قمع الصحفيين ومطاردتهم ، حكاية عراقية

د.مليح صالح شكر

قمع الصحفيين ومطاردتهم ، حكاية عراقية

طارق عزيز وعلى يمينه سعد قاسم حمودي

حسن العلوي في السبعينيات من القرن العشرين

سعد قاسم حمودي توفي في دمشق نيسان 2007


############


قمع الصحفيين ومطاردتهم ، حكاية عراقية
الدكتور مليح صالح شكر/ نيويورك

تمهيد:
من البداية أعترف ان هذا الحديث هو حديث شائك جداً سيعتب عليً لكتابته بعض الصحفيين والمثقفين، بينما هنالك مجموعة أخرى من رجال الصحافة والثقافة المخضرمين سترضى على نفض الغبار عن صفحات مطوية ومسكوت عنها من تاريخ الصحافة العراقية.
وهنالك أيضاً طرف ثالث محتمل يتخيل أصحابه أنهم وحدهم أصحاب الحقيقة ، ووحدهم يحتكر الوصاية على تاريخ العراق وصحافته ، وكانوا عند حدوث هذه الحكاية عام1977- 1978 لم يبلغوا بعد سن الرشد في العمل الصحفي أو أنهم قد بدأوا للتو في الحياة الصحفية !
############

سألت مظهر عارف عندما كان يقيم في ولاية أوهايو الامريكية ، وكنا نتحدث بالهاتف أحياناً وكثيراً بالمراسلات الإلكترونية المكتوبة:
ما هي قصة لجنة التحقيق في دار الجماهير التي شكلها مجلس قيادة الثورة برئاسة تايه عبد الكريم عضو القيادة القطرية ؟
ويقول مظهر عارف في أستذكاره أن تلك اللجنة ضمت في عضويتها:

حسن العلوي رئيس تحرير مجلة ألف باء

صباح سلمان من هيئة تحرير جريدة الثورة

هاني وهيب كذلك من جريدة الثورة

عبد الرحيم الشريفي محرر في مجلة الف باء، وجاء للصحافة من تنظيمات البعث في الكرخ من حرفة مهنية لا علاقة لها بالصحافة

وبقدر تعلق الأمر بإيراد مظهر، لأسم صباح ياسين نقيب الصحفيين في عضوية اللجنة، فقد نفى صباح ياسين في مراسلات إلكترونية لي معه بأنه كان عضواً في اللجنة ، لكنه كان يعرف بتشكيلها.

ويصر مظهر عارف في إتصال هاتفي لاحق لي معه قبل وفاته ببضعة سنوات، على جميع الأسماء دون استثناء.

#######
ومن الثابت ، أن بعض صغار الحزبيين ، كتبوا التقارير الحزبية والأمنية ضد سعد قاسم حمودي رئيس مجلس أدارة دار الجماهير ورئيس تحرير جريدة الجمهورية لعل الإطاحة به يفتح الباب للعلوي في تولي رئاسة الدار ورئاسة تحرير جريدة الجمهورية.

وجاءت لجنة التحقيق الى مكتب سعد وحققت اولاً في تهمة ضد ضياء عبد الرزاق حسن سكرتير التحرير زعم بعضهم إنه يتولى خمسة مناصب، يتقاضى عنها خمسة رواتب.

ولم تستوجبه لجنة التحقيق برئاسة تايه عبد الكريم عضو القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، ربما لأن ضياءً لم يكن حزبياً، بلإستمعت الى الحزبيين ومنهم حسن العلوي وعبد الرحيم الشريفي وغيرهما .

وإستفسرت اللجنة من رئيس التحريرسعد قاسم حمودي شخصياً عن (الوظائف الخمس التي يتمتع ضياء برواتبها) ، فعرض على اللجنة قوائم قسم الحسابات الرسمية فتبين ان ضياءً يستلم راتباً واحداً فقط مع انه في الواقع يتولى خمس واجبات صحفية !

لكن النتائج التي أسفرت عنها تحقيقات اللجنة كانت مدوية داخل الحياة الصحفية العراقية.

ووفقاً لتقرير تايه عبد الكريم دون الاشارة إليه أصدر مجلس قيادة الثورة قراراته بإحالة صحفيين على التقاعد أو النقل الى دوائر خدمية لا علاقة لها بالصحافة ولا بالثقافة!

وكان مجلس قيادة الثورة قد نقل قبل ذلك لقرار منفرد ضياء عبد الرزاق حسن من دار الجماهير الى وزارة الإسكان! ورحب به الوزير آنذاك طه ياسين رمضان وعامله بأحترام .

 

 

قرارات مجلس قيادة الثورة في الوقائع العراقية

الأمر الإداري بتوقيع الشاعر علي الحلي

######

ومعروف على نطاق واسع داخل الأسرة الصحفية في العراق يومئذ ان ضياء عبد الرزاق حسن كان يعاني من عداء الجهات الحزبية بسبب عدم ولاءه للتنظيم الذي يدير الدولة .

ففي إحدى المرات، كان رئيس تحرير مجلة الف باء عبد الجبارالشطب غائباً في سفرة خارجية، فتولى سكرتير التحرير،ضياء مهامها مؤقتاً ، وحصل أن وصله كتاب رسمي من وزارة الاعلام، يتضمن خبراً مقتبساً من مجلة ( الجندي) السورية، ولما كان ضياءً متهماً بصلته بجناح البعث الآخر الحاكم في سوريا، فقد عزف بعض الحزبيين على هذه النغمة، بالرغم من أنه تصرف وفقاً لكتاب حكومي رسمي!

ذهب ضياء حسن يشتكي للوزير، صلاح عمرالعلي، الذي تقلد لتوه منصب وزير الاعلام، ورئيس تحرير صحيفة الحزب الثورة ،وقال ضياء لي هاتفياً من السويد في يوم الجمعة 12 كانون الأول عام 2014 أن ( الأستاذ أبو أيوب، سارع الى التخلي عن كرسيه ليجلس بجانبي، ويعبر لي عن الاحترام والتقدير، وأقنعني بالانتقال من ألف باء الى صحيفة الثورة للعمل معه ، ومع نائب رئيس التحرير، حميد سعيد).

وسألت صلاح عمر العلي عن هذه الحادثة،فأجابني :

( كان الأستاذ ضياء من المتهمين بانحيازه وتعاطفه مع النظام السوري والمتعاطفين معه من العراقيين، وكانت توجد داخل صفوف الحزب حساسية شديدة ضده ، واحتراماً لتاريخ أبو هدى ونضاله القومي الطويل، وخشية عليه من الوقوع في قبضة المخابرات او غيرها من الدوائر الأمنية فيتعرض لمشاكل هو في غنى عنها ، فقد بادرت لإصدار أمر بنقله للعمل في جريدة الثورة بدلاً من مجلة الف باء التي كانت آنذاك بؤرة للفتن والمشاكل ).

ومن المؤكد أن مكتب الاعلام في الحزب ، لم يناقش ، لا قبل تشكيل لجان التحقيق، ولا بعدها، التقارير التي كان بعض الحزبيين في دار الجماهير يرفعونها مباشرة الى رئاسة الجمهورية، ورفعت اللجان نتائج التحقيق الى الرئاسة أيضاً ، وهي التي أصدرت قراراتها باسم مجلس قيادة الثورة ، دون أن نفهم كيفية وصول أولئك الحزبيين الصغار الى رئاسةالجمهورية مباشرة، مع التخمين بأن هنالك جهة ما ، ربما دائرة ألأمن العامة ، هي من كان يوصلها لهم الى الرئاسة،

ومن المؤكد ايضاً ان طارق عزيز كان يطلع رفيقه في مكتب الاعلام على نصوص التقارير ضده التي تصل طارق عزيز بصفته عضواً في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة وهو نائب رئيس مكتب الاعلام.

وقد قضيت سنوات في إتصالات هاتفية وإلكترونية مع عدد مهم من الذين تضرروا بقرارات مجلس قيادة الثورة ، وإخرين لتقصي الحقائق ، فإتصلت مع سجاد الغازي في بغداد وضياء حسن في السويد وخالد الحلي في أستراليا وسلام مسافر في روسيا ومحمد خلف في بلغاريا وسهيل سامي نادر في السويد ومحمد كامل عارف في بريطانيا ومظهر عارف في أمريكا، ونصير النهر في العراق والكثير من المعلومات في هذه الحكاية جاءت من بعضهم ومن غيرهم ، وتعددت أتصالاتي مع عدد منهم، وأجمعوا على أن حسن العلوي كان هو المسؤول عن نقلهم الى خارج جريدة الجمهورية.

ومع ملاحظة أن المرحوم صلاح عمر العلي كان وهو عضو في القيادة القطرية ووزير للإعلام يعتبر أن مجلة الف باء كانت بؤرة للمشاكل والفتن ، فمن المؤكد أن تلك التقارير كانت من هذا المصدر.

وتميل بعض المصادرالى فرضية أن تقارير الحزبيين ضد سعد قاسم حمودي ، والعاملين معه من الصحفيين المحترفين وضد صحيفة الجمهورية كانت تصل باليد الى فاضل البراك مدير الأمن العام عندما يلتقونه في أطار تعاونهم بإلقاء محاضرات على ضباط الأمن العامة، وكان العلوي يتباهى بمعرفته بمسؤولي الأمن والمخابرات ، وكان ينفرد لنفسه بمقابلات صحفية معهم،كما كان الحال مع مقابلاته مع برزان ابراهيم التكريتي،وسعدون شاكر مدير المخابرات العامة، وخير الله طلفاح،وغيرهم المنشورة في أعداد متفرقة من مجلة الف باء.

ومن المؤكد في الوسط الصحفي العراقي آنذاك ، وكما سنرى لاحقاً أن سعد قاسم حمودي كان هو المستهدف الرئيسي من كل التقارير الكيدية ، التي كتبها صغار المحررين من الحزبيين، وقيل بتشجيع من العلوي، رئيس تحرير مجلة ( ألف باء) ، ومحرضوه في جريدة ( الثورة ).

وشخصياً وبحكم درايتي القديمة فأنني لا أستبعد إطلاقاً تهمة تورط بعثيو جريدة الثورة المتقدمون وظيفياً وحزبياً في تشجيع حسن العلوي وغيره على مناهضة سعد قاسم ، طمعاً في وصول بعضهم الى جريدة الجمهورية وضمها لنفوذهم الصحفي .

قرارات ضد الصحفيين

أصدرمجلس قيادة الثورة في 12نيسان ،عام 1978 قرارين رقم491 ، ورقم492 ، والمحالين إلى دار الجماهير للصحافة بكتاب رئاسة الجمهورية المرقم 4901 في 13 نيسان، عام1978 ، ليضمان وجبتين جديدتين من التنقلات التعسفية، وكان جميع الصحفيين المشمولين بهما من الكوادر الصحفية في صحيفة الجمهورية التي كان سعد قاسم حمودي رئيساً للتحرير فيها إضافة لوظيفته رئيساً لمجلس إدارة دار الجماهير للصحافة، ولهم تاريخ طويل في الصحافة والأدب والثقافة والفنون، دون ان يذكرالمجلس في قراريه، أسباباً موجبة لاتخاذهما.

وهم كما يلي:

قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 491 في 12-4-1978

بإحالة كلا من سجاد غازي أسماعيل ، ومحمد حامد خميس على التقاعد.

والقرار الثاني رقم 492 بنفس التاريخ ينص على:

نقل سعود عبد الرزاق عزيز وخالد عبد الأئمة سعيد وسلام أحمد مسافر ومظهر عارف محمد إلى وزارة الصحة.
نقل ليلى احسان يوسف ونصير حسن كاظم ومحمد خلف محمد وسلوى متي زكو الى وزارةالمالية.
نقل محمد كامل عارف وسهيل سامي نادر ومنير رزوق جبّوري إلى وزارة المواصلات.
وقد نشرت جريدة الوقائع العراقية الرسمية نص القرارين بعددها رقم 2650 بتاريخ الإثنين 17 جمادى الأول 1398 هجرية الموافق 24 نيسان 1978 ميلادية.

وصدرت هذه القرارات ومن ثم الكتاب الإداري بتنفيذهما ، بالأسماء المجردة لهؤلاء الصحفيين،أي دون الإشارة إلى ألقابهم المعروفين بها أجتماعياً وصحفياً وسياسياً، أي دون ألقاب ( الغازي) لسجاد و (الناصري) لسعود، و(الحلي) لخالد، و(النهر) لنصير،و( البياتي) لليلى، وهي زوجة سعود الناصري آنذاك ،وذلك لسبب بسيط هو أن تلك الفترة شهدت رسمياً الاستغناء عن الالقاب.

والمفارقة إن مجلس قيادة الثورة، أعلى سلطة في العراق، أخطأ في كتابه الرسمي في أسم سهيل سامي نادر ، وسماه سهيل محمد نادر، وكما حصل في قرار نقل ضياء عبد الرزاق حسن، وسماه ضياء حسن عبد الرزاق!

حتى أن مجلس قيادة الثورة، الهيئة الدستورية والتنفيذية ، لم يكن يعرف الجهة التي ينتسب إليها محمد خلف محمد ، الذي يعترف الأمر الأداري بتنفيذ القرار بأنه (محرر بالمكافأة) ، أي أنه ليس موظفاً في دارالجماهير، وهذا ما أربك وزارة المالية التي نقل إليها، لأن أمر نقله لم يقترن بأن ترسل أضبارته الادارية الى الوزارة.

وكان محمد خلف محمد موظفاً فعلياً في دائرةأخرى ، هي مجلة ( الصناعة ) التي صدرت في شهرشباط من عام 1977 عن أتحاد الصناعات العراقي برئاسة حاتم عبد الرشيد، رئيس الاتحاد، ومدير التحرير ليث الحمداني، الذي كان متفرغاً من وزارة الصناعة للعمل الصحفي في المجلة.

ووقعت لمحمد خلف مشكلة لأنه لم يكن موظفاً في دار الجماهير، وتم نقله الى وزارة المالية التي كان وزيرها الدكتور فوزي القيسي مستغرباً من هذا النقل،ونسب إليه قوله بأن العراق والدولة ليست للبعثيين فقط ،وأقر بعدم قدرته بتغيير ما جرى بشأن محمد خلف فنصحه الوزير القيسي بكتابة رسالة الى النائب صدام حسين وإبلاغه بوضعه ومناشدته توجيه المعنيين بحل اﻻشكال بنقل ملفه الى وزارة المالية او بقائه في وظيفته ، وقال محمد خلف لي في رسالة إلكترونية ان صدام رد فعلاً على رسالته بعد عدة أسابيع بأستثناءه من النقل وبقائه في عمله الصحفي لكن محمد حزم الأمر على مغادرة العراق وغادر فعلاً حيث أستقر في بلغاريا.

وأكد محمد خلف محمد لي ، أنه كان حزبياً في الحزب الشيوعي العراقي، وأنتمى قبل فترة وجيزة من عمله في جريدة الحزب( طريق الشعب) ، ولكنه بعد سنوات من مغادرته العراق ترك الحزب بعد ان اكتشف كما يقول بأن الشيوعية هي الوجه اﻻخر للاستبداد، حيث كانت منظمة الحزب تمارس اﻻرهاب الفكري ضدنا نحن الذين لدينا استقلالية فكرية. وفي الحقيقة ان اﻻنظمة الشيوعية في الدول اﻻشتراكية عززت قناعتنا بان الشيوعية هي الاستبداد أيضاً

من هو المسؤول ؟

على أية حال، لم يكن سعد قاسم حمودي، كما إتضح لاحقاً مسؤولاً عن تشريد هؤلاء الصحفيين والمثقفين الى دوائر خدمية، وتبين أن شخصاً، أوأشخاصاً آخرين يتقدمهم حسن العلوي، رئيس تحريرمجلة( ألف باء) التابعة لدار الجماهير للصحافة ،وبالتواطؤ مع بعض الحزبيين الطارئين على مهنة الصحافة، هم المسؤولون عن هذه الفضيحة، وكانوا يأملون ويطمعون بأن يضيع سعد في هذه المسألة ليجري ترقية ، حسن إلى رئاسة مجلس الإدارة ورئيس تحرير الصحيفة اليومية بدلاً عن سعد ، وبدلاً عن المجلةالأسبوعية.

ولا صحة اطلاقا لمزاعم أوردها من لا يدرك ما يقوله ، بأن حسن كان يستند إلى دعم من إبن خاله، عدنان الحمداني، عضوالقيادة القطرية، في حينه عام 1978 .

ولكن من المؤكد انه كان يستند لعلاقته مع فاضل البراك مدير الأمن العام آنذاك، الذي فتح له الباب ليلقي بعض المحاضرات على ضباط الأمن العامة مقابل أجور مالية سخية.

وتؤكد جميع المصادر التي تحدثتُ معها ، وبعضها ممن كان في موقع المسؤولية، وعلى إطلاع بتفاصيل العمل اليومي في مكتب الاعلام، او الحياة الصحفية اليومية، وغيرهم ممن تضرر من هذا الاجراء التعسفي،ومصادر بعثية ، واخرى محايدة، حتى أن بعض هذه المصادر كانت على علاقة حسنة مع حسن العلوي،وماتزال ، وجميعها أكد لي أن العلوي هو فعلاً المسؤول الرئيسي ، وهو المعروف بأنتهازه للفرص التي تخدم أغراضه ،ورَكَبَ موجه التعبئة لتبعيث اجهزة الاعلام والصحافة،وكثيراً ما كان رئيس تحرير مجلة الف باء حسن العلوي يذهب من الطابق الخامس الى الطابع الرابع حيث مكاتب صحيفة الجمهورية، وكلاهما في مبنى واحد، ويثرثر ضد سعد ومناصريه من المهنيين، ويحاول أغراء كفاءات الجمهورية بالانتقال للعمل في ألف باء مقابل اغراءات مالية ( افضل مما يدفعه لكم هذاالبخيل سعد).

ويشرح سلام أحمد مسافر ، لي ، ملابسات نقله معزم لائه من ( الجمهورية) ، ويقول، انه غادر العراق في حزيران 1979 بعد حوالي شهرين من قرار مجلس قيادةالثورة ، وكان مستعداً نفسياً للسفر، ومهيأ له بعد أن أبلغه أحد أصدقائه البعثيين في (الجمهورية) بأن القائمة جاهزة بالتنقلات بتهمة الانتماء للحزبالشيوعي، وبعد ( سنوات من مغادرتي العراق، علمت من مصادر مختلفة أن أبعادنا جاء بناء على دراسة أعدها حسن العلوي بمناسبة مرور عشر سنوات على ثورة 17-30 تموز كما يسمونها ، توصل فيها إلى أن الأعلام مايزال بيد الشيوعيين وأعداء الحزب والثورة، وكان يروي لنا قصصاً ونكات، ضد رفاقه في البعث ، ويطرح نفسه على أنه ليبرالي ومنفتح على الأفكار التقدمية،وغيرها من المزاعم).

ومع ان سلام مسافر لم يكشف هوية البعثي الذي أبلغه مسبقاً بان قائمة التنقلات جاهزة الا انني واصلت التقصي حتى قال لي المرحوم غالب زنجيل انه حذر بعض الشيوعيين من تلك التنقلات قبل صدورها.

ويروي محمد خلف محمد رواية مماثلة في تورط العلوي شخصياً في تنقلات الصحفيين والادباء الى خارج صحيفة الجمهورية وقال في رسائله بالبريد الالكتروني انه شخصيا سمع العلوي يشتم الشيوعيين دون أن يدرك ان محمدخلف قد سمعه.

وكان كما تثبت الوقائع ان البعثيين الحزبيين كانوا يسعون للتخلص من الشيوعيين مهنياً وحصر النشاط الصحفي بالبعثيين فقط..

ولابد من التأكيد ، وأنا كنت شاهداً ، ان وكالة الأنباء العراقية والاذاعة والتلفزيون وحتى جريدة الحزب كانت ممتلئة بغير البعثيين.

وكان العلوي كثيراً ما يتردد على مكاتب الصحفيينفي الجمهورية مروجاً لخططه في التخلص( من أستعمار دار الجماهير) لتصبح مجلة ألف باء داراًمستقلة عن دار الجماهير، حتى أنه كان يتحدث بذلك في الاجتماعات الدورية التي يعقدها مع كادر ألف باء من المحررين .

وأوضح المرحوم سلام شماع في رسالة إلكترونية بتاريخ 11 تشرين الثاني عام 2013 قبل سنوات من وفاته أن العلوي (كان يلوح أمامنا نحن المحررين في الاجتماعات التي يعقدها لنا ، أنه يريد أن يخرج بمجلة ألف باء مما سماه أستعمار دار الجماهير،وبدأ يبحث عن بناية مستقلة ومطبعة يشتريها للمجلة ،وخطط للانفصال عن دار الجماهير بحيث يجعل من ألفباء مؤسسة مستقلة.

ولم تصبح مجلة الف باء مؤسسة مستقلة إلا في السنوات الأولى من عقد الثمانينيات خلال رئاسة كامل الشرقي تحريرها واستقل بها في بناية مستقلة في احد الشوارع الفرعية من شارع الإمام الأعظم في الاعظمية .

ويروي جميل روفائيل، رأي سعد قاسم حمودي بهذه الفضيحة ، ويقول أن سعداً ابلغه بمسؤولية العلوي خلال زيارة لبلغراد صيف عام 1986 ونشر جميل ذلك في مقال له ( حقائق وذكريات في أربعينة سعود الناصري ) في موقع عينكاوة الإلكتروني.

ولم تعترف الدولة بمناصب المتضررين النقابية،فكان سجاد الغازي ( سجاد غازي أسماعيل) في حينه الأمين العام المساعد لأتحاد الصحفيين العرب، وضياءحسن، أمين سر نقابة الصحفيين، وسلوى زكو عضومجلس النقابة، وسعود الناصري عضواً في لجنة العلاقات الخارجية بالنقابة، وجميع من شملتهم القراراتهم أعضاء عاملون في النقابة، بل أن محمد حامد ، كان بالرغم من ممارسته الصحافة لسنوات طويلة، يحمل شهادة بكالوريوس صحافة، وتخرج معنا في الدورةالاولى لقسم الصحافة بجامعة بغداد في تموز عام1968.

ولوحظ أيضاً أن رئيس مجلس الإدارة ، سعد قاسم حمودي لم يوقع على الأمر الإداري بالتنفيذ ، بل وقعه علي محمد حسين، وكيل رئيس مجلس الإدارة، وهو الشاعرالمعروف علي الحلي، مدير الادارة العام بوزراة الاعلام ،وكيل رئيس مجلس الأدارة لدار الجماهير مؤقتاً، ولم يوقع بأسمه المعروف نتيجة لقرار الاستغناء عن الالقاب.

وعينت الدولة سعد قاسم حمودي وزيراً للأعلام ووزيراً للثقافة بالوكالة مع إحتفاظه بوظيفته رئيس مجلس أدارة دار الجماهير، حتى تم تعيين كريم شنتاف وزيراً للثقافة، وعينت الشاعر حميد سعيد،رئيساً لتحرير الجمهورية خلفاً لسعد ، لكن سعد قاسم حمودي، خول حميد جميع صلاحياته كرئيس لمجلسالإدارة.

ولم تلتفت الدولة لطموح حسن العلوي ليصبح رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية ، وتؤكد جميع المصادر التي طلبت رأيها ، وبعضهم كان على علاقة حسنة مع العلوي ان كل أعضاء مكتب الأعلام ومنهم طارق عزيز نائب رئيس المكتب لان رئيس المكتب هو صدام حسين، لا يحضر للاجتماعات كثيراً لإنشغاله بأمور أخرى ، لم يكونوا على ود مع العلوي وكثيرا ما كانوا يرفضون الموافقة على اي أقتراح يتعلق بالعلوي، ولم تتوصل البحوث إلى سبب نفور قيادات الصحافة والإعلام في العراق منه.

ما هي الحقيقة ؟

وفي مقال بعنوان ( ليس بينهم فوزي كريم) ونشره في الموقع الإلكتروني ( أقلام حرة) بتاريخ 3 إذار 2010 أي بعد 26 عاماً وايضاً بعد الاحتلال الامريكي ، قال حسن العلوي:

( في مجلة الف باء التي توليت رئاسة تحريرها لم أستجب للضغوط ولم أفعل شيئاً ضد زملاء شيوعيين. مكتب الأعلام الذي يضم طارق عزيز وناصيف عواد وآخرين كان ضدي وطبعاً رفعوا تقريراً الى صدام يفيد بأنه تم تطهير المؤسسات الصحفية من الشيوعيين وبقى أخونا حسن العلوي لم يقدم أسماء.

إستدعاني صدام وقلت له ، ليس لدي أسماء ، رد علي بأنهم في المكتب الإعلامي قالوا لي هناك 13 شيوعياً يعملون في المجلة ، وحاججته لو كانوا شيوعيين ما أشتغلوا معنا ، وإذا كانوا كذلك فلا فضل لنا عليهم بل هم أصحاب الفضل ، فهم يكتبون في وسائل إعلامنا ويكتبون عن إيجابياتنا ويسكتون عن أخطائنا وعندما نطرد الشيوعيين من الجرايد والمجلات ماذا يبقى لحزب البعث وهو خال من المثقفين ولم ينجب من الصحفيين والإعلاميين غير قليليين جداً مثل حسن العلوي وسعد البزاز وجليل العطية في حين هنالك عشرات الصحفيين في الحزب الشيوعي.

صدام قال ، خليهم)!

وهكذا يستخف العلوي بهذا المقال بالذاكرة الصحفية العراقية حينما يحرم البعث من صحفيين محترفين من سعد قاسم حمودي الى ضياء عبد الرزاق حسن وسامي مهدي وحسن السعدي وعشرات غيرهم ، علماً بأنه جاء للصحافة فقط في عام 1963 عندما كان يكتب بالقطعة باب شكاوى المواطنين في جريدة الجماهير ويسلمها لسكرتير التحرير سامي مهدي.

ويحصر العلوي الخبرة بأسمين إضافة الى أسمه وأغلب الظن إنه لم يكن يعرف ان جليل العطية قد غادر العراق منتصف عقد السبعينيات للدراسة في فرنسا ،وبأن سعد البزاز لم يكن حينها كادراً صحفياً بل وجه ثقافي تلفزيوني بدأ في تلفزيون الموصل .

الخلاصة

ربما كان ميل العلوي للثرثرة بالشؤون الحزبية والحكومية التي لم يكن له دور فيها ، هو من تلك المصاعب التي أدت الى أفول نجمه في الصحافة العراقية فهاجر الى الكويت ثم سوريا وبريطانيا والكويت مرة أخرى وانتقم بانضمامه الى معارضة نظام حكم صدام حسين.

ويرى بعض من يعرفه ان سبب نفور أعضاء مكتب الاعلام ربما يكون بسبب كثرة تقلبات حسن وادعاءاته بأمور ليست صحيحة منها مثلا ان رئيس الجمهورية احمد حسن البكر يتصل به ويطلب المشورة منه في بعض أمور ادارة الدولة ، وهذه عادة قديمة لازمت حسن منذ وقت سابق وليس كما يظن البعض بأنها ولدت عنده بعد أحتلال العراق .

وكذلك يظن البعض الاخر إن تدخل العلوي في الشؤون الحزبية القيادية ربما أيضا تكون سبباً في سلبية مواقف قيادات الأعلام والثقافة منه، ومنها تردده على مكتب وزير الاعلام عبد الله سلوم السامرائي يومياً طالباً من السكرتيرة مقابلة الوزير لمعرفة أخبار إجتماعات القيادة القطرية التي كانت تجتمع مساء كل يوم في القصر الجمهوري خلال الأسابيع الأولى بعد 17 تموز عام 1968.

ويرى آخرون ان ذلك النفور هو نتيجة طبيعية لشخصية العلوي النرجسية ، وسعيه للفت الأنظار في أي إجتماع أو لقاء مع رئيس الجمهورية صدام حسين ما جعله ثقيل الظل وغير مرغوب به لديهم، وروى لي أحدهم كيف أنتهز فرصة تأخره عن اجتماع برئاسة صدام ذات مرة لكي يحصل منه على موافقة أستخدام سيارة حكومية نوع فولفو مخصصة لرؤساء تحرير الصحف بدلاً من سيارة لاندروفر.

بل كان يفتعل إجتماعات مع النائب صدام حسين أتضح أنها لم تحصل ، بل حتى تلك المشورة التي أدعى أكثر من مرة واحدة ان الرئيس أحمد حسن البكر طلبها منه!

كذلك يرى كثيرون من قيادات الأعلام أن العلوي غير مؤتمن وهم لا يثقون به وغير مؤتمن على ما يجري في الاجتماعات المغلقة من مداولات ووجهات نظر وأسرار ، وخوض فيما لا يعرفه .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1452 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع