عائشة سلطان
المجتمعات الفاشلة
عندما تزيد حدة الاتهامات المتبادلة أو الموجهة للأنظمة والحكومات، وترتفع الشكاوى من الناس متبرمين من تردي الأحوال وغلاء المعيشة، والارتفاع المبالغ فيه للأسعار، وظهور ما يعرف بأحزمة وأحياء الفقر وطوابير الجياع، فنحن أمام حالة مجتمع على وشك الانهيار بلا شك، لن ينقذه من انهياره هذا سوى تدخل سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر وصفات سريعة، تضخ أكبر قدر من المال، والمساعدات للفقراء وذوي الاحتياجات العاجلة، قبل أن يدخل المجتمع في فوضى ما يسمى بثورة الجياع، التي تعيد إلى الأذهان أوضاع فرنسا عشية ثورة عام 1789!
إن مواقع التواصل الاجتماعي اليوم بقدر ما هي منطقة تنفيس حقيقية لملايين الناس من ضغوطات الحياة، والأوضاع السياسية المحتقنة في العديد من المجتمعات «العربية تحديداً» إلا أنها مؤشرات حاسمة وحقيقية، يمكن قراءة أوضاع المجتمع من خلالها، فالناس تعبر بوضوح، وصارت تشتكي في وضح النهار، معلنة معاناتها اليومية من أزمات المعيشة البائسة، الجوع، الغلاء، الأسعار، الفوضى، الفساد، المحسوبيات، تردي مستوى الخدمات.
وعلى هذه المواقع، كذلك نستطيع أن نرى في كل احتقان أو افتعال أزمة بشكل مبالغ فيه مؤشراً آخر لتلك الحالة أو الاحتقان المتفاعل تحت جلد المجتمع، وإن غضّ النظر أو التجاهل المتعمد من جانب الحكومات لهذا الاحتقان لا معنى له ولا تفسير، إلا أننا حيال مجتمعات فاشلة، يديرها أشخاص فاشلون لا يفعلون شيئاً بتجاهلهم سوى دفع المجتمع نحو الانهيار التام بتجاهل سبب الأزمة، ومحاولة الاختباء منها بافتعال أزمات صغيرة هنا وهناك لإلهاء الناس!
ولقد سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف يوماً عن المجتمع الفاشل كيف يكون؟ فأجاب قائلاً، حسب ما يرويه البعض: «في المجتمعات الفاشلة ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية، تظل الغالبية بلهاء على الدوام، ولها الغلبة دائماً على العاقل».
المجتمعات الناجحة إذن هي المحكومة بالعقلاء، وبالمنهج العقلاني الذي يدفع المليارات لإرساء تعليم جيد، واقتصاد قوي، ونظام معيشة كريم، وإعلام واعٍ ذي مصداقية، لأنه يعلم أن تكلفة الجهل والفوضى والفقر وإعلام التفاهة باهظة جداً، وأكثر بكثير من أي إنفاق على التطوير والتنمية!
557 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع