بقلم احمد فخري
قصة (العشق الجامح) - الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://algardenia.com/maqalat/64112-2024-07-13-16-12-54.html
رن الهاتف الجوال في الصباح الباكر بغرفة المحقق خليل فالتقطته زوجته وهزت كتفه لتوقظه وتعلمه بورود مكالمة. فتح عينيه بصعوبة وضغط عن طريق الخطأ على الزر الاحمر بدلاً من الزر الاخضر ليلغي الاتصال. لكنه سرعان ما استوعب ما فعل وعلم انه اغلق المكالمة بوجه مديره العميد حمود فقام بالاتصال به على عجالة ليسمعه يقول،
العميد حمود : لقد اتصلت بك قبل قليل فاغلقت الخط بوجهي، لماذا؟
المحقق خليل : اغلقته عن طريق الخطأ سيدي. انا اعتذر.
العميد حمود : لا عليك. اريدك ان تأتي فوراً فقد وقعت جريمة قتل مروعة، استدعيت الجميع واريدك ان تترأس التحقيق فيها.
المحقق خليل : حسناً سيدي، ساتي فوراَ الى المركز.
العميد حمود : لا تتأخر، ارجوك.
المحقق خليل : بالتأكيد سيدي مسافة الطريق.
انتفض خليل من سريره وذهب الى الحمام مباشرة ثم عاد بعد قليل وصار يرتدي ملابسه فسألته زوجته،
زوجته : الا تريد ان تتناول افطارك؟
المحقق خليل : كلا، يبدو ان هناك جريمة مروعة وقعت والعميد يطلب حضورنا جميعاً الى المركز.
خرج خليل من بيته وركب سيارته لينطلق بها الى مركز الشرطة. وفور دخوله المركز، اخبره احد عناصر الشرطة هناك ان العميد ينتظره بمكتبه فتوجه الى مكتب العميد. طرق الباب ودخل فرآه يتحدث بالهاتف. وقف امام منضدته بعض الوقت حتى انهى المكالمة ثم رفع رأسه وقال،
العميد حمود : حمداً لله لانك وصلت فاليوم وقعت جريمة بشعة هنا في بغداد الجديدة عند مدخل المنطقة بالقرب من محطة البانزين. قتل رجلٌ في عقده الخامس. تلقى عدة طعنات ثم قُطِعَ عضوه الذكري وترك ينزف حتى مات. اريدك ان تتوجه الى هناك لتحقق بالامر. لقد سبقك فريق البحث الجنائي.
المحقق خليل : سافعل سيدي. انا ذاهبٌ الآن.
خرج المحقق مباشرة واخذ معه عنصري شرطة تحسباً لكل الامور ليتوجهوا الى مكان الحادث.
دخل المبنى ذات الطابقين وصعد للطابق الاول فوجد الباب مفتوحاً واصوات حديث غير واضحة بداخل الشقة. دخل ليعرّف نفسه للعناصر الجدد من رجال البحث الجنائي الذين راحوا يؤدون عملهم في مسح الشقة بحثاً عن البصمات والادلة. تجول المحقق بغرف الشقة الواحدة تلو الاخرى وصار يسجل ملاحظاته التي يراها مريبة او عليها علامات استفهام ثم ينتظر الفريق كي يفرغ تماماً من جميع الادلة كي يبدأ العمل معهم بشكل متواز. وبعد ان جمع الفريق ما يمكن جمعه جائه احد العناصر وقال،
عنصر : لقد انتهينا من عملنا. سنعود الى مقرنا بعد ان تعاين انت الجثة.
المحقق خليل : هل تبين لكم وقت الوفاة؟
عنصر : ليس بالتحديد سيدي، ولكن استناداً الى درجة حرارة الجثة فعلى الاغلب وقعت الجريمة ما بين الساعة الثامنة من مساء الامس الى الساعة الرابعة من فجر اليوم. سنتمكن من تحديد الوقت بشكل ادق اثناء التشريح.
المحقق خليل : والطريقة؟
عنصر : لقد تلقى المجني عليه طعناً في الرقبة والظهر والصدر ثم قطع عضوه الذكري.
المحقق خليل : حسناً، اعانكم الله.
ازالوا الغطاء من على الجثة فتفحصها المحقق وهاله ما رأى من وحشية في تنفيذ الجريمة المروعة.
خرج الجميع من الشقة ما عدا المحقق خليل إذ بقي يتجول بداخل الشقة ويبحّر في كل شبر منها حتى امسك بصورة وضعت بداخل اطار معدني مرمية فوق السرير للمجني عليه مع عروس شابة فائقة الجمال. فتح الزجاجة من على الاطار واخرج الصورة فوجد العبارة التالية، (اول يوم من شهر العسل في شمال العراق. انا وحبيب عمري). تجول بداخل الشقة فوجد حقيبة جلدية تحتوي على مستندات كثيرة كان احدها عقد زواج كتب فيه،
اسم الزوج: عصام ماجد الياسر اسم الزوجة : نور القمر عبد الستار
أذاً زوجته التي بالصورة هي نور القمر. وبما ان المجني عليه متزوج من نور القمر. فيجب ان احقق معها قبل كل الاشخاص. رأى بعض الاورق مبعثرة هنا وهناك فعثر على عنوان عائلة نور القمر، سجله بدفتره الصغير وخرج من مسرح الجريمة فسأله احد العناصر الذين معه قال،
عنصر : هل تبين معك شيء سيدي؟
المحقق خليل : لا ليس بعد، ساخذك انت وزميلك الى المركز ثم اواصل التحقيق وحدي.
بعد ان اوصلهما المركز توجه الى بيت عائلة نور القمر وضغط على الجرس ففتحت له الخادمة. طلب ان يتحدث الى نور القمر فاخبرته بانها ليست موجودة بالدار وان والدها جالس وحيداً في غرفته. فطلب مقابلته. خرج له رب الاسرة ورحب به واجلسه في غرفة الاستقبال. بدأ المحقق حديثه إذ قال،
المحقق خليل : اليوم وقعت جريمة مروعة في منطقة بغداد الجديدة. وعثر هناك على جثمان نسيبكم عصام مقتولاً بداخل شقته.
عبد الستار : يا الهي، لا اصدق ذلك، مستحيل. لا حول ولا قوة الا بالله.
المحقق خليل : اجل هذا ما حصل.
عبد الستار : البارحة تحدثت معه في النهار. ولكن كيف حصل ذلك؟ ومن الذي قتله؟
المحقق خليل : لا نعلم بعد لكنني احقق بالأمر والتحقيق في بداية مراحله. أتعلم اين ابنتك نور القمر؟
عبد الستار : اجل، انها خرجت مع امها في الصباح الباكر. المسكينة ما زالت عروس فقد تزوجته قبل ستة اشهر فقط.
المحقق خليل : لماذا خرجت مع امها؟
عبد الستار : ذهبا سويةً الى شارع النهر لشراء ملابس للمولود الجديد، فابنتي حامل بشهرها الرابع. يا الهي سيولد الطفل يتيماً، ما هذه الكارثة الشنيعة؟ لا حول ولا قوة الا بالله. لا حول ولا قوة الا بالله.
المحقق خليل : متى تتوقع عودتهما؟
عبد الستار : اعتقد انهما سيعودان بعد قليل لان زوجتي قالت اننا سنتناول وجبة الغداء سوية.
احضرت الخادمة قدحين من القهوة فقدمت واحداً للمحقق والآخر لعبد الستار. فجلسا هنيهة حتى سأل المحقق،
المحقق خليل : هل للمجني عليه صلة قرابة بكم؟
عبد الستار : كلا، لكنه خال جنان صديقة ابنتي.
المحقق خليل : ومن هي جنان؟ وما اسمها الكامل؟
عبد الستار : اسمها جنان محمد الجنابي. صديقة ابنتي ورفيقتها المقربة منذ الطفولة.
المحقق خليل : متى تم الزواج؟
عبد الستار : قبل حوالي ست او سبعة اشهر كان في شهر تموز على ما اذكر.
المحقق خليل : هل كانت هناك مشاكل بين ابنتك وزوجها؟
عبد الستار : بالعكس. ابنتي احبته حباً جنونياً قبل الزواج ولا تزال مغرمة به بشكل لا يصدق. سيكون الخبر مدمراً لحبيبتي المسكينة عندما تعلم بخبر وفاته. يا الهي كيف ستتلقى الخبر؟
المحقق خليل : هل كان المجني عليه متزوجاً من امرأة اخرى؟
عبد الستار : كلا. زوجها كان فقط متزوجاً من نور القمر وهي حامل منه الآن. وامصيبتاه وا ويلتهاه ماذا ساقول لها!
علم المحقق خليل ان الاب يبدي مشاعر صادقة في حزنه على نسيبه الجديد لكنه لم يرغب باصدار الاحكام المسبقة لان ذلك احد الاسباب التي ترمي باي تحقيق نحو منحىً خاطئ. لذلك قرر ان ينتظر حتى يجري مقابلة مع زوجة المجني عليه.
وفي تلك الاثناء سُمِعَ باب المنزل ينفتح لتدخل منه نور القمر وامها حاملين اكياساً كثيرة بايديهم. ناداهما رب الاسرة وطلب منهما المجيء الى غرفة الاستقبال. دخلت نور القمر وهي تبتسم فرأت المحقق جالساً الى جانب والدها فعلمت ان الامر جدي لذلك توارت ابتسامتها ونظرت الى والدها لتسأله،
نور القمر : ماذا هناك يا ابي؟
وقف اباها واخذها بالاحضان وراح يطبطب على ظهرها ويقول،
الاب : البقاء لله يا حبيبتي. اعانك الله على بلائك؟
ابتعدت من اباها بحزم ونظرت بوجهه ثم سألت،
نور القمر : من الذي توفى يا ابي. هيا اخبرني بسرعة، من؟
الاب : انه زوجك عصام يا حبيبتي. لقد عثر عليه مغدوراً اليوم في شقتكم ببغداد الجديدة.
صرخت الام من بعيد وصارت تولول وتبكي ليخرق صوتها الآذان. لكن نور القمر ذهبت الى امها وقالت،
نور القمر : انتظري يا امي، لحظة واحدة، قد يكون الخبر كاذباً. لقد تركته بالامس سليماً ولم يكن يشكو من اي شيء. دعنا نعرف الحقيقة.
الاب : انها الحقيقة يا ابنتي هذا هو محقق الشرطة جاء ليخبرنا بوفاته ويريد ان يتحدث اليك.
نور القمر : وماذا يريد ان يقول يا ابي؟ هل سيهنئني على وفاته؟ هل سيعزيني ويقتلني بكلامه. لا لا لا. هذه كلها الاعيب الشرطة، انهم يريدون شيئاً آخراً لذلك يصدمونا بخبر كاذب كي يستفسروا منا عن امور أخرى. لا اصدق ذلك ابداً. لا لا مستحيل.
المحقق خليل : انا آسف يا اختي لكن الخبر صحيح. اتيت من الشقة قبل قليل وكان المكان يعج بعناصر الشرطة.
بأت نور القمر تلطم وجهها بشدة وتنفجر بالبكاء والعويل لتنظم الى امها وحتى الخادمة دخلت على الخط وصارت تبكي معهما.
الاب : ارجوك سيادة المحقق، ارحل الآن وتعال في يوم لاحق فكما ترى ان الوقت غير ملائم ولن تتمكن من الحديث الى احد بهذه الفاجعة.
أومأ المحقق برأسه وعزّاه في مصابه ثم خرج بكل هدوء من البيت دون ان يودعه احد. ركب سيارته وعاد بها الى المركز. وفور دخوله رأى آمر المركز حمود واقفاً بالخارج يملي توجيهاته لاحد العناصر. توقف فجأة عن الكلام والتفت الى المحقق ليقول،
آمر المركز : يجب ان تذهب الى عائلة الزوجة فوراً.
المحقق خليل : لقد عدت للتو من هناك سيدي.
آمر المركز : وكيف كانت ردة فعل الزوجة؟
المحقق خليل : لقد كانت في حالة يرثى لها سيدي.
آمر المركز : لكن هذا لا يعني انها ليست المشتبه به الوحيد بهذه الجريمة. وليس لدينا مشتبه آخر غيرها بالوقت الراهن.
المحقق خليل : هذا صحيح سيدي. لقد قمت بجمع بعض المعلومات من والد الزوجة وسوف اتابعها اليوم.
آمر المركز : اعانك الله. ابقني في الصورة عندما يستجد معك شيء. لكن مما هو مؤكد ان نوع الجريمة يشير الى زوجة او حبيبة او قريب للحبيبة لان بتر العضو الذكري يدل على ذلك. لكننا لم نعثر على العضو الذكري مع الجثة.
المحقق خليل : اجل هذا صحيح سيدي. يبدو ان القاتل تخلص منه. ***
رجع المحقق الى مكتبه وجلس قليلاً يتابع بعض الاوراق ويسجل ملاحظاته ويتابع التقارير التي امامه ثم يقوم برسم خطة التحقيق التي يقوم بها جميع المحققين للوصول الى المعلومات التي تساعدهم في عملهم. خرج من المركز بعدها ليركب سيارته ويتوجه بها الى بيت جنان صاحبة نور القمر. لكنه عندما اقترب من دارهم وجد اناس كثيرون يحيطون بالدار واصوات القرآن تصدر من مكبرات الصوت. علم انهم في حالة عزاء. يبدو ان والد نور القمر ابلغهم بوفاة عصام. فعلم ان حصوله على اي معلومات منهم سيكون امراً مستحيلاً بهذه الفترة لذا عاد ادراجه الى مكتبه وقرر الانتظار لبضعة ايام.
وبعد مرور اسبوع قرر اعادة الكرة والمحاولة من جديد على بيت جنان للحصول على افاداتهم. دخل البيت فوجد سيدة ترتدي ملابس سوداء وتمسك بيدها منديلاً ورقياً وقد احمر انفها ومحيط عينيها. وبما ان عمرها كان يشير الى اواخر الاربعينات فقد افترض ان تكون والدة جنان و انها اخت المجني عليه عصام. ولما سأل احدى الفتيات هناك عنها، اكدت له تأويلاته واخبرته انها ام جنان. اقترب منها وقال بصوت منخفض،
المحقق خليل : السلام عليكِ سيدة ام جنان. انا المحقق خليل من مركز شرطة بغداد الجديدة مكلف بالتحقيق في قضية اغتيال المجني عليه اخوكم المرحوم عصام.
اجابته بصوت حزين مهدج،
ام جنان : اهلاً اخي تفضل.
المحقق خليل : جئت قبل اسبوع لابدأ التحقيق لكنني وجدتكم بحالة حداد ولا يتحمل الوضع الاستجواب لذلك قررت ان انتظر حتى يمر اسبوع قبل ان اعود.
ام جنان : ماذا تريد ان تعرف؟
المحقق خليل : ماذا كان يعمل المرحوم؟
ام جنان : كان يعمل بالتجارة، يعني الاستيراد والتصدير. يسافر كثيراً الى دبي وعمّان يستورد البضائع من هناك واحياناً يصدّر اليهم التمور.
المحقق خليل : علمت انه تزوج مؤخراً.
ام جنان : اجل تزوج من صديقة ابنتي نور القمر قبل ستة اشهر. المسكينة هي حامل الآن.
المحقق خليل : هل كانت تسكن معه في شقته ببغداد الجديدة؟
ام جنان : اجل، انتقلت لتسكن معه في شقته بعد الزواج.
المحقق خليل : لكنها لم تكن في الشقة وقت وقوع الجريمة.
ام جنان : حسب ما علمت منها، انها كانت في بيت والدها، تستعد للمولود الجديد.
المحقق خليل : هل كان للمرحوم اعداء؟
ام جنان : لا، ابداً، كان يحب الناس والناس كلها تحبه.
المحقق خليل : هل بامكاني ان اتحدث الى نور القمر؟
ام جنان : لقد ضغطتُ عليها كي تنام قليلاً لانها محبطة نفسياً وانا اخاف على الجنين الذي في بطنها. لقد اخذتها ابنتي جنان قبل قليل وصعدا الى غرفتها.
المحقق خليل : الا يمكن ايقاضها؟
ام جنان : انتظر قليلاً، ساحاول ان ادخل عليها. قد تكون لا تزال صاحية.
ذهبت ام جنان الى غرفة ابنتها فرأت جنان ونور القمر يتحدثان فاخبرتهما بوجود المحقق. قالت نور القمر انها ستخرج اليه بعد قليل. رجعت ام جنان غرفة الاستقبال واخبرته بذلك.
وما هي الا عشر دقائق ودخلت الصديقتان نور القمر وجنان يرتديان ملابس سوداء فجلستا امام المحقق قال،
المحقق خليل : ارجو ان تتقبلي عزائي يا سيدة نور القمر.
نور القمر : شكراً لك حضرة المحقق. هل تبين معكم شيء بعد؟
المحقق خليل : لا، ليس بعد. التحقيق مازال جارياً ولكن ينقصنا الكثير من المعلومات.
نور القمر : تفضل اسأل فانا جاهزة.
المحقق خليل : هل سبق واخبرك المرحوم عن اي اعداء له؟
نور القمر : لا المرحوم لم يكن لديه اعداء. كان محبوباً من قبل الجميع.
المحقق خليل : هل كان لديه صديقات او عشيقات؟
نور القمر : بالتأكيد، اثناء فترة العزوبية. لكنه قاطعهم جميعاً بعد ان تعرف عليّ وتزوجني.
المحقق خليل : بلغني ان المرحوم كان يعمل بالتجارة ولكننا لم نتمكن من معرفة إن كان لديه مكتب في بغداد!
نور القمر : بالتأكيد لديه مكتب في بغداد، انه بمنطقة المنصور.
اخرج دفتراً صغيراً من جيب سترته وفتح ورقة فارغة ثم اعطاها لنور القمر مع قلم وقال،
المحقق خليل : الا كتبت لي عنوان المكتب رجاءاً.
نور القمر : بالتأكيد.
امسكت الدفتر بيدها وراحت تكتب العنوان. هنا عقب وقال،
المحقق خليل : الا كتبت لي عنوان مكتبه في دبي وعمًان كذلك؟
نور القمر : انا اعرف العنوان الذي في عمّان عن ظهر قلب لكنني لا اعرف العنوان بدبي بامكاني ان اجهزه لك وازودك به لاحقاً.
المحقق خليل : إذاً، اكتبي العنوان الذي في عمّان لو سمحتِ.
كتبت عنوان المكتب في عمّان وارجعت اليه الدفتر والقلم.
المحقق خليل : ارجو ان لا تتضايقي من السؤال التالي ولكن، يجب علي ان اسأله، هل اتصلت بك احدى صديقات او حبيبات زوجك السابقات اثناء فترة زواجكما.
نور القمر : لا لم يحصل ذلك.
المحقق خليل : هل انت متأكدة؟
هنا نظرت نور القمر بوجه المحقق ثم تكلمت معه بغضب وبصوت مرتفع قالت،
نور القمر : انــــــــــــــــت لست امرأة، ولو كنت امرأة لعلمت ان شيئاً من هذا القبيل يعتبر امر جلل ولا يمكن ان ينسى. كلا لم تتصل به اي ساقطة.
المحقق خليل : طيب، طيب لا تنفعلي ارجوك. انه مجرد سؤال روتيني.
صارت جنان تطبطب على كتفها وتقول،
جنان : اهدئي حبيبتي اهدئي، انه مجبر كي يسألك، لا تنفعلي.
نور القمر : انا الآن اريد ان اسألك يا محقق، هل تبين لكم شيء في التشريح او التحقيق الجنائي؟
المحقق خليل : بالتأكيد لدينا ادلة جنائية كثيرة لكنني بهذه المرحلة لا يمكنني ان اشاركك او اي احد بهذه الادلة. ربما لاحقاً عندما نمسك بالجاني فاننا سنزودك بها. وسنسمح لكم بدفن الجثمان.
جنان : إن كان ذلك كل ما تريد قوله حضرة المحقق فارجوك اتركها لانها لم تذق طعم النوم منذ فترة طويلة.
المحقق خليل : لدي سؤال اخير ومهم جداً. هل كان يزوركم احد في شقتكم؟
نور القمر : اجل، كانت تزورنا عائلة زوجي واصدقائه واقاربه واهلي طبعاً كانوا ايضاً يزورونا ولكن ليس بتردد كبير لاننا كنا عرسان جدد فيفضلون عدم ازعاجنا.
المحقق خليل : ارجو ان لا تتضايقي من سؤالي الاخير ولكن هل كنت تحبين زوجك؟
هنا تدخلت صديقتها جنان وقالت،
جنان : هل يعقل ذلك؟ كيف تسألها مثل هذا السؤال؟ انها كانت تحبه بجنون.
نور القمر : اجل كنت احبه كثيراً ولا اعلم كيف ساتمكن من مواصلة حياتي من بعده.
المحقق خليل : اعتقد انني انتهيت من الحديث معك والآن ارجو ان تأذني لي بالمغادرة.
نور القمر : تفضل حضرة المحقق. شكراً على المجيء. وتأكد انني مستعدة كي اساعدك باي معلومة تحتاجها بالمستقبل.
وقف المحقق وخرج من الغرفة فخرجت معه جنان حتى الباب وودعته ثم عادت الى صديقتها. رجع المحقق الى مركز الشرطة فدخل على مكتبه حمود آمر المركز وسأله،
الآمر : هل تم استجواب الزوجة يا خليل؟
المحقق خليل : اجل سيدي. لقد رجعت للتو من بيت اخت زوجها.
الآمر : هل تمكنت من معرفة اي شيء منها؟
المحقق خليل : لقد وجهت لها الكثير من الاسئلة المحرجة وجعلتها تكتب عنوان مكتب زوجها في بغداد وعمّان وقد كتبته بخط يدها.
الآمر : لكننا نعرف عنوان مكتب زوجها في بغداد وعمّان ودبي. الم تطلع عليه؟
المحقق خليل : اجل، اعلم ذلك سيدي. لكنني اردت ان احصل على عينة من خط يدها.
الآمر : لماذا؟
المحقق خليل : هل تسنى لك الاطلاع على تقرير الطب العدلي بعد اجراء التشريح؟
الآمر : اجل، لماذا؟
المحقق خليل : لان التقرير يشير الى ان الطعنات المميتة التي كانت على جسد المجني عليه بالزوايا التي اخترقت الصدر والظهر والرقبة كانت بيد شخص اشول. فاردت ان اعرف إن كانت زوجته اشولة.
الآمر : وماذا تبين لك؟
المحقق خليل : كتبت الزوجة امامي عنوان زوجها بيدها اليمين انظر.
اعطى الدفتر الى رئيسه فتفحص خطها وقال،
الآمر : خطها جميل جداً. اجل لديك الحق انها تستعمل اليمين ولا يمكن ان تكون هي الفاعلة.
المحقق خليل : كذلك علمت من شهادات الكثير انها كانت تحبه حباً جنونياً.
الآمر : كتابة العنوان بيدها اليمنى قد ازالها تماماً من قائمة المشتبه بهم لان طعنة الظهر والصدر تتطلب قوة شديدة لا يمكن للقاتل سوى استخدام اليد الاساسية كي يسدد طعنة قوية. والآن هل تمكنت من معرفة اي من عشيقات المجني عليه قبل الزواج، او بعده إن وجدوا؟
المحقق خليل : هناك قائمة كلفت بها رئيس عرفاء صليبي سيجلبها لي بعد قليل لاحقق بها الواحدة تلو الاخرى.
الآمر : عمل ممتاز، وفقك الله يا ابني.
خرج الآمر حمود من مكتب المحقق خليل فجلس المحقق ينتظر القائمة. جائته القائمة متأخرة بعد ظهر ذلك اليوم فوضعها فوق منضدته وقرر ان يبدأ التحقيق بها صباح اليوم التالي لانها طويلة وتحتوي على 18 اسماً. وفي اليوم التالي دخل مكتبه مبكراً فلم يجد القائمة. اصابه الذعر وخرج مسرعاً فجابهه رئيس عرفاء صليبي قال،
المحقق خليل : لقد اختفت القائمة من مكتبي.
رئيس عرفاء صليبي : سيدي انا دخلت مكتبك بعد خروجك بالامس واخذت قائمة اسماء العشيقات.
المحقق خليل : كيف تفعل ذلك من دون اذني؟ ولماذا اخذتها؟
رئيس عرفاء صليبي : لانني تعرفت على المزيد من العشيقات لذلك اخذت القائمة الاولى واضفت اليها اسماء اربعة فتيات اخريات.
المحقق خليل : وكم اصبح عددهن الاجمالي إذاً؟
رئيس عرفاء صليبي : انهن كثر سيدي، لحد الآن اكتشفنا 22 فتاة.
المحقق خليل : يبدو ان المرحوم كان لا يضيع وقته.
رئيس عرفاء صليبي : يبدو كذلك. انه كزانوڤا عصره.
المحقق خليل : وكيف تمكنت من الوصول اليهم جميعاً؟
رئيس عرفاء صليبي : ارسلت هاتف المجني عليه الى القسم التقني التابع لفريق البحث الجنائي فقاموا بكسر الشفرة والدخول على كل معارف المجني عليه ومن ضمنهم الفتيات.
سلمه القائمة الجديدة وخرج من المكتب. فجلس المحقق خليل وصار يقلب الاوراق التي تحتوي على اسماء الفتيات وعناوينهن وحرفهن. بعدها قرر ان يحقق بالفتايات الواحدة تلو الاخرى حسب التسلسل العددي. بدأ بالاسم الاول،
(1) زهراء حسين الشمري/ الكاظمية شارع المحيط رقم 14/ موظفة بمديرية التقاعد العامة.
وضع علامة X على الاسم وركب سيارته متوجهاً الى مدينة الكاظمية. وقف امام المنزل الذي تقطن فيه زهراء وضغط على الجرس. فتحت له سيدة خمسينية فعرّف نفسه إذ قال،
المحقق خليل : انا المحقق خليل ابراهيم من مركز شرطة بغداد الجديدة، ابحث عن زهراء حسين الشمري.
الوالدة : انا والدتها، تفضل، ماذا تريد منها؟
المحقق خليل : انا احقق بجريمة قتل. وورد اسم ابنتك اثناء التحقيق.
الوالدة : وبأي صفة ورد اسم ابنتي؟
المحقق خليل : لا استطيع البوح باي معلومات الا مع الشخص المعني بالامر.
الوالدة : ابنتي موظفة بمديرية...
قاطعها المحقق بقوله،
المحقق خليل : بمديرية التقاعد العامة اعلم ذلك.
الوالدة : إذاً تعال بعد الظهر في حوالي الثالثة وتحدث معها لانها ليست موجودة الآن.
المحقق خليل : شكراً يا اختي، ساعود بعد الظهر. نهارك سعيد.
ركب سيارته وتفحص القائمة من جديد فقرأ الاسم الثاني،
(2) فريدة حقي النعيمي / الاعظمية شارع العتيبي رقم 66 بالقرب من ساحة عنتر/ طالبة بكلية التربية الرياضية.
ابتسم بسريرته وقال، "كم انت منصف يا مرحوم عصام، كنت عادلاً بين الطوائف". قاد سيارته وعبر من جسر الائمة ليصل الى العنوان فخرجت له فتاة عشرينية رشيقة متوسطة الجمال، حياها وقال،
المحقق خليل : السلام عليكم، انا المحقق خليل ابراهيم من مركز شرطة بغداد الجديدة.
فريدة : تفضل اخي كيف استطيع مساعدتك؟
المحقق خليل : انا ابحث عن فريدة حقي النعيمي.
فريدة : انا هي، تفضل، ماذا تريد مني؟
المحقق خليل : اردت ان اعرف إن كان لديك صلة بالسيد عصام ماجد الياسر؟
ارتبكت لما سمعت الاسم فاقتربت منه وهمست باذنه قالت،
فريدة : ارجوك اخفض صوتك، اجل كنت اعرفه لكن علاقتنا انتهت قبل سنة ونصف. ارجوك انا مخطوبة الآن وساتزوج في ايلول القادم.
المحقق خليل : هل كانت هناك علاقة غرامية بينكما؟
فريدة : اجل لكنها لم تدم اكثر من بضع اسابيع فقط.
المحقق خليل : ولماذا انتهت العلاقة؟
فريدة : لانني اكتشفت انه انسان مراوغ ولا يريد ان يتزوجني. كان هدفه التسلية وحسب لانه اراد ان... اراد ان... أتفهم ما اقصد؟
المحقق خليل : اجل فهمت، فهمت. وهل انت مستعدة لان تدلي باقوالك في المركز؟
فريدة : ساحضر بنفسي واوقع على اقوالي ولكن ارجوك لا تعود الى بيتي من جديد فقد تسبب لي مشاكل لا تحمد عقباها.
المحقق خليل : تفضلي هذا هو عنوان المركز. ساعود الى هنا فقط إن لم تحضري الى المركز.
فريدة : ساحضر ساحضر لا تقلق والآن ارجوك اذهب بسرعة قبل ان يراك احد من اخوتي.
ركب سيارته وتوجه بها الى مطعم قريب ليتناول وجبة الغداء. وبعد ان راجع الاوراق التي بحوزته وشرب الشاي. نظر الى ساعة يده فوجدها تشير الى الثالثة ظهراً لذا دفع الحساب وعاد الى السيارة ليقودها عبر جسر الائمة متجهاً الى منطقة الكاظمية من جديد. ولما وصل بيت الفتاة الاولى بالقائمة (زهراء)، اوقف سيارته امام الباب وضغط على زر الجرس. فخرجت له فتاة عشرينية جميلة قالت،
زهراء : تفضل اخي ماذا تريد؟
المحقق خليل : انا المحقق خليل ابراهيم من مركز شرطة بغداد الجديدة، اريد التحدث الى زهراء حسين الشمري.
زهراء : اجل اخبرتني امي بحضورك اليوم في الصباح الباكر. ماذا تريد مني؟
المحقق خليل : بالحقيقة انا احقق بجريمة قتل، اردت ان اعرف إن كان لديك صلة بالسيد عصام ماجد الياسر؟
زهراء : ارجوك اخفض صوتك. نعم كان لدينا علاقة صداقة لفترة جداً قصيرة وانتهت بعد اسبوعين.
المحقق خليل : صداقة ها؟ ولماذا انتهت؟
زهراء : لان نواياه لم تكن شريفة. ارجوك لا تعود الى هنا ثانية.
المحقق خليل : وهل انتِ مستعدة كي تدلي باقوالك في المركز؟
زهراء : ساحضر بنفسي واوقع على اقوالي ولكن ارجوك لا تأتي الى هنا مرة ثانية.
المحقق خليل : تفضلي هذا هو عنوان المركز. ساعود واتي الى هنا فقط إن لم تحضري للتوقيع على اقوالك.
ركب سيارته وعاد بها الى مركز الشرطة. دخل مكتبه وصار يدون كل ما جرى له مع العشيقة رقم (1) والعشيقة رقم (2). وقرر الذهاب الى السيدية ليستجوب العشيقة رقم (3).
استمرت عملية الاستجواب تتكرر معه كل يوم ولمدة شهرين كاملين وهو يتنقل بين مناطق بغداد يستجوب الفتيّات ممن كنًّ ضحايا لذلك الرجل الداعر الذي كان يوزع اكاذيبه يمين شمال كي يتسلى بهن ويستغل سذاجتهن وعواطفهن. وفي النهاية تلقى عقوبته التي يستحقها بلا منازع. لكنه ليس بصدد اصدار الحكم على المجني عليه لان تلك هي مسؤولية المحكمة. يجب عليه التحقيق فقط للوصول الى الجاني الحقيقي وبذلك يؤدي دوره. وقبل ان يصل الى تسليم تقريره النهائي الى آمر المركز بخصوص العشيقات قرر ان يزور موقع الجريمة للمرة الاولى بعد المئة. ذهب شقة المجني عليه وتجول بداخلها طويلاً وصار يدقق بتأني في كل مليمتر بداخلها حتى لمح شيئاً ذهبياً صغيراً يلمع بالقرب من ساق السرير. انبطح ارضاً وعانى كثيراً حتى تمكن من سحبه وصار يتفحصه ويبحر فيه. فاتضح انه عقد ذهبي على هيئة ملاك وعليه حرف (س).
يا الهي، كم انا محظوظ. العقد عليه بقع دم. يجب ان اخذها الى المخبر الجنائي لاتحقق من تلك البقع فقد تكون الدليل الفاصل بالقضية. وضع العقد بكيس شفاف مخصص للادلة وانطلق باقصى سرعة الى المخبر الجنائي وطلب منهم ان يجروا فحص فصيلة الدم والحمض النووي للبقع على العقد ويقارنوها بالحمض النووي للمجني عليه باسرع وقت ممكن. ثم عاد الى مكتبه بالمركز وصار يقرأ اسماء العشيقات. فمن البديهي ان صاحبة هذا العقد لابد ان يبدأ اسمها بحرف السين.
بدأ يقرأ جميع الاسماء الـ 22 في القائمة، حتى تبين له ان اثنتين منهن تبدأ اسمائهن بحرف السين. الاوالى هي رقم 13 والثانية رقم 21.
(13) سيما فالح الكربولي الكرادة الشرقية شارع النضال رقم 66 بالقرب من ساحة الاندلس/ موظفة بمخزن لبيع الادوات الرياضية.
(21) سعاد عبد اللطيف سرسم زيونة شارع رقم 17 منزل رقم 106/17 طالبة بكلية الهندسة (متوفاة قبل سنة).
وبما ان الاخيرة ماتت بحادث سير فإن المرشحة الوحيدة تكون صاحبة الحظ السعيد رقم 13 هي سيما فالح الكربولي. سازورها فور حصولي على تقرير فحص الدم على القلادة.
بقي ينتظر اربعة ايام حتى جائته مكالمة من المخبر الجنائي ليخبروه انهم انتهوا من تحليل بقع الدم التي وجدت على القلادة وهي (لا) تنطبق مع المجني عليه عصام. كذلك اخبروه ان الدم كان مخلوطاً بمادة الفركتوز. فسألهم عن خواص مادة الفركتوز فاخبروه انه من انواع السكر الموجود في الفواكه. فشكرهم واغلق الخط. هنا استشف مما تقدم ان بقعة الدم تعود للقاتلة. بدأ يحلل الامور ويقول مع نفسه، إذا تأكدت الآن من ان سيما هي التي قتلت عصام فهذا هو السيناريو المحتمل للجريمة: جائته سيما الى الشقة مساءاً اثناء غياب زوجته نور القمر التي ذهبت الى بيت والدها. قام عصام بمضاجعتها لانه لا يضيع فرصة مثل هذه ابداً. وبعد ان اكملا العملية االجنسية، قدم لها بعض الفواكه. بعد ذلك، اما : 1) قام باخبارها بنفسه عن زواجه من نور القمر او 2) انها اكتشفت زواجه من خلال اكتشافها لبعض من حاجياتها وملابسها بغرفة النوم لذلك تلبسها الغضب والغيرة فقامت بطعنه وقطع عضوه الذكري. واثناء مقاومتها له سقط العقد الذهبية. لذا عندما هربت من المكان كانت مرتبكة ولم تفكر في البحث عن العقد. وبناءاً على ذلك فلدي مهمة التحدث اليها والتأكد من شيئين: الاول هو انها اشولة والثاني ان آخذ عينة من دمها لاطابقها مع نقاط الدم على السلسلة وهكذا ساتمكن من الامساك بالدليل القاطع الذي يدين سيما في قتل عصام. ركب المحقق خليل سيارته وتوجه بها الى شارع النضال. اوقف سيارته بمكان غير مسموح الوقوف فيه وتوجه الى محل بيع الادوات الرياضية فرأى سيما تَصُفُّ بعض مضارب التنس على رفوف العرض الامامية. فحياها وقال لها،
المحقق خليل : جئت يا سيما كي اتحدث اليك.
سيما : ارجوك غادر المحل. لقد سبق لك واستجوبتني قبل شهرين فاعطيتك كل المعلومات التي اعرفها عن عصام. انت تُعَرّض سمعتي ووظيفتي للخطر. لو علم بك مديري فلسوف يطردني من شغلي.
المحقق خليل : لدي سؤالين فقط اردت منك ان تجيبي عنهما.
سيما : ارجوك اسأل أسئلتك وانصرف بسرعة قبل عودته.
المحقق خليل : اولاً اريد منك ان تكتبي اسمك الكامل وتاريخ ميلادك وتوقيعك على دفتري هذا.
سيما : لكني كتبت لك اسمي وعنواني وتوقيعي قبل شهرين.
المحقق خليل : وانا اريدك ان تكتبيه من جديد.
سيما : ماذا ولو رفضت؟
المحقق خليل : ببساطة، لو رفضت ذلك فسوف اعود اليك بمذكرة اعتقال موقعة من المدعي العام واخذك معي الى المركز رغماً عن انفك كي تكتبي هذه المعلومات هناك في المركز.
سيما : اعطني دفترك إذاً ودعني انتهي من تلك المصيبة.
امسكت بالدفتر وكتبت بيدها المعلومات التي طلبها منها. لاحظ انها تكتب بيدها اليسرى لذلك قرر ان يطلب منها عينة من دمها قال،
المحقق خليل : واليوم ستأتين الى مركز شرطة بغداد الجديدة بعد ان ينتهي عملك كي تسلمينا عينة من دمك.
سيما : لماذا؟ هل تشك بي يا سيد خليل؟
المحقق خليل : انها اجراءات روتينية قمت بها مع جميع عشيقات عصام.
سيما : حسناً لكنني ساخرج من عملي مع الساعة السادسة مساءاً لذلك ساصل مركز الشرطة حوالي السادسة والنصف.
المحقق خليل : هذا لا يهم. تعالي بعد انتهاء عملك وساكون في انتظارك.
سيما : والآن ارجوك غادر المحل بسرعة.
خرج خليل من المحل فقابله رجل خمسيني يهم بدخول المحل توقع ان يكون المدير او صاحب المحل. ركب سيارته ورجع مباشرة الى المركز فدخل مكتبه وصار يقارن خط سيما في التحقيق الاولي قبل شهرين مع خطها الذي حصل عليه اليوم فوجده مطابقاً مئة بالمئة. فوضع الادلة بداخل ملف القضية. وبتلك اللحظة دخل عليه آمر المركز وسأله،
الآمر : اين وصل التحقيق معك يا خليل؟
المحقق خليل : انا على وشك احراز تقدم كبير جداً اليوم سيدي.
الآمر : كيف ذلك، بشّرني؟
صار خليل يحدث رئيسه عن القلادة الذهبية التي عثر عليها في غرفة نوم المجني عليه وعن بقع الدم التي غمرتها وعن عدم تطابقها مع دم المجني عليه وكيف بحث عن عشيقتين اسمائهما تبدأ بحرف السين وكيف طلب من سيما الحضور الى المركز كي يأخذ عينة من دمها. فقال له الآمر،
الآمر : اهنئك من كل قلبي ايها المحقق. فلقد احرزت تقدماً كبيراً في الوصول للجاني. اريد ان اراقب استجوابك لسيما عندما تأتي اليوم.
المحقق خليل : لا سيدي، سوف لن استجوبها اليوم. ساستجوبها فقط بعد ان احصل على نتيجة المختبر. فاذا تطابق دمها بتلك البقعتين على القلادة، سنكون قد دخلنا المراحل الاخيرة من القضية. وقتها ساستجوبها بقلب من حديد واوجه التهمة اليها.
الآمر : عفاك يا محقق. ساخبر المدعي العام السيد جلال بتلك المعلومات. اعانك الله.
خرج الآمر من مكتب خليل فجلس المحقق يتدارس ملف القضية من البداية وحتى النهاية عسى ان يصل الى استنتاجات جديدة. وفي الساعة السادسة والثلث مسائاً طرق احدهم الباب على المحقق خليل فاذن بالدخول ليرى سيما تقول،
سيما: اسفة على التأخير سيادة المحقق.
المحقق خليل : لا عليك يا آنسة سيما تفضلي واجلسي.
رفع سماعة الهاتف واتصل بمندوب البحث الجنائي طالباً منه الحضور. وما هي الا دقائق وطرق المندوب سرمد على باب المكتب ودخل وصار يأخذ عينة من دم سيما وبصمة اصابعها ثم قام بوضع عصا الـ (سواب) القطنية بفمها وادخلها داخل انبوب زجاجي ثم قال،
مندوب البحث الجنائي : لقد انتهيت سيدي.
المحقق خليل : شكراً لك عزيزي سرمد.
خرج مندوب البحث الجنائي من مكتب المحقق خليل فنظر الى سيما وقال،
المحقق خليل : انسة سيما، بامكانك الذهاب الآن. ساتصل بك إن احتجت اليك ثانية.
سيما : اتمنى ان لا تحتاج الي ثانية. فاهلي لا يعلمون بعلاقتي بالمرحوم عصام.
المحقق خليل : وهل لازلت تترحمين عليه؟
سيما : بالتأكيد انه كان كل شي بحياتي.
المحقق خليل : كم انتن غبيات. هيا اخرجي.
خرجت سيما من مكتبه وقام باغلاق باب مكتبه ثم عاد الى منزله. وبعد يومين اتصل به سرمد مندوب البحث الجنائي وقال له بان دم سيما يتطابق 100% مع بقعتي الدم التي على القلادة. وهذا يعني ان الدم هو دم سيما بدون شك. وقف المحقق خليل وتوجه الى مديرية الادعاء العام وقدم الملف كاملاً للمدعي العام كي يحصل منه على مذكرة اعتقال. ولما سلمه المذكرة توجه بها الى محل عمل سيما بشارع النضال فوجدها تكنس ارضية المحل بينما جلس صاحب المحل على كرسي يُسَبّحُ بسبحة في يده ويراقبها من بعيد وينظر الى مؤخرتها بكل وقاحة. رفع رأسه ونظر الى شارته وقال،
صاحب المحل : تفضل حضرة الضابط، ما المشكلة هذه المرة؟
المحقق خليل : لدي امر بالقاء القبض على سيما فالح الكربولي.
صاحب المحل : ما هي التهمة؟
المحقق خليل : القتل العمد.
اقترب المحقق من سيما وقال لها،
المحقق خليل : سيما فالح الكربولي انت متهمة بقتل السيد عصام ماجد الياسر مع سبق الاصرار والترصد. لذلك اي شيء تقولينه سيستعمل ضدك في المحكمة. بامكانك توكيل محام عنك وإن لم تستطيعي توكيل محامي فستقوم المحكمة بتكليف محامي للدفاع عنك. هل لديك اي اقوال؟
سيما : كلا.
وضع الاصفاد على معصميها من وراء ظهرها واخرجها من المحل وهي تبكي لان مديرها اخبرها بانها مفصولة. رجع بها الى المركز مع مجموعة العناصر التي جائت معه فوقف العميد حمود الجبوري آمر المركز امامه وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه لانه علم ان المحقق خليل تمكن اخيراً من طرق المسمار على رأسه وامسك بالجاني.
أُدخِلَتْ المتهمة سيما غرفة التحقيق فدخل عليها خليل وقال،
المحقق خليل : هل لديك اي تصريح قبل ان ابدأ التحقيق معك يا سيما؟
سيما : اجل، انا بريئة، وانت ترتكب خطأ فادحاً لانني لم اقتل عصام. وكيف اقتل الشخص الذي وهبته عمري وحبي وضحيت بشرفي من اجله؟
المحقق خليل : حسناً لقد سجلت تصريحك وسوف اخذه بنظر الاعتبار. والآن اخبريني بصراحة تامة، ماذا حصل بتلك الليلة؟ دعيني احذرك من الكذب لانك إن تحدثت بكل صدق فسيكون ذلك من صالحك.
سيما : انا اعترف انني ذهبت معه بالليلة التي قتل فيها ومارست معه الجنس على سريره. وبعد ان اكملنا العملية جلست على السرير وانا اتحدث معه فاحضر لي بعض الفواكه لانني اخبرته بانني اشعر بالقليل من الجوع. قمت بتناول برتقالة ولما باشرت بقضم تفاحة قال انه سيذهب للحمام كي يغتسل. وبغيابه عن غرفة النوم بدأت اتجول بفضولي المعتاد بالغرفة ففتحت احدى الجرارات التي الى جانب السرير لارى صورة مغلفة باطار خشبي انيق تقف فيها عروس وعريسها. تمعنت بشكل العريس واذا به حبيبي عصام. علمت وقتها انه متزوج فعلاً وانه يضاجعني لغرض التسلية فقط وليس لديه اي نية للزواج مني. شعرت وقتها انني اشبه العَجَلَة الاحتياطية في السيارة. يستعملها وقت الحاجة فقط. تملكني غضب كبير فارتديت ملابسي وانتظرته كي يخرج من الحمام لاواجهه بما اكتشفت للتو. وعندما رجع من الحمام وهو عارِ تماماً قال لي، "لماذا ارتديت ملابسك؟ الا تريدين ان نقوم بجولة ثانية؟". لكنني صرخت بوجهه بغضب كبير واخبرته بالصورة التي اكتشفتها في الجرار. صار يضحك الحقير بصوت عالي ويقول، "وما الضير في ذلك؟ هي زوجتي وانت عشيقتي". بصقت بوجهه وهممت بالخروج من الغرفة لكنه امسك بيدي وسحبني اليه. دفعته الى الخلف ففقد توازنه وهوى على السرير على ظهره. استغليت ذلك وهربت من الغرفة متوجهة الى خارج الشقة فاطلقت العنان لساقي كي اهرب الى الشارع واستقل سيارة اجرة لاختفي من هناك. وهذا كل ما حصل.
المحقق خليل : عندما قشرت البرتقالة، هل انجرحت يداك؟
سيما : اجل انجرح اصبعي جرحاً طفيفاً ونزف منه القليل من الدم لكنه لم يعنيني كثيراً.
هنا اخرج العُقْد وعرضه عليها وقال،
المحقق خليل : هل سبق لك ان رأيت هذا العُقْد؟
سيما : اجل انه عُقْدي. لقد اختفى بعد تلك الليلة المشؤومة. ربما سقط مني عندما كان عصام يحاول منعي من الخروج.
المحقق خليل : دعك من العقد الآن واجيبيني. الطعنات التي على عنق المجني عليه وصدره تشير الى ان القاتل اشول. وانت ايضاً شولاء فقد تأكدت من ذلك عندما كتبت اسمك الكامل وتاريخ ميلادك وتوقيعك على دفتري. فقد استعملتِ يدكِ اليسرى.
سيما : انا لن اتحدث معك بعد الآن لاني اريد محامي.
المحقق خليل : حسناً آنسة سيما. سنبقيك في التوقيف حتى يحضر المحامي.
سيما : اريد الاتصال بوالدي كي يؤمّن لي محامياً.
المحقق خليل : حسناً تفضلي الى مكتبي، لتتصلي به.
وبعد ان اكملت المكالمة مع والدها قالت،
سيما : سيأتي ابي بمحامي بعد ظهر اليوم.
المحقق خليل : طيب آنسة سيما. سابقيك الآن في زنزانة حتى يأتي.
خرج المحقق فرأى الآمر يقف امامه وهو يبتسم قال،
الآمر : لقد ابدعت يا خليل. انا فخور بك.
المحقق خليل : شكراً لك سيدي.
الآمر : ما هي خطوتك التالية؟
المحقق خليل : ساجري التحقيق معها بحضور المحامي وسوف نواصل التحقيق من كل الجوانب حتى نحصل على اعتراف كامل منها.
الآمر : طيب ابني خليل. واصل عملك، وفقك الله.
<<<<<<<<<<
بالفترة التي تلت ولمدة اسبوع كامل واصل المحقق خليل استجوابه لسيما بحضور محاميها محاولاً الدفع بها الاعتراف لكنها كانت مصرة على برائتها من دم عصام. لذلك شعر انه وصل الى طريق مزدود، خصوصاً وانه لم يعثر على اداة الجريمة بعد وهي في غاية الاهمية بالقضايا التي من هذا النوع. لذلك قرر ان يخلي سبيلها ويبدأ التحقيق من جديد وراء خلفية نور القمر بالرغم من علمه الراسخ انها لا يمكن ان تكون القاتلة لانها يمينية بدليل كتابتها المعلومات امام عينه بخط جميل. لكنه قرر ان يذهب الى مدرستها الثانوية ويحاول التحدث الى اكبر عدد ممكن من الطالبات والمدرسات. دخل المدرسة وتوجه الى غرفة المديرة. جلس بمكتبها وحدثها بنيته استجواب الطالبات والمدرسات فوافقت المديرة واخبرته ان بامكانه البدء بالست جستين مدرسة اللغة الانكليزية لان لديها فراغ وهي متواجدة حالياً بغرفة المدرسات، تُصَلّح كراريس الطالبات فشكر المديرة وانتقل الى غرفة المدرسات ليطرق الباب فاذنت له الست جستين وقالت،
جستين : تفضل حضرة المحقق ابراهيم.
خليل : اسمي المحقق خليل.
جستين : انا اسفة لقد نسيت اسمك منذ آخر مرة تحدثنا فيها. والآن، كيف استطيع ان اخدمك؟
خليل : انا بدأت ارتطم بجدار كونكريتي في تحقيقاتي بالجريمة خصوصاً واننا لم نتمكن من الحصول على اداة الجريمة. لذلك قررت ان امحو كل شيء وابدأ من جديد اي من النقطة صفر. لذلك ارجو ان توسعي صدرك معي كي نبدأ بالتحدث عن القضية.
جستين : انا ساكون تحت رهن اشارتك بعد حوالي 5 دقائق فقط. دعني اكمل ما تبقى لي من الدفاتر بينما تتناول القهوة.
ضغطت على الجرس فدخلت الفراشة رسمية وطلبت منها قهوة للمحقق خليل. وبعد حوالي ربع ساعة اكملت تصحيح آخر دفتر وقالت،
جستين : سامحني استاذ خليل، تأخرت عليك.
خليل : هذا لا يهم. والآن اخبريني ست، ما هي معلوماتك عن نور القمر؟
جستين : بالحقيقة نور القمر طالبة مجتهدة طيبة تحبها جميع المدرسات وانا منهم. لكننا نعاني كثيراً من قربها الشديد من الطالبة جنان التي تتحدث معها كثيراً اثناء الحصة لذلك اضطررنا ان نفرقهما عن بعضهما البعض، لتجلس جنان بآخر الصف بينما اجلسنا نور القمر باول رحلة.
خليل : انت تعلمين ان جنان هي ابنة اخت المجني عليه اليس كذلك؟
جستين : اجل، اجل، اعرف ذلك، فالمرحوم يكون خالها.
خليل : الم تصادفكم اي مشاكل او اي احداث في السابق مع نور القمر او صاحبتها المقربة جنان؟
جستين : لا ابداً. فقط... لا، لا، ذلك غير مهم.
خليل : ارجوك اخبريني إن كان هناك اي شيء فوق العادة حتى لو كنت تعتقدين انه امراً تافهاً وغير مهم.
جستين : بالواقع، في العام الماضي عندما بدأت نور القمر الصف الخامس وقع لها حادث عندما كانت تمارس القفز من فوق الحصان الخشبي اثناء حصة الرياضة. وعلى اثرها جزعت يدها من منطقة المعصم فاردتُ ان اعفيها من امتحان تحريري باللغة الانكليزية لكنها اصرت ان تخوض الامتحان فادت اداءاً ممتازاً لانها استعملت يدها الثانية.
خليل : ارجوك ركزي معي سيدتي، اي يد انجزعت واي يد ادت الامتحان بها؟
جستين : انجزعت يدها اليمنى اجل اليمنى لكنها اجتازت الامتحان باستعمالها يدها اليسرى. اي اليد التي الى جانب الحائط انا اذكر ذلك جيداً.
خليل : ولكن كيف حصل ذلك؟
جستين : لانها Ambidextral.
خليل : لم افهمك ست جستين، ماذا تعنين بهذا المصطلح؟
جستين : أعني انها تستطيع ان تكتب بيدها اليسرى بنفس الجودة وبنفس الخط الذي تكتب فيه بيدها اليمنى.
خليل : يا الهي. لم يخطر ذلك ببالي ابداً.
جستين : لماذا؟ هل تعتقد انها هي من ارتكب الجريمة؟
خليل : لا ليس بالضرورة لكنني لم اكن احسب حساب ذلك الامر ابداً.
جستين : المهم انك تمسك بالفاعل كي تتمكن الطالبات من مواصلة دراستهن بدون ارتباك او تشنج.
خليل : بالتأكيد ست جستين. انا شاكر لافضالك. سارحل الآن، وداعاً.
جستين : لكنك لم تشرب قهوتك.
خليل : ساشربها بمناسبة اخرى، وداعاً سيدتي.
خرج المحقق خليل من المدرسة لينطلق بسيارته الى بيت ام جنان حتى يتمكن من مواجهة نور القمر بالمعلومة التي حصل عليها اليوم لكنه علم من ام جنان، ان نور القمر عادت الى بيت اهلها بعد فترة الحداد. فركب سيارته من جديد وذهب الى المدعي العام ليخبره بما علم فاعطاه امراً باحضار نور القمر للاستجواب. اخذ رجلان من عناصر الشرطة وذهب بهما الى بيت نور القمر فاستقبله والدها وسأله،
الوالد : هل وجدتم القاتل حضرة المحقق؟
خليل : كلا ولكنني قريباً جداً من فعل ذلك. هل بامكاني ان اسأل نور القمر بعض الاسئلة لو سمحت؟
الوالد : اجل، اجل بالتأكيد، انها في غرفتها بالطابق العلوي. سانادي عليها. لحظة واحدة لو سمحت.
خرج والدها ثم بعد قليل دخلت نور القمر وقالت،
نور القمر : سيد خليل، ماذا جاء بك اليوم؟
خليل : اريدك ان تأتي معي الى المركز. لقد استجدت معنا بعض الامور اثر التحقيق بخصوص مقتل زوجك ونريد ان نسألك بعض الاسئلة المهمة.
نور القمر : امنحني ربع ساعة فقط حتى ارتدي ملابسي وساعود اليك بعد قليل.
خليل : تفضلي.
رجعت نور القمر وهي ترتدي بدلة سوداء انيقة فقالت للمحقق، "هيا بنا". خرج الاثنان وركبا سيارة المحقق فرأت العنصرين يجلسان بالكرسي الخلفي للسيارة. توجه خليل بسيارته الى مركز شرطة بغداد الجديدة. دخل الجميع المبنى فاقتادها المحقق الى غرفة التحقيق لتدخل هناك وطلب منها الجلوس خلف الطاولة الحديدية. وبدأ حديثه بقوله،
خليل : السيدة نور اردتُ توضيحاً بخصوص الليلة التي وقعت فيها الجريمة. باي ساعة بالتحديد ذهبت الى بيت والدك اقصد بيت العائلة ولماذا؟
نور القمر : كان ذلك في المساء، اعتقد انها كانت الساعة السادسة او السابعة ليلاً.
خليل : هل كانت 6 ام 7؟ رجاءاً تذكري.
نور القمر : بالحقيقة لا اذكر.
خليل : هل لديك اي شك باي شخص ممكن ان يكنّ لزوجك الحقد الكافي فيقتله. وهنا اقصد اي تاجر قد افلس من جراء تعامله مع زوجك او شيء من هذا القبيل؟
نور القمر : لا ليس لي علم باي احد يريد قتله فقد كان انساناً مثالياً في التعامل وطيباً لابعد الحدود.
خليل : سامحيني على هذا السؤال سيدتي ولكن، هل كان لزوجك عشيقات؟
نور القمر : اتقصد قبل الزواج ام بعد الزواج؟
خليل : بكلتا الحالتين.
نور القمر : قبل الزواج كانت لديه بعض العشيقات لكنه تخلى عنهن جميعاً بعد ان احبني وتزوجني.
خليل : هل انت متأكدة انه لم يحتفظ باي واحدة منهن الى ما بعد الزواج.
نور القمر : لا طبعاً، كان زوجي مخلصاً للغاية.
هنا لاحظ المحقق انزعاجها من ذلك الموضوع فاراد ان يضرب على نفس الوتر. لذا قرر ان يدس كذبة يثيرها بها كي يلاحظ ردة فعلها قال،
خليل : لدينا معلومة تقول انه كان يتقابل مع فتيات جميلات في الاوقات التي كان فيها بعيداً عنك. هل لديك اي علم بذلك؟
لاحظ انها ارتبكت وصارت تتلعثم وتحول لون وجهها الى الصفرة والشحوب. قالت،
نور القمر : هذا... هذا... هذا ليس خطأ اقصد هذا ليس صحيحاً بل هو خطأ فادح. زوجي كان مخلصاً لآخر لحظة من حياته.
خليل : انت تعلمين انه كان يخونك. اليس كذلك؟
نور القمر : انا لم اكن... اقصد انا متأكدة من انه لم يكن يخونني.
خليل : لقد قلتِ (لم اكن)؟ ربما كنت تريدين ان تقولي لم اكن اعرف بخيانته حتى يوم الجريمة. اليس كذلك؟
نور القمر : سيادة المحقق، ارجوك توقف، انت تتصيد بالماء العكر وتحاول ان تضع الكلام بفمي. انا لا افهم الاعيبك ولا اريد ان العب بنفس لعبتك وعلى نفس الوتيرة. انت تحاول دس بعض الاكاذيب كي تصل الى مآربك.
خليل : هل قلت اكاذيب؟ إذاً دعيني اسألك عن تقرير الطبيب الشرعي. لقد اخبرناك بشكل رسمي ان الذي قام بقتله هو شخص اشول فاستعمل يده اليسرى لطعن المجني عليه. وتلك المعلومة توصل اليها الطبيب الشرعي الذي شرح جثته وتبين من خلال زاوية دخول السكين في جسد المجني عليه على ان الجاني اشول.
نور القمر : اجل انت ذكرت ذلك باكثر من مناسبة. هل عثرت على الجاني إذاً؟
خليل : اجل عثرت عليه. الجاني هو انت. انت التي قتلت زوجك يا نور القمر.
بقيت نور القمر صامتة لاكثر من دقيقة وهي تنظر بوجه المحقق ثم نطقت اخيراً وقالت،
نور القمر : انت فعلاً مضحك سيادة المحقق. كيف تقول ذلك وانت تعلم انني لست بشولاء بل اكتب بيدي اليمنى؟
خليل : لكنني عرفت سرك من مدرستك. اخبرتني الست جستين عن اليوم الذي وقع لك حادث في المدرسة وانت تقفزين على حصان الرياضة الخشبي وانجزعت يدك اليمنى. فارادوا ان يحرموك من الامتحان لكنك رفضت واصريت تادية الامتحان بيدك اليسرى وبخطك الاعتيادي.
قالها وهو يتفحص وجهها من اي انفعالات او ردود افعال. فبدأ وجهها يتحول الى الشحوب من جديد وارادت ان تخفي ردة فعلها وارتباكها فقامت باستدارة رأسها بعيداً عن بحلقة المحقق لكنه امسك بحنكها وادار رأسها نحوه كي يحدق في عينها مباشرة وجعل المسافة بين وجهها ووجهه مجرد سنتمترات قليلة قال بصوت مرتفع مزلزلة سمع صداه في كل غرف ومكاتب المركز،
خليل : اللعبــــــــــــــــــة انتهت يا نور القمر. عرفنا سرك وعلمنا كل شيء عنك. الآن لدينا الادلة الكافية لتقديم القضية الى المحكمة. انت التي قتلت زوجك بعد ان اكتشفتِ خيانته فقمت بقتله بالسكين. اعترفي هيا اعترفي. لقد خانك امام عينك فقتلتيه. قولي الحق.
لم ترد عليه بل واصلت بَحْلَقَتها في وجهه محاولة ان تمنع انهيارها كلياً لكنها لم تصمد اكثر فصرخت باعلى صوتها وهي تبكي بدموع غزيرة،
نور القمر : اجــــــــــــــــل. قتلته وارتحت من شر ذلك الخائن الغدار المخادع القذر الحقير الداعر. ولو علمت انه عاد للحياة لذهبت وقتلته ثانية وثالثة حتى اخلص من خنزير مثله. لقد سئمت تمثيل دور الزوجة المحبة المطيعة. نعم انا قتلته. هل ارتحت الآن يا محقق؟ قتلته قتلته قتلته.
خليل : انا آسف جداً. اعلم انك عانيت كثيراً من خيانته ولكن، الا شرحت لي كيف فعلت ذلك. اريد منك التفاصيل ارجوك.
ابعدت وجهها وصارت تحدق بالحائط ثانية وبقيت صامتة لاكثر من خمس دقائق ثم بدأت تتحدث بصوت مهدج مجروح محمل بالحزن والاسى قالت،
نور القمر : في تلك الليلة كنت جالسة بشقتنا فاتصلت بزوجي في مكتبه بحدود الساعة السادسة او السابعة مساءاً لاخبره انني ساذهب الى بيت والدي لانام هناك ثم اذهب مع والدتي في اليوم التالي للتسوق من شارع النهر. اخبرني عصام بانه سيعود من المكتب لاحقاً الى الشقة وانه سينام مبكراً بسبب تعبه المتواصل. فتحت الدولاب كي اخرج بدلة نومي الجديدة التي اقتنيتها مؤخراً حتى اخذها معي لبيت ابي لانها فضفاضة والتي اخترتها بسبب زيادة حجم بطني. لكنني اكتشفت ان بطاقة العلامة التجارية لا تزال مرتبطة ببدلة النوم بخيط بلاستيكي قوي. حاولت قطعه بيدي فلم ينقطع ثم حاولت قضمه باسناني لكنه كان عنيداً جداً وابى ان ينقطع. ذهبت الى المطبخ واخرجت سكيناً حاداً متوسط الحجم رجعت به لغرفة النوم لاقطع الخيط البلاستيكي الذي يربط البطاقة بالعلامة التجارية. وبعد قطع الخيط رميت البطاقة في صفيحة القمامة ثم وضعت بدلة النوم في الكيس البلاستيكي كي اخذه معي الى بيت الوالد والسكين كان ما زال بيدي.
خليل : وماذا حصل بعد ذلك.
نور القمر : نظرت الى السرير فوجدته غير منتظم، لذلك وضعت السكين في خزانة الملابس مؤقتاً لارجعه للمطبخ فيما بعد وقررت ان ارتب السرير كي يتمكن عصام من النوم عليه بشكل هانيء لانه قال انه كان متعباً ويرغب ان ينام مبكراً تلك الليلة. وبعد ان رتبت السرير امسكت بالكيس وهممت بالخروج لكنني سمعت خطوات اقدام زوجي وهو يصعد السلم ففرحت كثيراً لانني ساتمكن من رؤيته وتقبيله قبل ان اغادر الشقة. وفي تلك اللحظة خطرت لي فكرة مفاجأته وذلك بان ارجع الى غرفة النوم واختبئ بداخل الدولاب دون حراك، وعندما يدخل غرفة النوم اخرج له وافاجئه فيبتسم لامطره قبلاً وربما نمارس الجنس قبل ان ارحل الى بيت ابي.
خليل : لماذا اختبئت في الدولاب؟
نور القمر : لانه قال انه متعب وانه سينام مبكراً ولم يتوقع وجودي بالشقة لذلك قررت ان افاجئه وارى الفرحة في عينيه عندما يراني. المهم دخلت الدولاب واغلقت الباب خلفي لكن باب الدولاب لم ينغلق تماماً وبقي فيه شق صغير يدخل منه الضوء. من مكاني بداخل الدولاب سمعته يفتح باب الشقة ثم سمعته يتحدث مع شخص آخر كان معه. وبما انه لم يخبرني عن اي زائر معه قررت البقاء هادئة بداخل الدولاب اترصده لارى ماذا سيحصل. بعد قليل تبين من نبرة صوت المرافق انها امرأة. كانت تلك صدمة كبيرة لي كادت تجعلني افقد وعيي لكنني تماسكت نفسي وبقيت بمكاني. وبلحظة، سمعته يدخل غرفة النوم مع تلك الفاجرة ويبدأ بتقبيلها. اردت ان اخرج اليه بتلك اللحظة وادس السكين الذي بجانبي في صدره لكنني تريثت واردت ان ارى كل شيء بوضوح حتى لا الوم نفسي فيما بعد.
خليل : ماذا حصل بعد ذلك؟
نور القمر : بعد ذلك صار يزيل ملابسها وتزيل هي ملابسه حتى اصبحا عرايا فدفعها كمداعبة نحو السرير وصار يضاجعها ويكلمها بنفس الكلمات المنمقة التي كان يكلمني فيها عندما كان يمارس الحب معي. كان دمي يغلي وانا اراقب كل شيء من فتحة باب الدولاب. قررت وقتها الهجوم والانقضاض عليهما وقتلهما بتلك اللحظة لادس السكين بقلبه وقلبها لكن شيئاً ما دفعني لان اتريث وان ارتدي ثياب الحكمة لا اعلم ما هو ذلك الشيء لكنني تريثت. رفعت السكين بيدي اليسرى وانتظرت.
خليل : لماذا اليد اليسرى؟
نور القمر : لان السكين كان الى يساري.
خليل : بعد ذلك؟
نور القمر : بعد ان انتهوا من العملية الجنسية التي لم تدم اكثر من عشر دقائق فقط. ترك عصام السرير وتوجه الى الحمام كي يغتسل وهو عارٍ تماماً. اما عاهرته فانتصبت من السرير بعده وهي عارية كذلك وصارت تتجول بداخل غرفة نومي حتى رأيتها تفتح الجرار الذي الى جانب السرير لتجد صورة عرسنا. يبدو انها لم تكن تعلم ان عصام كان متزوجاً لذلك قَرّرتْ ان تواجهه بالصورة فغضبها كان واضحاً على وجهها. ولما عاد عصام من الحمام وهو لا يزال عارياً تماماً قال لها، "اريد جولة ثانية". لكنها اقتربت منه وعرضت عليه الصورة ثم بصقت بوجهه وقالت له، "الم تخبرني انك اعزب؟ الم تخبرني بانك ستتزوجني؟ لماذا كذبت عليّ يا سافل؟". قهقه عصام بصوت مرتفع وقال لها وهو يبتسم، "وما الضير في ذلك؟ هي زوجتي وانت حبيبتي". كان كلامه يجعلني اغلي من الداخل كالبركان لكن امراً ما ابقاني هادئة لا اعلم ما هو الا انني بقيت محافظة على هدوئي. اردت ان ارى كيف ستنتهي تلك المسرحية القذرة.
خليل : ماذا حصل بعد ذلك؟
نور القمر : قامت الفتاة بالبصق بوجهه ورمت عليه الصورة فارتطمت الصورة بوجهه ثم سقطت على السرير. خرجت الفتاة من غرفة النوم فَسَمِعْتُ صوت صفقها لباب الشقة الخارجي. بقيت انظر الى عصام من شق باب الدولاب كي استقر على ستراتيجية استطيع من خلالها الانقظاظ عليه نظراً لطول قامته بالمقارنة بقصر قامتي وبقوته العضلية الكبيرة كذلك. لكنني استبشرت عندما رايته يجلس على السرير ليخرج هاتفه ربما ليحاول استدعاء فتاة اخرى غيرها ليضاجعها. يبدو انه لم يكتفي بعملية جنسية واحدة كما كان يفعل معي. بتلك اللحظة اتخذت قراري النهائي بان اخرج اليه واقطعه ارباً. خرجت من الدولاب فوجدته قد استلقى على ظهره على السرير واضعاً هاتفه النقال على اذنه. مسست كتفه باصبعي فتفاجأ كثيراً والتفت صوبي ليهم بالوقوف لكنني اسرعت بغرس السكين في عنقه قبل ان يقف. صرخ صرخة مدوية تصم الاذان لكنني سحبت السكين من عنقه وطعنته في بطنه فوقف امامي. هنا رحت اكرر الطعنات مرات ومرات في صدره وظهره بينما كان يتلوى ويحاول الهروب من طعناتي حتى خارت قواه فسقط على الارض. وقتها شعرت ان غليلي مازال متقدا كالبركان صرت اصرخ باعلى صوتي عندما رأيته لا يزال حيا ينظر بوجهي وهو مخضب بدمائه ويبتسم بوجهي مستهزئاً فامسكت بقظيبه وقطعته بالسكين واريته القظيب امام عينيه قبل ان يموت. اردته ان يرى ماذا فَعَلَتْ به قذارته لتؤدي به الى الموت. بقيت عيناه منفرجتان تنظران الى الاعلى وهو ملقى على الارض الى جانب السرير. علمت وقتها انه سلم الروح.
خليل : ماذا فعلت بعد ذلك؟
نور القمر : جلست على السرير وبقيت انظر الى جثته لا اعلم ماذا افعل. وبعد بضع دقائق دخلت الحمام وغسلت الدم الذي غطى ملابسي ثم رجعت الى غرفة النوم فرأيته ممداً على الارض. وبغضب شديد قمت بوضع عضوه الذكري في الكيس البلاستيكي مع السكين لاتخلص منهما وابعد الشبهة عن نفسي. غيرت ملابسي الملطخة بالدماء ووضعتها هي الاخرى بالكيس ثم خرجت من الشقة لاركب سيارة اجرة واعود بها الى بيت ابي. وفي الطريق كانت اغنية المغني توم جونس تتردد في ذهني وتعيد نفسها مرة بعد مرة. عن رجل عاشق يكتشف خيانة حبيبته فيقوم بترصدها خارج شباك دارها ثم يهجم عليها ويغرس السكين بصدرها. انها اغنية (ديلايلا). هل سبق لك وسمعت تلك الاغنية؟
خليل : كلا. والآن اخبريني ماذا فعلت بالكيس الذي يحتوي السكين والعضو الذكري والملابس الملطخة بالدم؟
نور القمر : عندما وصلت بيت ابي، ابقيتها بغرفتي وقفلت عليها حتى اليوم التالي حين استيقظت في الفجر قبل ان تستيقظ امي وابي ودفنتها مع الكيس بحديقة بيت ابي.
خليل : هل بامكانك ان ترشديني الى المكان؟
نور القمر : اجل ساخذك الى هناك.
خليل : لماذا تكلمت الآن واعترفت بكل شيء؟
نور القمر : لانني لم اعد احتمل الكذب وكتمان الامر اكثر من ذلك فانا كنت الضحية والجلاد بنفس الوقت.
خرج المحقق خليل من غرفة التحقيق وتوجه الى مكتب الآمر. طرق الباب وقال،
خليل : لقد عثرت على الجاني. انها زوجته نور القمر. اعترفت بجرمها وستدلني الآن على اداة الجريمة.
الآمر : اعرف ذلك، لقد تابعت التحقيق من خلف المرآة.
المحقق خليل : وما تعليقك سيدي؟
الآمر : ومن الحب ما قتل. انها قصة مؤثرة جداً. مسكينة تلك الفتاة. دعنا نغلق الملف وننهي تلك القضية الدامية لنحولها الى المدعي العام. عفاك يا خليل، لقد ابليت بلاءاً حسناً.
<<<<<<<<<<
بعد مرور شهرين حكمت المحكمة على نور القمر عبد الستار بالسجن لمدة 18 سنة.
وبينما كانت بداخل السجن ولدت طفلاً اسمته قيس فسمحت ادارة السجن على تسليمه لوالدتها. خرجت نور القمر من السجن بعد مرور 10 سنوات من حبسها لحسن السيرة والسلوك لترى ابنها في الرابع الابتدائي. استقرت وعاشت ببيت والدها لتربي ابنها هناك. لم ترجع علاقتها مع صديقتها المقربة جنان ولم يتسنى لها رؤيتها. اما ام جنان فلم تتوقف عن مطالبتها الملحة برؤية ابن اخاها قيس من دون جدوى.
...تمت...
1823 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع