المزارع والحسناء...قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

المزارع والحسناء...قصة قصيرة

تعوّد ناصر ان يختلس النظرات الى بيت جاره يوميا من باب الفضول ، ربما يحمل في قلبه نوعا من الحسد لجاره . . الذي تزوج حديثا من امرأة حسناء ويتساءل كيف اقتنعت به وهو لا يمتلك عملا سوى زراعة ارضه وحراثتها وبيع ما يجنيه منها ويعيش بقوت يومه .
لكنه سمع من خلال تهامس نساء القرية ان هذه الحسناء قد عاشت قصة حب مع جاره قبل زواجهما فيهمس مع نفسه يا للحظ السيء لم أجد امرأة تحبني . يسحب نفسا عميقا ويتذكرها تلك المرأة التي أحبها صادقا أيام الجامعة لكنها رفضته كونه من سكان الريف ولا ينسى جملتها . كيف تعيش أبنة المدينة في قرية نائية .
اذن كيف تتعايش هذه الحسناء مع أمه السليطة اللسان وأخته المقعدة . وبمرور الزمن غدا هذا التلصّص كأنه جزء من حياته أنه لم يحصل على فرصة للتعيين ولا يمتلك خبرة لزراعة أرضه وبالأخص بعد وفاة أبيه .
مع ان قريتهم نائية لكنها تمتلك كل أسباب الحياة الهادئة والجميلة وفيها أصنافا متنوعة من النخيل والأشجار والزهور بأجمل ما حباها الله من خضرة ومياه عذبة تجري في سواقي صغيرة تحيط القرية من كل جوانبها .
لكنه تربى في المدينة في بيت عمه لإكمال دراسته وهذا ما جعله يعيش في حالة مضطربة بعد تخرجه .
عاد ليراقب بيت جاره وكان يتمنى ان يسمع أخبارهم من هنا وهناك . الا انه لا يحظى بما يشبع فضوله ،
هناك البعض من الشباب يحمل ازدواجية الثقافة والتصرف وكأنه يعود لأيام صباه . يفكر ويتصرف بما لا يؤمن به وناصر من هذا النوع إذ تدفعه أسباب البطالة لتلك الحالة المتأرجحة بين الوعي واللاوعي . وبين المزحة والجد .
ولكن احدى قريباته قد نقلت كلامه للمرأة الحسناء زوج جاره وحدثتها عن الحسد الذي يسكن قلبه تجاه زوجها وعن كل تساؤلاته واندهاشه لرضاها بهذا المزارع البسيط . وانه دائم المراقبة لهم ولأخبارهم ، فأخذت تراقبه هي الأخرى لتجد ان أرضه ملاصقة لأرض زوجها .
لذلك فهما يتعاقبان بعدد ساعات السقي . ساعتان فقط لكل فرد في القرية وهكذا يتم التقسيم وبالتساوي .
وفي أحد الايام يتفاجأ ناصر ان زرعه بدأ يميل لونه لصفرة باهتة وبعضها ذبل وأماته العطش .كيف حدث ذلك وهو قد استأجر عاملا ليعتني بهذه الأرض التي ورثها عن أجداده . ومع تركه لها لسنين طوال الا أنه يرتبط بها روحيا ويحاول ان يداريها مثلما تداري الأم أبناءها لذلك أصابه الهم والحزن بهذه الكارثة التي آلمت به .
وحين تحقق من العامل تأكد انه يسقيها يوميا وحسب دورهم الذي يصادف في منتصف الليل . ولا يوجد أحد هناك في تلك الساعة ، فمن يا ترى يسرق منهم حصتهم بعد عودة العامل الى داره في منتصف الليل .؟؟
ازداد الأمر سوء لمزرعته مما اضطره ان يتخفى في منتصف الليل لمعرفة من يسرق منه الساعتين المخصصة لأرضه وقد سمع ان جاره زوج الحسناء قد تعرض لكسر بساقه وهذا يعني انه لا يتمكن من الخروج ليلا ..فمن هو السارق يا ترى .؟؟
يخفي وجهه خلف لثامه ويختبئ خلف الأشجار العملاقة ويراقب الوضع بدقة بعد ان أتمّ العامل مهمته ثم غادر المكان .
ينتظر لفترة من الزمن وهو جالس تحت ظل شجرة ولكن لم يظهر أي انسان في الأفق . لكنه أصر على البقاء مدة أطول وخصوصا ان الجو كان معتدلا والجلوس في منتصف الحشائش يثير نوعا من المشاعر الرائقة لدى الانسان ولأول مرة يجرب التمتع بهذا الوقت مع الطبيعة وبهذا الجمال الإلهي الذي منح روحه نوعا من الرضا والدهشة والراحة في فصل الربيع .
قريبا من آذان الفجر يتفاجأ وهو يرى خيال رجل من بعيد يظهر بالأفق وبدأ يقترب من مكان تفرع الساقية حاملا فوق كتفه ( المسحاة ) وهي الة لفتح مجرى الماء وما زال ناصر يختبئ بمكانه مستعينا بأغصان الشجرة العملاقة لكنه متوثب ليكشف عن لثام هذا الرجل . وقد استشاط غيضا وشعر بحرارة تصعد لرأسه .مدّ يده نحو خنجره لكنه تراجع عن هذه الفكرة وان عليه ان يستخدمه في حالة نزاعه وعدم تمكنه من لوي ذراع خصمه .ولكن عليه الان ان يعرفه أولا . ثم يباغته بضربات متلاحقة .
فتقدم الرجل الملثم نحو الساقية واخذ يزيح الطين بتجاه الفتحة المقابلة لأرض ناصر ليقطع عنها الماء ثم يقوم بفتح مجرى الساقية نحو مزرعة الفلاح زوج المرأة الحسناء .
تفاجأ ناصر وتساءل مع نفسه من هذا الرجل يا ترى . ثم ان زوج الحسناء يعيش مع امه المسنة وزوجه الحضرية واخته المقعدة فقط . ولكن من هذا الرجل .؟؟
انهى الرجل الملثم عمله ورفع مسحاته فوق كتفه وهم بالعودة . الا ان ناصر باغته مسرعا فمسكه من يده قائلا له من أنت بحق السماء ؟؟؟ أخبرني حالا .
وكيف تسمح لنفسك ان تسرق حصتي وتجعلها في أرض غيري ...تكلم من أنت ...؟؟ والا سأقتلك حالا .
التزم الملثم بالصمت ولم يهتم لما سمعه من كلامه فعدل لثامه وسحب مسحاته ليجعل منها عصا يتكأ عليها وسار بطريقه مجددا كأنه لم يسمع شيئا .
بادره ناصر بحركة سريعة وسحب لثامه . فأصبح وجهه بمواجهة المصباح الكهربائي الذي أعده ناصر لهذا الغرض
فكانت المفاجأة التي لم تكن يتوقعها ناصر . قابله وجه الحسناء المدور مثل دورة القمر عند اكتماله وعينان واسعتان لم تخف بل صوبت نظراتهما محدقة بوجهه انها زوج المزارع المكسورة ساقه وهي الحضرية الحسناء التي يحسده عليها .
تصلبت قامة ناصر بمكانها دون حراك وتقرن لسانه داخل فمه وحين ابتعدت عنه شيعها بنظراته المندهشة .
ثم همس مع نفسه :ـ كم هي الحياة دافئة مع امرأة محبة والمرأة في رداء الحب أجمل .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع