مدح النفس بين الرفض والقبول

فارس حامد عبد الكريم

مدح النفس بين الرفض والقبول

كانت العرب قديماً تقول (مادح نفسه يقرؤك السلام). او ( مادح نفسه كذاب)

فهل لهذا المثل نصيب من الصحة على إطلاقه؟

الحال انه اذا كان مدح النفس دونما حاجة او مصلحة تدعو إليه او بدافع الغرور والمفاخرة عنه فهذا منهي عنه قطعاً.

قال الله عز وجل : (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) النجم/ 32 .

قال الطبري رحمه الله في تفسيره (22/540) :

" يقول جل ثناؤه : لا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي".

ولكن ما الحكم اذا كان مدح النفس او تزكيتها لاجل تحقيق مصلحة مشروعة سواء كانت شخصية او عامة؟ أو لأحقاق الحق والعدل والمطالبة بهما؟

خاصة في مجتمع الغالب فيه انه يتذكر العيوب وينسى الفضائل!

يجيبنا الإمام الصادق عليه السلام بعبارة موجزة أجاب بها سائلاً يسأل: يجوز أن يزكي الرجل نفسه؟

قال: نعم إذا اضطر إليه. أما سمعت قول يوسف ﴿ ... اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ سورة يوسف الآية 55

و قال العبد الصالح﴿ ... وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ سورة الأعراف الآية 68

قال رسول الله صلى تلله عليه وآله

(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)

فتزكية النفس ليست عملاً مستقبحاً في نفسه بل يقبحها الغرض المراد و النية و قرائن أخرى.

فالتفاخر في الحرب ممدوح لأنه يوقع الرهبة في العدو.

ففي يوم أحد اعتم أبو دجانة الأنصاري و أرخى عذبة – طرف – العمامة بين كتفيه حتى جعل يتبختر، فقال رسول الله (ص) :

إن هذه المشية يبغضها الله عز وجل إلا عند القتال في سبيل الله. وما وصف أمير المؤمنين نفسه بأنه ضرغام وليث إلا شجاعة حقيقة أراد أن يرد بها على مرحب ليوقع الرهبة و الخوف في نفسه.

وقد جاء في هذا المعنى ما لا يحصى من النصوص ، كقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ( أنا النَّبِي لا كَذِبْ ) ، ( أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم ) ،

( أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ ) ، ( أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ ) ، ( إني أبِيتُ عنْدَ ربي ) ، وأشباهه كثيرة .

وجاء في صحيح مسلم عن الامام عليّ عليه السلام انه قال: والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ : أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ ، ولا يبغضني إلا منافق .

ومن ذلك ذكر الإنجازات الشخصية العلمية او الادبية او التربوية او لوضع نموذج معياري للسلوك يكون قدوة للأجيال والنشأ الجديد فهذا امر محبب

ومن ذلك اعلان المحامين والاطباء والمهندسين والحرفيين ونحوهم عن انجازاتهم المهنية في مجال تخصصهم

وبخلاف ذلك كيف نفسر كلام أمير المؤمنين "إني النبأ الأعظم و الصديق الأكبر".

و قوله "أنا يعسوب المؤمنين".

و قوله "إنما مثلي بينكم كالسراج في الظلمة".

و قوله "أنا الأذن الواعية".

و قوله "أنا خازن علم الله".

و قوله "إن هاهنا لعلماً جما" مشيراً إلى صدره.

و قوله "على الخبير سقطتم" عندما سئل عن صفة الموت.

و قوله "فإنا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا" في جوابه لمعاوية.

و قوله أنا الذي سمتني أمي حيدره*** ضرغام آجام وليث قسورة.

و كيف نفسر قول النبي الأكرم "أنا سيد ولد آدم".

و قول الصديقة الزهراء "اعلموا أني فاطمة . . . . . ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا".

و قول الإمام الحسن "فأنا الحسن بن علي و أنا ابن البشير أنا ابن النذير".

و قول الإمام الحسين "اللهم إني أحب المعروف و أنكر المنكر".

و قول الإمام زين العابدين "أنا ابن مكة و منى".

وقول عثمان (رض) حين حُصر ما ورد في صحيح البخاري أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ ) فجهّزتهم ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومَة فَلَهُ الجَنَّةُ ) فحفرتها ؟ فصدّقوه بما قال.

وفي العرف المعاصر فإن ذكر الإنجازات امر وارد من خلال مايعرف بالسيرة الذاتية (C.V) الذي لاغني عنه للتقديم الوظائف العامة والخاصة والدراسات العليا وغيرها من مصالح.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع