مصلحة نقل الركاب في البصرة .. صورة في الذاكرة

غريب دوحي الناصر

مصلحة نقل الركاب في البصرة .. صورة في الذاكرة

من بين المناظر الجميلة التي كنا نشاهدها في مدينة البصرة منظر مصلحة نقل الركاب بحافلاتها الكبيرة الفارهة ذات اللون الاحمرووالتي كانت تسمى شعبيا بباصات ( ابو عرام ) وكانت تجوب شوارع المدينة بين البصرة والعشار ثم بين العشار والمعقل ، وكنا ونحن صغار السن في مرحلة الطفولة ثم الشباب من روادها الدائميين ذهابا وإيابا من البصرة الى العشار . وكانت هذه الحافلات تغرينا لرخص اجور النقل فيها اولا ثم

لسعتها ثانيا , وكانت الاجور هي 10 فلوس ثم أبدلت الباصات بأخرى حديثة (مرسيدس وهذه ذات قسمين الاول كراسي كشنات واجرتها 15 فلس اما القسم الثاني كراسي من الخشب بسعر 10 فلس) . وكانت البصرة القديمة ترتبط بالعشار بطريق نهري (نهر العشار) الذي يخترق المدينة عبر غابات النخيل وبيوت بسطاء النتس الممتدة على جانبيه , وكانت الزوارق الصغيرة (ألأبلام العشارية) ترسو بالقرب من جسر يقع في محلة (نظران) يطلق علية البصريون اسم (جسر الغربان) بسبب تجمع

هذه الزوارق ذات الحجم الصغير واللون الاسود والتي تشبه الغربان بالقرب منه وتمر هذه الزوارق التي يرتادها الباشوات عاده مثل بيت المنديل وصالح بك العبد الواحد وغيرهم عبر نهر العشار غير ان بلدية البصرة في اواخر العهد العثماني اعدت مشروعا لربط البصرة بالعشار عن طريق البر بشارع ترابي سمي (جادة الرشادية) تيمنا بالسلطان محمد رشاد الذي نصبة حزب الاتحاد والترقي بدلا من اخيه السلطان المخلوع عبدالحميد . وقد فتح هذا المشروع والي البصرة (سليمان نظيف بك) عام 1909 ويتضمن هذا المشروع هدم المباني وازالة البساتين التي تزاحم

الطريق فآمر الوالي بإزالتها اضافة الى ان سوق السيمر المطل على نهر العشار تعرض عام 1909 لحريق مدمر . وهكذا تم افتتاح هذا الطريق الذي كان في بدايته ترابيا ثم بلط بالحجر وبعد هذا تم بناء مخفر للجندرمة (الشرطة) في منتصف الطريق على ضفة نهر العشار وقد تم انارة الشارع بالفوانيس النفطية المعلقة على اعمدة بالفوانيس الزيتية.

مصلحة نقل الركاب – مرحلة التاسيس

تأسست مديرية مصلحة نقل الركاب في البصرة عام 1946 من قبل رئاسة بلدية البصرة تخفيفا للازدحام وتأمينا لراحة المواطنين على ان ينفذ
المشروع بعشرين سيارة من مخلفات الجيش البريطاني في منطقة (الشعيبة) وكان المشروع يهدف ايضا من بين ما يهدف الى نقل المواطنين

داخل مركز المتصرفية فقط , وكان الناس يسمونها (الأمانة) ذلك لأن ادارتها كانت في بغداد وحين اسست كانت تدار من قبل امانة العاصمة . لقد قامت مديرية بلدية البصرة بشراء (20) سيارة بمبلغ خمسة آلاف دينار باعتبار قيمة السيارة الواحدة (250) دينار بعد ان حصلت البلدية على موافقة المتصرفية بهذا الشأن وتم صبغ هذه السيارات وإعدادها للعمل واتخذت سينما الحمراء الصيفي دائرة للمشروع وكراجا فيها , وعرفت الدائرة الجديدة بأسم (مديرية نقليات البلدية) ، كما منحت البلدية مخصصات مقطوعة الى مدير النقليات قدرها (10) دنانير شهريا لأغراض التجول والكشف على اصلاح الباصات والتفتيش وقد جرى توزيع البطاقات على الجباة الذين تكون مهمتهم استحصال اجور النقل من الراكب بعد تزويده ببطاقة حيث يقوم موظف آخر يدعى (المفتش) بفحص هذه البطاقة ثم تمزيقها وتكون للمفتش أماكن خاصة يقف بها في الشارع لأداء مهمته .

وحددت البلدية بعد ذلك تسعيرة الراكب من البصرة الى العشار وبالعكس بمبلغ (12)فلس للدرجة الاولى (الكشن) و (8) فلس للدرجة الثانية (كرسي الخشب) ثم ابدلت هذه التسعيرة بأخرى فأصبحت (10) فلوس للدرجة الاولى وثم بعد ذلك طبع بطاقات التسعيرة ووزعت على (الجباة)

وقد نشرت التسعيرة في الصحف المحلية. وقد الزم (الجباة) بارتداء ملابس خاصة فيهم اثناء فترة العمل صيفا وشتاء اما الذين لم يحصلوا على الكسوة الصيفية او الشتوية فكانوا يتسلمون بدلا نقديا محلها تسمى (بدل كسوة) وقد اصدرت مديرية البلدية امرا بخصوص الموظفين الذين يحملون هويات بنقلهم مجانا الى أماكن عملهم كما خفضت اجور الطلبة الذين يتم نقلهم الى مدارسهم ذهابا وايابا بنسبة 20% ، ثم قررت البلدية بأن يكون باص المصلحة واجهة للإعلان في داخل الباص وحددت اجور الاعلان بسعر (250) فلسا شهريا وللقدم المربع الواحد .

ذكر رجب بركات (مدير بلدية سابق في البصرة) في كتابة (بلدية البصرة) الجزء الاول بعض الحوادث الطريفة في صفحة 659 قائلا : " وقد حدثت بعض الحوادث لهذه الباصات في طريق البصرة عشار بسبب ضيق الشارع وضخامة السيارات مما ادى الى انقلاب احدى هذه السيارات

في نهر العشار بتاريخ 15/12/1946 وقد سهل عملية سلامة الركاب ومستخدمي الباص ارتفاع المد في النهر , وكان وقوع الحادث بالقرب من
مركز الاطفاء حيث هرع افراده لإنقاذ الركاب وقد فقد احد افراد فرقة الاطفاء وهو (عمر عبدالله) (تك) جزمته من قدمه في النهر وعند ذلك اتخذ

المجلس البلدي قرارا جاء فية : " بالنظر لفقد (تك) جزمة عمر عبدالله اثناء قيامة بالواجب قررالمجلس البلدي الموافقة على شراء (زوج) جزمة للذكور بواسطة لجنة المبيعات وسحب (التك) المذكور منه ! " .

ويضيف رجب بركات قائلا : " افتتحت نقليات البلدية اول خط لها خارج حدود البلدية الى منطقة المعقل عام 1947 وتم تشغيل (4) سيارات على طريق العشار – المعقل بأجرة (30) فلس للراكب في الدرجة الاولى و (20) فلس للراكب في الدرجة الثانية وحددت مناطق الوقوف ابتداء من

المتصرفية – ام البروم – الرباط الصغير – الرباط الكبير – ماكنة السوس – الحكيمية – الجبيلة – مفرق طريق طيران الجيش البريطاني – سوق المعقل – دائرة الميناء – فندق شط العرب –المطار المدني .. " كتاب بلدية البصرة ص 660 .

في عام 1949 فك ارتباط مصلحة نقل الركاب من رئاسة بلدية البصرة والحقت بالادارة المحلية وأصبحت تدار من قبلها وفقا لقانون النقل المحلي رقم (38) لسنة 1956 الا انه الغي وحل محله نظام مصالح نقل الركاب رقم (66) لسنة 1962.اما في الثمانينات فقد اصبح ملاك المصلحة لحد عام 1986 مؤلفا من (610) منتسب يشمل (190) موظفا اداريا بضمنهم جهاز السيطرة والتفتيش ومراقبو الخطوط و (260) سائق واكثر
من الف عامل ماهر . اما عدد الحافلات فيبلغ (159) حافلة مرسيدس و (40) حافلة ريم وتعمل هذه الحافلات لوجبتي عمل صباحا ومساءا , وكان عدد الخطوط (29) خطا بواقع (130) حافلة , وقد افتتح خط آخر الى قضاء ابي الخصيب وكانت حافلات الخط من نوع (نصر) اما الكراج

الذي كان موقعه بالقرب من ساحة سعد الحالية خلف الطب العدلي فانه كان يتألف من عدة ورش فنية ذات اختصاصات متعددة لاغراض التصليح والصيانة . وكان اول مدير لمصلحة نقل الركاب في البصرة هو الضابط الطيار المتقاعد حفظي عزيز . اما ضابط الخطوط فكان (محيبس) وجاء من بعده شاكر محمود الموصوف ثم حسن بحر واحمد عبدالله

وكان ضابط الخطوط انذاك يرأس الوجبتين الصباحية والمسائية وكان مع كل وجبة رئيس . وفي كل خط من الخطوط موظف يسمى مأمور ساحة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع