جنة الحسيني
يوم مشرق جميل ونسيمات هواء عليلة جعلتها تسير بهدوء لكي تنساب نسمات الهواء اليها بروية وهدوء ,
اخذتها خطواتها الى المحل القريب من سكنها لكي تبتاع بعض ما تحتاجه في هذا اليوم ومن ثم سارت نحو الحديقة العامة ,وجلست على المقعد الذي طالما جلست عليه تجتر ذكرياتها الجميلة والأليمة , فهما توأمان اخذا حصتاهما من حياتها , والآن من ذكرياتها , اغمضت عيناها وتنفست بعمق وسرحت بخيالها بعيدا حيث ارض الوطن الغالي, الذي كانت تزهو به وبعائلتها , ونزلت دمعة من عينيها .. هل هي على الوطن الجريح ؟ ام أنها على بيت كان يضم عائلتها ؟ , خوى الان من ساكنيه , فمنهم من هجره وهجر الوطن كله ,ومنهم من سكن تحت التراب , المهم انه خالي !.
نظرت الى الناس , وسعدت لسعادتهم واستمتاعهم بالشمس والمناخ اللطيف المعتدل , انها نسائم الربيع ,, والحديقة تبهج النفس فمن الوان الزهور البديعة الى الوان الاشجار (سبحانك يا الهي خلقت فأبدعت ) ,جالت ببصرها هنا وهناك, وتناهت الى اسماعها قهقهات الاطفال المبهجة , فكم جميل ان يبقى المرء طفلا,, لا يعرف من الحياة سوى اللعب واللهو والنقاء,
تسمرت عيناها .. ما هذا وكيف يمكن ان يكون ذلك؟ , هل من المعقول؟ , تسمرت ذهبت عيناها ناحية رجل يلهو مع اطفاله وبجانبه سيدة جميلة تبدو سعيدة بزوجها وأطفالها , وحدثت نفسها "يا الهي.. انه نسخة من ابني البكر! كم هو شبيه به ؟, نفس الملامح ,نفس الحركات ,ربما يختلف عنه قليلا, ولكنه قريب الشبه الى حد كبير! , اخذت تحدق به لتشبع عيناها من رؤية ولدها ,او على الاقل شبيهه, وتستثمر فرصة كونه لا يراها , فهي تجلس على بعد كاف منه ... امعنت النظر اليه , وسرحت مرة اخرى, حيث ايام شبابها ,وكم كانت فرحتها كبيرة بولدها البكر (زهرة شبابها ) كما يقولون , وجال امام عينيها شريط الذكريات , وكيف كبر ابنها وأصبح شابا خلوقا يافعا ؟وكيف ؟ وكيف ؟ واستعرضت محطات حياته وأيام دراسته ومن ثم زواجه, وكيف فرح قلبها بأولاده ووو... , قالت في سرها " يا الهي لا اريد ان اتذكر هذا اليوم , انه يعيد ذكرى مؤلمة لا تفارق خيالي , عندما صحى ولدي واراد ايصال ابنته الى مدرستها , ففي تلك الايام كانت الامور صعبة , والعيش اصعب , وكثير من الحوادث تحدث ! سلم على وزوجته وقال ..سأوصل ابنتي واعود , ولكنه لم يعد ! , "فبعد خروجه بعشر دقائق, سمعنا دويّ انفجار , فعصر قلبي, وقلت يا ساتر! , انتظرت قليلا.. وقلت لزوجته, اتصلي به فقد غاب طويلا !, اتصلت ,واتصلت , من دون إجابة تشفي غليلي .. وفي تلك اللحظة المشئومة , جاء ابن الجيران ليقول "خالتي انه ابنك ..انفجرت سيارته ( بعبوة لاصقة ) ! " آه كم بت أكره تلك المسميات الغريبة عن حياتنا " .قلت ماذا ؟ وصرخت أولى وثانية وثالثة حتى تحجرت الصرخات في صدري ! وانا اهرول نحو مكان الإنفجار القريب من بيتي ! ولم اجد نفسي إلا وانا في موقع الحادثة كمجنونة فقدت عقلها ,ولكنها خرساء لا تستطيع كلاما ! ,انظر فقط في عيون الناس وأتابع لهيب سيارته المتصاعد , نيرانا ودخان الى كبد السماء التي تعلقت بها روحي ..اين ولدي ؟ هل ابحث عنه بين النيران أم بين الدخان ؟, وجاء من يقول" لاتجزعي خالتي , انه لم يزل حيا , يدرك من حوله ! وهو في غرفة حرس السيطرة , هتفت بحشرجة ! " اريد رؤيته, وبعد لحظات , خرج من يقول لي باكيا , لقد رحل يا خالة !!!, تسمرت عيناي على المخبر ! ولم أر ولدي الحبيب , قطعة كبدي ! لقد منعوني من رؤيته الرؤيىة الأخيرة ..هل تصدقون , لم أذرف حينها دمعة واحدة ؟, فقد جفت عيناي من الدموع !
, هكذا اسدل الستار على حياة فلذة كبدي , رحل في عز شبابه .. رحل ولم يعد .. ورحل بعده من رحل من الاحباب ..وخلا الدار ,..نظرت مرة ثانية الى جليس الحديقة شبيه ولدي , طامحة ان اشبع مشاهدتي له وقد وضعته امامي مثل صورة بهية تنطق ولا تجمد , وتمنيت لو طال وقت جلوسه لأجدد ذكرياتي مع ولدي الأحب ..فانا الآن كأني ارى ولدي الذي رحل عني مبكرا ولم يكمل طريقه , نظرت ونظرت وكأنني اريد ان اعبئ عيناي بصورته , او هكذا بدا لي , وما هي الا دقائق اخرى حتى اخذت المرأة جليسة الحديقة الجميلة تلملم حاجياتها, فقد بدأ البرد يتسلل بقرصاته اللذيذة , وهاهي العائلة تروم العودة الى دفء مسكنها قبل الغروب ! أما ولدي فلا شمس ولاغروب له ! وقد أبى الحظ الا ان يوفر لي فرصة اضافية لأتمتع أكثر بمرأى ولدي في صورة الرجل !, فقد كان طريق عودتهم من ممر امامي , قطعوه والقوا التحية عليّ , ففرحت وكان الدنيا اصبحت في كفيّ , وقد رافقهم نظري حتى غيبتهم المسافة عن رصدي !
, اخذت نفسا عميقا او حسرة كبيرة ,ودعوت لهم بالسعادة , وتمنيت في سري ان يعودوا في يوم اخر , علّني ( ارى) ابني ثانية! ولو لمرة واحد لفاتحت شبيهه بسري ولأشركته معي في التأسي على زهرة أسقطتها سوءات الحقد والعداء فانفطرت السماء تأسيا لها وذلت الأرض لصرخة ام مكلومة على ولدها البريء الذي سقط من دون أن يؤد نملة !!!
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع