د. علي محمد فخرو
قرارات الشجب والغضب ليست كافية
حسناً،ها إن دونالد ترامب قد فاز في انتخابات الرئاسة الأميركية، وبدأت التكهنات وقراءات البخت تملأ وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى ولكن هل الموضوع الذي يجب أن يعيه الغرب، بالنسبة لعلاقتهم مع أميركا، هو ما يظهر على السطح مصاحباً تغير الأشخاص أم أنه يتلخّص في قول من مثل: حكومة الولايات المتحدة هي الأكثر سلبية في تاريخ البشرية الذي نطق به بول كريج روبرتز، نائب تحرير صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في الماضي القريب، إبّان صحوة ضمير، واردف قائلاً: ليكمل الصورة البشعة بأن الإعلام الغربي هو جزء من العمليات لواشنطن؟ أم أنه يتلخص أيضاً في قول لضابطة الاستخبارات الاميركية السابقة، سيوزن لنداور بأن، وكالة الاستخبارات الأميركية خاضعة للموساد الإسرائيلي؟
نطرح تلك الأسئلة المستفزة لنقول بأن الأشخاص المسؤولين الأميركيين يأتون ويذهبون، أما ما يبقى ويمكث في الأرض الأميركية فهي دلالات تلك الملاحظات التي تصدر من أميركيين إبّان لحظات وعي وندم.
المواجهة الحقيقية الفاعلة ليست مع كمالا هاريس ولا دونالد ترامب وإنما مع الدولة العميقة التي تشير إليها وإلى أفعالها مثل تلك الأقوال السابقة. ومن ثم فالمواجهة يجب ألا تبدأ في أميركا وإنما في أرض العرب، بيد وإرادة كل العرب.
ونحن، إذ نشير إلى أميركا بقوة في هذا الصراع فلأنها قررت اندماجها الكلي في دعم وتبنّي المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني في فلسطين المحتلة ومن بعدها بقية أجزاء الوطن العربي قضماً بعد قضم. وما كان للإبادة الجماعية الصهيونية في غزة والضفة الغربية وكل لبنان أن تستمر بهذا الجنون وبذلك التوحّش الحيواني لولا الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي الأميركي والاستعماري الأوروبي الذي لم ولن يتوقف مهما ارتكب الكيان من جرائم مريعة ضد الأطفال والنساء العزّل وضد كل مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين ولبنان على الأخص.
من هنا كنا نأمل التوجه نحو الخطوات الأولى في مواجهة الجنون الصهيوني وداعميه من قبل 54 دولة عربية وإسلامية حضرت المؤتمر العربي الإسلامي في الرياض منذ يومين.
لا ننكر أن لهجة الاستنكار ولغة الشّجب وعواطف الغضب كانت في هذا الاجتماع المشترك أقوى مما كانت عليه في الاجتماع المماثل الذي انعقد منذ أكثر من سنة.
لكن هل حقاً أن ردّ الفعل تجاه قتل أكثر من مائتي ألف فلسطيني ولبناني، يتكون سبعون في المائة منهم من الأطفال والنساء الأبرياء العزّل، والذي لم يزد عن إلقاء الخطب ومناشدة العالم أن يفعل شيئاً تجاه مذابح الهولوكوست الصهيونية في فلسطين ولبنان، هل كان رداً كافياً لردع الكيان الصهيوني في أرض الواقع؟ لقد عبر عن هذا السؤال الذي تطرحه الشعوب العربية كلها الرئيس بشار الأسد في خطابه الذي طالب بصدور قرارات فاعلة بدلاً من الاكتفاء بإصدار بيان غضب واستجداء، لكن المؤتمر لم يلتفت إلى تفعيل روح الخطاب في شكل قرارات افعال توقف الكيان الصهيوني ومن وراءه عند حدّهم.
كان الأمل على الأقل إصدار قرار بايقاف جميع العلاقات، بكل أشكالها ومستوياتها، مع الكيان الصهيوني حتى يستجيب للحد الأدنى من المطالب المتمثلة في إيقاف حرب الإبادة بصورة نهائية والانسحاب التام من غزة وجنوب لبنان والانسحاب من الضفة الغربية المحتلة عام 1967 والقدس الشرقية ومن ثم الاعتراف بقيام دولة فلسطينية كاملة الاستقلال.
نصف هذه المطالب كحدّ أدنى لأننا نؤمن إيماناً قاطعاً بأن لا مكان للتعايش مع الكيان الصهيوني مستقبلاً، وأن الحل الوحيد هو قيام دولة فلسطين العربية الديموقراطية التي يتعايش فيها العرب المسلمون والمسيحيون واليهود غير الصهاينة. وهذا ما تريده الأغلبية الساحقة من شعوب الأمة العربية والعالم الإسلامي، وهو ما يجب أن تعيه وتحترمه كل أنظمة الحكم العربية والإسلامية في كل خطوة مشتركة تخطوها مستقبلاً.
هذا المطلب العربي الإسلامي الشعبي العادل، الذي لا يقبل أن يستعمر الاستعمار الجزء الفلسطيني منه، مهما طال الزمن ومهما حاول الصهاينة وبعض الأميركيين والأوروبيين طمسه والتلاعب به، هو الذي يجب أن يعلو فوق كل مطلب مؤقت.
لقد دفع العرب والمسلمون ثمناً غالياً، أرضاً ودماء ودموعاً، وآن أوان التفكير في انعطافة جديدة تنهي موضوع الهولوكوست الصهيوني في فلسطين ولبنان والوطن العربي، مثلما انتهى الهولوكوست النازي في أوروبا قبل ثمانين سنة. فلعلّ اجتماعات العرب والمسلمين المشتركة القادمة تناقش تلك الانعطافة.
950 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع