بقلم احمد فخري
قصة (تايسون) /الجزء الاول
امريكا / سولت ليك سيتي عاصمة ولاية يوتاه
دق المنبه مع الساعة السابعة تماماً معلناً صباح يوم جديد فاستيقظت الدكتورة فلستي وتوجهت الى الحمام مباشرة لتغسل اسنانها وتأخذ حمامها المعتاد كما هو الحال كل يوم. بعد ذلك ارتدت ملابسها ونظرت الى المرآة لتتفحص كسمها الرياضي الرشيق ثم عدلت من هندامها وتحدثت مع انعكاسها بالمرأة قائلة، "انظري الى نفسكِ يا فلس، اليوم اكملتِ 40 عاماً بالتمام والكمال وحققت كل احلامك لتصبحي فخراً لعائلتك وقبيلتك لكنك لا زلت تعانين من الوحدة. فانت سباحة ماهرة وفزت بجوائز ذهبية عندما كنت بالجامعة. وتلك الرياضة جعلتك تتحلين بالرشاقة التامة وسرعة البديهة. انظري اين وصلتِ، انظري الى هذه الشقة الواسعة التي تسكنين بها اليوم وحدك ولا يشاركك بها احد. انها مقفرة موحشة. فلو كنت مع زوج او حبيب او حتى صديق لكنت تنعمت بحياتك اكثر ولكنت اسعد انسانة في ادنيا. فعملك اليوم يدر عليك بمبالغ طائلة ويضعك في السلم العلوي من الطبقة المخملية. لكنك تعانين من القلق وقلة النوم. وحتى الحيوانت لم تحظين بها. كان الاجدر بك ان تربي كلباً او قطة صغيرة تعيش معك بهذا المنزل الفسيح". بدأت ترتدي حذائها الجديد لاكمال قيافتها. وبعد ان فرغت من جميع الاستعدادات، فَعّلَتْ جهاز الانذار بالشقة وخرجت من بيتها راكبة سيارتها الفارهة من نوع GMC ذات الدفع الرباعي وسارت باتجاه مركز العاصمة اين يكمن مكتبها الذي استأجرته بمبلغ شهري باهظ. دخلت العيادة فرأت سكرتيرتها الشابة اماندا جالسة وراء مكتبها فحيتها وقالت،
فلستي : صباح الخير اماندا.
اماندا : صباح الخير دكتورة. قهوة؟
فلستي : اجل لو سمحت. ولكن قبل ذلك، هل لدينا مراجعين كثر اليوم؟ فاليوم اريد الذهاب الى حمام السباحة لامارس بعض الرياضة عند الانتهاء من العيادة.
اماندا : يؤسفني القول بان اليوم برنامجنا مليئ برمته. وسنعمل من الآن وحتى الساعة الرابعة مساءاً دون انقطاع.
فلستي : إذاً، اسرعي بالقهوة ارجوكِ.
اماندا : فوراً دكتورة.
دخلت فلستي مكتبها وفتحت الستائر المعدنية لتدخل اشعة الشمس وتغمر وجهها المتجهم فتملأه حياةً وامل. جلست خلف منضدتها وراحت ترتب اوراقها المبعثرة فوقها وتسحب حاسوبها المحمول الى عندها لتفتح غطائه وتتفحص جدول اسماء المراجعين فقرأت اسم المريض الاول (جورج). قالت لنفسها "هذا المريض سيزيد من صداعي وتشنجي، ولكن ماذا اعمل؟ هذه مهنتي انها مهنة المتاعب (المهمة المستحيلة)". اخرجت ملف جورج من قلب حاسوبها وصارت تقرأ رؤوس الاقلام لآخر جلسة اجرتها معه وعندما استرجعت كل ما دار بينهما، سمعت طرقاً على الباب ثم دخلت اماندا وبيدها كوبٍ فخاري كبير من القهوة لتضعه على الطاولة قالت بشكل هزلي،
اماندا : لقد حضر مريضك المفضل جورج وهو جالس ينتظرك بالصالة.
فلستي : لا تدخليه الآن ارجوك يا اماندا، اريد ان اشرب قهوتي بسلام دون ان اصاب بالغثيان. فرائحته الكريهة تصيبني...
قاطعتها اماندا وقالت،
اماندا : لديكِ الحق يا دكتورة، صالة الانتظار كلها معبأة برائحته النتنة. سانتظر 5 دقائق ثم اطلب منه الدخول اليكِ.
فلستي : بل اجعليها 10 ارجوكِ.
اماندا : حسناً دكتورة.
خرجت السكرتيرة من مكتبها واغلقت الباب ورائها. وبعد عشر دقائق دخل المريض جورج فرحبت به ثم راحت تستمع اليه كما هو الحال مع جميع مراجعيها. وبعد ان انتهت الساعة المخصصة لذلك المريض، خرج من مكتبها فدخلت عليها المريضة الثانية (سارة). بعدها تتابع عليها المرضى حتى انتهت من آخر واحد مع الساعة الرابعة مساءاً. نظرت الى الجدول بالحاسوب وعلمت ان احداً من المرضى لم يبقى لذلك اليوم لذا اغلقت غطلاء الحاسوب ووقفت لتستعد للخروج لكنها سمعت طرقاً على الباب من جديد. رفعت رأسها لترى السكرتيرة تدخل عليها فسألتها،
فلستي : ما الامر يا اماندا؟ لقد اكملت الجدول باكمله ولم يبقى لدي اي مريض.
اماندا : انه ليس مريضاً يا دكتورة. انه رجل من رجال الامن، انه محقق دِك، يريد التحدث اليك.
فلستي : رجل امن ومحقق؟ ماذا يريد مني؟ يا الهي، ربما سُرِقَت سيارتي! لم يمر على شرائها سوى ستة اشهر.
اماندا : لم يخبرني بشيئ لكنه اراد التحدث اليك بامر مهم.
فلستي : اسرعي ودعيه يدخل يا اماندا.
خرجت السكرتيرة واستدعت رجل الامن الذي يرتدي بدلة مدنية فطرق الباب ودخل قال،
الشرطي : انا النقيب دِك هاريسون من شرطة ليك سيتي سيدتي. مساء الخير.
فلستي : مساء الخير سيادة النقيب. تفضل، كيف استطيع خدمتك؟
دِك : سامحيني لاني ساخذ القليل من وقتكِ ولكن لدينا امراً في غاية الاهمية اريد ان اطرحه عليك.
فلستي : كنت في طريقي الى البيت فانا مرهقة جداً اليوم. هل الامر يتعلق بسيارتي؟
دِك : كلا، الامر مهم للغاية. اكرر اعتذاري.
فلستي : إذاً تفضل بالاجلوس لو سمحت.
جلس النقيب امامها وقال،
دِك : لقد عملنا جرداً على جميع الاطباء النفسيين بالولاية فورد اسمك بالمرتبة الاولى خصوصاً وانك حاصلة على الدكتوراه بالطب النفسي الجنائي ولديك جوائز عالمية في المحافل الدولية. كذلك علمنا انك قمت بنشر هذا الكتاب الجديد الذي تحصل لحد الآن على مليون مبيع في يوتاه وحدها بعنوان (السلوك الاندفاعي للرجل).
كتاب السلوك الاندفاعي للرجل
فلستي : كتابي هو دراسة معمقة عن مرضى نفسيين محددين من الرجال ممن يعانون من السايكوسس الحاد فيلجأون لسلوك جامح لا يقاوم يدفعهم الى اغتصاب النساء بالاماكن العامة. ولكن قل لي يا سيادة النقيب، هل جئت لتطلب التوقيع على النسخة التي بحوزتك ام ماذا؟ ما الامر؟ ادخل بالموضوع من دون مقدمات رجاءاً فوقتي ضيق جداً.
دِك : حسناً سادخل بالموضوع. هل سمعت باسم (ويل هاكمان) من قبل؟
فلستي : اعتقد ان هذا الاسم قد مر عليّ كثيراً في السابق. اجل لقد تذكرت انه المجرم الذي اغتصب 70 امرأة وحكم عليه بالسجن لـ 25 عاماً. ماذا عنه؟
دِك : بل قام باغتصاب 79 امرأة. هذا الشخص قضى فترة 18 سنة من محكوميته بالسجن وأخرج من السجن بالامس بالإفراج المشروط.
فلستي : وما هي شروط الافراج؟
دِك : خلال فترة سجنه ابدى حسن السيرة والسلوك بشكل منقطع النظير. اتجه للايمان كثيراً وصار يقرأ الانجيل بشكل مطول وحفظه كله حتى اصبح يناقش به القس الزائر الذي كان يأتي للسجن ليؤدي القداس للسجناء كل اسبوع. والآن يقول التقرير انه اصبح انساناً سوياً في غاية الاستقامة ويشعر بالخزي والعار لما اقترفه من الخطايا بالماضي. نحن غير سعداء بإطلاق العنان لذلك المعتوه كي يسرح ويمرح بين الناس بداخل المجتمع لكننا ننفذ القانون فقط ولا نقره.
فلستي : وما المطلوب مني الآن إذاً؟
دِك : كانت احدى شروط الافراج عنه هي زيارة معالج نفسي ثلاث مرات بالاسبوع لمدة ستة اشهر كاملة. وإذا قبلت ان تعالجيه وتعطيه تقريراً جيداً غير شائب لا يقبل الشك بحالته وسلوكه السوي وقتها سنثق بحكمك وسنتوقف عن مراقبته وتعقبه اينما ذهب.
فلستي : هل هذا هو السبب الوحيد لاختياركم لي؟
دِك : اجل وهنالك سبب آخر بالواقع. لقد وجدنا نسخة من احدى كتبك بداخل زنزانة هذا السجين. وهذا يعني انه مهتم بنظرياتك. وربما كان السبب في استقامته وتحوله الى مواطن صالح.
فلستي : هل لك ان تترك ملفه عندي كي اتدارسه قبل ان امنحك ردي النهائي في القبول او الرفض؟
دِك : بالتأكيد دكتورة. تفضلي. لقد جهزت لك نسخة من ملفه الكامل كي تطلعي عليه واريد منك رداً باسرع وقت ممكن لو سمحتِ.
فلستي : سامنحك ردي قبل عطلة نهاية الاسبوع.
دِك : شكراً دكتورة. لدي طلب اخير لو سمحتِ.
فلستي : تفضل حضرة الضابط.
دِك : ألا تكرمتِ بتوقيع نسختي من كتابك هذا؟
فلستي : بكل سرور. هات الكتاب.
وقعت على الكتاب وارجعته للضابط فابتسم وشكرها بادب ثم خرج من عيادتها وركب سيارته ليتوارى عن الانظار. خرجت الدكتورة فلستي بعده حاملة حقيبتها الجلدية من نوع DG فودعت سكرتيرتها التي راحت تطفئ الانوار وتسدل الستائر وتحكم اغلاق ابواب العيادة. وفور دخول فلستي شقتها، بدأت بخلع ملابسها القطعة تلو الآخرى حتى بقيت بملابسها الداخلية فقط ثم توجهت الى الثلاجة لتخرج وجبة جاهزة فتضعها في فرن (الميكرو ويڨ). انتظرت ثلاثة دقائق حتى سمعت جرس الفرن يدق ففتحته واخرجت طعامها لتضعه على الطاولة. جلست ودست يدها بداخل حقيبتها لتخرج ملف السجين ويل هاكمان وراحت تتصفحه اثناء تناولها الطعام. كانت تقرأ محاضر التحقيق، جلسات المحكمة، اقوال الشهود، اقوال الشرطة وما قيل عنه في السجن من المأمور والسجانين ورفاق السجن والقس مكنزي الذي كان يتردد على السجن بشكل متكرر. وبعد ان فرغت من تناول وجبتها، وقفت تاركة الصحن المصنوع من السليكون دون غسيل ثم امسكت بالملف وذهبت به الى صالة الاستقبال لتجلس على اريكتها المفضلة فتنشطح عليها وترفع ساقيها من الارض ثم تواصل القراءة. وبعد ما يقرب من ساعتين بدأت تشعر ببرد قارص يؤلم اوصالها، توقفت عن القرائة وذهبت الى غرفة النوم. ومن هناك دخلت الحمام واخذت دوشاً ساخناً ثم خرجت لترتدي ملابس نوم فضفاضة وتجلس على سريرها تحت الأغطية وتواصل قراءة ما تبقى من اوراق الملف. وبينما هي تقرأ سمعت جرس الباب فذهبت ونظرت من العين السحرية لترى صديقتها المقربة ياسمين تقف على الباب حاملة بيدها كيكة عيد الميلاد. فتحت الباب واحتضنتها واخذت الكيكة من يدها فسمعتها تقول،
ياسمين : اين انت يا فتاة؟ لقد اتصلت بك عدة مرات وقلقت عليك كثيراً.
فلستي : هيا ياس ادخلي، ساخبرك بكل شيء.
دخلت السيدتان وجلستا في صالة الاستقبال فشاهدت اوراق التقرير المبعثرة على الطاولة فصاحت،
ياسمين : ما هذا يا معتوهة؟ لماذا بعثرتِ كل هذه الاوراق؟ هل استلمت مريضة جديدة؟
فلستي : بل هو مريض مهم جداً. سوف لن تصدقي ما حصل اليوم.
ياسمين : اخبريني، فانا في غاية الفضول. لاني اعرفك مجنونة وتتعاملين مع المجانين طوال حياتك حتى اصبت بالعدوى منهم.
هنا بدأت تقص عليها ما جرى لها منذ زيارة المحقق دِك الى مكتبها وحتى اتمام قراءة الملف بكامله فسألتها،
ياسمين : وهل ستوافقين على معالجة ذلك المريض؟
فلستي : هل جننت يا ياس؟ طبعاً ساوافق. فانا انتظر فرصة من هذا القبيل منذ امد بعيد لانني درست عن هؤلاء المغتصبين كثيراً لكنني لم اتمكن من معالجة احدهم عن قرب لدي بداخل مكتبي بعد خروجه من السجن. فذلك سيكون نقطة تحول بحياتي المهنية.
ياسمين : وماذا عن حياتك العاطفية والاجتماعية؟ فانت لم تعودي شابة يا فلس وقد بلغت الاربعين اليوم. آن الاوان لان تفكري بعمرك اكثر يا حلوتي. بامكانك حتى ان تتزوجي من رجل من عندكم. اقصد من السكان الأصليين.
فلستي : تقصدين هندي احمر اليس كذلك؟ هذا ما يسمينا البيض. سافكر بالامر بعد ان انتهي من هذه الحالة يا ياس لانها فرصة لا تعوض.
ياسمين : إذا كنتِ متحمسة بهذا القدر لهذه القضية فلماذا اخبرت الشرطي بانك ستفكرين قبل ان تتخذي القرار؟
فلستي : اردت ان اتأكد من المعلومات بداخل الملف وجميع التفاصيل قبل ان اقول نعم.
ياسمين : والآن قررت، اليس كذلك؟
فلستي : اجل طبعاً قررت.
ياسمين : على العموم اتمنى ان تكوني حذرة في تعاملك من هذه الانماط من البشر لانهم خطرون جداً.
فلستي : لكنني متخصصة بهذا المضمار يا صديقتي واعرف كيف اتعامل معهم. لا تنسي انني خصصت سنتين من عمري في تأليف كتابي الاخير عن الرجال المغتصبين بالتحديد.
ياسمين : انا اعتقد ان كل الرجال ينقلبون الى مغتصبين في حالات معينة. وبألاخص حين تثار شهوتهم الجنسية الى درجة الذروة فيصبحون كالثور الهائج. انا متزوجة من احدهم واعرف ذلك جيداً.
فلستي : انا اخالفك الرأي، ليس جميع الرجال يا صديقتي. فهناك بعض منهم ممن يعاني من بعض الحالات المرضية التي نطلق عليها اسم سايكوسز (psychosis) الرجال من هذه الفئة فقط هم الذين يغتصبون النساء. اما من يعانون من السايكونوروسز (psychoneurosis) فهم قادرون على كبح اندفاعهم ولجم شهواتهم الجنسية بمرحلة معينة فيمتنعون عن ارتكاب الجنس القسري او ما يسمى عموماً بالاغتصاب. ***
ياسمين : انا لا اشك بتحليلاتك وقدراتك العلمية ابداً لانك خبيرة بهذا المضمار ولكن بما انني من اصول عربية فنحن ملزمون ان نلبي رغبات ازواجنا، وقتما شاؤوا واينما شاؤوا وتحت كل الظروف.
فلستي : ولكن ذلك يعتبر نوع من انواع العبودية اليس كذلك؟
ياسمين : ربما تسمونها انتم بالعبودية لكننا نعتبرها من الواجبات الزوجية.
فلستي : حسناً بامكاني ان اتفهم الموضوع لحد ما لو كان الرجل زوجك ولكن ماذا لو كان شخصاً غريباً عنك تماماً واراد ان يفرض عليك الجنس القسري؟
ياسمين : اجل فهمت قصدك الآن. وقتها سيستحق القتل.
فلستي : تقصدين انك ستدافعين عن نفسك وشرفك وقد ترتكبين جريمة قتل اليس كذلك؟
ياسمين : بالتأكيد إن استطعتُ الى ذلك سبيلا. دعينا نرجع الى الحالة التي ستعرض عليك. ماذا لو اراد المريض اغتصابك انتِ اثناء الجلسات وبداخل مكتبك؟
فلستي : لا هذا مستحيل، انه لا يقدر. لانني سوف لن اترك له المجال كي يفعل ذلك ابداً. فقد ركّبت كامرات مراقبة بداخل مكتبي المرتبطة بنظام حاسوبي متقدم ومسيطر عليه بالذكاء الصناعي. إذ يتمكن الحاسوب من تحليل السلوك الفيزيائي للحالة وبامكانه ان يرفع جرس الانذار لدى اقرب مركز للشرطة إذا اقبل المريض على اي تصرف عدواني. فيبعث لهم مقاطع الاعتداء.
ياسمين : دعيني اسألك الآن،هل لديك صورة لمريضك الجديد هذا؟
فلستي : اجل لدي واحدة بداخل الملف. تفضلي انظري.
اعطت فلستي صورة المريض لصديقتها ياسمين فتفحصتها جيداً وقالت،
ياسمين : يا الهي، كم هو وسيم. انا اخاف عليك ان تقعي بحبه. ربما كان ذلك هو ما دفعك لقبول علاجه.
قالتها وهي تبتسم وتحرك حاجبيها بخبث.
فلستي : هل جننت يا ياس؟ هذا مجرم قام باغتصاب 79 امرأة. تريدين ان احبه فقط لوسامته؟ لا، لا انت جننت على الآخر. كلا انا فقط اريد وضعه تحت المجهر لارى امكانية عالجه نفسياً مع كامل التمسك باطر السلامة لان الكامرات ستعمل باقصى طاقاتها وقت اللزوم.
ياسمين : الآن اشعر باطمئنان كبير من ناحيتك. ولكن دعينا نغير الموضوع. ما رأيك بزيارتنا في عطلة نهاية الاسبوع؟ سوف اجهز وليمة رائعة تحتوي على جميع الاطباق اللبنانية التي تعشقينها.
فلستي : واو انا احب اطعمتكم كلها وبالاخص التبولي والـ (هوموس بِتهينا) ولكن اخبريني. هل استدعيت احداً غيري؟
قالتها ونظرت بعين صديقتها رافعة حاجباً واحداً وكأنها تقول، "هل قمت بمحاولة تعريفي برجل؟ هل تودين ان تصبحي خاطبة على حسابي؟".
ياسمين : بالحقيقة استدعينا سنان، انه ارمل ويعمل مع زوجي سهيل في الشركة. يقول سهيل انه انسان طيب ورائع من كل النواحي. ويصلح ان يكون زوجاً مثالياً.
فلستي : قلت لك سابقاً يا حبيبتي، انا لست مستعدة كي ابني علاقة جديدة الآن ولا اتزوج. يجب ان اركز على عملي وابحاثي ومؤلفاتي.
ياسمين : الى متى يا فلس الى متى؟ هل تنتظرين ان تبلغي سن اليأس قبل ان تفكري ببناء عائلة؟ استيقظي يا صديقتي فالعمر لا ينتظر.
فلستي : انسي الموضوع ياس. ساحضر الى بيتك ولكن اخبري ضيفك بعدم التودد اليّ لانني ساصده بحزم. آه لحظة، لحظة، لقد تذكرت الآن، في كل الاحوال سوف لن اكون متاحة بعطلة نهاية الاسبوع القادمة. ولا حتى التي بعدها لذلك انصحك بالكف عن هذه المحاولات البائسة.
ياسمين : كنت اريد لك الخير وحسب، حسناً انت حرة.
فلستي : اجل انا حرة. هل نسيتِ ما اخبرتك به سابقاً عن معنى اسمي الحقيقي؟
ياسمين : اجل قلت لي ان اسمك بالهندي هو (فالا) واخبرتيني عن المعنى المخيف يا ساتر. والآن دعيني افهم قليلاً عن المغتصبين. الا شرحتِ لي وبطريقة مبسطة استطيع فهمها عن سبب وآلية الاغتصاب؟ فانت اكثر انسانة مختصة بهذا المضمار يستطيع ان يُفَسّرَ العملية بكل ملابساتها من الناحية العلمية.
فلستي : بدايةً، اريدك ان تعرفي حقيقة واحدة ومهمة للغاية وهي: ليس كل الرجال يستطيعون الاقدام على عملية الاغتصاب. وهذه المعلومة مثبتة علمياً بلا ادنى شك. فالغالبية العظمى منهم لا يمكنه ممارسة الجنس الا تحت ظروف معينة تسمى عادة بالـ (افروديزياك). البعض منها ظروف فيزيائية والبعض الآخر ظروف نفسية. خذي الازواج مثلاً، عندما يرى الرجل زوجته تقوم بارتداء ملابس مألوفة لديه فإن غرائزه سوف لن تثار او تتحرك من مكانها لانه اعتاد على مشاهدة زوجته بالبيت بتلك الملابس. اما إذا رآها ترتدي ملابس مثيرة جنسياً بعيداً عن ضوضاء الاطفال والبيت والطبخ والمشاكل وشحة المال وتصل الى انفه روائح العطور الباريسية الثمينة فإن الدماغ سوف يبدأ تلقائياً بضخ كميات كبيرة من الهرمون الذكوري (التستوستيرون) وهرمونات السعادة الثلاثة الدوپامين والاندورفين والوكسيتوسين. والاهم هنا هو الاول اي (الدوپامين). فهذا الهرمون يقوم بتفكيك التشنج الذي يتعرض له الرجل خلال يوم طويل تحت ظروف العمل المتعبة بكل انواعها من غضب واحباط واسراع باتخاذ القرارات المفصلية وما الى ذلك. مما يُمَكّن الهرمون من حث تدفق الدم الى المناطق السفلية من الجسم. وهذا بالتالي سيساعد على تحقيق علاقة جنسية حميمية ناجحة بين الزوجين. واقصد هنا بان الدماغ سيحفز ضخ الدم ليتوجه الى المناطق السفلية من جسده فيشعر بها فيزيائياً ويبدأ بالشروع في الاندفاع والمطالبة بممارسة الجنس مع زوجته. الكثير من الزوجات مع شديد الاسف لا يعرفن تلك الآلية لانهن متزوجات لفترات طويلة ولا يعتقدن ان الرجل بحاجة الى مثل تلك المحفزات. تصوري يا ياس، لدي مريضة تقول بأنها لا تهتم حتى بخلع ملابسها كاملة عندما تمارس الجنس مع زوجها. بل تكتفي برفع بدلة نومها للاعلى كي تفسح له المجال حتى يقوم بمضاجعتها فتنتهي من تلك المهمة الصعبة المملة فتنزل بدلة النوم بعدها وتنعم بنوم هانئ عندما توليه ظهرها. هذه الممارسات الخاطئة تبعث برسائل مبطنة الى الرجال بصورة غير مباشرة تدفعهم الى التفكير في الجنس مع زوجاتهم على انها نوع من انواع المهام والواجبات والممارسات المنزلية كالاكل والشرب والنوم او حتى التبول او التغوط. وعندما يقابل الرجل امرأة ثانية (غير زوجته) تلبي له رغباته وتحفز له غرائزه الذكورية بحكمة وبطرق انثوية حذقة فانه بتلك الحالات سوف لن يتردد في خيانة زوجته لانه سيندفع سايكولوجياً وبايولوجياً نحوها باقصى سرعة دون التفكير بالعواقب. هذا كله عن الرجال الاعتياديين الطبيعيين ورأي علم النفس فيهم. اما المغتصب الذي تتحكم به دوافع سايكولوجية اخرى فان هناك لقطات نسميها بعلم النفس بـ trigger points اي لحظة الشرارة او نقاط الزناد. وهي حالات او ملاحظات او امور اخرى بعقل المغتصب يستطيع من خلالها تجاوز كل الهرمونات الطبيعية ويقفز بجسده فيزيائياً نحو التهيج الجنسي الجامح.
ياسمين : لم افهم ما قلتِ. الا فسرتِ كلامك بامثلة؟
فلستي : حسناً انتبهي عليّ يا ياس. لقد تحدثت مع الكثير من المغتصبين في السجون اثناء رسالة الدكتوراه وسألتهم عما يثير لديهم (نقاط الزناد). ستصابين بالدهشة كثيراً لو علمتِ ما علمت وقتها. فقد سمعت منهم الردود التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1 (عندما تخرج فتاة من المرحاض العام اتخيلها وقد قامت بالتبول للتو. فانا اصبح كالثور الهائج واود مضاجعتها على الفور باي مكان كان حتى لو كان هناك شهود عيان حولنا).
2 (عندما تقول لي سيدة، أبتعد عن طريقي او اتركني بحالي رجاءاً. وبالتحديد كلمة (رجاءاً) فانها تصيبني بالجنون المؤقت لأجد نفسي اهجم عليها واخذ ما اريده منها بتلك اللحظة غير مبالياً بالتبعات).
3 (عندما ارى سيدة تخرج من سيارتها بساق واحد فترتفع تنورتها للاعلى واتمكن من رؤية ملابسها الداخلية. يكون ذلك دعوة منها للاغتصاب. اغتصبها دون مقدمات في الشارع وبوضح النهار حتى لو كان بصحبتها رجل يحمل سلاحاً).
عزيزتي ياس، لقد جمعت من خلال دراستي للدكتوراه عن المغتصبين اكثر من 3800 تصريح شبيه بالافادات الثلاثة التي ذكرتها لك الآن.
ياسمين : يا الهي، هذا امر مخيف حقاً. كيف تسمحين لهم ان يجلسوا امامكِ وتتحاورين معهم؟
فلستي : ابدأ بالتحدث اليهم بطريقة ودية فقط. بعدها اقوم بتحليل شخصيتهم بسبل علمية بحتة كما رسمها العلامة الدكتور سگمود فرويد قبل اكثر من قرن ونصف.
ياسمين : من هو الدكتور سگمود فرويد؟
فلستي : انه طبيب نفساني ولد عام 1856. نستطيع ان نقول انه هو الذي اسس مبادئ التحليل النفسي.
ياسمين : اريد ان اسمع منك اساليب الدفاع عن النفس بتلك الحالات.
فلستي : يقول المثل، (لو عرف السبب، بطل العجب) اليس كذلك؟ فلو تمكنا من معرفة (نقاط الزناد) التي تحرك المغتصب فاننا نستطيع ان نفكك ثورته ونبدد هيجانه بتلك اللحظات القصيرة الحرجة فيرجع الى رشده.
ياسمين : ليست كل النساء يعرفن ما تعرفينه من امور نفسية لذلك فإن اي اساليب اخرى كحمل جهاز تيزر او عبوة رش الفلفل او حتى تعلم فن الدفاع عن النفس سيشكل الطريقة المثلى برأيي.
فلستي : اجل هذا صحيح. ولكن معرفة اساليب كبح جماحهم وتفكيك هيجانهم يُمَكّنُها من امتصاص حالة الهيجان الحيوانية لدى المغتصب. وهذا هو سبب تأليفي لكتابي الجديد (السلوك الاندفاعي للرجل)
كي تقرأه اكثر عدد ممكن من النساء.
ياسمين : ساقرأ كتابك بتمعن صدقيني. والآن اتركي عنك اولئك المعتوهين ودعينا نحتفل بعيد ميلادك. لقد احضرت معي كيكة بالشكولاطة والكراميل التي تحبينها.
فلستي : انتِ لئيمة يا صديقتي وترغبين ان تفشلي الحمية التي عانيت كثيراً من اتباعها كي لا اصبح بدينة كالفيلة. هيا دعينا نطفئ الشموع.
ياسمين : اليوم عيد ميلادك. انسِ الريجيم لو سمحتِ.
وباليوم التالي اتصلت الدكتورة فلستي بالمحقق دِك واخبرته بقبولها علاج السجين الذي أُطْلِقَ سراحه مؤخراً (ويل هاكمان). اخبرها المحقق دِك بانه سيجلب معه ويل هاكمان يوم الاثنين القادم. وبعد عطلة نهاية الاسبوع اي بيوم الاثنين كانت فلستي متحمسة جداً لتبدأ بجلسات العلاج مع حالتها الجديدة لذا وضعته على رأس قائمة مرضاها للاسابيع القادمة. وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً دخل المحقق دِك عيادة الدكتورة فرأى السكرتيرة اماندا منشغلة بالعمل على حاسوبها. رفعت رأسها فرأت ويل هاكمان للمرة الاولى لتصير ترتعد من الخوف. قالت،
اماندا : تف... تف... تفضل حضرة المحقق واجلس مع... اقصد اجلسا هنا سوية لو سمحتم.
فجلسا في صالة الانتظار. نظرت اماندا بوجه تايسون فرأته يحدق بوجهها بغضب فادارت رأسها بعيداً ثم تركت كرسيها ودخلت على فلستي مسرعة قالت،
اماندا : لقد جاء يا دكتورة.
فلستي : اجلبي لي قهوتي وامنحيني 10 دقائق ثم ادخليهما الى مكتبي، مفهوم؟
اماندا : اجل دكتورة.
بعد قليل دخلت السكرتيرة بالقهوة واعطتها لفلستي ثم خرجت لتغلق الباب ورائها. وبعد 10 دقائق سمعت الدكتورة طرقاً على الباب فدخل الشرطي دِك يتبعه ويل.
دِك : صباح الخير دكتورة.
تايسون : صباح الخير دكتورة.
فلستي : صباح الخير سيادة المحقق دِك صباح الخير سيد ويل. تفضلا بالجلوس.
دِك : جئتك اليوم بـ ويل كي يبدأ جلسته الاولى. وبالجلسة الاولى آثرت الحضور معه كي اعرفكما على بعضكما البعض. لكن في المستقبل سيأتي ويل وحده.
فلستي : اجل هذه اجراءات تعودت عليها من الشرطة في الماضي ولكن انا لا اعتقد انها امر ضروري. لذلك سابدأ بالجلسة الاولى مباشرة دون مقدمات. وهذا يعني انك ستغادرنا يا حضرة الضابط.
وقف دِك وقال،
دِك : ساكون بالخارج في غرفة الانتظار أذا احتجتم اليّ.
فلستي : لا، بامكانك مغادرة العيادة تماماً. فـ ويل لم يعد سجيناً الآن وقد أُخلي سبيله. لذلك سيبقى معي حتى انتهاء الجلسة وسيخرج بعدها وحده.
دِك : حسناً إن كان ذلك ما تريدين.
فلستي : اجل هذا هو بالضبط ما اريده، وداعاً حضرة المحقق.
خرج دِك فعدل ويل من جلسته ونظر بوجه الدكتورة وقال،
تايسون : اولاً اريد ان أخبرك بان الجميع يناديني تايسون لذلك اتمنى انك تحذي حذوهم.
فلستي : حسناً تايسون انه اسم جميل ورنان اعتقد انه لملاكم مشهور. سوف لن اناديك ويل من الآن فصاعداً.
تايسون : وماذا سنفعل الآن إذاً؟
فلستي : لا شيء. فقط سندردش بامور اعتيادية، وإن لم تعجبك الدردشة معي فلا بأس، بامكانك ان تبقى صامتاً لا تتكلم حتى نهاية الحصة.
تايسون : إذا دردشنا، فعن ماذا سيدور حديثنا؟
فلستي : انت الذي ستقرر ذلك. بامكاننا ان نتحدث عن الطقس، الموسيقى، التكنولوجيا، الطب، الرياضة. هل تحب ممارسة الرياضة؟
تايسون : اي رياضة تقصدين؟
فلستي : لا اعلم، اي رياضة كانت، السباحة مثلاً.
تايسون : لا انا اخاف من الماء ولا اجيد السباحة ابداً. دعينا نتحدث بشيء آخر.
فلستي : لماذا لا تختار انت موضوعاً تحبه؟
تايسون : إذاً سنتحدث عن الدين.
فلستي : تفضل، انا استمع اليك وكلي آذان صاغية.
تايسون : في السابق لم اكن اؤمن ان هناك كيان يراقبنا ويحاسبنا على كل خطواتنا. لذلك كنت اعمل ما يحلو لي ولا اخاف من اي شيء. لكنني اكتشفت الايمان في السجن. وهذا جعلني اكون بسلام مع نفسي ولم تعد لي رغبة بالعودة الى ممارساتي السابقة.
فلستي : أي ممارسات تقصد؟
تايسون : انت تعلمين ما اقصد. المضاجعة بالاماكن العامة.
فلستي : لماذا لا تسميها باسمها الصحيح؟ اعتقد انك تقصد الاغتصاب. اليس كذلك؟
تايسون : اجل، اجل، كما قلتِ، ان هذا الفعل الآثم الذي يغضب الله ويجعلني عرضة للمسائلة في يوم الحساب.
فلستي : هل تشعر بانك مجبر كي تتحدث الي بهذا الموضوع؟
تايسون : كلا، انا لست مجبراً ولا محرجاً من ذلك بتاتاً لاني تركت كل الاعمال التي تدفعني للخطيئة وراء ظهري والآن اكرس جل طاقاتي صوب العبادة والاستغفار كي يرحمني الله بيوم الحساب.
فلستي : هذا امر عظيم ولكن يجب ان يكون كلامك من قلبك.
تايسون : اكيد، انا لا اتضاهر بالايمان، فقد ملأت قلبي به واصبحت لا افكر سوى بالذهاب الى الكنيسة ومناجاة الله.
فلستي : ما هو مذهبك؟
تايسون : انا مسيحي. وهذا هو مذهبي.
فلستي : اجل ولكن هل انتَ كاثوليكي، برتستانتي، ارثودوكسي، معمداني او انجيلي على سبيل المثال؟
تايسون : اعتقد انني كاثوليكي.
فلستي : هل قلت تعتقد؟ انت لست متأكداً؟
تايسون : لا، انا اعلم ان الله سيتقبل صلواتي وتقربي منه بغض النظر عن المذهب.
فلستي : هذا كلام حكيم جداً.
تايسون : هل تأذنين لي بسؤال واحد يا دكتورة؟
فلستي : نادني فلس لو سمحت. تفضل اسأل كما يحلو لك.
تايسون : هل انت هندية حمراء يا فلس؟
فلستي : اجل انا فتاة من سكان امريكا الأصليين.
تايسون : وكيف سمحوا لك ان تَدْرُسي بالمدارس والجامعات الامريكة إذاً؟
فلستي : لماذا؟ هل تعتقد انهم لا يسمحون لنا بالدراسة؟ هل لا زال بذهنك منظر الهندي الاحمر الذي تراه في افلام هوليود؟ البربري الذي يضع ريشة فوق رأسه ويقتل البيض الابرياء بوحشية؟
تايسون : اجل، كل الناس تنظر اليكم بهذه الصورة، لكن ذلك لا يعني انني لا احترمكم. بالرغم من انكم قتلتم الكثير منا، لكنني سامحتكم والسبب هو مخافة الله.
فلستي : هذا كرم منك لانك سامحتنا.
تايسون : كم طول الجلسة معك يا فلس؟
فلستي : انها ساعة كاملة. لماذا تسأل؟ هل أُصِبْتَ بالملل؟
تايسون : كلا ابداً، لكنني كنت اريد ان اشتري بعض المواد الغذائية من السوݒرماركيت عندما انتهي من هذه الجلسة.
فلستي : بالواقع، بامكانك الخروج وقتما تشاء لو كان ذلك يروق لك. فانا لا ابقيك رغماً عن انفك.
تايسون : وانا لست غبياً. بالتأكيد ستكتبين للشرطة بانني خرجت مبكراً وبتلك الحالة سيرجعوني الى السجن.
فلستي : لا، انت مخطئ. هذا لن يحصل معي ابداً. فإن ما يدور بيني وبينك سوف يبقى بيني وبينك وحتى الفترة الزمنية التي نقضيها سوية ستبقى سرية. وإذا اردت، فبامكاني ان اصاحبك وانت تتسوق.
تايسون : واو، انا جداً مسرور منكِ. لقد بدأت ارتاح لك يا فلس. فانت تختلفين كلياً عن باقي الناس. لذلك سابقى معك للمدة باكملها.
فلستي : كما اخبرتك سابقاً، ارجو ان لا تفكر بهذه الجلسات على انها نوع من انواع العقاب.
تايسون : إذاً، دعينا نخرج للتسوق الآن.
فلستي : هيا بنا يا تايسون.
تايسون : افرح كثيراً عندما تناديني بهذا الاسم.
خرج الاثنان مشياً على الاقدام في وسط المدينة فسألته،
فلستي : لماذا اسموك تايسون؟
تايسون : عندما أُدخِلْتُ السجن كنت اتمرن كثيراً على تمارين القوى مثل رفع اقراص الحديدية والعقلة والضغط وغيرها فبدأت عضلاتي تنتفخ وتكبر لاصبح قوياً جداً. بعدها جاؤوا بسجين جديد ليقاسمني زنزانتي. كان الجميع يلقبه (كلاي). بالوهلة الاولى كنا لا نتكلم مع بعضنا البعض. بعدها جرى حديث سطحي بيننا حتى اختلفنا بالرأي فوقع شجار بيننا وصرت اكيل له اللكمات على وجهه لكنه لم يدافع عن نفسه بالبداية. بقي يتلقى لكماتي وكانني المس وجهه بريشة ناعمة فظننت انه جبان. لكنه بعد قليل لكمني لكمة قوية واحدة اطاحني بها ارضاً. وقتها علمت انه اقوى مني بكثير. ولكن ذلك الشجار تحول الى صداقة حميمة وصرنا لا نفترق ابداً. وفي يوم من الايام طلبت منه ان يعلمني الملاكمة فوافق على طلبي. صرنا نتدرب الملاكمة باغلب الاوقات حتى اصبحت افوز عليه بالنزالات العامة التي كانت تعدها ادارة السجن. وقتها لقبني هو بذلك اللقب واقصد لقب (تايسون). بعدها صار جميع السجناء ينادوني تايسون ويهابوني لقوتي المفرطة.
فلستي : وماذا حصل لزميلك واقصد رفيق زنزانتك؟
تايسون : لقد توفى بالعام الثالث من دخوله السجن بسبب مرض عضال احل به.
فلستي : هل تشعر بالرغبة في استعمال قوتك المفرطة الآن يا تايسون؟
تايسون : كلا ابداً، قلت لك سابقاً انني بعد ان توجهت الى الايمان علمت ان الانسان مهما ازدادت قوته وازداد جبروته فان الله اقوى منه وبامكانه ان يرميه بالتهلكة. لذلك اصبحت مسالماً جداً لكن اللقب صاحبني لسنين طويلة حتى أفرج عني وخرجت من السجن لحسن السيرة والسلوك.
دخلت فلستي ومريضها تايسون احدى المتاجر وتوجها نحو قسم الاغذية فصار يضع المواد في العربة ثم توقف امام ثلاجة اللحوم فنظر اليها وسألها،
تايسون : هل تجيدين الطبخ يا فلس؟
فلستي : اجل، انا طباخة ماهرة.
تايسون : اتمنى لو استطيع يوماً تذوق الطعام من يدكِ.
فلستي : سيحصل ذلك مستقبلاً لا تقلق.
دخلوا بعد ذلك متجراً ثانياً للمواد الغذائية فصار تايسون ينتقي الخضروات والمعلبات واللحوم. كان يستشيرها بكل شيء فتبدي رأيها حسب خبرتها. ولما انتهى من اختيار جميع حوائجه توجه الى الصندوق وتحاور مع الموظفة بكل ادب واحترام. مما جعل فلستي تُقَيّمْ ذلك السلوك الاجتماعي على انه خطوة حميدة نحو الصلاح. بعدها قررا الافتراق فسمعته يقول،
تايسون : ساتركك الآن يا فلس. باركك الرب.
فلستي : وداعاً يا تايسون. اراك يوم الاربعاء بنفس الموعد.
تايسون : اجل يوم الاربعاء.
حمل اغراضه التي اشتراها للتو واتجه بها الى منزله بينما عادت فلستي الى مكتبها وفور وصولها هناك امسكت بحاسوبها وراحت تدون ملاحظاتها حول ما دار بينها وبين تايسون بذلك اليوم. وبينما هي تعمل استلمت مكالمة من صديقتها المقربة ياسمين تخبرها بنيتها زيارتها بمساء ذلك اليوم. وفي المساء وبعد ان عادت الى شقتها سمعت جرس الباب فعلمت ان صديقتها ياسمين قد وصلت. فتحت لها الباب وقبلتها ثم استدعتها للدخول فجلستا بغرفة الاستقبال وفتحت حديثها بالسؤال،
فلستي : كيف حالك اليوم يا ياس؟
ياسمين : انا بخير واشعر بحرية غير مسبوقة لان زوجي سافر امس الى بيروت وسيبقى هناك لاسبوع كامل.
فلستي : بالرغم من حبك الكبير لزوجك لكنك بالتأكيد تثمنين الحرية الشخصية التي تنعمين بها في غيابه.
ياسمين : اجل، كلامك صحيح، فالتوتر قد زال مني نهائياً لانني اصبحت استيقظ وقتما اشاء واقوم بمهام المنزل وقتما اشاء وحتى اتابع المسلسلات العربية بعد ان تنام ابنتي. والاهم من هذا وذاك هو زيارتك وقتما اشاء فبصراحة، لاحظت انه بالآونة الاخيرة صار يتضايق كثيراً عندما اتي الى عندك. والآن انا حرة لانه سافر الى لبنان وارتحت منه.
فلستي : اشاطرك الرأي عزيزتي، فحرية الانسان مقدسة يا عزيزتي.
ياسمين : نسيت ان اسألك. كيف تسير الامور مع مريضك المغتصب؟
فلستي : آآآآ تقصدين تايسون. اتضح انه انسان لطيف. لكنني احاول ان اقرأ ما بين السطور.
ياسمين : ماذا تقصدين؟ انا لا افهمك. هل هو كتاب حتى تقرأين ما بين السطور؟
فلستي : طبعاً كل انسان لديه شخصيتان منفصلتان. خارجية وداخلية. فالشخصية الخارجية هي ما يتصرف بها وينطق بها مع باقي الناس. اما الداخلية فهي ما يكنه بسريرته وما ينوي فعله.
ياسمين : وهل تمكنت من الوصول الى مكنوناته؟
فلستي : لا ليس بعد. فالجلسات القادمة ستكون كفيلة بكشف شخصيته وعقله الباطن الذي يحاول اخفائه بداخله.
ياسمين : وماذا عن قلبك؟ هل سمعتيه يقرع من ناحيته؟ فهو كما تعلمين في غاية الوسامة. ولولا زوجي سهيل لوقعت انا بحبه دون ادنى قيد او شرط. وبامكانه ان يغتصبني كما يشاء.
فلستي : انت مجنونة يا ياس. اكثر من نصف مرضايَ من الرجال والغالبية العظمى منهم وسيمين. لكنني لا استطيع ان ارتبط باحد منهم عاطفياً لان ذلك سيجعل من حُكْمي عليهم مغلوطاً ويمنعني من التحليل المنطقي والسليم لحالاتهم عند تشخيص المرض واختيار العلاج الملائم.
ياسمين : لكن عليك الاعتراف بان تايسون وسيم وانه كما نقول (لقطة).
فلستي : الجمال ليس كل شيء يا ياس. وانا لو اردت ان اختار لنفسي شريك حياة فلا احاول الحصول عليه من عيادتي. فكل الذين يأتون اليها هم بحاجة للعلاج النفسي. وانا لا اريد ان اعاشر شخصاً كي اعالجه. اريد رجلاً احبه ويحبني.
ياسمين : كم انت عنيدة! على العموم انا لا اريد ان اتدخل بحياتك الخاصة. ولكن كصديقة واخت مقربة، فانا ارى ان من واجبي ان انبهك بسرعة دوران الساعة.
<<<<< وبعد مرور ستة اشهر <<<<<
دخلت السكرتيرة اماندا الى مكتب الدكتورة فلستي وقالت لها،
اماندا : لقد وصل (براد پت) وهو بغرفة الانتظار.
فلستي : من هو براد پت يا فتاة؟
اماندا : انه تايسون يا دكتورة. يا سلام كم هو وسيم.
فلستي : كالعادة يا اماندا، احضري لي قهوتي اولاً ثم ادخليه الى مكتبي بعد 10 دقائق.
اغلقت اماندا الباب ورائها ثم عادت بعد قليل وادخلت كاساً من فخار من القهوة للدكتورة وخرجت. وما هي الا لحظات وطرق المريض الباب فاذنت له بالدخول قال،
تايسون : صباح الخير فلس. اليوم هي آخر جلسة لنا واليوم هو آخر يوم اليس كذلك؟
فلستي : اجل هذا صحيح. تفضل تايسون ادخل واغلق الباب ورائك.
جلس على الكرسي امامها فسمعها تقول،
فلستي : لا اخفي عليك يا تايسون فانا جداً سعيدة بسلوكك لانك اثبت لي بانك قادر على الاندماج بالمجتمع بشكل طبيعي وقد رفعت بك تقريراً اكثر من رائع الى الشرطة اخبرتهم فيه بانك تبلي بلاءاً حسناً في سلوكك العام ولا خوف عليك بالمستقبل. لذا اخبروني بانهم سيكفون عن مراقبتك اينما ذهبت نهائياً وستستطيع ممارسة حياتك الطبيعية بعد ذلك.
تايسون : الفضل كله يعود اليك يا فلس. فانت التي فَتّحْتِ عيني على حقائق كانت غائبة عن ذهني.
فلستي : قبل ان اودعك يا تايسون اريد ان اسألك سؤالاً مهماً جداً. هل قام مديرك بترفيعك؟
تايسون : اجل اخبرني مديري بانني الموظف المثالي في عملي وانني استحق لقب (موظف الشهر) كما هو الحال بجميع الشهور الستة الماضية وقد منحني زيادة قدرها 12% على مرتبي. الآن انا قادر على قيادة الرافعة الشوكية وصرت ادرب زملائي عليها.
فلستي : اهنئك من كل قلبي يا تايسون.
تايسون : شكراً لكِ فلس. والآن إن كان كل شيء على ما يرام اود الرحيل.
فلستي : تفضل، وداعاً يا تايسون. وحظاً سعيداً بحياتك. ارجو ان لا اراك ثانية.
خرج تايسون من عيادة الدكتورة فلستي واغلق الباب ورائه. بعدها دخلت السكرتيرة وقالت،
اماندا : هل انتهت جميع جلسات المريض تايسون يا دكتورة؟
فلستي : اجل. انه الآن مواطن صالح وموظف مثالي. اليوم يمارس حياته بشكل طبيعي ولا خوف عليه.
اماندا : الفضل كله يعود اليك يا دكتورة. انت التي بذلت قصارى جهدك لاصلاحه كي يعود الى المجتمع كانسان سوي.
نظرت الدكتور بوجه سكرتيرتها وردت على كلماتها بابتسامة مقتضبة.
يا ترى هل سيعود تايسون ليدخل قلب الدكتورة فلستي فيملأ حياتها التي تفتقر للعواطف ام انها سوف لن تراه ثانية؟ سنعرف الجواب في الجزء الثاني من القصة.
493 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع