وحدة الهدف تتطلب توحيد الصفوف لتتوحد البندقية

أ.د. سلمان الجبوري

وحدة الهدف تتطلب توحيد الصفوف لتتوحد البندقية

منذ افول السيطرة العثمانية على العالم العربي وبدء السيطرة الاستعمارية الغربية على مقدرات الوطن العربي والشروع بتقاسمه بين تلك الدول الغازية بدأ ت الحركات الوطنية بالعمل على مستوى النضال القطري والذي أدى الى تحرر بعض الأقطار العربية تباعا مما اورث كل قطر رغبة العمل ضمن حدود تلك الأقطار والانطواء على ذاتها وبذلك تعزز تفتت ليس الوطن العربي فحسب، وانما تجاوزه الى تشتيت العمل العربي الذي كان يفترض ان يكون موحدا، تلك الحالة فتحت شهية المستعمر للإبقاء على سيطرته وتأثيره في المنطقة على طريقة (خرج من الباب فدخل من النافذة) مستغلا حالتى التشرذم القومي والانطواء القطري، وقد توجت تلك النوايا الاستعمارية بنكبة فلسطين والتي تمثلت بتبرع الاستعمار الأوربي والامريكي (على طريقة يهب من لايملك لمن لايستحق) بأرض فلسطين وطنا لليهود الصهاينة.
ومنذ ذلك التأريخ أضحت قضية فلسطين قضية العرب الأولى ولكن مع الأسف دون ان يؤسس العرب في تلبية هذا الهدف لقاعدة مواجهة موحدة وقد تكلل ذلك الخلل بخسارة العرب الحرب في عام 1948 وما تبعها من نكسات كما حدث في 1967 و1973. ومع ذلك فلم تغيب قضية فلسطين عن فكر ونضال الحركات والأحزاب الوطنية والقومية وعدد من الدول العربية وبالأخص العراق وجعلتها قضيتها المركزية وجاهدت وناضلت وسعت لدعم كل جهد عربي شعبي ورسمي واقليمي ودولي للقضية.
يضاف الى كل ذلك ما قدمته القوى والاحزاب العربية الوطنية وبعض الحكومات العربية المحورية من تضحيات كبيرة نتيجة تبنيها وتمسكها بقضية فلسطين وما حصل للعراق ابرز دليل على ذلك ووصل الامر الى ضياع العراق وليبيا ولبنان واليمن وسوريا والسودان.
ومما يؤسف له هو عدم اتسام العمل العربي بالتوحد على مستوى الاستعداد والتنسيق قبل الشروع بالفعل النضالي الثوري وبالتالي تكون الخسارة مؤكدة ليشتد معها عضد العدو ويقوى تحسبه واستعداده للقادم من الأفعال المضادة له.
ان حالة التردي التي وصلت اليها الامة بدءا من تفشي القطرية والفردية السياسية على حساب القضايا القومية، كل ذلك أدى الى الاضرار بالمصالح القومية الكبرى وخاصة القضية المركزية فلسطين . ان من نتائج ذلك هو اهمال وتناسي بعض الأنظمة العربية لتلك القضية ومنها ما ذهب الى ابعد من ذلك حتى وصل الامر بالبعض الى الشروع بالتطبيع مع العدو الصهيوني.
واستطيع هنا جازما القول بناءا على التجربة ومجريات التأريخ فأن العرب ومن بين كل اقوام وشعوب الأرض قد تميزوا في كون عدوهم الوحيد هو الوحدة ويعشقون التفرقة والانعزالية وعدم اغتنام الفرص السانحة، ربما يقول احدهم ان هذه ليست صفة الشعب وانما صفة الحكام ولو سلمنا بأن الامر هكذا فأن الشعوب بالتالي هي المسؤوله عن تسيّد حكامها ليوصلوهم الى ما هم فيه من الهوان وهذا الذي حذرنا منه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله:
( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت). صدق رسول الله.
ومما يؤسف له ان هذا الامر قد انسحب على القوى الفلسطينية والتي أصيبت بعدوى تفشي مرض التفرقة وعدم التنسيق والذي بان اثره واضحا في أوقات عدة منذ النكبة. ان ما عزز التصرف المنفرد للفصائل الفلسطينية في مواجهتها للعدو والذي ما عاد امرا جديدا على الكفاح الفلسطيني انما هو بسبب عوامل الفرقة بين تلك الفصائل والتي في اغلبها أسباب ذاتية انانية وربما بسبب تعدد الولاءات كالذي حدث من قبل حماس والجهاد الإسلامي ذواتي الهوى الإيراني، الذين أدى تصرفهما الى شق وحدة الصف الفلسطيني وجعل كل طرف يتصرف دون علم الاخر وفي نفس الوقت جعل الطرف الاخر يعزف عن نجدة أخيه اذا ما تعرض الى اذى وكأن ذلك الأذى سوف ينحصر بطرف واحد في الوقت الذي يؤذي قضية الوطن ككل. ان جميع الأطراف الفلسطينية مشتركة في إيصال العمل الفلسطيني الجهادي الى ما وصل اليه الان وسببا في ازدياد معانات الشعب وتعاظم خسائره الجسيمة. هذا من جانب ومن جانب اخر فأن ما اضر بالقضية الفلسطينية هو تعويل فصائل حماس والجهاد الإسلامي على دور حزب الله اللبناني في جنوب لبنان وعلى دوره الكاذب في الدفاع عن فلسطين دون الانتباه الى زيف ما يدعيه وينادي به هذا الحزب والذي وقع مؤخرا في شر اعماله عندما لم يساند ابطال غزة في معاركهم وبالتالي أوقع نفسه فريسة سهلة للعدو الصهيوني وجر الويل والثبور والدمار للبنان وشعبه.
ان التعويل على الدور الإيراني والتصديق بادعائته في تحرير فلسطين انما كان خطأ كبيرا لم ينتبه له الاخوة الفلسطينيون حتى بعد ان تبين دور التخادم بين الفرس والصهاينة وبعد ان اغتالوا زعيم حماس هنية في عقر دار الفرس، وكذب القصف الإيراني الخلبي للكيان الصهيوني. .
أتذكر يوم كنت طالبا في المتوسطة وكان بعض المدرسين يرددون على اسماعنا قضية فلسطين وكيف حدثت النكبة وكنا أيضا نسمع من الراديو فعاليات المقاومة الفلسطينية بفصائلها المتعددة فكنت استغرب وجود عدة فصالح طالما الهدف هو تحرير فلسطين فقلت وانا في ذلك العمر ان تعدد الفصائل والذي يعني عدم وحدة البندقية سببه الاختلاف في انتماءات تلك الفصائل سيؤدي حتما الى الصراع الداخلي وبالتالي سيمكن العدو من المقاومة وسيؤخر حتما التحرير ان لم نقل استحالته وهذا ما هو حاصل منذ 67 عام. كان ذلك تفكير طفل! فما بال من يتصدون للعدو لِمَ لا يفقهوا هذه المسلمة!؟ تلك مسلمة لانقاش فيها ومن يعتقد من العرب غير ذلك فهو لايؤمن أساسا بوحدة الامة العربية وبالتالي سينسحب على وحدة الصف الوطني ومن ثم تتشتت البنادق
واليوم ازاء كل ما يحدث من أهوال في غزة والضفة ولبنان نتيجة للعدوان الصهيوني من جهة ، والمتاجرة بالقضية من قبل إيران من جهة اخرى، حتى اخذ المشروع يصل الى تقسيم المقسم وتحطيم الدولة الوطنية وتفتيت الوحدة المجتمعية في كل قطر عربي لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى حيث تغرق الامة بدم ابرياءها، وبقدر تعلق الامر بالساحة الفلسطينية فأن القوى الفلسطينية باتت متفرقة وبعيدة عن السعي الجاد والمسؤول عما يحصل من تدهور وتداعيات التي لم تضر بالنضال والعمل الفلسطيني فحسب، بل أضعفت وأضرت الامة العربية شعوبا وحكومات.
لذلك فان المسؤوليه التاريخيه تقتضي ان تعيد هذه القوى النظر بمواقفها وسياساتها وتوحيد صفوفها من اجل وقف هذا التداعي الخطير والمستمر والعمل بصورة مشتركة لبناء القدرات الجمعية المطلوبة لتحرير فلسطين.
ان الموروث الاجتماعي البعيد والقريب يخبرنا بما كان سائدا والذي يسمى بالنخوة وهو ان ينتخي العربي لاخيه العربي او القبيلة للاخرى. فأذا ما أصاب احدهم فردا او جماعة، عائلة او قبيلة ضر او حاق بها خطر ترى الاخرين ينجدوه سواء طلب النجدة ام لم يطلبها كحالات سطواللصوص او حالات الفيضان او الحريق او غيرها من الكوارث فترى الجميع يهبون لمساعدة من أصابه شيء مثل ذلك
لم يتعلم العرب مع الأسف من المأسي التي حصلت لهم بدءا من خسارة امارة المحمرة ولواء الاسكندرونة وفلسطين والعراق ولا من خسارتهم الحروب مع عدوهم الأول الكيان الصهيوني واكبر دليل هو ما قاله قائد القيادة العامة للجيوش العربية في حرب 1948 عندما سؤل لماذا خسرتم الحرب وكنتم سبعة جيوش فقال لأننا كنا سبعة أي غير موحدين فلو كانت الدول العربية موحدة بحق وليست تحت غطاء (الجامعة العربية) المضلل لكان لها جيش واحد وجواز سفر واحد وبنك عربي واحد وحدود مفتوحة يسهل على كل عربي ان يتنقل بين الأقطار العربية بدون قيود وهذا هو الحد الأدنى للتوحد والذي سيقود الى يكون القرار العربي واحد حتى وان استمر حاكم كل قطر بسلطانه كما كان ينادي به العراق في ظل الحكم الوطني لما حدث الذي جرى منذ هزيمة عام 1967 الى اليوم . لم يستغل العرب الفرص التي سنحت لهم للتخلص من المشاكل التي تعاني منها الامة العربية لا على مستوى الأنظمة ولاعلى مستوى الفصائل التي تأخذ على عاتقها التصدي للمحتل او للاعتداءات الخارجية سواء على مستوى الوطن العربي ككل او على مستوى فلسطين ولو كان الامر يقف عند هذا الحد لقلنا لايصلح العطار ما افسد الدهر لكن ماهو اقسى من ذلك هو معاونة العربي للاجنبي في اعتدائه على قطر عربي اخر كالذي حصل في الحرب العراقية الإيرانية حيث وقفت سوريا وليبيا الى جانب العدو الفارسي بتزويد النظام الإيراني بالسلاح وبالأخص الصواريخ التي اطلقت على العراق او كما حصل في العدوان الثلاثيني على العراق عندما فتحت دول عربية أراضيها كنقطة انطلاق لمهاجمة العراق او مشاركة جيوش دول شقيقة كالسعودية وسوريا ومصر في العدوان عليه.
الدليل الاخر على فشل العرب في استغلال الفرص المواتية لتحقيق النصر على العدو انسحب على فصائل المواجهة مع الكيان الصهيوني فقد كان طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023 فرصة ذهبية كان بالإمكان الاجهاز على الكيان الصهيوني لو استُغِلت تلك الفرصة من قبل بقية فصائل المقاومة وخاصة في الضفة والتي كان عليها ان تتناسى دور حماس في شق وحدة الصف الفلسطيني فتضع قضية فلسطين نصب اعينها وتبادر الى فتح جبهة ساندة الى فعل مقاتلي حماس البطولي، كما كان ينتطر من حزب الله في جنوب لبنان.هو الاخر ان يبرهن على صدق ما كان يدعيه من عدائه للكيان الصهيوني، فبدل كل ذلك كان الذي حدث هو ان حكام الضفة الغربية وقفوا متفرجين لابل منتقدين ماقام به مجاهدو حماس وسلك كذلك حزب الله ذات السلوك المتفرج حتى تم الاجهاز على كل شعب غزة . ان تحرك حزب الله بشكل يدعو للسخرية في وقت كان فيه الكيان الصهيوني متفرغا له فأجهز عليه أيضا هو الاخر.
وبقدر تعلق الامر بالقضية الفلسطينية نلاحظ بقاء القوى الفلسطينية متفرقة وبعيدة عن السعي الجاد والمسؤول عما يحصل من تدهور وتداعيات التي لم تضر بالنضال والعمل الفلسطيني فحسب، بل أضعفت وأضرت الامة العربية شعوبا وحكومات.
وفي هذا المجال اختم مقالي بما ورد ببيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في هذا الشأن:
(ان التباطؤ والتأخير في اعلان الوحدة الوطنية الفلسطينية طعنة للقضية الفلسطينية وهي على أبواب ومنعطفات خطيرة بعد حرب الإبادة التي شنت على غزة ولا زالت، وتصاعد العدوان على لبنان. وان الوفاء للتضحيات وللمناضلين الذين ارتقوا شهداء وهم يقاومون الاحتلال تملي الارتقاء بالعلاقات الوطنية الى مستوى التحديات التي تواجه مسيرة النضال الوطني الفلسطيني على مستوى الميدان والحراك السياسي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

370 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع