ذو الفقار
وزراء وسفراء الزمن الأغبر/١٧ برزان التكريتي والانفتاح الفكري
حصريا لمجلة الگاردينيا
المقدمة
عندما تجد مجتمعا يؤمن بالخرافة والاساطير، فمن السهولة ان تجد فيه عبيدا يتبعونك. الشعوب التي تتمسك بظل السياسيين لن تحصل على شيء. يوجد دواء وعلاج لكل الامراض، ولكن لا يوجد دواء او علاج لمعالجة الحماقة او التخفيف من شدة وقعها.
كانت الفترة المظلمة لوزارة الخارجية في عهد الخبل إبراهيم الجعفري، ومن الصعب فهم كيف وافقت الولايات المتحدة وبريطانيا على رجل مريض نفسيا وفق تقارير طبية، وسبق له ان تلاعب مع الحكومة البريطانية عندما طلق زوجته شرعا وليس قانونا من خلال المحكمة، لكي يحصل كل منهما على شقة. ومع انه خريج كلية طب الموصل فهو لم يمارس شهادته في بريطانيا لأنه فشل في الاختبار، ولم توافق الحكومة البريطانية على معادلة شهادته، والاغرب منه انه على الرغم معيشته في بريطانيا ما يزيد عن ثلاثة قرون لكنه لا يتكلم اللغة الإنكليزية وكان يستعين بمترجم عند لقائه مع نظرائه الغربيين، والسبب في ذلك انه قضى وقته في بريطانيا في الحسينيات يلقي المواعظ القمقمية والماردية، عمل كحملة دار من بريطانيا الى السعودية خلال موسم الحج. وسواء في بريطانيا او عودته الى العراق لم يغادر مارد القمقم عقله المزدحم بالعفاريت.
شتان بين العراق وعدوه
أصدرت وزارة الخارجية العراقية عشرات الآلاف من الجوازات الدبلوماسية الى عراقيين وعرب وفرس مقيمين في العراق وبلوكرات وغيرهم، وكان يجري النقاش في البرلمان لمنح النواب وعوائهم جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة. من المعروف دوليا ان أبناء الدبلوماسي (الحقيقي) عندما يبلغوا الثامنة عشر يسقط عنهم الجواز الدبلوماسي، كما حصل مع جميع الدبلوماسيين العراقيين، والجواز الدبلوماسي يسحب من الدبلوماسي عندما تنتهي وظيفته الدبلوماسية في الخارج ويرجع للعراق، حيث يمنح جواز سفر عادي. في إسرائيل تمت محاصرة قسم الجوازات الدبلوماسية في وزارة الخارجية من قبل الموساد بسبب معلومات عند منح جوازات دبلوماسية خارج الضوابط المعمول منها، ويبدو تمه وصلت معلومات للكنيست بان ابن نتنياهو المقيم في الولايات المتحدة يمتلك جواز دبلوماسي مع ان عمره يتجاوز الثلاثين، وهذا يخالف القانون، ويدب سحب الجواز الدبلوماسي منه. لاحظ الفرق بين الطرفين!
قطط في السلك الدبلوماسي العراقي
من العجائب التي تزيد من تفاقم الفشل في وزارة الخارجية العراقية وبعثاتها في الخارج، ما يحصل في السفارة العراقية في بيروت، وقبلها في القنصلية العامة في إسطنبول، حيث قامت القائم بالأعمال (الدبلوماسية الدمج ندى كريم مجول (المحامية سابقا) باصطحاب قططها الى بيروت، وقبل ان تستقر في بيتها صحبت القطط الى فندق (لانكسترو) حيث تقيم على نفقة الوزارة، وبعد مداولات ونقاش سمح لها بذلك، لأن لا يجوز اصطحاب الحيوانات في الفنادق خمس نجوم، وهذه الدبلوماسية الدمج لا تتحرك الا مع قططها، وخصصت سائقا للترويح على القطط والقيام بسياحة في بيروت عند دوامها حال في السفارة، وقد عينت هذه الدبلوماسية الدمج عام 2012 بعد توسط زوجها الدبلوماسي،
من أوراق دبلوماسي عراقي: برزان التكريتي وتنامي الوعي الوطني
قال احد الكوادر الدبلوماسية: في أحد أيام الأيام في التسعينيات من القرن الماضي، كنت اعمل في مكتب السيد الوزير محمد سعيد الصحاف، وكان الوزير على وشك السفر لوجود إيفاد رسمي لا أتذكر الدولة، ورد كتاب من السيد برزان التكريتي ممثل العراق الدائم في المكتب الأوربي للأمم المتحدة في جنيف، وهو كتاب مهم يؤشر تطور ذهنية السيد برزان وانفتاحه على العالم بعد ان عمل في دولة متقدمة وتعرف على فضاء الحرية الرحب، ورد في الكتاب نقاط في آخر الأهمية، لو عملت بها الحكومة العراقية لتجاوزت الكثير من المشاكل على المستوى الوطني والعالمي، على سبيل المثال، ضرورة تعزيز الحريات الاساسية في العراق، سيما حرية التعبير والصحافة، واقرار قانون تعددية الأحزاب، والتعامل مع الأحزاب دون ضغط واجبارها على السير في خط الحزب، (كان العراقيون يتهكمون بالقول عن الجبهة الوطنية التي ضمت الحزب الشيوعي العراقي (الحزب الشيوعي بقيادة حزب البعث)، كما اكد على أهمية وارساء التوجهات الديمقراطية بشكل جدي، والاهتمام بحقوق الإنسان، وتعزيز حقوق الانسان، واحترام المواثيق الدولية، والاتفاقيات سيما العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الانسان، وحقوق الطفل، ومنع التمييز ضد المرأة وغيرها. كما أشار الى ضرورة تغيير سياسة الحزب من الانغلاق الفكري الى الانفتاح على العالم تناغما مع التطورات الجارية في العالم، وإعطاء الاعلام دورا رقابيا حقيقيا، ولا يكون وجها ثانيا للحزب، فيفقد واجبه واهميته، علاوة على ابتعاد من ليس له خبرة في المجال الإعلامي عن تولي مهما كرئيس تحرير او مدير محطة فضائية وغيرها (يبدو انه يغمز الى عدي صدام حسين) الذي ترأس صحيفة بابل. وأخيرا عدم اعتماد الأقارب في التعيينات المهمة وانما حصرها في أصحاب الكفاءات.
كما هو معتاد ارسل الوزير الصحاف كتاب برزان التكريتي الى (رئاسة الجمهورية/ السكرتير). وبعد يومين، ورد الكتاب مع تهميش الرئيس صدام حسين على الكتاب (كتاب الوزارة) الذي أرفق معه كتاب السيد برزان مع الهامش " إذا كانت بيوتكم من زجاج، فلا ترموا الناس بحجر". وكان الهامش يحمل الكثير من التخمينات، مثلا هل يقصد به تذكير برزان بدوره عندما كان رئيسا لجهاز المخابرات وما رافقها من قمع وعنف؟ او ان الرئيس صدام انزعج من غمزة برزان الى تحييد دور عدي الذي أخذ اكبر من حجمه؟ ام الانزعاج من الإشارة بطريقة التعميم وليس التخصيص الى دور حسين كامل المتعاظم.
أطلع السيد الصحاف على الكتاب، ولم يهمشه، وكان يتحضر للإيفاد في اليوم التالي، وبعد يوم حرت في كيفية التصرف بالكتاب، ولا يجوز ان يتأخر كتب الرئاسة/ السكرتير، ويجب اعلام السكرتير بما اتخذته الوزارة بشأن الكتاب خلال يومين.
أخذت اضبارة الكتب الواردة ومن ضمنها كتاب برزان الى وكيل الوزارة الأقدم المرحوم (سعد الفيصل)، وبقيت أنتظر الجواب وهو يهمش على الكتب، ثم توقف عند كتاب برزان وسألني: لماذا لم يرسل الوزير هامش السيد الرئيس الى برزان؟ فقلت له: لا أعرف استاذ، وهو سافر دون ان يهمش على الكتاب. فقال" زوج اللي يرسله، أخذ الكتاب، مشاكل النوب مع برزان، هو يالله يالله يتحملني".
أخذت الإضبارة ورجعت الى المكتب لا أعرف ما أفعله، فيفترض ان لا يتأخر كتاب الرئاسة يومين دون اعلامهم بأنه تم إجراء اللازم، اتصلت بقريبي (عدنان مالك) مدير مكتب استاذ طرق عزيز (السفير لاحقا)، واخبرته بالموضوع، قال: ارسل الكتاب ليٌ، وسأعرضه على الأستاذ طارق عزيز، باعتباره وزير الخارجية وكالة اضافة الى منصبه كنائب رئيس الوزراء، ففعلت ذلك، وفعلا حلٌ الأستاذ طارق المسألة بطريقة دبلوماسية وذكية، فقد أعلم السيد برزان ان العراق يعيش في حالة حصار اقتصادي ظالم، مع تهديدات من الولايات المتحدة، لذا الظرف الحالي لا يساعد على مثل هذه الإجراءات رغم أهميتها، ويمكن تحقيقها في ظرف أحسن في المستقبل، كما يرى السيد الرئيس.
انتهى الموضوع عند هذا الحد، لأن برزان يحترم طارق عزيز، ويعرف انه يتحدث بلسان الرئيس صدام؟
الحقيقة ان برزان التكريتي كان صعب المراس، ومن الصعب معرفة مزاجه، فهو اما يحب بشكل مفرط او يكره بشكل مفرط، مما يستوجب الحذر منه، سيما ان الوزارة لا تتمكن من رفض طلباته بسبب موقعه من الرئيس صدام، رغم الجفوة بينهما بعد زواج عدي من كريمة برزان ومن ثم طلاقه منها. كان الله في عون من عمل معه في جنيف، عندما كان ينقل موظف ما من الوزارة الى جنيف، كان يتوسط لإلغاء نقله، رغم ان سويسرا تعتبر من الدرجة الأولى فيما يتعلق بالراتب، علاوة على جمالها وتقدمها، بل ان بعض الموظفين والكوادر الدبلوماسية المتقدمة المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في الوزارة، طلبوا نقلهم من ممثلية العراق في جنيف الى مركز الوزارة، ولولا الحرج والخوف عليهم، لذكرنا أسمائهم.
لنا محطات مهمة قادمة.
ذو الفقار
آب 2024
1393 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع