ابراهيم فاضل الناصري
أدب الاساطير - في الموروث الشعبي لمدينة تكريت
لقد زخر موروث الادب العالمي بالعديد من الاجناس الأدبية التي ابتكرتها وجدانية الشعوب وابتدعها فكرها الخلاق عبر تطورها الحضاري، ولعل من ابرزها يأتي (أدب الاساطير) او ما يعرف اكاديميا بسمة (أدب الميثولوجيا) والذي هو الوعاء الادبي الذي يعنى بكل ما هو غرائبي وخرافي وعجائبي في السرد القصصي او السرد الحكائي المحلي ( الحكي) والذي هو في جوهره السرد الذي لا يصدق بسهولة والذي ايضا ان تمعنا فيه لوجدناه مغلفا بالغموض في الوقت الذي يكون اصل او محور مضمونه حقيقيا. الامر الذي يجعلنا نخلص الى حقيقة ان ادب الأسطورة او الاساطير ما هو الا مجموعة من القصص او (الحكايا) الواقعية التي تخضع للمعالجة الوجدانية باستخدام اساليب الاستعارة والرمزية والمجازية حتى تضحى صياغة أدبية ساحرة بالخرافة الشيقة والغريبة والمثيرة ثم تتناقلها الالسن بعناية شديدة مع ما تحمله من إضافات واضفاءات من قبل الرواة المتعاقبين حول تناقضات الوجود البشري بما يضمه من اعاجيب واباطين والتي تعطي لهذه القصص حالات الانبهار والهالة. ولقد حدد علماء الميثولوجيا وجود أربعة أنواع من هذه القصص الاساطير أولها هي قصص الهيبة والتي تكون وظيفتها تغليف ولادة البطل الشعبي ومآثره وكذلك المكان المعني بهالة من السحر والخيال والغموض اما النوع الثاني منها فهو القصص الطقوسية وهي التي تحث للتأكيد على العلاقة بين المعبود والمتعبد وتبنى عظمة هذا المعبود امام المتعبد واما النوع الثالث من قصص الاساطير فهو القصص الشعائرية والتي تكون مرتبطة بالشعائر القديمة للسكان وهي تصف حالة عن طريق قوة خالقة لها واما النوع الرابع فهو قصص اساطير النشوء وتسمى بالأساطير السببية ووظيفتها تقديم تصور غير واقعي عن منشأ عادة معينة او اسم معين او شيء معين لإضفاء حالة من الانبهار والعجب ولقد عرفت منطقة تكريت ومنذ القدم هذا النمط او الجنس الادبي وتفاعلت معه وتعاطته بحيوية خصبة من خلال معرفتها لجميع الثقافات التي انساحت على حضارات وادي الرافدين كونها من المدن الممتدة عبر الحضارات فكانت لها اسهامتها الخاصة والمميزة في مضمارها من خلال نسجها وابتداعها لنماذج من القصص او الحكايا الاسطورية الخاصة بها والتي يأخذ نمطها شكل وخصائص البيئة المحلية لها وطابعها الادبي المميز حيث استخدمت في حبكة نسجها لها اكثر من قالب ادبي اسطوري مما جعلها تجيء بشيء مختلف ومستجد وخاص يحمل في مضمونه اكثر من نوع من أنواع الاساطير وهذا يحسب للعقل التكريتي الذ صاغها الذي لم يكن يرتضي التقليد انما كان طامعا بالتفرد والتميز وهو من طبعه.
واذا ما اريد نماذج قص محلية نستدل بها على شيوع ادب الاسطير في منطقتنا فان حكاية ( زعيم تكريت الاسطوري عبد الصطيح والتي تتحدث عن قصة قفز هذا الزعيم بفرسه وسيفه ودرعه من اعلى القلعة الى جوف النهر المنساب تحته ثابتا على معتقده الموروث دون ان يبدله بالدين السماوي الجديد الذي كان قد حل في مدينته ). والحكاية الاسطورية المسماة شعبيا بـ ( مهجيين الناقة ) والتي تتكلم عن قصة ناقة سماوية كانت قد اتت ارض تكريت لتوسمها محلا لبناء بيت الرب او الاله او المعبود وكيف ان عبدة الوثنية من سكانها قد قاموا بمنعها من ان تحل بارضهم مفضلين عبادتهم العتيقة . وحكاية ( دعاء السيدة زينب عليها السلام لأهل تكريت بالخير والبركة والتولية والحفظ ) وحكاية ( السعلاوة مع الحطاب التكريتي المسمى حسين النمنم) لهي خير امثلة على ذلك النوع من القص وهي المبرهنة الحكائية على امتلاك البيئة الشعبية لتكريت التاريخية وما جاورها لأدب الأسطورة.
وبخصوص علاقة او رابط الكلام عن الاسطورة في موضوعاتنا التي تصب في الادب والفكر والثقافة فالحق يقال إن الحديث عن الرابطة او العلاقة الجامعة بين الأسطورة وبين الأدب خاصة لاشك أنه يشير بل يؤكد وجود هكذا علاقة بين مستوى من الفكر وبين أداة تعبير كأدب الاساطير، ولاشك ان العلاقة قوية بين الاثنين ، لان الأسطورة هي أدب ثم إن الصلة بين الأسطورة وادب التاريخ لهي صلة قوية تحتم ضرورة الاستفادة من المادة الأسطورية كمصدر للمادة التاريخية فالأسطورة تعبير أدبي عن أنشطة الإنسان القديم الذي لم يكن قد طور بعد أسلوبا للكتابة التاريخية يعينه على تسجيل إحداث يومه فكانت الأسطورة هي الوعاء الذي وضع فيه خلاصة فكره ، والوسيلة التي عبر بها عن هذا الفكر وعن الأنشطة الإنسانية المختلفة التي مارسها بما فيها النشاط السياسي والديني والاقتصادي . هكذا يظهر لنا كيف إن الحديث عن هذه العلاقة يعني الحديث عن ثلاثة مستويات ، الأول يتعلق بالأسطورة ، والثاني يتعلق بالأدب الأسطوري ، والثالث يتعلق بالمضمون الفكري للأسطورة .
من هنا كانت الأسطورة سدا لحاجة وتأمل من حيث الطبيعة وكانت الأسطورة للإنسان المبكر تأملاته ، حكمته ، أرادته في التفسير والتعليل أدب ، فلك ، عرف ، قانون ، انعكاسا لحقائق التفسير الداخلية . ومن هنا تشكل أثار وادي الرافدين منذ العصر الحجري الحديث وحتى مطلع العصور التاريخية أكثر الآثار خصبا وتنوعا في الشرق الأدنى القديم . إذ تعد النصوص المسمارية الأدبية على جانب كبير من الأهمية كونها مرآة صادقة تعكس الكثير من الأفكار والمعتقدات الدينية. وهكذا جاء الأدب بوصفه مرآة عاكسة لمتطلبات الحياة وحاجاتها لهذا جاءت الأسطورة بوصفها كلمة أو هي مجموعة من الكلمات التي تظهر على شكل رسالة أدبية .
609 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع