عائشة سلطان
أن تعيش مراقباً
يعتبر القلق واحداً من المشاعر البغيضة، التي تسمم حياة الإنسان أينما كان، لأن القلق كالاكتئاب والوحدة والريبة من المشاعر المنتشرة بين سكان المدن المعاصرة، هذه المدن الكبيرة التي بقدر ما تشغلها فكرة التطور وجودة الحياة ورفاهية الفرد، بقدر ما يتخبط سكانها في دوائر من القلق، والعزلة، والاغتراب، والريبة إزاء الآخرين، والوحدة، والجريمة المخيفة.
ولقد ثبت من تحقيقات الشرطة أن اضطراب الشخصية الحاد، الذي يعاني منه المجرمون في معظم جرائم القتل المتسلسل سببه كوارث التربية في الطفولة أو أزمات العيش في المدن الكبيرة الباردة، وهذا لا يعني أن كل من يعيش في مدينة كبيرة يصبح قاتلاً متسلسلاً، لكن أمراض المدن المعاصرة تصيب الإنسان في مقتل، وخاصة أولئك الانطوائيين، الذين يعانون من الهشاشة، وعوامل النقص المركبة.
في الفيلم الأمريكي، الذي تم تصويره في العاصمة الرومانية بوخارست نتابع حياة الشابة الأمريكية، التي تنتقل من نيويورك لتنضم إلى زوجها في مدينة والدته، تبدو سعيدة في البداية، لكنها سرعان ما تكتشف اتساع هوة الاغتراب والوحدة، ودون تعقيدات حوارية نكتشف اغترابها سريعاً، عبر تخبطها في فهم اللغة والتخاطب بها حتى في أضيق الحدود، ثم شعورها بالضيق لاضطرارها التواجد مع أصدقاء زوجها، الذين يتحدثون لغة لا تفهمها، وتدريجياً تبدأ بالتسكع في المدينة وحيدة، ومع شعور الوحدة لانشغال زوجها طيلة الوقت في عمله تبدأ مأساتها الأخرى.
رجل غريب الأطوار يراقبها طيلة الوقت من نافذة غرفة، ثم وهي في السينما، ويلاحقها حتى إلى السوبرماركت، وتدريجياً ينبني الخوف المتفاقم في داخلها، وهو ينتقل إلى داخلنا بشكل غريب ومخيف، الفيلم ليس بطيئاً كما وصفه البعض، لأن صنّاعه قاموا ببناء التوتر في نفس البطلة، والقلق في داخل المتفرج بحنكة كبيرة، ما جعلنا ننتقل إلى داخل عقلها، ونتحرك بأحاسيسها، فنشعر بالوحدة والعزلة والانحدار الذي تسقط فيه، متسائلين عما هو حقيقي، وما هو غير حقيقي مما تعيشه!
ينتهي الفيلم نهاية مرعبة، يذكرنا بأجواء رواية 1984 لجورج أورويل، ويؤكد لنا أنه لا خلاص للإنسان المعاصر من براثن المدينة!
1052 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع