حول مزاعم قرار للأمم المتحدة يُلزم العراق دفع تعويضات لإيران

ماجد مكي الجميل

حول مزاعم قرار للأمم المتحدة يُلزم العراق دفع تعويضات لإيران

منذ إحتلال العراق في 9 نيسان/أبريل 2003، ظهرت أصوات من رجال دين شيعة بشكل خاص، تولوا حكم العراق، تدعو أن يقوم العراق بدفع مئات المليارات من الدولارات إلى إيران تعويضاً لها عن الحرب التي ”شنها العراق ضدها” بين عامي 1980 و 1988.

كي يعطي هؤلاء صبغة قانونية أو شرعية لمطالبهم الدنيئة هذه، زعموا أن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قد أصدر قراراً يُلزِم العراق بدفع 100 مليار دولار إلى إيران (عبد العزيز الحكيم)، وذهب معمم شيعي آخر (إياد جمال الدين) - فيديو - إلى مضاعفة المبلغ عشر مرات بزعمه إن قرار مجلس الأمن يُلزم العراق دفع ترليون دولار (1000 مليار دولار). غير أنَّ مُعمَّماً شيعياً ثالثاً (جلال الدين الصغير) زادَ الرقم الأخير بمائة مليار دولار إضافية، وكأنَّ هناك مزادٌ علني للتبرع إلى إيران من حُرّ مال العراق.

يا ترى، هل هناكَ فعلاً قرارٌ لمجلس الأمن يُلزم العراق بدفع تعويضات لإيران؟ ما هو رقم هذا القرار؟ ما هو تاريخ صدوره؟ ما هي الفقرة/الفقرات التي تنص على ذلك؟

وأيضاً، هل تولى مجلس الأمن تحديد الدولة المسؤولة عن شن الحرب؟ المسؤولية والتعويضات مسألتان مترابطتان. تبعات التعويضات ستقع على الدولة المسؤولة. وهل بتَّ مجلس الأمن في مطالب التعويضات المتبادلة التي تقدم بها طرفا الحرب (العراق وإيران طالب كل منهما الآخر تقديم تعويضات)؟

هناك كثير من الأسئلة والتعقيدات في هذه المسألة المتشابكة والطويلة جداً، لكن ينبغي إصابة القضية الأساس: ”هل هناك قرار من مجلس الأمن يُلزم العراق دفع تعويضات إلى إيران حسبما يزعم معممو الشيعة؟”. سأحاول تلخيص هذا الموضوع الشائك بالنقاط التالية:

- بين الأعوام 1980 و 1988 (بين بدء وبُعيد إنتهاء الحرب)، أصدر مجلس الأمن الدولي عشرة قرارات تتعلق بالحرب العراقية - الإيرانية، لم ترد فيها جميعاً كلمة واحدة تحدد الطرف الذي ينبغي عليه تقديم التعويضات، ولم تُحدد رقماً واحداً يتعلق بحجم التعويضات. أما عن مسؤولية الدولة التي شنت الحرب، فقد دعا المجلس في إحد قراراته إلى إجراء ”دراسة موضوعية لأسباب الحرب”، غير أن هذه الدراسة لم تصدر عن المجلس، إلا على شكل عبارة صغيرة ظهرت عقب حرب الكويت.

- عقب حرب الكويت في كانون الثاني 1991، أرادت الولايات المتحدة - لأسباب سياسية واضحة - إلقاء اللوم على العراق في شن الحرب على إيران. هذه المحاولة إستغرقت نحو عام كامل، غير أنها لم تُعطِ النتائج التي كانت واشنطن تأملها في ظروف عدائها للعراق عقب حرب الكويت.

- في بداية كانون الأول/ديسمبر 1991 تم إنتخاب بطرس غالي لرئاسة الأمم المتحدة ليتولى منصبه إبتداءً من الأول من كانون الثاني/يناير 1992 خلفاً لخافيير بيريز دي كويار الذي تنتهي رئاسته في اليوم الأخير من 1991.

- أرادت الولايات المتحدة أن يُصدر الأمين العام الجديد تقريراً يُلقي فيه مسؤولية إندلاع الحرب على العراق، وفي ذلك مدلولات أبسطها أن ”عربياً يُدين دولة عربية”. رغم كل شيء، أصرَّ بطرس غالي على أن يقوم الأمين العام ”الحالي” دي كويار إصدار التقرير باعتبار أن مداولات تحديد مسؤولية البادئ بإعلان الحرب جرت في عهده، وأن مجرى الحرب بأكملها والقرارات الصادرة فيها جرت في عهده أيضاً. وهذا ما تم.

- قبل عشرين يوماً من إنتهاء ولايته الثانية، قدم دي كويلار في 9 كانون الأول 1991 تقريراً إلى مجلس الأمن حول تنفيذ قرار المجلس رقم 598 الصادر في 20 تموز/يوليو عام 1987 (القرار الذي أوقف الحرب الذي رفضته إيران على مدى 13 شهراً).

- جاء في تقرير كويار أنه طلب من حكومَتَيْ إيران والعراق تفاصيل حول الفقرة 6 من القرار (تتعلق بتحديد المسؤولية عن إندلاع الحرب)، وأنه إستشار بعض الخبراء على إنفراد. في ضوء رد الحكومَتَين والاستشارة كتب الفقرة التالية: حتى وإن كانت هناك بعض التجاوزات من إيران على الأراضي العراقية، فإن هذه التجاوزات لا تُبرر العدوان العراقي على إيران واحتلال العراق المستمر لأراضٍ إيرانية خلال النزاع - وانتهاك لحظر إستخدام القوة، الذي يُعتبر قاعدة من القواعد الآمرة.

- رغم كل شيء، أعتُبرت هذه الفقرة حيادية إلى حد ما، لأنها تُدين إيران بالتجاوزات، وهو ما يُمكن تفسيره على أن إيران هي البادئة بالعدوان، وتُدين العراق على الرد على العدوان باحتلال إراضٍ إيرانية. غير أن إيران كانت هي الأخرى قد إحتلت أراضٍ عراقية (الفاو) لمدة عامين وشهرين، وهو ما يفرض إدانة لإيران أيضاً.

- أكثر من ذلك، فإن تقرير دي كويلار يحث على عدم الوقوف عند الفقرة 6 من القرار باعتبارها لا تحقق هدفاً مفيداً، والتركيز على تنفيذ القرار بوصفه خطة سلام شاملة. بهذا الشأن، يقول التقرير: ”إن متابعة الفقرة 6 من القرار 598 لا يبدو أنه سيخدم أي هدف مفيد. من أجل مصلحة السلام وعلى طريق تنفيذ القرار 598، بوصفه خطة سلام شاملة، فإن من المُلح الآن المضي قُدماً في عملية تقدم الإستقرار.

- طوال سنوات الحرب العراقية - الإيرانية، كانت إيران تُطالب (في الإعلام وتصريحات المسؤولين) أن يَدفع العراق تعويضات قدرها مائة مليار دولار. هذا ما قرأته عشرات، إن لم أقل مئات المرات طوال تلك الفترة، لكن.

- عقب إحتلال العراق في 9 نيسان/أبريل 2003 وتأسيس مجلس الحكم، توجه عبد العزيز الحكيم إلى إيران خلال رئاسته الدورية للمجلس في كانون الأول/ديسمبر 2003. عقب عودته نقلت وكالة رويترز تصريحاً له في 18 من ذات الشهر، قال فيه: ”إن إيران تستحق التعويضات المالية التي تطالب بها من العراق وتبلغ 100 مليار دولار عن الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات التي بدأها العراق” - أرجو أن تحفظوا جيداً رقم التعويضات الذي طالب به عبد العزيز الحكيم عقب عودته من طهران (100 مليار دولار).

- هذا الرقم خضع لـ ”المزايدة العلنية” بين أتباع إيران في العراق لرفع حجم التعويضات التي أرادوا من العراق (وهم يحكمونه) أن يدفعها إلى إيران حتى بلغت 1000 مليار دولار (ترليون دولار) - أي أكثر بعشرة أضعاف مما طالبت به إيران نفسها. المُزايد على هذا الرقم في تلك ”المُزايدة العلنية” الخسيسة هو رجل الدين الشيعي إياد جمال الدين (الفيديو) في معرض دفاعه العنيف عن بشار الأسد.

- لم تنتهِ ”المزايدة”، هنا جاء المُعمَّم الشيعي الآخر جلال الدين الصغير ليرفع رقم التعويضات فوق الترليون دولار بمائة مليار دولار. في خطبة له في جامع براثا (2018) قال إنَّ الأمم المتحدة ألزمت العراق بدفع 1100 مليار دولار (ترليون ومائة مليار دولار) إلى إيران. قال أيضاً ”إن الإيرانيين متفضلين فقد سكتوا عن ذلك وقالوا أن العراق في محنة”. هو كذبٌ بواح، فالأمم المتحدة لم تُلزم لا العراق ولا إيران بدفع أي منهما تعويضات للآخر، كما لم تضع، بشكل واضح وصريح، مسؤولية إندلاع الحرب على عاتق أيٍ من طرفيْ النزاع.

- للتحقق، يُمكن مراجعة قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة بين 28 أيلول/سبتمبر 1980 و 9 آب/آغسطس 1988. القرارت: (479 و 514 و 522 و 540 و 552 و 582 و 598 و 612 و 616 و 619).

16 كانون الأول/ديسمبر 2024

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

709 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع