العراق؛ الانتقال الى اقتصاد مابعد النفط!

رەوەند عبدالقادر/ اكاديمي كردي

العراق؛ الانتقال الى اقتصاد مابعد النفط!

يشهد العالم تحوّلات جذرية في السياسات الاقتصادية والطاقة، مما يضع العراق أمام تحديات حاسمة بشأن مستقبله الاقتصادي في حقبة ما بعد النفط. يمثل النفط اليوم العمود الفقري لاقتصاد العراق وعدد من الدول الأخرى، حيث تعتمد البلاد بشكل كبير على عائداته لتمويل الميزانية ورواتب الموظفين. ومع تصاعد التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة وخطط الدول الغربية للحد من استهلاك الوقود الأحفوري في المستقبل والتقليل من انتاج السيارات التي تعمل بالوقود بحلول عام 2035، يبرز تساؤل جوهري: هل العراق واقليم كوردستان، مهيّئان لمرحلة ما بعد النفط؟
يُعد الاقتصاد العراقي من بين الأكثر اعتماداً على النفط عالمياً، حيث تشكل عائداته ما يزيد عن 90% من الإيرادات الحكومية. في ظل هذه الهيمنة، تتزايد المخاطر المرتبطة بتضخم النفقات وضعف البنية المالية. وقد حذر الوزير السابق علي عبد الأمير العلاوي مسؤولي البلاد في عدة مناسبات أبرزها في ديسمبر 2021، حيث نبّه إلى أن الالتزامات المالية للدولة قد تصل إلى مستويات كارثية في السنوات القادمة، مما قد يضطرها إلى اتخاذ إجراءات قاسية مثل تقليص الوظائف وتخفيض الرواتب وغيرها. وأكد على ضرورة عدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للواردات، خاصة في ظل انتقال معظم الدول الصناعية إلى صناعة السيارات الكهربائية وتخفيض إنتاج السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري. وعلى الرغم من امتلاك العراق موارد طبيعية هائلة كالأراضي الزراعية الخصبة، والنهرين العظيمين، والموارد المعدنية، فإن غياب التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي والاستمرار في الاعتماد الأحادي على النفط يضع البلاد في موقف ضعيف أمام المتغيرات الدولية.
يمكن للعراق أن يستفيد من تجارب دول أخرى مثل النرويج والإمارات وقطر في مجال التحول من الاعتماد على النفط والغاز إلى تنويع مصادر الإيرادات، حيث اتخذت خطوات جريئة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، عبر استثمارات ضخمة في مجالات التكنولوجيا، والسياحة، والعقارات والطاقة النظيفة وتمكنت هذه الدول من بناء اقتصادات أكثر تنوعاً واستدامة. وتسعى الدول الغربية إلى الحد من انبعاثات الكربون والتحول إلى الطاقة المتجددة، مما يفرض ضغوطاً إضافية على الدول المصدرة للنفط. في هذا السياق، يصبح من الضروري للعراق وإقليم كوردستان تبني خطط اقتصادية بديلة ومستدامة لضمان استقرارهم المالي والاجتماعي.
العراق بحاجة إلى استراتيجيات اقتصادية شاملة تركز على استثمار موارده الطبيعية والبشرية. يمكن تعزيز القطاع الزراعي، الذي يمتلك إمكانات هائلة في إنتاج المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والشعير والرز والذرة وعباد الشمس والتمور وغيرها، من خلال تحديث تقنيات الري وتقديم الدعم للمزارعين، مما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات. وعلى الحكومة أن تشجع الفرد العراقي -وخصوصا الخريجين الجدد- على العمل والاستثمار في مجالات الزراعة من خلال توزيع أراضٍ زراعية عليهم وتوفير حوافز مالية كالقروض الميسرة، وتقديم التسهيلات الإدارية والضريبية، بالإضافة إلى إنشاء برامج تدريبية لتعزيز المهارات الزراعية واستخدام التقنيات الحديثة، فضلاً عن تأمين الأسواق المحلية والخارجية لتسويق المنتجات الزراعية.
كما أن العراق يمتلك إرثاً تاريخياً وثقافياً ودينياً غنياً، بالإضافة إلى المقومات الطبيعية المتميزة في إقليم كوردستان، مثل الجبال الشاهقة والشلالات، التي يمكن استغلالها لتطوير السياحة البيئية وسياحة المغامرات. إلى جانب ذلك، يشكل وجود المراقد والمواقع الدينية المقدسة في العراق عنصراً جاذباً للسياحة الدينية، حيث يمكن من خلال تحديث البنية التحتية والخدمات المحيطة بهذه المواقع استقبال الزوار من داخل العراق وخارجه، مما يعزز دور السياحة الدينية كمصدر مهم للدخل الوطني ومجالاً لتشجيع الاستثمارات. ومن الضروري أيضاً تعزيز الصناعات التحويلية وتطويرها لزيادة القيمة المضافة للموارد الطبيعية، مثل الكبريت والغاز الطبيعي. كذلك فإن الاستثمار في التكنولوجيا يسهم في بناء قاعدة صناعية قوية تلبي احتياجات السوق المحلية والعالمية.
ويتعين على القادة السياسيين اتخاذ خطوات جريئة لتعزيز البيئة الاستثمارية عبر تقديم حوافز للمستثمرين الدوليين، وتخفيف الإجراءات البيروقراطية، وتحسين التشريعات الاقتصادية. كما أن إنشاء صناديق استثمار سيادية يمكن أن يساعد في تأمين الموارد المالية للبلاد وحمايتها من تقلبات أسعار النفط. إن الإرادة السياسية والتخطيط الاستراتيجي هما مفتاح النجاح في مواجهة تحديات حقبة ما بعد النفط إلى فرص واعدة. بموارده الطبيعية والبشرية الهائلة، يمتلك العراق القدرة على بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعيد تشكيل مكانته كقوة اقتصادية مؤثرة في المنطقة والعالم. فالعراق لديه القدرة على أن يصبح نموذجاً للنهضة الاقتصادية في المنطقة.
اليوم، يقف العراق أمام لحظة فارقة وفرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصاده بشكل يضمن له مستقبلًا مستدامًا ومستقلًا عن النفط. الوقت ينفذ وعلى العراق التحرك بسرعة نحو تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الواردات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

794 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع