غريب دوحي
الاحتلال البريطاني للبصرة عام ١٩١٤ وآثاره
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى تحرك الاسطول البريطاني المرابط في الخليج العربي لاحتلال البصرة ، وكانت بريطانيا ترى ان احتلال البصرة مسألة حيوية فأحتلت الفاو في 6\11\1914 بدون مقاومة ثم اندفعت لاحتلال مركز المدينة في 22\11\1914 حيث انسحبت القوات العثمانية نحو القرنة . وما أن وصل الأسطول البريطاني الى العشار، حتى لاقى ترحيبا من بعض وجهاء البصرة وأهلها . وقد رفع العلم البريطاني وهتف الأهالي بحياة الملك جورج الخامس ملك بريطانيا آنذاك وأطلقت المدافع تحية لذلك الحدث ثم جرى احتفال أمام سراي الحكومة وعين الإنكليز حاكما عسكريا للبصرة . وكان لترحيب وجهاء البصرة وأهلها بالاحتلال له ما يبرره فقد عانى الناس من ظلم واستبداد الأتراك
وسياستهم الشوفينية القائمة على اضطهاد العرب وتفضيل الأتراك وفرض اللغة التركية (سياسة التتريك) عليهم .ولقد واصل الإنكليز العمليات العسكرية فأحتللوا المدن العراقية واحدة بعد الأخرى حتى وصلوا الى مشارف مدينة الموصل عام 1918م حيث أعلنت هدنة (مودروس) وتوقفت الحرب .
آثار الاحتلال البريطاني على البصرة
عموما تترك الحرب آثارا سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية ونفسية على الدول او المدن التي تقع تحت وطأة هذه الحروب وقد ترك الاحتلال
البريطاني آثاره على العراق عامة والبصرة خاصة.لقد كان لسياسة
بريطانيا تجاه العراق اتجاهان متناقضان : الأول هو ربط العراق بالهند
وكان رائد هذا الاتجاه هو (ارنولد ولسن) أما الاتجاه الثاني فهو إقامة
حكم ملكي دستوري على غرار الحكم في بريطانيا وكان زعيم هذا
الاتجاه (ونستون تشرشل) وزير المستعمرات البريطانية .
1-الآثار السياسية والاقتصادية :
اخذت سلطات الاحتلال البريطاني في العراق تسعى الى ربط البصرة
بالهند عن طريق إشاعة القوانين والمبادئ الإدارية الهندية فقامت
بتأسيس شرطة مماثلة للشرطة الهندية سميت باسم (الشبانة) ومنعت
تداول العملة التركية وأحلت محلها عملة هندية مثل (ألانه) التي اسماها
العراقيون (العانة) وكذلك عملة أخرى هي (الروبية) او (الربية) التي
تساوي 75 فلسا . أما العانة فكانت تساوي أربعة فلوس ,وظلت هذه العملة
متداولة حتى قيام ثورة 14 تموز1958 لذلك قام أهالي البصرة
يرددون عبارة (محد يموت من الجوع الخبزة بعانة والماي مجانة) أي
ان الخبز رخيص الثمن والماء مجانا .
وقد وضعت سلطات الاحتلال قوانين عدلية وجزائية مستمدة من القوانين
الهندية . ومن الجدير بالذكر ان القوات التي احتلت البصرة كانت تتكون
من عدد كبير من الهنود من (السيخ) ومن السجناء والمحكومين بالإعدام وقد اعترف (ارنولد ولسن) الحاكم البريطاني العام للعراق بانه وضع مشروع تحفيز العراق ليصبح الخليج العربي بحيرة إنكليزية ـ هندية غير ان هذا المشروع قد أجهضته ثورة عام 1920 وانتصر الاتجاه الثاني حيث عقد مؤتمر القاهرة عام 1921م وتم اختيار فيصل بن الحسين ملكا دستوريا وتأسيس جيش عراقي وبرلمان ودستوروحكومة برئاسة عبد الرحمن النقيب .
2-الآثار الاجتماعية :
حشدت بريطانيا اعداد كبيرة من الهنود المسلمين في احتلال العراق
وقد امتنع هؤلاء عن القتال باعتبار ان الاتراك مسلمون مثلهم فهربوا من
المعسكرات وميادين القتال وارتدوا (الدشداشة) واختلطوا بين الناس وقام
قسم منهم بفتح محلات لبيع البهارات في احد أسواق العشار والذي سمي
باسم (سوق الهنود) كما قام القسم الآخر منهم بفتح محلات لبيع الفلافل
والسمبوسة حيث انتشرت في البصرة .ولا تزال (سمبوسه أبو عباس) في
العشار هي الأفضل منذ الخمسينيات لارتفاع حرارة مكوناتها وقد ورثنا
منهم هذه الصناعة التي لا تزال مزدهرة وانتقلت الى مدن عراقية أخرى
ثم اخذ هؤلاء الهنود يتزوجون من العراقيات وتجنسوا بالجنسية العراقية
وأنجبوا الأولاد الذين انخرط قسم منهم في صفوف الجيش . اما الأطباء
الهنود الذين جاءوا مع الحملة البريطانية فقد تجنسوا بالجنسية العراقية وعملوا في مستشفى (تذكار مود) في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وقد سمي مستشفى (مود) اليوم بالمستشفى الجمهوري وكان يضم اطباء أمثال الدكتور :ديفيد براون والدكتور جي دي كودمان . وحتى اسم (بلم) فهو اسم هندي سمي بهذا الاسم لانه يشبه سمكة تعيش في انهار الهند وسماه البصراويون (البلم العشاري) وكان واسطة النقل بين البصرة والعشار كما ان زفاف العرسان كان يتم بواسطة البلم عبرشط العرب ,وللمطرب فؤاد سالم اغنية تقول :
يابو بلم , يابو بلم عشاري !
1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع