بقلم احمد فخري
قصة (الجريمة المزدوجة)-الجزء الاول
الدنمارك كوبنهاگن / جزيرة آمآ
في صباح ممطر شديد البرودة انتظر مؤيد بالموقف يترقب حافلته التي ستقله الى عمله كل يوم وقد ابتلت ملابسه بالكامل. كان ينتابه ندم مرير على نسيان المظلة لحظة خروجه من المنزل. ظل يؤنب نفسه ويقول، "انها اصغر من علبة الكبريت فلماذا نسيتها يا غبي؟". لكن جواباً شافياً على سؤاله لم يأتيه من الغيب. راح صاحبنا ينتظر وينتظر مع ان الحافلات في الدنمارك لا تتأخر بتاتاً وبامكان المرء ان يوقّت ساعته عليها. لكن اليوم كان مختلفاً لسوء طالعه بسبب تلك المظلة اللعينة. ولماذا لم يُذَكّرهُ ورفيق سكنه عثمان؟ فهذا الشاب الصومالي الالمعي لا ينسى شيئاً ابداً. "انا اتخيله احياناً انه جهاز كومبيوتر متنقل من شدة ذكائه ومحافظته على المواعيد. فلماذا ابى ان يذكرني؟". وبعد اكثر من عشر دقائق من مكابدة البرد الشديد وهطول مستمر للمطر وصلت الحافلة الصفراء اخيراً فركبها صاحبنا وابرز بطاقته الالكترونية ليجدها ملأى بالركاب القاصدين اعمالهم. اخذ مجلسه على المقعد الامامي الوحيد المتبقي في الحافلة فسارت بركابها ووقفت بالمحطة الاخير قبل عبور الجسر الرابط بين مركز المدينة وجزيرة آمآ Amager فركبت الحافلة سيدة مسنة في عقدها الثامن ووقفت بالقرب من ساق مؤيد. نظر اليها بحزن فآلمه منظرها وهي تحاول جاهدة الوقوف بثبات فادرك ان تربيته وشيمته العريقة لن تسمح له كي يظل جالساً يتفرج عليها وهي تكابد هزهزات واستدارات الحافلة المفاجئة وتتشبث بالعمود المعدني لتفادي السقوط. لم يفكر طويلاً بل وقف وتخلى عن مقعده وطلب منها الجلوس بمكانه مع ان هذه العادة غير متبعة في الدنمارك ويُنظَرُ اليها على انها شكلاً من اشكال الغباء حتى يتخلى الانسان عن مقعده لأي انسان كان. لكن مؤيد فعلها وطلب من السيدة المسنة الجلوس بمكانه فجلست دون ان تنظر اليه او حتى تشكره وكأنه خادمها المطيع. الا انه اقنع نفسه ان تلك هي عادات بلاده وان الانسان دائماً يعمل باصله اينما حط ولا ينتظر الثناء من الآخرين لعمل الصواب. بقي يهتز مع اهتزازات الحافلة كلما استدارت او توقفت ليبقى متشبثاً بالعمود المعدني حتى وصلت حافلته الموقف القريب من عمله بـ (فندق راديسان بلو). نزل صاحبنا من الباب الخلفي للحافلة فرحلت الحافلة ترش الماء على جانبي الطريق تاركة ورائها مؤيد. كان البرد قارصاً والهواء يعصف بشدة غير مسبوقة مما زاد من شعوره بالانجماد بحيث اصبحت جميع ملابسه مبتلة الآن ولم يعد لها اي فائدة. كابد الكثير وهو يهرول ويلهث حتى ترائت له من بعيد الباب الخلفية للفندق التي يدخل منها العمال والموظفي. استبشر خيراً وحذاه الامل حين دخل الممر الضيق الدافئ المؤدي الى صالة تغيير الملابس والماء ما زال يقطر منه كالكلاب الضالة. وقتها حسد الكلاب لانها تستطيع نفض الماء من على جسدها بكل الاتجاهات. لبس بدلة العمل المعتادة ووضع ملابسه المبتلة قوق سخان معدني كي تجف لحين عودته الى منزله بالمساء. صعد الى الطابق الارضي فوجد مديره (سڤَن) ينظر اليه بغضب شديد حين سمعه يقول،
سڤن : ربع ساعة تأخير؟ لقد تأخرت ربع ساعة يا مؤيد. هل جننت يا رجل؟
مؤيد : اعلم ذلك سيدي لكن الحافلة تأخرت اليوم دون عادتها. والمطر كان غزيراً. ماذا اعمل؟
سڤن : دعني اوجه لك انذاراً اخيراً. والا... فانت تعرف ما هي العواقب.
مؤيد : اعرف ذلك سيدي واعدك بعدم التأخير مستقبلاً.
دخل مؤيد البار بالطابق الارضي وراح يتهيأ كي يبدأ عمله فيه كما هو الحال كل يوم. واثناء ذلك كان يدمدم ويقول، "ما لهذا الحيوان يترصد لي بكل كبيرة وصغيرة. انه يعلم جيداً اني اعمل باخلاص اكثر من اي واحد من زملائي. لكن عنصريته وحقده ابت ان تجعله يرى تفانيي وحبي للعمل. اراد ان يبرز لي خطئاً بسيطاً ارتكبته. ولكن يا ترى كم تأخرت؟ ربع ساعة مثلاً؟ حتى لو كانت نصف ساعة، فاين هي المشكل واين هم الزبائن؟ ها هي صالة الجلوس خالية تماماً ولم يخسر الفندق قرشاً واحداً بسبب تأخيري. لعنة الله عليه، كم هو سافل منحط. المشكلة انني لو تركت عملي الآن فمن اين ساجد عملاً غيره؟".
بدأ ينظم قوارير الخمر باماكنها المعتادة وراح يزيل الفارغ منها ليضعه في صناديق بلاستيكية حمراء كي ينقلها لاحقاً الى القبو حيث يتخلص منها فيما بعد. بقي يرتب كاسات النبيذ الفارغة رأساً على عقب ويعلقها في مشابكها وينظف كاسات الجعة الكبيرة ثم يصفّها في جرار سفلي امامه. وعند الانتهاء من جميع مهامه انزل الصندوق الى القبو وعاد الى موقعه في البار. تفحص ساعته ونظر الى باحة الجلوس فلم يجد اي زبون فيها بعد، فهز بيده وقال، "كل ذلك الحديث الذي ينزل بجوفي كالسم ولم يأتي احد بعد، لعنك الله يا سڤَن الكلب".
لم يدخل باحة الجلوس اي بشر حتى الساعة العاشرة صباحاً حين دخلت سيدة مسنة في عقدها الثامن وطلبت كأساً من النبيذ الاحمر. بعدها دخل شابين وطلبا مشروبات غازية مع بعض شطائر الدجاج. وعندما سألهما مؤيد باللغة الانكليزية عن سبب شراء الشطائر بعد الافطار المجاني اخبروه بان الافطار في الفندق كان مزرياً ولم يستسيغوه ابداً. اخبروه انهما حضرا الى الدنمارك من بريطانيا ليقضوا بضعة ايام فيها. قام مؤيد باكرامهما بمشروب مجاني كنوع من الترحيب والمجاملة. علماً ان مديره كان سيغضب منه كثيراً لو علم بما فعل. لكنه قرر عدم تسجيل الصفقة في قائمة المبيعات. بقي صاحبنا يعمل طوال اليوم حتى ساعة متأخرة من الليل حين قرر ان يبدأ بغلق البار ليعود الى منزله لكن شاباً عشرينياً اسمراً حضر وبصحبته شابة سمراء تبدو عليهما السمات الشرقية. جلسا امامه بالصالة وتفحص ساعته فوجدها تشير الى الحادية الا عشر دقائق. لذا لم يكن لديه الحجة اللازمة كي يخبرهما بان البار مغلق. لذا ذهب اليهما وسألهما باللغة الدنماركية، "كيف استطيع خدمتكم؟". لكن يبدو انهما كانا يجهلان الدنماركية فلم يردّا عليه. وبدلاً من ذلك نظر الشاب الى الفتاة التي معه وقال لها بالعربية، "يا ترى ماذا يقول هذا الحيوان". لم يُصدِرْ مؤيد اي تعليق ولم يبدي اي اعتراض على الكلام الجارح الذي تلقاه للتو لكنه قرر ان يتصرف وكأنه لم يفهم شيئاً مما قاله الشاب. هنا قرر ان يكرر الجملة بالانكليزية هذه المرة، "كيف استطيع خدمتكم؟". لكن زبائنه كانوا يجهلون الانكليزية ايضاً هنا سمع الشاب يقول،
الشاب : كـــوفي كـــوفي ولك كـــوفي، انريد اثنين كـــوفي يا جحش.
وابرز باصبعين بوجه مؤيد.
رجع مؤيد الى موقعه خلف البار واعد فنجاني قهوة وقدمها لهما فلم يشكراه كما هو المعتاد من زبائن الفندق. رجع الى البار وصار ينظر اليهما ويلعن اليوم الذي دفعه حظه المائل كي يترك العراق ويأتي هنا ليسمع اهانات من سفلة مثل هذا التافه وتلك النعجة التي بصحبته. وبعد ان حلت الساعة الحادية عشر او اكثر بقليل. بدأ مؤيد ينظّم البار ويستعد لاغلاقه حتى يعود الى منزله لكن الشابين مازالا جالسان يتحدثان في الصالة. امسك ببطاقة رسمية مطبوعة بعدة لغات ومنها اللغة العربية كُتِبَ عليها (ساعات العمل بالبار) وقدمها للزبونين فتفحصها الشاب الاسمر ثم قال للفتاة التي معه، "هذا الحمار يريد ان يعلمنا بان البار سيغلق ابوابه وانه يريد ثمن القهوة الرديئة التي شربناها". فاقترحت عليه الفتاة ان يعطيه المال ويعودا ادراجهما الى الغرفة. اخرج الشاب محفظته من جيبه واعطاه ورقة بخمسمائة كرونة وقال بالعربي وهو يلوح بيده، "خلي الباگي عشانك يا حمار". علم مؤيد وقتها انه غبي لان ثمن القهوة كان 80 كروناً فقط وانه قد اغدق عليه ببقشيش كبير جداً. اخذ المبلغ منه وعاد الى البار. بينما انتصب الاثنان وسارا من امامه فسمع الزبون يوجه الكلام اليه ويقول، "لعنك الله يا خنزير عساك مرة ما تصبح الصبح". فلم يرد عليه مؤيد. فقط اراد العودة الى بيته لشعوره بالتعب الشديد. نزل الى الطابق السفلي وتفحص ملابسه فوجدها قد جفت تماماً. ارتداها وهم بالخروج فقابلته زميلته (بتينا) على الباب لتقول له،
بتينا : المطر لازال يهطل بشدة يا مؤيد. استعمل مظلتك.
مؤيد : للاسف ليس معي مظلة. لقد نسيتها في البيت هذا الصباح.
بتينا : لدي واحدة اضافية في خزانتي، هل تريد ان تستلفها؟
مؤيد : اجل، هذا لطف منكِ.
عادت بتينا الى حجرة التبيدل لتحضر المظلة الاحتياطية من خزانتها وتعطيها له ثم ركبت مع حبيبها الذي كان في انتظارها بالسيارة فتوارت عن الانظار. فتح مؤيد الشمسية الملونة بالقوس قزح وهو يتقزز من تلك الالوان لان ذلك يرمز للمثليين. سار نحو الحافلة الواقفة في المحطة ليركبها ويرجع بها الى منزله. ولما بلغ المنزل، دخل شقته فرى زميله عثمان جالساً بملابسه الداخلية فقط يتفرج على برامج التلفاز ويأكل قطعة بيتزا سأله،
عثمان : هل رجعت يا مؤيد؟
فاجابه بتهكم،
مؤيد : كلا، انا لازلت بالفندق.
قهقه عثمان قليلاً وقال،
عثمان : نحن نقولها في الصومال كثيراً، انها عادة غبية صحيح وانا اعلم ذلك. والآن اخبرني كيف كان يومك؟
مؤيد : انا متعب جداً وعملي مثير للاعصاب خصوصاً مع الزبائن من جميع بقاع العالم. ومما زاد في الطين بلة هو مديري العنصري الذي يستحق الذبح.
عثمان : هل كان الزوار الاجانب كثر اليوم؟
مؤيد : اجل وكان ختامها مسك. حضر شاب وفتاة يبدو عليهما من احدى البلاد العربية وصاروا يستفزوني بكلام تافه لكنني لم ارد عليهما.
عثمان : هذه احسن سياسة. لماذا تخسر وظيفتك من اجل سفلة منحطين؟ اليوم هم هنا وغداً سيرحلون.
مؤيد : وانت، ماذا فعلت اليوم؟
عثمان : اليوم بقيت اسير على اقدامي حتى كاد يتمزق حذائي بحثاً عن العمل فلم اجد اي شيء.
مؤيد : لا عليك يا صاحبي. ستجد عملاً إن شاء الله. كن متفائلاً وواصل البحث. أرأيت كيف بقيت ابحث عن العمل لاكثر من 4 شهور وكان الجميع يرفض تشغيلي؟ حتى منّ الله علي في الآخر بوظيفتي الحالية في الفندق. لا تيأس من رحمة الله.
عثمان : انهم يشعرونا باننا جئنا اليهم كي نشحذ منهم وهم يتصدقون علينا إن قبلوا توظيفنا من باب الشفقة. ولكن ماذا نقول لانظمتنا الفاسدة في بلداننا؟ لقد دفعتنا الى الهجرة حتى اتينا الى هؤلاء الناس.
مؤيد : على العموم، نحن نظل نقول الحمد لله على هذه النعمة. فالكثير من ابناء جلدتنا يحسدونا على ما نحن عليه في اوروبا.
عثمان : هذا صحيح. اجلس يا مؤيد اجلس وكل بعضاً من البيتزا.
مؤيد : شكرا اخي عثمان، لقد تناولت الكثير من الشطائر اثناء العمل ولا يسعني الآن سوى التوجه الى الفراش لانام فانا بامس الحاجة للراحة.
عثمان : إذاً اذهب عزيزي ونم، كان الله بعونك. ساراك في الغد.
نام مؤيد في غرفته وبقي رفيقه عثمان يتابع برامج التلفاز حتى ساعة متأخرة من الليل ثم اوى الى فراشه هو الآخر. وفي اليوم التالي هب مؤيد مسرعاً من السرير كي يتجنب التأخير عن العمل ويوفر على نفسه الكلام الثقيل الجارح. ارتدى ملابسه على عجالة وخرج من منزله تاركاً ورائه عثمان نائماً في فراشه وشخيره يصل الى الشقق المجاورة بالعمارة. ولما وصلت حافلته موقع العمل نزل منها وسار مسرعاً نحو الفندق لكنه رأى شيئاً غير مألوف هذه المرة. شاهد حشداً كبيراً من الناس والصحفيين وسيارات الشرطة تملأ مراب الفندق. علم وقتها ان امراً جلل قد وقع والا لما حضرت الشرطة والاسعاف. دخل من الباب الخلفي كعادته فرأى زميلته (بتينا) شبه عارية تقف بملابسها الداخلية فقط وهي تهم بارتداء بدلة العمل فسألها،
مؤيد : ما الذي يجري هنا؟ لماذا كل هذه الجلبة؟
بتينا : يبدو ان هناك جريمة وقعت بالامس وقتل اثنان من زبائن الفندق.
مؤيد : يا الهي، هل يعقل ذلك؟ هل نحن نعيش في تكساس؟ هل امسكوا بالجاني يا ترى؟
بتينا : لا اعلم. فانا مثلك تماماً حضرت الى هنا قبل دقائق وتحدثت مع احد الزملاء فاخبرني بما اخبرتك الآن.
مؤيد : سنعلم القصة بكاملها عاجلاً ام آجلاً.
بتينا : هل احضرت شمسيتي التي اعرتك اياها بالامس؟
مؤيد : كلا انا آسف لقد نسيتها في البيت، ساجلبها معي غداً.
بتينا : اخبرني احدهم ان محققين من الشرطة صاروا يفتشون غرف الفندق ويحققون بها ثم راحوا يجرون مقابلات مع كل الموظفين بينما حضرت الشرطة الجنائية للتحقيق بداخل غرفة المقتولين.
مؤيد : سوف لن يتفحص المحققون الغرفة حتى تنتهي الشرطة الجنائية من رفع البصمات والتأكد من الآثار الجينية التي قد يتركها الفاعل خلفه.
بتينا : انك تتحدث وكأنك تفهم بعمل الشرطة. من يراك تتحدث لا يتخيلك (بارمان) تسقي زبائنك خمراً.
ابتسم مؤيد ولم يشأ ان يرد على ما قالته تلك الفتاة الساذجة. هز بيده ولوى شفته بطريقته العراقية وتوجه الى البار فقابله مديره سڤَن فابتسم بوجهه ثم سأله،
سڤن : هل علمت ما جرى؟
مؤيد : اجل سيدي. سمعت من زميلتي ان جريمة قتل قد وقعت ليلة امس على اثنين من نزلاء الفندق.
سڤن : والغريب في الامر انهما تناولا مشروبات في البار من عندك قبل ان يصعدا الى الغرفة ويقتلا هناك.
مؤيد : ساعود الى عملي الآن سيدي.
سڤن : حسناً مؤيد ولكن توقع ان تأتي الشرطة لاستجوابك باي وقت.
مؤيد : بالتأكيد، وانا مستعد لذلك.
ذهب مؤيد الى موقع عمله في البار بالطابق الارضي وراح يهيء نفسه ليبدأ يوماً جديداً لخدمة الزبائن. وقبل فترة الغداء التي تبدأ الساعة الواحدة بعد الظهر جائه رجل يرتدي بدلة سوداء يكاد يكتب على جبينه (محقق) حياه وسأله،
المحقق : انا المحقق بو راسموسن اريد التحدث اليك.
مؤيد : تفضل حضرة المحقق بو.
المحقق : المعلومات التي لدي تقول انك قمت بخدمة المجني عليهما بالليلة التي قتلا فيها.
عرض عليه صورة للمجني عليهما. فنظر اليها مؤيد بتمعن ثم قال،
مؤيد : هذا صحيح. وصلا البار دقائق قبل موعد الاغلاق وطلبا فنجانين من القهوة.
المحقق : هل سمعتهما يتحدثان؟ وباي لغة؟
مؤيد : لم يفهما الدنماركية او الانكليزية لكنهما كانا يتحدثان بالعربية.
المحقق : انت تحدثت معهما بالعربية إذاً؟
مؤيد : كلا، اللوائح هنا تمنعنا من التحدث مع الزبائن باي لغة ما عدى الدنماركية او الانكليزية.
المحقق : وكيف طلبا القهوة إذاً؟
مؤيد : طلباها بالعربية. بالرغم من انني فهمت ما قالا، لكنني تظاهرت وكأنني فهمت لغة الاشارة التي استعملاها معي.
المحقق : وبرأيك من اي بلد جاؤوا؟
مؤيد : اعتقد انهما خليجيان، والارجح انهما من السعودية.
المحقق : من اي بلد تنحدر انت؟
مؤيد : انا عراقي الاصل وقد جئت الى الدنمارك كلاجئ قبل ست سنوات تقريباً.
المحقق : الم يتكلموا بشيء آخر غير طلب القهوة؟
مؤيد : كلا. وإن فعلوا فلم اسمع حديثهم.
المحقق : هل تريد ان تضيف شيئاً آخر؟
مؤيد : اريد ان اسألك، هل تسنى لك ان تُبلِغْ سفارتهما؟
المحقق : لماذا تسأل؟
مؤيد : لان ذلك هو البروتوكول المتبع في الاوساط الدبلوماسية.
المحقق : وماذا يفهم ساقي حانة بالاوساط الدبلوماسية؟
مؤيد : اعلم ذلك لانني عندما كنت في بلدي تخرجت من كلية الحقوق واصبحت محامياً يا حضرة المحقق.
المحقق : محامياً وتعمل ساقي في خمارة؟
مؤيد : اجل، فالعثور على عمل ببلدكم في صلب اختصاصي هو امر اشبه بالمستحيل.
المحقق : طيب، طيب شكراً على الاقتراح.
مؤيد : هل بامكاني العودة الى عملي الآن؟
المحقق : اجل، ولكن ربما ساحتاج اليك فيما بعد.
ترك المحقق باحة البار وتوجه الى غرفة اجتماع العاملين فراح يتحدث مع باقي موظفي الفندق. وفي تمام الساعة الواحدة ظهراً وصلت عميدة الشرطة فْرْيدا لتدخل من الباب الرئيسي للفندق وتلتقي بالمحقق (بو) فتسأله،
العميد فريدا : ماذا تبين معك لحد الآن يا بو؟
المحقق : قتل ثنائي انثى وذكر في غرفة رقم 713 بالطابق السابع.
العميد فريدا : هل كسر باب الغرفة؟
المحقق : كلا، يبدو ان القاتل يعرف المجني عليهما. اي انهما سمحوا له بالدخول طوعياً ثم قام بقتلهما.
العميد فريدا : او ربما واقول ربما تمكن القاتل من الحصول على مفتاح للغرفة. والآن، ماذا عن اداة الجريمة؟
المحقق : ليس هناك اي اداة للجريمة لكن من الارجح انها عملية طعن. وبفحص متاعهما وجدنا جوازات سفرهم الصادرة من السعودية. وحسب الجوازات فعمر الذكر 22 سنة بينما عمر الانثى 19 سنة. هناك تذكرتي سفر بالطائرة مع الجوازات تشير الى قدومهما الى الدنمارك بنفس الرحلة على الخطوط السعودية يوم 17 كانون الثاني 2023 اي قبل 3 ايام من حدوث الجريمة.
العميد فريدا : وما عن ساعة الوفاة وطريقتها؟
المحقق : حسب الفحص الاولي لرجال البحث الجنائي فإن الجريمة وقعت ما بين الساعة 9 مساءاً والخامسة فجراً. لكن ساقي الحانة في الطابق الارضي، قال بانه سقاهما القهوة ثم غادرا من البار بعد الساعة 11 مساءاً بقليل.
العميد فريدا : هل ابلغتم السفارة السعودية؟
المحقق : ولماذا سيدتي؟
العميد فريدا : انه امر متبع في البروتوكولات الدبلوماسية.
هنا علم المحقق يقيناً ان ما قاله ساقي الخمارة كان على حق. فبالرغم من انه يعمل كمحقق منذ اكثر من 6 سنوات ولكن لم يسبق له ان حقق بجريمة قتل لسواح اجانب. لذلك رد على رئيسته قائلاً،
المحقق : سابلغهم اليوم بنفسي وساحاول التحدث اليهم.
العميد فريدا : يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار ان الدبلوماسيين السعوديين قلما تجدهم يتحدثون بلغات اخرى غير لغتهم لذا اريدك ان تأخذ معك مترجماً باللغة العربية. ولكن بكل الاحوال، يجب اخبارهم باسرع وقت ممكن والا فسنجابه مشكلة دبلوماسية نحن في غنى عنها. اذهب الآن على الفور إن انتهيت من استجواب جميع العاملين.
المحقق : سافعل ذلك حضرة العميد.
خرج المحقق بو ليركب سيارة وينطلق بها باتجاه جسر (آما) للدخول من ناحية وسط العاصمة كوبنهاجن. وفي الطريق التقط جهاز اللاسلكي وتحدث الى السيطرة بالمركز ليسأل عامل الهاتف (اوفة)،
المحقق : اوفة اوفة انا بو حول.
اوفة : تفضل بو كيف استطيع مساعدتك حول؟
المحقق : اريد منك شيئين. اولاً عنوان السفارة السعودية بكوبنهاكن وثانياً هو امكانية توفير مترجماً باللغة العربية حول.
اوفة : لحظة واحدة سانظر بالامر واعود اليك بعد قليل حول.
راح بو يتجول بشوارع العاصمة بسيارته لاكثر من عشر دقائق حتى سمع اتصال من المركز يقول،
اوفة : بو، بو من اوفة.
المحقق : تفضل اوفة.
اوفة : عنوان السفارة هو شرق شارع لونغبو، اوستربرو 2100.
المحقق : حسناً سجلت العنوان على نظام تحديد المواقع، وماذا عن المترجم؟ هل تمكنت من توفير مترجم؟
اوفة : اسف يا بو لدينا اربعة مترجمين لكنهم مشغولون جميعاً الى ما بعد الغد.
المحقق : طلبت مني العميد فريدا ان اخبر السفارة بالجريمة باسرع وقت ممكن. لذلك انا احتاج الى مترجم اليوم.
اوفة : حاول ان تتكلم معهم بالانكليزية إن لزم الامر.
المحقق : حسناً ساحاول ذلك شكراً، حول.
اوفة : حظاً اوفر حول وانتهى.
اوقف المحقق بو سيارته بالقرب من بوابة السفارة ودخل المبنى فجابهه موظف الاستعلامات قال له بالدنماركية،
المحقق بو : انا المحقق بو راسموسن من الشرطة المركزية بكوبنهاكن اريد التحدث مع شخص مسؤول هنا.
الا ان الموظف لم يفهم عليه فاعاد الكرة بالانكليزية هذه المرة وقال،
المحقق بو : انا المحقق بو راسموسن من الشرطة المركزية بكوبنهاكن اريد التحدث مع شخص مسؤول هنا.
موظف الاستعلامات لم يفهم عليه بالانكليزية بالمرة الثانية ايضاً ففهم المحقق بو ان هناك مشكلة في التواصل مع هؤلاء الناس لذلك عاد الى سيارته وتحدث من داخل السيارة بجهاز اللاسلكي قال،
المحقق بو : اريد التحدث الى الملازم اوفا.
اوفا : معك الملازم اوفة، تكلم يا بو.
المحقق بو : لقد جابهتني مشكلة التواصل مع السعوديين لانهم لا يتحدثون باي لغة غير العربية. ما العمل الآن؟ حول.
اوفا : ارجع الى المركز وسوف نوفر لك مترجم غداً او بعد غد، حول.
المحقق بو : حسناً انا سارجع الى المركز الآن، حول.
انهى مكالمته مع الملازم اوفا ثم فكر قليلاً وعلم ان الانتظار ليس بصالح القضية فابتسم لان فكرة جهنمية بدأت تتبلور بباله. ادار محرك السيارة وانطلق بسرعة كبيرة ليعود بها الى فندق راديسان بلو. دخل مكتب مدير الفندق وقال،
المحقق بو : اريد ان اخذ معي ساقي البار مؤيد.
سڤَن : لماذا؟ هل تشك بانه هو القاتل؟
المحقق بو : لا ابداً. اعتقد انه سينفعنا في التحقيق لذلك ارغب ان اسأله المزيد من الاسئلة واريد ان اخذه معي.
سڤَن : اتبعني حضرة المحقق وسوف اصدر له الامر كي يرحل معك. انا متأكد انه هو القاتل لان تصرفاته باتت غريبة في الآونة الاخيرة.
سار مدير الفندق والمحقق الى باحة البار فرأى مؤيد يقدم المشروب لرجل في عقده الخامس قال له،
سڤَن : اترك كل شيء من يدك واذهب مع المحقق بو الى مركز الشرطة.
مؤيد : وماذا عن البار سيدي؟ من الذي سيحل محلي ليسقي الزبائن؟
سڤَن : ساقوم بخدمة الزبائن بنفسي. اذهب انت مع المحقق الآن.
مؤيد : حسناً سيدي. امنحني خمس دقائق فقط حتى اغير ملابسي يا سيادة المحقق.
نزل مؤيد الى صالة التبديل فغير ملابسه هناك ثم عاد الى الطابق الارض ليجد المحقق في انتظاره. خرج الاثنان معاً وركبا سيارة شرطة لتنطلق بهما الى وسط العاصمة. وبعد مراوغات بين المركبات عبر زحمة الطرقات الخانقة وصلا مبنى السفارة السعودية فاوقف بو محرك السيارة وقال لمؤيد،
المحقق بو : ارجو منك ان تصبح مترجمي لهذا اليوم فقط هل تسمح بذلك؟
مؤيد : بالتأكيد يا حضرة المحقق. انه امر مثير بالنسبة لي. يذكرني بالايام الخالية.
دخلا القاعة الرئيسية فشاهدا موظف الاستعلامات يقف بملابسه التقليدية البيضاء وعقاله الابيض يقول بالعربية،
موظف الاستعلامات : مرحباً بكم بسفارة المملكة العربية السعودية.
فاجابه المحقق عبر مؤيد،
المحقق بو : اريد التحدث الى السيد السفير.
موظف الاستعلامات : وما هو السبب؟
المحقق بو : اريد ابلاغه بوقوع جريمة قتل لاثنان من مواطنيه.
موظف الاستعلامات : ارني شارتك الرسمية يا سيدي لو سمحت.
اعطاه بو شارته الرسمية فتفحصها ثم اعادها له وقال،
موظف الاستعلامات : سابلغ السيد السفير على الفور.
ترك الموظف موقعه وتوارى عن الانظار لبضع دقائق ثم عاد وقال،
موظف الاستعلامات : سعادة السفير يطلب منكما التفضل الى مكتبه.
دخل المحقق بو يتبعه مؤيد مكتب السفير فاصيبا بالدهشة من منظر المكتب. فالمكتب اشبه بصالة تشريفات لملك او رئيس جمهورية من ناحية الحجم والاثاث الرفيع والتحفيات المنتشرة بكل زاوية من الزوايا اما السجاد الايراني الثمين فحدث ولا حرج، فقد غطى الارضية بكاملها ووصل الى كل زاوية من الزوايا. وقف السفير من وراء منضدته ثم عدل عقاله وقال،
السفير : سفارة المملكة ترحب بكما، تفضلا بالجلوس.
المحقق بو : شكراً سعادتكم،
السفير : ما هذا الخبر الذي سمعته؟ سعوديان يقتلان ببلدكم؟
المحقق بو : اجل سعادتكم لقد توفى شاب وشابة يحملان جواز سفر سعودي. نعتقد انهما اخوة. الادلة تشير الى انها جريمة قتل عمد.
السفير : هل تسنى لكما معرفة الجاني؟
المحقق بو : كلا سعادتكم. نحن في اول مراحل التحقيق.
السفير : هل لي بالاسماء؟
المحقق بو : الفتى اسمه اسامة عبد الله العُمَر، جواز رقم 5191220 وسراب عبد الله العُمَر، جواز رقم 5191221 . الجوازان صادران من منطقة الخبر بالسعودية.
السفير : هل بامكاني ان ارى الجوازات؟
المحقق بو : الجوازات لدى فريق البحث الجنائي بالوقت الحالي. انهم يرفعون منها بصمات الاصابع. سنتمكن من عرضها عليكم في وقت لاحق.
السفير : شكراً لك حضرة المحقق.
هنا همس مؤيد باذن المحقق بصوت منخفض وقال،
مؤيد : اطلب من السفير كتاب استلام تبليغ.
المحقق بو : هل بامكانكم منحي كتاب استلام تبليغ؟
السفير : اجل، طبعاً، اذهبا الى موظف الاستعلامات وانا ساصدر تعليماتي بالهاتف كي يمنحوكم كتاب استلام تبليغ.
المحقق بو : شكراً لك سيدي.
السفير : ارجو ان تعلمونا بالمستجدات فور ورودها.
المحقق بو : بالتأكيد سعادتكم سنضعكم بالصورة فور حدوث اي تطورات.
خرج الرجلان من مكتب السفير وتسلما كتاب استلام التبليغ ثم غادرا بوابة السفارة ليجلسا بسيارة الشرطة قال،
المحقق بو : لقد اثبتّ لي انك عنصراً مهماً جداً بالتحقيق. هل تريد ان تنتقل لتعمل معنا بالشرطة كموظف دائمي؟
مؤيد : هل انت تمزح؟ وماذا عن وظيفتي بالفندق؟
المحقق بو : سوف نعطيك نفس مرتبك الذي تتقاضاه الآن هناك او ربما اكثر بقليل.
مؤيد : وهل قرار تعييني بيدك انتَ؟
المحقق بو : كلا، لكنني ساتحدث مع عميد الشرطة فرْيدا سفنسن وانا متأكد من انها ستوافق.
مؤيد : وما الذي يجعلك متأكد من موافقتها؟
المحقق بو : هي دائماً تحثنا على تطوير آلية عملنا حتى لو كان يتطلب انفاقاً اكبر.
مؤيد : ان ذلك امر جيد بالنسبة لي خصوصاً عندما أُقَدّم على الجنسية بعد بضع سنين.
المحقق بو : سادعمك بشدة حتى تنتقل لدينا بكل طاقتي يا مؤيد.
مؤيد : شكراً لك حضرة المحقق.
أرجع المحقق بو مؤيد الى عمله بالفندق فوعده بالتحدث مع العميد وسيعلمه عن قرار النقل لاحقاً. دخل مؤيد الفندق فرأى مديره سڤَن واقفاً بالبار والتوتر بادياً على وجهه من كثرة طلبات الزبائن قال،
سڤَن : حمداً لله لانك عدت، فالزبائن كادوا يصيبوني بالجنون. لا اعلم كيف تستطيع ارضائهم جميعاً كل يوم؟
مؤيد : ارضيهم لانني صبور وقادر على تحمل تبدلات مزاجهم.
سڤَن : هل اتضح شيء عن الجريمة؟ هل اتهموك بشيء؟
مؤيد : لا ليس بعد.
سڤَن : إذاً انزل الى الطابق السفلي وغير ملابسك ثم ارجع واستلم عملك باسرع وقت. فانا لم اعد احتمل اكثر من ذلك.
مؤيد : سافعل ذلك سيدي.
بعد قليل كان مؤيد في موقعه خلف البار يؤدي عمله بشكل منهجي كالمعتاد بينما توارى مديره عن الانظار.
بقي مؤيد ينتظر قرار تعيينه لدى الشرطة لفترة طويلة دامت اسبوعين لكن المحقق لم يرجع اليه بالنبأ، لذلك خمن ان الامر كان مجرد حديث فارغ وان ادارة الشرطة لن توافق على تعيينه بشكل دائم لديهم فهو اولاً وآخراً لاجئ وليس دنماركياً اي ليس له قيمة. وفي صباح احدى الايام وصل مؤيد الفندق لبدئ عمله كالمعتاد فدخل مبنى الفندق، غير ملابسه وصعد الى الطابق الارضي فوجد مديره واقفاً يتحدث مع المحقق بو. حياهما فسمع بو يقول،
بو : صباح الخير سيد مؤيد. جئت اليوم لآخذك معي الى المركز.
مؤيد : وانا مستعد يا بو لانني انتظر قدومك منذ امد بعيد.
هنا اعترض المدير بشدة قائلاً،
سڤَن : العملية قد زادت عن حدها لاننا نحتاج الى مؤيد في البار. وبغيابه لا نجد الشخص البديل الذي يحل محله. لذلك، لو غادر هذه المرة فسوف لن يعود الى عمله وسنعتبره مستقيلاً عن وظيفته بالفندق.
بو : هذا امر رائع.
سڤَن : رائع؟ هل قلت رائع؟ كيف يكون رائعاً وانت تتلاعب وتجازف بالحياة المهنية لهذا الرجل المسكين؟
بو : انا لا اجازف بمهنته بل انا اطورها. ساخذه معي الى مركز الشرطة ليتسلم مهام عمله الجديد هناك. بامكانك ان تعتبره مستقيلاً من الآن.
سڤَن : وكيف تعرف ان مؤيد سيوافق على العمل لديكم؟
هنا فاجأه مؤيد حين قال،
مؤيد : انا موافق بالتأكيد يا سڤَن. بالحقيقة انا اكثر من موافق ولا اريد العمل بهذا الفندق اللعين بعد اليوم. لقد عانيت الامرين من تنمرك وعنجهيتك اللا محدودة. ساهبط الى الاسفل واغير ملابسي واجمع حاجياتي من الخزانة ثم اكون عندك بعد ربع ساعة يا سيادة المحقق.
سڤَن : اجل... ولكن انتظر لحظة... من الذي سيقوم بـ...
خلع مؤيد صدريته والبسها لمديره سڤَن ثم ودعه باصابعه المتراقصة بشكل ساخر وابتسامة عريضة ثم ذهب الى الطابق السفلي ليغير ثيابه ويعود خلال دقائق معدودات وهو مبتسم يغني، "حرگت الروح لمن فارگتكم، بچيت ومن دموعي غرگتكم". اصدر اشارة للمحقق بو بميلان رأسه بمعنا "هيا بنا". فخرج الثنائي الى مراب السيارات.
انطلقا الى ساحة (بانه كور) فَرَكَنَ المحقق السيارة بالمراب ودعا مؤيد للنزول. مشي الاثنان حتى دخلا مبنى شرطة كوبنهاكن المركزية وصعدا السلم الى الطابق العلوي فوجدا مفاجأة كبرى تنتظرهما. لقد تجمهر اكثر من 20 شرطياً بملابس مدنية بوسط قاعة كبيرة وصرخوا جميعاً بالانكليزية "مفاجأة". ارتبك مؤيد ولم يفهم ماذا يجري. نظر الى المحقق بو وسأله،
مؤيد : ما الامر يا بو؟
بو : لقد وقف الجميع ليرحب بك كعضو جديد بشرطة كوبنهاكن المركزية.
مؤيد : بشرطة كو... كو... كوبنهاكن المر... مر... المركزية. هذا يعني انني حقيقةً اصبحت... اقصد صرتُ...
العميد فريدا : اجل مؤيد، اجل، من الآن فصاعداً انت عضو من اعضاء فريقنا.
بو : وهذه هي تقاليدنا في الترحيب بالاعضاء الجدد. انه تقليد قديم جداً عمره اكثر من الف سنة من ايام الڤايكنغ.
مؤيد : انتِ جعلتني ابحث عن كلمات لاعبر بها عن فرحتي ولكن اريد ان اسأل...
العميد فريدا : اتقصد انك تريد معرفة كم المرتب؟ لا تقلق يا مؤيد، سيكون مرتبك دسماً وسندعمك بكل طاقتنا. فانت اثبتّ للمحقق بو انك سنداً ممتازاً وبامكانك ان تكون عضواً مهماً في فريقنا. ساجعلك شريكاً للمحقق بو.
مؤيد : بالحقيقة لم اكن اسألكم عن حجم المرتب.
العميد فريدا : وما هو سؤالك إذاً؟
مؤيد : اشعر انني اصبت بالاسهال، واريد ان اعرف مكان المرحاض؟
انفجر الجميع من الضحك واقتربوا ليصافحوه ويتمنون له عملاً موفقاً معهم لسنين قادمة. فشاهدوه وهو يجري نحو الحمام. ولما عاد كان منشغلاً بتعديل ملابسه سمع العميد تقول،
العميد فريدا : والآن، لكي لا نضيع المزيد من الوقت الثمين، تعال معي يا مؤيد لاريك مكتبك.
مؤيد : يا سلام، ومكتب دائم ايضاً؟ لا هذا كثير جداً.
العميد فريدا : لا تكن متفائلاً لهذا القدر. سوف تحصل على منضدة صغيرة بغرفة تتشارك بها مع سبعة من عناصر التحقيق الجدد. فانت الآن عضو في فريق التحقيق الجنائي.
اقترب منه المحقق بو وقال،
بو : اعتقد انها افضل من غرفة تبديل الملابس بقبو الفندق، اليس كذلك؟
مؤيد : بالتأكيد افضل ما عدى ما كنت اشاهده من مناظر مثيرة لزميلاتي هناك في الصباح الباكر. انا جداً سعيد بالوظيفة الجديدة وسوف لن أخيب ظنك ابداً.
العميد فريدا : والآن يا شباب، قضية الجريمة الزدوجة في الفندق لا تزال ساخنة ونريد منكما اجوبة مفصلة. لذلك اربطوا احزمة المقاعد وانطلقوا بالبحث.
جلس مؤيد خلف منضدته ووضع بعض حاجياته بداخل الجرار الاول على يمينه ثم نظر الى الحاسوب الموضوع فوق المنضدة فاصيب بالدهشة لانه طالما كان لديه حلم كي يقتني حاسوباً اقل ثمناً من هذا بكثير. بدأ يتسائل في عقله عن امكانية ارتباط الحاسوب بالشبكة العنكبوتية لكنه امسك بلسانه آخر لحظة ولم يسأل لانهم بالتأكيد سيسخرون منه. فكيف لا يوفرون له امراً في غاية الاهمية مثل ذلك؟ وعندما لاحظ بو ان مؤيد يتفحص الحاسوب سأله،
بو : الا تريد ان تعرف كلمات السر؟
مؤيد : اجل كلمات السر طبعاً طبعاً. يبدو انها كثيرة، ما هي؟
بو : سوف ندخلك دورة مسائية تسمى (سكرهيذ كوورسوس) لفترة يوم كامل في نفس هذه المبنى بالطابق الثاني. سوف تتعلم هناك جميع البروتوكولات الامنية للشرطة مما سيجعل اي مواطن دنماركي يفخر بالحصول عليها. ومن ضمن تلك البروتوكولات، هناك 7 كلمات سر مهمة ترتبط بعدة مجالات وعدة مستويات امنية. وهي قابلة للتغيير كل اسبوع.
مؤيد : اجل لكنني لست مواطناً... اقصد انني لم احصل على الجنسية... اقصد انني...
بو : لقد قامت سيادة العميد بالاتصال بوزارة الداخلية لتعجل لك بامر الجنسية فوعدوها ان الجنسية اصبحت قاب قوسين او ادنى كي تكون بجيبك. فهنيئاً لك سيد مؤيد. وبالمناسبة ما هو اسمك الكامل؟
مؤيد : اسمي مؤيد سنان محمد وهذا هو جواز سفري المؤقت الرصاصي بامكانك الحصول على جميع بياناتي منه.
هنا تفاجأ مؤيد عندما رأى جميع من حوله يضحكون عليه.
بو : انا امزح معك يا مؤيد. فنحن نعرف عنك كل شيء منذ ولادتك في كرادة مريم ودخولك مدرسة الغربية ثم الحقوق ووقوعك بالحب من غادة همام وخروجك الى عمّان ثم تركيا ثم الدنمارك وشريك سكنك عثمان وحتى استلامك مهام عملك هنا.
مؤيد : هذا امر يسعدني جداً.
هنا صفقت العميد كي تستجمع الهمم وقالت،
العميد فريدا : والآن هيا يا شباب باشروا عملكم، فاليوم قصير والوقت يداهمنا.
مؤيد : اعتقد ان نقطة البداية ستكون في الحصول على تقرير البحث الجنائي. دعنا نذهب الى المشرحة لنتحدث الى الطبيب.
ففاجأه شريكه بو بقوله،
بو : هنا لا نذهب اليه بل ندعه يأتي الينا عبر قنوات الاتصالات الحديثة. افتح حاسوبك وادخل رقمك السري المؤقت الذي تحصلت عليه قبل قليل. وسوف تطلع على التقرير بالكامل بالصوت والصورة وتتمكن من التحدث الى الطبيب العدلي.
فتح مؤيد الحاسوب وادخل رقمه السري المؤقت فرأى اتصالاً عبر الفديو مع الطبيب الذي شرح جثتي المجني عليهما فحياه وقال،
مؤيد : مرحباً بك حضرة الطبيب. يقف الى جانبي المحقق بو ونريد ان نستفسر منك عن بعض الامور، هل تسنى لك تشريع الجثتين بعد؟
الطبيب ياكوبسن : اجل، تبين لي جلياً ان القاتل قام بربط ايدي المجني عليهما وتكميم افواههما ثم قام بقتلهما وذلك باستعمال اداة جارحة طول نصلها 18سم.
بو : اتقصد سكين او خنجر ذو نصل طويل؟
الطبيب ياكوبسن : كلا، انها اداة مدورة بقطر 0.8 سم الارجح انها الآلة المستعملة عادةً لتكسير الثلج. طعنهما القاتل بالشريان الرئيسي الذي يغذي الدماغ (الشريان السباتي). وهذا ما يجعل الدم ينقطع عن الدماغ فيسبب الموت الفوري.
مؤيد : اريد ان اسألك الآن. هل كانت كلا الجثتين تحصلتا على نفس الطعنة؟
الطبيب ياكوبسن : اجل، كلا الضحيتين تلقيا نفس الطعنة بالشريان؟ وهذا يدل على ان الجاني محترف ولديه خبرة في الوصول الى الشريان المطلوب دون الحاجة للكثير من الطعنات. استناداً الى اثار انحسار الدم على معصمي الجثتين فمن الواضح ان القاتل قام بربط ايديهما وتكميم افواههما ثم باشر بطعنهما حتى فارقا الحياة.
بو : الغريب في الامر ان لا احداً من سكان الفندق او من الغرف المجاورة بنفس الطابق سمع صراخهما. فلماذا لم يبلغوا الشرطة عن ذلك؟
مؤيد : انا استطيع الاجابة عن ذلك السؤال. ببساطة ففندق الرادسان بلو هو فندق ذو اربعة نجوم وحسب مواصفات الفندق فان جميع الغرف معزولة الصوت عن بعضها البعض لكي تفسح للمقيم ان يستمتع باوقاته دون الحاجة لخفض صوته. لذلك حتى صوت رصاصة لن تصل الى الغرفة المجاورة عبر الحوائط.
بو : شيء آخر في بالي، فاننا لم نعثر على اداة الجريمة بعد. هل عثرتم على اداة الجريمة؟
الطبيب ياكوبسن : كلا، فريق البحث الجنائي لم يعثر عليها بالغرفة ولا بالممرات خارج الغرفة. يبدو ان القاتل احتفظ بها ليأخذها معه ويتخلص منها لاحقاً.
بو : هل لديك ملاحظات اخرى؟
الطبيب ياكوبسن : اجل، الفتاة مارست الجنس (او مورس معها الجنس) قبل وفاتها بدقائق قليلة. وقد حصلنا على بصمة الحمض النووي للسائل المنوي الذي بداخل مهبلها. تخيلنا انها تابعة لمرافقها الشاب لكننا اكتشفنا شيئاً مغايراً تماماً. الآن انا واثق من ان الشاب الذي كان معها. لم يكن يمارس الجنس معها او مع اي شخص آخر بتاتاً لانه مصاب بخلل جيني في الـ SIM1 وهذا يعني انه ليس من مارس الجنس معها. الحمض النووي الذي تحصلنا عليه من السائل المنوي هو لشخص غريب تماماً لا يمت لها بصلة القرابة، اغلب الظن للقاتل او لشريك القاتل إن كان لديه شريك. وبعد فحص الحمض النووي للشاب اتضح انه اخو الفتاة. لان نسبة التطابق عالية لحد كبير. والذي يؤكد ذلك تشابه الاسماء بجوازات السفر.
مؤيد : ربما تكون جريمة شرف إذاً.
بو : وما معنى جريمة شرف؟
الطبيب ياكوبسن : في البلدان الشرقية يقومون بقتل النساء إذا مارسوا الجنس خارج نطاق المنظومة الزوجية.
بو : ما هذا التخلف؟
الطبيب ياكوبسن : انها عاداتهم وتقاليدهم. لا يسعنا ان نصدر الاحكام من زاويتنا الضيقة.
مؤيد : انا اؤيدك حضرة الطبيب. باعتقادي ان هناك امر آخر تماماً، لان اخاها مقتول معها وذلك يجعلنا نعيد النظر في جميع المعطيات. انها فعلاً قضية في غاية التعقيد وتستحق البحث أكثر. وبما ان الشرطة وجدت الكثير من المال بداخل الغرفة فهذا يدل على ان الدافع ليس السرقة.
بو : طيب دكتور شكراً لك على التقرير. وداعاً.
اغلق مؤيد الاتصال مع الطبيب ونظر الى شريكه بو ثم قال،
مؤيد : هذا يتطلب زيارة السفير من جديد.
بو : لماذا نزوره؟ لقد اعطانا كل المعلومات التي لديه في الزيارة الاولى فلماذا نسبب له الازعاج.
مؤيد : انا متأكد من انه خاطب وزارة الخارجية في بلده وقد قامت بالرد عليه بمعلومات قد تنفعنا في التحقيق.
بو : الوقت متأخر الآن، دعنا نذهب لزيارته غداً.
مؤيد : غداً هو يوم الجمعة ولا اعتقد انك ستجد السفارة مفتوحة. لذلك سنؤجلها الى يوم الاثنين.
بو : حسناً الى يوم الاثنين إذاً.
وعند انتهاء وقت العمل بالمساء رجع مؤيد الى منزله فوجد زميله عثمان جالساً بملابس منمقة جديدة من دون عادته فاعتقد انه قد عثر على كنز من المال فسأله،
مؤيد : مالي اراك مرتدياً ملابس جميلة يا عثمان؟
عثمان : اخي مؤيد اريدك ان تجلس امامي وترتاح لان عندي حديث مهم اريد ان اقوله لك.
مؤيد : وانا كذلك اريد ان اخبرك بشيء مهم جداً. تفضل تكلم وانا استمع اليك.
عثمان : اليوم تمكنت من العثور على وظيفة ممتازة بمرتب ممتاز في احدى المتاجر التي تبيع الخضروات في منطقة النوربرو. لذلك قررت ان استأجر غرفة قريبة من عملي واتركك وحدك بسلام في هذه الشقة مع الاسف.
مؤيد : ولماذا تتأسف؟ الف مبروك يا صديقي. لقد تعبت كثيراً وانت تبحث عن عمل.
عثمان : اجل وقد اخبروني ان المرتب سيكون 10000 كرونا.
مؤيد : الف الف مبروك، هذا خبر يستدعي الاحتفال.
عثمان : والآن جاء دورك، ماذا كنت تريد اخباري؟
مؤيد : بالحقيقة انا لست مصدقاً لما ساقوله لك ولكنها الحقيقة، فقد عُرِضَتْ علي وظيفة مستشار بشرطة العاصمة.
عثمان : وهل وافقت عليها؟
مؤيد : كلا، اخبرتهم باني ساستشير صديقي عثمان لاقف على رأيه بالامر اولاً.
عثمان : تباً لك من مخادع كذاب. انه امر رائع. انا سعيد جداً من اجلك.
مؤيد : شكراً عزيزي عثمان.
عثمان : ولكن اخبرني يا صديقي كم سيكون مرتبك الشهري؟
مؤيد : لم يخبروني بعد لكنه بالتأكيد سيكون افضل من مرتبي السابق بالفندق.
عثمان : يا الهي، ستكون غنياً يا صاحبي وستتمكن من شراء سيارة رياضية جميلة فيتوب الله عليك من ركوب الحافلات والانتظار تحت المطر.
مؤيد : اجل يا عزيزي. ولكن المفاجئة ليست هنا. فالمفاجئة هي ان العميد فريدا وعدتني بانها ستعجل من اجرائات حصولي على الجنسية.
عثمان : يا سلام يا صاحبي. ستصبح دنماركياً ويتغير لون شعرك الى الاشقر وبشرتك ستصبح بيضاء وسوف تتحول عيناك الى اللون الازرق.
مؤيد : كم انت ضريف وخفيف الدم يا وريا.
عثمان : على العموم، سنبقى اصدقاء وسنبقى نتواصل فيما بيننا.
مؤيد : هذا امر مفروغ منه يا عثمان. وهذا يعني ان كل واحد منا سينعزل بمسكن لوحده.
عثمان : كنت ساطرح عليك ذلك لكنني خفت ان تفهمني بشكل خاطئ.
مؤيد : كلا عزيزي، انه امر طبيعي. فنحن لن نبقى عزاب طوال حياتنا. كان من المؤكد ان يأتي اليوم الذي سنستقل فيه كلٌ على حدة.
عثمان : إذاً اجلس ودعنا نحتفل، فقد احضرت معي بيتزا ممتازة.
مؤيد : يا الهي بيتزا ثانية؟ الا تمل منها؟
عثمان : اجلس وكل ولا ترفس النعمة.
وبعد ثلاثة ايام اي الاثنين دخل مؤيد مركز شرطة كوبنهاكن ببداية الدوام الرسمي وتوجه مباشرة الى مكتب شؤون الموظفين حيث تسلم شارته الرسمية كتب عليها (المحقق العريف مؤيد سنان) فسأله الموظف إن كان بحاجة الى قرض مالي اولي كي يرتب اموره فسأله،
مؤيد : وكم بامكانكم ان تقرضوني؟
الموظف : بامكاننا ان نمنحك 10 الآف كرونا.
مؤيد : لا انا لا اريد المرتب كاملاً.
الموظف : مرتبك الكامل سيصل الى 31 الف بعد خصم الضريبة.
مؤيد : يا الهي، هل انت جاد بما تقول؟ في السابق عندما كنت اعمل لدى الفندق كنت اتقاضى 9 الآف كرونا فقط.
الموظف : هذا هو مرتبك الآن بالشرطة.
دخل مؤيد مكتبه وفتح الحاسوب ليجد الكثير من الرسائل الالكترونية الواردة فراح يفتحها ويطلع عليها جميعاً. بعدها اتصل بالهاتف الداخلي على المحقق بو وسأله عن زيارة السفارة فاخبره بانهم سيذهبون الى هناك الساعة العاشرة صباحاً. وعندما حل الوقت خرج بو ومؤيد بسيارة شرطة رسمية وانطلقا بها الى السفارة السعودية. ولدى الاستعلامات طلبا مقابلة السفير لكن الموظف اخبرهم بان السفير لم يأتي الى السفارة بعد وبامكانهما الانتظار لبعض الوقت. فجلسا على احدى الارائك في صالة الاستقبال لاكثر من ساعة حتى دخل السفير من الباب الرئيسي ونظر الى المحققين وقال،
السفير : لدي معلومات جديدة لكما. تفضلا الى مكتبي.
دخل السفير مكتبه وتبعه المحققان بو ومؤيد فاشار اليهما بيده كي يجلسا ثم بدأ حديثه بالسؤال،
السفير : هل تشربان القهوة؟
بو : هذا لطف منك سيدي.
مؤيد : شكراً سعادة السفير.
ضغط على زر الى جانبه فدخل الحاجب وطلب منه القهوة للزوار ثم خرج واغلق الباب ورائه فالتفت الى زواره من جديد وقال،
السفير : قبل عطلة نهاية الاسبوع قمنا بابلاغ وزارة الخارجية في الرياض عن جريمة القتل التي وقعت بالفندق. فقامت الوزارة بدورها اعلام عائلة الشابين المقتولين اسامة وسراب اولاد عبد الله العمر بالجريمة لذلك قررت عائلة المقتولين الحضور الى كوبنهاكن خلال بضع اسابيع بعد انتهاء مراسيم العزاء هناك.
بو : وما هي مهنة والد المقتولين؟
السفير : يعتبر عبد الله العُمَر السعودي الجنسية من اصل يمني احد كبار تجار السيارات في منطقة الخبر ولديه فروع بكامل مدن المملكة. يسكن بمدينة الخبر المطلة على الخليج العربي شرق البلاد.
بو : وما هو عنوانه بتلك المدينة؟
السفير : لديه قصر في الخبر وقصر في الرياض وعدة قصور في مدن متفرقة من المملكة.
بو : هل كان المجني عليهما يسكنان معه في قصر والدهما بالخبر؟
السفير : بالتأكيد ، ففي ثقافتنا يبقى الاولاد يسكنون لدى عوائلهم حتى يتزوجوا وتصبح لديهم عوائل خاصة بهم فينتقلون بعدها الى منازلهم الخاصة.
هنا سأل مؤيد السفير بشكل شخصي قال،
مؤيد : هل بامكاننا زيارة منزلهم اين كانوا يقطنون لان ذلك مهم جداً في التحريات؟
السفير : بالنسبة لزميلك الدنماركي بامكاني اصدار تأشيرة زيارة له. اما انت فعليك ان تكون حاملاً للجواز الدنماركي قبل ان نتمكن من منحك التأشيرة.
وقتها قال بو،
بو : شكراً لك سعادة السفير. سنتصل بك لاحقاً إن اردنا المزيد من المعلومات والاستفسارات.
السفير : على الرحب والسعة سيادة المحقق.
خرج المحققان من السفارة وركبا السيارة ليعودا الى مركز الشرطة فسأل بو،
بو : لقد لاحظت ان السفير كان يتحدث معك ولم تترجم لي ما قاله. يا ترى عن ماذا كنتم تتحدثون؟
مؤيد : سألته عن امكانية زيارة منزل المجني عليهما اين كانا يقطنان في السعودية. فاخبرني ان بامكانك انت الذهاب الى هناك لانك دنماركي لكنه لن يستطيع منحي سمة الدخول لان جوازي خاص باللاجئين.
بو : ربما ستتغير الامور قريباً. سنسأل العميد فريدا عن مساعيها للحصول على الجنسية لك كي تسهل رحلة التحقيق الى السعودية.
مؤيد : سيكون ذلك امراً رائعاً.
بو : اخبرتك مسبقاً انني لن اتخلى عنك لانك شريكي الآن وبامكاننا تحقيق اشواطاً كبيرة في ابحاثنا تجاه هذه القضية والقضايا المستقبلية القادمة.
مؤيد : شكراً لك يا بو. فانت اثبت انك صديق حميم بالاضافة الى كونك شريك ومحقق المعي ممتاز.
وصل الثنائي الى المركز ودخلا غرفة العميد فريدا فسألتهما،
العميد فريدا : هل ذهبتما لزيارة السفير؟
بو : اجل، لقد عدنا للتو من هناك وقد حصلنا على معلومات في غاية الاهمية سنتمكن من خلالها التقدم بالتحقيق ولكن...
العميد فريدا : ولكن ماذا؟
بو : لن يسمحوا لشريكي مؤيد من الذهاب الى السعودية لانه لا يحمل الجواز الدنماركي بعد.
العميد فريدا : وهذا ما اردت ان اخبركما به. لدي بشرى سارة للزميل الجديد مؤيد فقد حصل على الجنسية الدنماركية الخاصة لاننا طلبنا التعجيل بقضيته من وزارة الداخلية.
مؤيد : يا الهي، انا عاجز عن الشكر لكِ سيادة العميد فريدا، هل هذا يعني انني ساحصل على الجواز الدنماركي الآن؟
العميد فريدا : اولاً ستصلك رسالة من الوزارة تعلمك فيها بحصولك على الجنسية الاستثنائية، بعدها تأخذ تلك الرسالة الى بلدية العاصمة وتقدم على الجواز. وبعد بضعة ايام سيصلك الجواز الدنماركي.
مؤيد : أبهذه السهولة؟ لا اصدق ذلك. شكراً سيادة العميد فريدا.
العميد فريدا : بامكانك ان تناديني فريدا وحسب. فهنا نفضل ان ننادي بعضنا البعض بالاسم الاول من دون رسميات ولا القاب. هل فهمت حضرة العريف؟
مؤيد : اسمي مؤيد من دون رسميات ولا القاب كما قلتِ.
العميد فريدا : لديك الحق يا مؤيد.
هكذا بدأ ثنائي التحقيق مؤيد وبو وفريق الشرطة الجنائية بالشروع في البحث بالقضية بعمل حثيث. ولكن يا ترى، ما الذي سيجدانه عندما يصلا الى السعودية؟ وكيف ستتم اجرائات البحث عن القاتل؟ ومن هو القاتل او القاتلة يا ترى؟ هذا ما ستعرفه في الجزء الثاني والأخير من هذه القصة.
2044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع