بقلم: سندس احمد النداوي
عروس الدمى
عادت من المدرسة وهي تشعر بتعب شديد بعد ان اجتازت امتحانات نصف السنة، والعرق يلمع كاللؤلؤ على وجهها الجميل، وشعرها الأسود الطويل يراقص كتفيها، وهي ترتدي القميص الأبيض والتنورة الزرقاء الواسعة لتخفي نحافة جسدها الرشيق.
دخلت المنزل وهي تضج بالفرح...ماما...ماما... انا رجعت من المدرسة وأكملت الامتحان وتردد بصوتها الخافت: (جاوبت كلش زين) ... ماما اين انت ثم دخلت المطبخ عطشى ترغب بشرب كأس من الماء فإذا برجل نيظر اليها وهو يبتسم، وكأن شوق الدنيا وجمالها يسعى ليحمله بين يديه لطفلة صغيرة لم يراها، وانما رأى امرأة تتوق نفسه إلى لمسها واحتضانها تصارعت نبضات قلبه في ثواني، واجتمعت الأمنيات في رأسه حين نظر إلى وجه "ميعاد" وتلك البراءة ورقة الحياء، اسمها الذي ذكرته أمها لتكسر حاجز الصمت والإعجاب الذي بان على ابن خالها وصديق طفولتها "هيثم" اذ جاء ليزورها بعد سنوات من العمل والغربة في أمريكا.
هيثم رجل أشرف على الأربعين من عمره اصحاب من الطفولة وام ميعاد بالنسبة اليه الأخت التي يفتقدها وقطعت ما كان يدور بينهم من كلام وقدومه للسلام ورغبته في ان تجد له العروس التي تناسبه، ولم يكن يعلم انه على موعد مع ميعاد أصغر اخواتها التي اختارها وكأن الدنيا مزجت أحلامه لترسم طريقاً لإرض خصبة زهورها برية لن يحصدها أحد سواه، خرج من عندهم وأتصل بأم ميعاد في اليوم التالي، وقال بصوت مرتجف: أنا اطلب يد ميعاد من والدها ومن حضرتك ولكم ما تطلبون.
تصارعت الأفكار والحسرات في قلب ألأم كانت تتمنى تزويج منهن أكبر من ميعاد فالفارق كبير ولكن المغريات المادية أكبر فماذا عساها تفعل وابنتها من المتفوقات في مدرستها، وشهوة القادم من أمريكا وجاهزيته التامة في توفير السكن المناسب، ورفاهية العيش تجعل الأب يفضل تزويجها أكثر من إكمالها لدراستها.
ترددت ام ميعاد في مخاطبة ابنتها بين الرفض والقبول وهم يعيشون حياة صعبة يحيطها العوز والحرمان، حتى مرت الأيام ليعاود الاتصال مرة أخرى وحدد يوم لقدومه برفقة اهله. ميعاد تلك الدمية الجميلة بكت ورفضت، وقالت: امي انه يبدو كأنه ابي امام الناس وانا أحب اكمال دراستي، تكلمت معها واقنعتها بالمهر الكبير والذهب والتباهي امام صديقاتها بالملابس الأجنبية، وحفلات العرس والمهر، ووعدتها ان تكلم اباها ليحدثه في اكمال دراستها بعد الزواج.
تزوجت "ميعاد" وحملت بطفلتها الأولى ورزقها الله بالطفل الثاني ثم الثالث فالرابع، ومرت الأيام وانجبت ثلاث بنات وولد انشغلت بأطفالها وحياتها تفرح لفرحهم وتبكي معهم، لم تشعر يوم إنها زوجة وشريكة حياة لم يحدثها بأي شيء يخص عمله، إذ ينهي أي حوار بينهم بلا تشغلي بالك لديك أولاد اعتني بهم.
كبر أولادها وكبر ابوهم معهم وميعاد لم تزل صغيرة أصابها الملل، ولم تعد تشعر بالود تجاه زوجها، وعند مرورها بخصام معه ترمي باللوم على والدتها وتردد على مسامعها: زواجي من هيثم (وأد بنات) يا أمي، وهي في منتصف الثلاثين من عمرها تارة تلوم نفسها وأخرى تلوم أمها وضاعت بين الإثنين روحها التي ما زالت تتقد بين جنبيها، وهيثم لم يستطع إن يلبي شغفها بتحقيق ما تتمنى، وقررت إكمال دراستها مع أولادها واجتازت الامتحان تلو الامتحان بموافقة زوجها لتجد ما تسعى إليه أمام قصوره في اسعادها وعجزه أمام الأنوثة المتقدة فيها.
دخلت الجامعة وازداد اصرارها، امام ما تعانيه من اهل زوجها والتعالي الذي يبدو عليهم تجاهها دافعاً للتحدي والوصول لما تصبو اليه.
وفي يوم شتاء بارد رن الهاتف على ميعاد... زميل لها رغب في محادثتها ومحاولة تقديم المساعدة لها في البحوث والمحاضرات الدراسية، وبين لها مدى اهتمامه بها، وأغلقت ميعاد الهاتف بعد ان شكرته واثنت عليه، وتكررت المكالمات، وبحضور الأخرين يبدو لا يعرفها، إذ في البدء كان الصديق الذي تشكو اليه همومها ومشاكل أولادها، ثم القريب الذي تسكن اليه نفسها، مما شجعه ان يطلب منها اللقاء في مكان عام لإجراء مقابلة عمل بما يمتلك من منصب وسلطة يغتر بها.
تغيرت ميعاد وازداد اهتمامها بمظهرها مما أثار الشك في قلب زوجها، وأرسل اخاه الذي يثق به ليراقبها عن كثب، واتاه اليقين انها على معرفة برجل اخر فصرخ الجنون في رأسه، لم يسألها ولم يسمع جوابها هو فقط جمع أولاده وانتظرها، وحين قدومها للمنزل الكل ينظر اليها، وأمام أولادها رمى يمين الطلاق عليها...
وقفت مذهولة لا تدري ماذا تقول، ولم ترد بكلمة والعتب دموع تنهمر على خدود أطفالها، والصمت يصرخ بأفواههم ...لماذا أمي لماذا أمي...
463 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع