نزار ملاخا
العراق بلد الخيرات، بلد التاريخ، بلد الكرامة والشرف، بلد الثقافة والعلوم، بلد الأصالة والتضحية والإيثار، فمنذ أن خلق الله جنّته ( جنّة عدن ) في ربوع العراق، ومروراً بتأسيس أول مدينة فيه هي مدينة بابل التاريخية، وبناء البرج المشهور والمعروف ببرج بابل أول برج في العالم، والجنائن المعلقة في بابل والتكلم بأول لغة في العالم كان في بابل، ومن ثم تشتيت الخَلْق من بابل إلى ارض الله الواسعة، ومن ثم طفق الجميع يتكلمون بلغات عدة، والجميع يطمعون بنهب خيراته وسلبه.
هذا العراق العظيم، وهذا الشعب العظيم، وبهذه الثقافة العظيمة وهذه الإختراعات العظيمة، وهذه العلوم التي علّمت البشرية، اليوم يخضع هذا الوطن الغالي للهيمنة الإستعمارية ومن عدّة دول، وأناخ من جراء الضربات التي كالتها له كل تلك الدول ، فبات الإنسان العراقي مظلوماً، محروماً، في آخر مرتبة في العالم من حيث الثقافة والعلوم، بعد أن كان يمتلك ناصية العلم ومنارة إشعاع للثقافة، أصبح العراقي يبحث بين سفارات العالم عسى ولعل دولة تقبل أن يحتمي بظلها، أو يركن إليها لما تبقى من عمره، يقول الشاعر
يا وَطَنْ ,,, ليش أنتَ من دون كُل الدول صاحَتْ عليك الصايحة ؟
وليش أنت من دون الدول بكل بيت عندك نايحة
وليش أنت من دون الدول أطفالك الحلوين بالدم سابحة
وليش أنت من دون الدول ناسَك أتصبّح نازحة
رد العراق وگال
لأن تاريخي أصيل وطمعت بيه كل الشعوب الدايحة، اصحاب الحظوظ الطايحة
تركنا عراقنا العظيم بعد أن تكالبت عليه من الشرق والغرب،
قِوى الشر والعدوان،
وأتفق على تدميره الأصدقاء والجيران،
تفتيته، تهديمه، وتدمير ما فيه من بقايا إنسان
ليصبح بين ليلة وضحاها الألم بادياً عليه في كل مكان
أمراض،آلآم، مآسي، قهر، وأحزان
تركه الطيّبون والمثقفون، وأنهزم الأطباء، وهرب الخلاّن
ولم يبقَ لنا سوى أن نتذكر العراق بلد النبي دانيال ونوح والنبي يونان
تعلّمنا بأن الطموح لا تحدّه حدود، رضعناه مع الحليب من صدر أمهاتنا، كما رضعنا معه حب الوطن والإخلاص له والتضحية في سبيله، وبتوالي الأيام أصبحنا نحن أطفال الأمس الجيل الجديد، وارتقينا إلى مواقع المسؤولية والقيادة الموقعية للعمل، ضاعفنا من تلك الإهتمامات، فكان همّنا الأول أن نكون عند حسن ظن مَن أوكل لنا تلك المسؤولية أو المهمة التي ألقيت على عاتقنا،
حب الوطن يكبر في عقلنا وتفكيرنا ومشاعرنا كما كان كلّما كبر جسمنا وعقلنا ومشاعرنا، كنا في العمل وكأن موقع العمل ( الدائرة أو المؤسسة ) هي ملك لنا ورثناه عن آبائنا، نجهد ليل نهار، لا همَّ لنا سوى إنجاز العمل بدقة وكفاءة عالية مع سرعة في الإنجاز، وتعرضنا من خلال ذلك لمواقف لا نُحسد عليها، فكثيراً ما كان يزعل علينا الأصدقاء، عندما يزداد حرصنا ، ونضغط على مَن هم دوننا في الوظيفة لمضاعفة الإنتاج، أو لتحسينه، هذا الحرص كان يفوق ويعلو على معايير الصداقة والجيرة والقرابة، والأمثلة كثيرة ومتعددة، ولكن بالمقابل لم يكن هذا الحرص يتعارض مع مبادئ الإنسانية التي نحملها في قلوبنا، فكنا عند الشدة خير مَنْ يقف مع المحتاج، نشعر بألم مَن هم متألمون ولو أن المثل يقول ( لا يؤلم الجرح إلا صاحبه) ولكننا كنا عند الشدائد جبل شامخ، وكانت عندنا الرحمة فوق القانون بحدودها التي لا تدخل في عرقلة سير العمل أو في الإخلاص للوطن أو التضحية في سبيله. ولهذا كان طموحنا بلا حدود .
المعلم كان مربّي، وكان له الكلمة الفصل، وكان الأب والأستاذ، له كل التقدير والإحترام،
قُم للمعلّمِ وأدّهِ التبجيلا ,,,,,,,,,,, كاد المُعَلِّمُ أن يكون رسولا
اليوم ونحن في بلدان المهجر نرى عكس ما تعلمناه وما تربينا عليه من درجات الإحترام والتقدير والتبجيل، أو من الأخلاق الحميدة التي زرعها في قلبنا وضمائرنا الأهل والمعلمون وكبار السن من الجيران ورجال المحلّة والشيخ الوقور وغيرهم، أقول في هذه البلدان بأن كل تلك المعاني ليست لها موقع في العقول والقلوب والضمائر، فقليل جداً من الطلبة مَن يجهد نفسه في سبيل المستقبل، وهنا لا توجد المقولة ( الجيش مصنع الرجال ) بل هناك معانٍ تعكس كل ما تعلمنا، فالمعلم تناديه بإسمه المجرد لا أستاذ ولا ( بطيخ ) والطبيب تناديه بإسمِهِ، وهو مثل غيره، أليس الجميع بشر، فلا كأنه تعَب كل تلك السنين وصرف الجهد الكثير، وحرم نفسه لما تلذذ به غيره ليصل إلى هذه المواقع، كل صيغ الإحترام التي تعلمناها في بلدنا الحبيب نفتقر إليها اليوم في بلاد الغربة، يستغربون جداً عندما كانوا يسمعون أطفالنا يتكلمون بثلاث لغات أو اربع، فمثلاً الطفل الذي تربّى في كركوك العراق يتكلم الكردية والعربية والتركمانية ولغته القومية، كأن تكون الكلدانية أو الأرمنية وغير ذلك، يستغربون جداً جداً من ذلك،
نعيد القول العراقي ليس لطموحه حدود، ما سمعناه عن الغرب ونحن في العراق مبالغ به مئات المرات، الفرق هو أن المواطن هنا بشكل عام يحصل على الرعاية الإنسانية بكل معانيها في المدرسة أو المستشفى أو العمل أو في أي مكان، فالمقياس الوحيد هو إنه إنسان، إذن يجب أن يحصل على الرعاية بغض النظر كونه لاجئ، يؤمن بالله أم لا يؤمن، جنسيته، بلده ، دينه، مذهبه، معتقده السياسي، كلها مسائل شخصية لا تدخل في باب تقديم الرعاية سواء كانت الإنسانية أم الطبية أو الإجتماعية وغير ذلك، الدولة ترعى المواطن وتخدمه، نعم يطبقون شعار الشرطة في خدمة الشعب بكل معانيه، الشرطي لصلاحياته حدود، لا يمكن أن يتخطاها وإلا طالَهُ القانون، ليس كالشرطي عندنا صلاحياته بلا حدود ( والشرطي أقصد من الشرطي بدون رتبة إلى مدير عام الشرطة) يحجز من يشاء، ويطلق سراح من يشاء، والموقوف يتحمل كل الإهانات، بعكس ما يجري هنا، من تقديم خدمات ممتازة حتى في السجون. مواطننا محروم من نعمة العناية به، فلو وجدت الحكومة كالتي في بلاد الغرب لكان المواطن العراقي في القمة بدون مبالغة، فالعراقي فعلاً ( ما تصير له چاره) لأنه مخلص ومبدع وفنان ومثقف سواء بالفطرة أو عن طريق الدراسة، المواطن العراقي عملة نادرة لا مثيل لها، نعم العراقي ما تصير له چاره، فهو الطَّموح وهو المبادر، وهو الرؤوف، وهو الرحوم، وهو فاعل الخير ولا ينتظر جزاءاً ولا شكورا، وهو المبدع وهو ذو فكر خلاق وثاقب، ثقافة العراقي عامة شاملة، فالكثيرين لا يصلون لما كان يتمتع به العراقي من علو وثقافة، فمنذ صغره تتم تنمية مواهبه نحو الخير، هواية جمع الطوابع لكي يتعرف على بلدان العالم، المراسلة، القراءة والمطالعة، المبارزة الشعرية، دراسة تاريخ وعادات وتقاليد الأسلاف ليبني عليها شخصيته، مبدع في الأدب والفن والموسيقى، وغيرها الكثير الكثير.
نعم أيها العراقي فأنت الراقي، لا تنظر إلى سماء اليوم فإنها ملبّدة بالغيوم، ولكن بعون الله وهمة الكثيرين المخلصين من ابناء العراق سيأتي ذلك اليوم الذي تنقشع فيه كل هذه الغيوم وستُستنهض الهِمَمُ ونستمد العزم والعون من تاريخ أمتنا المجيدة وينهض العراق مداوياً جراحاته، ويعود ذلك اليوم المشمس الذي سيشع بأنوار شمسه على العراق كلّه، نعم العراق اليوم يئن تحت ضربات السيوف والخناجر التي تحملها الأيادي القذرة التي تحمل الحقد للعراق، لأنه بلد الأنبياء وبلد الكرامات والرجال الصالحين، ولكنها حالة وقتية لا بد أن تزول ، فما تزال وراء الغيوم شمسٌ مشرقة، وكلُ غازٍ سيرحل، وكل معتدٍ سيرحل، وكل لصٍ وأجير سيرحل، وكل من أمتدت يده لنهب خيرات العراق أو الإعتداء على العراق ستُقطع، وسيدفعون أثمان باهضة جراء تطاولهم على العراق العظيم
وإن غدٌ لناظِرِهِ قريبُ.
عِشْ مثلَ أشجارِ النَّخيلِ مُطاوِلاً ,,,,,,,,,,,,,, نجم السَّماءِ ، تَعَشَّقَتْكَ الأنجُمُ
أو مثل زيتونِ الشَّمالِ موشّحاً، ,,,,,,,,,,,,,, بالعزَّ رغم القهر لا يستسلمُ.
689 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع