسة": "النمرة"، "الشيطان"، "الساحرة"، "الغجرية"، "أمازون"، "المدية" Medea، "عرافة العاصفة". (ويلاحظ بسرور بأنه عندما وصفها بالبقرة، وهو أمر مهين بشكل خاص باللغة الإيطالية، أجابت كوغني: "بقرتك، من فضلك يا صاحب السعادة".)
ويعترف ستوفر بأن لغة بايرون عن العديد من عشيقاته في البندقية كانت لغة "تثير الاشمئزاز" (كنَّ "جميعاً عاهرات"، كما يقول الشاعر في رسالة أخرى)، وتشير إلى إيماءات تجاه ديناميكيات القوة الغريبة لإسراف الأقران خلال فترة الفقر المدقع في إيطاليا – لقد أصبحت مسرحيات كوغني أقل مرحاً في ضوء وضعها المالي البائس بلا شك. لكن ستوفر كان يحرص دائماً على التركيز على الصفات الإيجابية لموضوعه، ويشير سريعاً إلى أن بايرون أعطى بسخاء للجمعيات الخيرية المحلية و"عرض المال بانتظام على أي شخص محتاج".
وبينما لا يدقق في الجوانب الأقل جاذبية للرسائل عن كثب، فإن ستوفر يستخدمها بدلاً من ذلك لإظهار تطور بايرون ككاتب. ويعدّ التركيز على شعره – الذي غالباً ما يضيع وسط الفضائح والمؤامرات – أحد أكثر عناصر الكتاب إرضاءً، مما يعطي إحساساً جيداً ليس فقط بالسيرة الذاتية ولكن أيضاً بالأهمية الأدبية للعديد من أعمال بايرون الرئيسة. ويوضح ستوفر كيف أن التوقيت الشجاع والكوميدي لرسالة كوغني، على سبيل المثال، يبشر بالأسلوب المفعم بالحيوية لملحمة بايرون الساخرة البارعة "دون جوان". ويشير ستوفر بأن فترة الشاعر غير الشرعية بشكل خاص في البندقية كانت بمثابة نقطة ارتكاز إبداعية، حيث عرف بايرون "أن يضحك على نفسه وعلى الآخرين"، وأن يكتب بحرية أكبر. وفي رسالة أخرى مقتبسة جزئياً (لا بد أن ستوفر واجه صعوبة في اختيارِ عشرٍ فقط للاقتباس بالكامل)، يشير بايرون إلى أن سمو قصيدة "دون جوان" يأتي من أنه كتبها شخص "عاش في العالم": "قد يكون مسرفاً ولكن أليست هذه هي الحياة؟"
هذا هو الأمر المثير للغاية بشأن بايرون: على الرغم من أن بعض مواقفه تجاه النساء لم تنضج بشكل جيد، وأن عدداً من قصائده يمكن أن تبدو الآن مهذبة بشكل مفرط، إلا أن هناك حيوية في رسائله وأعمال مثل "دون جوان" تشعرنا بأنها تنتمي تماماً إلى الحاضر. ويشير ستوفر إلى أن العديد من جوانب حياة بايرون تتحدث عن اهتمامات القرن الحادي والعشرين: فقد كانت حياته الجنسية غامضة، وكان معاقاً بقدم مشوهة، وتعرّض للاعتداء الجنسي عندما كان صبياً (من جانب مربيته، ماي غراي، وقد أخبر محاميه لاحقا بأنها "استخدمت الحيل مع شخصه")، وكان يعاني من اضطراب في الأكل وكان عالمياً حقاً في نظرته. إن قصيدته "الظلام" (1816) كان من الممكن أن يكتبها أحد نشطاء تغير المناخ: "أُضْرِمت النيران في الغابات - ولكن ساعة بعد ساعة / أخذت تتهاوى وتتلاشى - والجذوع المطقطقة / انطفأت عند اصطدامها – واستحال كل شيء إلى سواد". وعلى الرغم من أن معظم الناس اليوم قد يجدون صعوبة في اقتباس بيت من شعره، إلا أن البطل البايروني هو عنصر أساسي منتشر في الثقافة الشعبية المعاصرة.
ويأخذ ويليام كوهن William Kuhn فكرة أهمية بايرون المعاصرة خطوة أخرى إلى الأمام في كتاب: "السباحة مع اللورد بايرون" لإظهار أن الأرستقراطي في القرن التاسع عشر، على حد تعبير تلك المجلات التي تعرض لقطات من المشاهير وهم يتسوقون من البقالة، هو "مثلنا تماماً". قد يبدو من السخافة اعتبار شخص غير عادي ومتميز مثل بايرون "شخصاً يمكن التواصل معه"، لكن هذه ليست فكرة جديدة. فخلال حياته، كتب إليه معجبو بايرون – ومعظمهم من النساء الشابات اللاتي لم يكن لديهن الكثير من القواسم المشتركة معه – ليخبرنه عن مدى رؤيتهن لأنفسهن في شخصياته، وبالتالي، في شخصيته. ويشعر جميع أبطال بايرون بطريقة أو بأخرى بأن المجتمع قد أسيء فهمهم، الأمر الذي كان له صدى سعيد مع كل مراهق تقريباً في التاريخ. كما كان بايرون أيضاً أستاذاً في تشجيع التفسيرات اللانهائية لعمله من خلال تقديم أصغر التفاصيل، مما يسمح للقراء برؤية قصتهم الخاصة في قوله: "الخطوط العريضة هي الأفضل"، كما كتب في "دون جوان"، "– خيال القارئ المفعم بالحيوية يقوم بالبقية".
ويخبرنا كوهن، الذي ربما يكون لديه الكثير من القواسم المشتركة مع بايرون أكثر من العديد من معجبيه السابقين: بأنه مثل الشاعر، قد تعرض للتحرّش في طفولته ونشأ "متردداً في الاعتراف" بحياته الجنسية. ومثل العديد من هؤلاء المعجبين في رسائلهم إلى الشاعر، يقوم كوهن باستخدام بايرون كوسيلة لوصف مشهده العاطفي. فيخبرنا بأنه يتماهى مع "رياضتَي" بايرون: السباحة والكتابة، ويستخدم كليهما كوسيلة لمعالجة مكانته في المجتمع: "أشعر كما لو أنني أسبح معه ... ويستحيل القرنان من الزمن بيننا إلى لا شيء". وبهذه الطريقة، فهو يصور بايرون كنوع من التعويذة الشخصية التي تقدّم "دروساً عملية" عن عيش حياة كاملة بدون اعتذار. ويقول كوهن: "لم يتوقف بايرون ليطلب الإذن. بل ذهب للتو وفعل ذلك".
كتب بايرون عن حبه للعديد من الرجال، بما في ذلك المغني جون إدلستون، الذي التقى به أثناء وجوده في كامبريدج، والشاب الفرنسي المولود في اليونان، نيكولو جيرو، الذي أقام معه علاقة غرامية في رحلته الأولى إلى القارة. وفي السيرة الذاتية التي كتبها ستوفر، لا يجري التعامل مع علاقات بايرون المثلية وإساءة معاملته في مرحلة الطفولة على أنها ملاحظات جانبية، بل بوصفها مكونات عرضية لصورة معقدة. إذ يضعها كوهن في قلب كل جانب من جوانب حياة الشاعر تقريباً. ويعكس جزءٌ كبير من هذا الكتاب السيرةَ الذاتية التي كتبتها فيونا ماكارثي عام 2002، والتي أشارت إلى أن بايرون كان مثلياً في الأساس، وأنه استخدم علاقاته مع النساء لإخفاء حياته الجنسية في وقت كان فيه اللواط يعاقب عليه بالإعدام. وإحدى مشاكل هذه النظرية هو الكم المذهل الذي مارسه مع النساء، ورواياته الصريحة عن مدى استمتاعه بها.
ولا يرفض كوهن تسمية المثليين فحسب، بل يرفض أيضاً ثنائيي الجنس، مشيراً بدلاً من ذلك إلى أن كلمة "شاذ" queer هي أفضل كلمة لوصف الحياة الجنسية المعقدة للشاعر، لأنها تشمل أي شخص "يعيش خارج الأعراف الاجتماعية للشراكة والزواج". وهو يعترف بأن هذه التسميات يجري تطبيقها بشكل مفارقة تاريخية على بايرون، الذي عاش قبل أن تصبح الحياة الجنسية مسألة هوية، وأن أية محاولة لاكتشاف الحياة المثيرة لشخص ما، خاصة في الماضي، تنطوي بالضرورة على قدر كبير من التكهنات. إن معاملة الشاعر الدنيئة للعديد من النساء في حياته، بما في ذلك زوجته لمدة عام واحد، دائماً ما تكون صعبة على كتّاب السيرة الذاتية لأنها تتناقض تماماً مع الطريقة السخية التي كامل يعامِل بها معظمَ الآخرين. ويقدّم كوهن تفسيراً منمّقاً ومغرياً مفاده بأن بايرون في علاقاته الرومانسية كان يعيد إنتاج الإساءة التي تلقاها عندما كان صبياً وصراعه بشأن حياته الجنسية ("عندما يكون الجنس بين الرجال جريمة"، كما يقول، "فإن النساء كثيراً ما يتضررن").
ما يثير الغضب في كتاب كوهن هو القراءة المستمرة لشعر بايرون باعتباره سيرة ذاتية واضحة. ومرة أخرى، لم يعد هذا شيئاً جديداً: فمنذ اللحظة التي جعلتْه قصيدة بايرون الرائعة "حج تشايلد هارولد" مشهوراً، فهمَ القراءُ عملَه على أنه يقدم أسراراً عن مشاعره العميقة. وليس من الصعب رسم جملة من الشخصيات الكئيبة، المتجولة التي صوّرها للشاعر نفسه. وشجع بايرون بنشاط هذا الخلط بين الحقيقة والخيال – وبالفعل، كان ذلك عاملاً أساسياً في شهرته – حيث قدّم إشارات مرحة إلى حياته في عمله مما ساعد قراءه على الشعور بأنهم يعرفونه شخصياً. لكن هذا كان في الأساس أداة أدبية. وعلى الرغم من أنه من المستحيل عملياً على كتّاب السيرة أن يفصلوا المرء عن شخصيته – كما رأينا، فإن رسائل بايرون غالباً ما تكون مجرد أداء مثل شعره – فإن قراءة كوهن الحَرْفية لذاته الشعرية تطمس هذا التمييز دون داعٍ. وجرى التأكيد على المشكلة من خلال قراره بإعادة تشكيل شعر بايرون بوصفه نثراً لجعله "في متناول جيلنا". فعلى الرغم من أن الهدف مفهوم، إلا أنه كان له تأثير في الخلط بين شعر بايرون ورسائله ومجلاته. ويقول كوهن بأنه يقدّم الشعر بهذه الطريقة "ليدع بايرون يروي قصته بكلماته الخاصة"، متجاهلاً حقيقة أن مصدر السيرة الذاتية هذا هو في النهاية مادة من الخيال.
إن الأسلوب السهل والحواري لكتاب "السباحة مع اللورد بايرون" وتبجيله الجاد لموضوعه يجعل القراءة محببة وفي بعض الأحيان تبعث على الارتقاء. وكما يعترف كوهن، فهو ليس كتاباً للصفائيين purists، ولكنه قد يحقق هدفه المتمثل في تعريف القراء الجدد بعمل بايرون.
وبالنسبة لأي شخص يريد الحصول على إحساس مباشر بشِعر بايرون وحياته، فإن كتاب "رحلات بايرون" يقدّم مقتطفات من قصائده ورسائله ومجلاته بدون سياق سيرة ذاتية تقريباً. وهذا لا يعني بأن الكتاب لا يحتوي على توجه سردي، حيث أن محررته فيونا ستافورد، تنظّم بمهارة هذه الأعمال عن الأماكن التي عاش فيها بايرون وزارها بالترتيب الذي ذهب إليه بها. إذ يبدأ كل قسم بمقتطف قصير من شعره، معظمه من الملحمة المتأخرة "دون جوان"، حيث تأمّلَ في العديد من الأماكن التي زارها (والكثير منها لم يزرها)، مما يعني بأن الراوي الخاص ببايرون يعمل بمثابة المرشد السياحي من خلال بيوتات الشاعر الحَرْفية والروحية.
إن أحد أسباب نجاح قصيدة "حج تشايلد هارولد" هو أنه قدّم وصفاً تفصيلياً للمناظر الطبيعية والأشخاص، في العام 1812، لم يكن لدى غالبية القراء البريطانيين أمل في رؤيتها بأنفسهم. واستمر بايرون في وضع جميع قصائده الرئيسة في بلدان أخرى غير "إنكلترا الأخلاقية" (حتى زار دون جوان بريطانيا العظمى، البلد "الأكثر صعوبة في القافية")، مقدّماً مزيجاً هو الأكثر مبيعاً من قصص الرحلات والغرائبيات المسلية. ففي مقدمتها الثاقبة، تصف ستافورد ترحال بايرون بأنه "قهريّ" – فهو نادراً ما يستقر في مكان واحد لأكثر من بضعة أشهر. وكان في كتاباته يحلم في كثير من الأحيان بأماكن في ماضيه أو يختلق مغامرات مستقبلية؛ ولهذا السبب، فإن كل قسم من كتاب "رحلات بايرون"، على الرغم من ترتيبه ترتيباً زمنياً من حيث المكان، فإنه يعرض نصوصاً من فترات مختلفة جداً من حياته. وبينما يكون هذا القفز عبر الزمن مزعجاً بعض الشيء في البداية، إلا أن هناك شيئاً مُرضياً للغاية بشأن القراءة، على سبيل المثال، رسائل بايرون المكتوبة من مقر عائلته، نيوستيد آبي، جنباً إلى جنب مع ذكرياته عن المكان بعد مرور اثني عشر عاماً، ناهيك عن تصوراته الشعرية المتأخرة لـ "نورمان آبي" في ملحمة "دون جوان".
وبعد، يمكنك أن تفعل ما هو أسوأ من الاستمتاع بإجازة على خطى بايرون: اسكتلندا، وبحيرة جنيف، ورافينا، وكيفالونيا. وعلى الرغم من أن هذه الكتب الثلاثة الجديدة مختلفة تماماً، إلا أنها تؤكد جميعاً على قدرة بايرون على عيش الحياة إلى أقصى حد. لقد أخبر زوجته المرتقبة، أنابيلا ميلبانك، بأن "الهدف العظيم من الحياة هو الإحساس – أي الشعور بأننا موجودون"، ووصف السفر بأنه أحد الأشياء التي يفعلها الناس لملء "فراغ الرغبة". هذا القلق، وهذا الزخم في حياته وعمله، يجعل من المستحيل عدم الرغبة في الانضمام إليه في تلك الرحلة.
المصدر: ملحق التايمز الأدبي، عدد 6315 في 12-4-2024.
855 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع