لماذا تراجع حزب البعث جماهيريا؟

 سعد السامرائي

لماذا تراجع حزب البعث جماهيريا؟

حزب البعث العربي الاشتراكي، حركة قومية عربية كان له وجود قوي في عدة دول عربية، ولا يزال موجودًا ولكن ليس بشكل ملحوظ أو مؤثر يؤهله لقيادة الجماهير العربية. أصبح دوره محدودًا نسبيًا في الحياة السياسية، ويعود ذلك لعدة أسباب جوهرية سنذكرها لاحقًا. حزب البعث المرتبط بصدام حسين، الذي استلهم فكره من ميشيل عفلق، واجه فشلًا كبيرًا في إعادة بناء نفسه أو كسب شعبية جديدة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، مما انعكس على بقية تنظيمات الأقطار العربية للأسباب التالية

1- فقدان التمويل الذي كان يحظى به اثناء حكم صدام وفشل اتباعه بإيجاد مصدر شريف للتمويل أو المحافظة وتنمية التمويل القديم بعد الاحتلال.

2-الانقسامات الحزبية: تعرض الحزب لانقسامات كبيرة في عدة دول عربية ففي العراق، حدثت ثلاثة أو أربع انقسامات وفي لبنان فشل في التوسع جماهيريًا بعد وفاة الرافعي، خاصة في ظل النظام الطائفي المعقد الذي يعتمد على الانتماءات المذهبية. كما واجه الحزب ضغوطًا من النظام السوري وحزب الله، مما أضعف موقفه حيث واجه كحزب قومي علماني صعوبة في التكيف مع هذا النظام الطائفي المعقد وكانت المجاملات عاملا اخر لتحجيم انتشاره ولا ننسى ان لبنان كان ولا يزال ساحة للصراعات الإقليمية مما أدى للتأثير طائفيا على بعض أعضاء قيادته العليا الذين تعرضوا لإرهاب النظام الإيراني بالأخص من حزب الله والنظام السوري للحد من قدرة المؤيدين لصدام من التوسع والانتشار .
أما في السودان فقد انشق علي الريح السنهوري عن حزب البعث العربي الاشتراكي - وطن - في عام 2002. هذا الانشقاق جاء نتيجة خلافات داخلية في الحزب حول القيادة والتوجهات السياسية. السنهوري قرر تأسيس حزب البعث السوداني كحزب مستقل يعبر عن رؤيته الخاصة ويعمل على تحقيق أهدافه السياسية لم يتمكن من كسب جماهير واسعة أو تحقيق تأثير كبير على الساحة السودانية رغم أنه أصبح أمين سر قطر السودان وقد يبدوا غريبا كيف انه أصبح الأمين العام المساعد للحزب في الوطن العربي وساهم بفصل قيادات قطرية حتى في العراق ولم يوفق بتوحيد المنشقين واعادتهم للحزب او لم يكن يريد فعل ذلك، الحزب لم يتمكن من تقديم رؤية سياسية واقتصادية واضحة تلبي تطلعات الشعب السوداني، مما أدى إلى ضعف شعبيته ولا نرى له دورا فاعلا بالحرب الاهلية بالسودان.

3- الإجراءات القمعية الحكومية والدولية خصوصا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق حيث تم حظر الحزب رسميًا بموجب قوانين اجتثاث البعث، ومنعت السلطات العراقية الموالية لإيران والتي نصبها الامريكان حكاما على العراق (بسبب انهم ساعدوه في القضاء على المقاومة العراقية التي كان يقودها البعث وان كبيرهم المنقرض افتى بعدم محاربة الامريكان ورغم ان ذلك يعتبر خيانة للعراق والوطن العربي الا ان التأثير الطائفي كان طاغيا على هؤلاء القطيع) القيام بأي نشاط سياسي باِسمه الا أنه شارك بانتفاضة تشرين حيث جرى اخمادها من خلال جرائم القتل التي مارستها حكومة العملاءوميليشياتها و تعرض أعضاؤه للملاحقة والقتل، مما أدى إلى تفكيك هيكله التنظيمي و ساهمت حكومة الاحتلال الموالية لإيران بملاحقة وقتل أعضاء البعث مما أدى ذلك إلى تفكيك هيكله التنظيمي ورحيل من استطاع الخروج من العراق كذلك عانى الحزب او أثر ذلك على فروع الحزب في الوطن العربي..
4- الصورة السلبية: عمل المحتل وأعوانه على تشويه صورة الحزب، حيث ارتبط في أذهان الكثيرين بالقمع والاستبداد، مما جعل من الصعب عليه كسب أعضاء جدد أو استعادة ثقة الشعب مما يعني انه فشل في تنمية الفكر الوطني والقومي لدى الحزب والشعب طيلة فترة حكمه بالعراق وأنه سعى للزيادة الكمية لا النوعية مما أدى لقصور في تهيئة قيادة بديلة تمارس عملها اثناء الطوارئ و ساهمت حكومة الاحتلال الموالية لإيران بملاحقة وقتل أعضاء البعث وقطع ارزاقهم في سابقة غريبة وخطيرة جدا تشابه حصار كفار قريش للمسلمين الأوائل بأن أنقسم عدد كبير يقارب %35 من الشعب معهم القيادات الكردية ليكونوا خونة لبلدهم في حالة خلل دماغي وشرود ذهني باِما المشاركة الفعلية بالجرائم او السكوت عليها. خصوصا بعدما اكتشف الشعب عمالة حكامه وانهم يعملون لمصالحهم الشخصية وللمحتلين الإيراني والامريكي فقط

5- بعد اعدام صدام غابت القيادة الكاريزمية وتفككت القيادات البعثية وغابت معها القيادة الفاعلة بالعراق كونها كانت تجابه الملاحقة العميلة والمد الطائفي الذي نمى بشكل غريب وجرى اختراقه ورغم أن القيادة الأخيرة التي كان يرأسها صدام تتحمل سبب ما وصل اليه الحزب والعراق لكونها كانت اعلى سلطة فيه ,الا أن قرار فصل هذه القيادة الذي تم بناء على توصية من قبل سعدون حمادي وقام به الراحل عزة الدوري كان قرارا غير موفقا لأنه خلق فجوة كبيرة لم تكن بذاك الوقت القيادات الوسطى مؤهلة لاستلام مسؤولية الاستمرار في وقت صاحب ظاهرة أن الكل يريد أن يكون القائد !مع العلم بأن الحزب لم يتمكن من إيجاد شخصية مؤثرة تستطيع توحيد أتباعه وإعادة تنظيمه واستمرت الانقسامات والتجزيء ,

6- عانى حزب البعث انحسارا منذ نشأته في دول المغرب العربي (المغرب، الجزائر، ليبيا، تونس، وموريتانيا) وكان محدودا مقارنة بمناطق الشرق العربي فمثلا كان الحزب قويا ومؤثرا في الأردن لكنه شبه اضمحل ولم يكن له دور قوي في المغرب بسبب الملاحقات الحكومية، أما في الجزائر فلقد كانت هناك محاولات في انشاء تنظيم قوي ومؤثر لكنها لم تصمد امام حزب جبهة التحرير الوطني الذي رسخ الهوية القطرية. اما في ليبيا فقد طور القذافي نظريته الخاصة القطرية في كتابه الأخضر حيث لم يسمح بوجود تنظيمات للبعث مستقلة كذلك فعلت دول الخليج العربي وفي موريتانيا وتونس ومصر كان الانتماء الافريقي هو الطاغي مما قلل من انتشار الأفكار البعثية وعلى العموم فالثقافات والسياسية في دول المغرب العربي تختلف عن تلك التي في المشرق العربي وكانت تركز على الهوية الوطنية أكثر من القومية.

أما في الأردن فكان لحزب البعث تاريخ وتأثير كبير في الخمسينيات والستينيات، لكنه تراجع في السنوات الأخيرة. حاليًا، يبدو أن تأثير الحزب بدأ يعود مع انتخاب المحامي زهير الرواشدة أمينًا عامًا وأتوقع أن يكون الأمين العام للحزب لو جرت الانتخابات. في اليمن: كان للحزب دور واضح في الحياة السياسية، لكنه تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب الانقسام والمنافسة مع القوى الأخرى، فلم يستطيع كسب الجماهير اليمنية بصورة مؤثرة ومميزة بسبب العجز بالتمويل وتأثير اتباع حزب الحوثيين الإرهابي .

الخلاصة –

تراجعت شعبية الحزب وصدام بعد حرب الخليج الثانية وتراجعت أفكار الحزب القومية وتعرض الحزب الى منافسة من قوى أخرى سياسية بما فيها الأحزاب الاسلاموية الطائفية والميليشيات المسلحة التي ملأت الفراغ السياسي والانقسامات الداخلية حتى ان بعضهم تأثر بالقاعدة وداعش وأنظم اليها قبل ان يكتشف من أنشأ داعش واغراضها الهدامة كذلك فضل البعض الاخر الابتعاد عن السياسة او الانضمام الى حركات أخرى..

ومن وجهة نظري على الحزب بالعراق وأقسامه أن يعيد تنظيم نفسه ويكسروا حاجز الخشية والرهبة من نقد القيادة القطرية بالعراق الأخيرة بما فيهم الراحل صدام خصوصا مرحلة العشر سنين الأخيرة قبل الاحتلال الاممي للعراق بحجة ليس وقتها الان (متى سيكون وقتها هل بعد وفاة جميع قياداته السابقة ؟!) وأن يقوم بتقديم رؤية سياسية واقتصادية واضحة لنفسه أمام الجماهير العربية تلبي تطلعاتهم وأن يقوم بحل القيادات جميعها ويبقي فقط لجنة تعمل على تنظيم انتخابات شاملة تعود درجات جميع الرفاق الحزبيين من أعضاء عاملين فما فوق الى درجة عضو عامل يتم بينهم الانتخابات بكل قطر على حدة لانتخاب قياداتها القطرية وأمينها العام ثم يتم انتخاب القيادة القومية وأمينها العام. ولا بأس أن تكون على مراحل بسبب التأثيرات الخارجية عليه لكي يتمكن حزب البعث من إعادة بناء نفسه كقوة سياسية مؤثرة في العراق والوطن العربي خصوصا بعد انفضاح فساد مهرجي الأحزاب التابعة لإيران ومعمميهم ومن وجهة نظرنا الشخصية أيضا ان يتم حل الحزب الحالي الموالي لسوريا بقيادة فؤاد الدبور ويتم ضم قياداته وأعضائه للبعث الموالي لصدام بدرجة أعضاء بالحزب على ان لا يتم تصعيد او انتخاب أي عضو منهم قبل مدة عشر سنين.. وذلك في خطوة لإلغاء وجود حزبين يحملان نفس الاسم !.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع