ما دور وتأثير تركيا في الوضع الحالي في سوريا؟

الدكتور عبدالعزيز المفتي

ما دور وتأثير تركيا في الوضع الحالي في سوريا؟

تركيا تلعب دورًا محوريًا ومعقدًا في النزاع السوري منذ بدايته في عام 2011. هذا الدور يشمل الأبعاد العسكرية، السياسية، والإنسانية، مع تأثيرات كبيرة على مستقبل سوريا والمنطقة ككل. لذلك، فإن فهم تأثير تركيا في الوضع الحالي في سوريا يتطلب النظر في العديد من العوامل التي تتعلق بمصالحها الأمنية والجغرافية، وكذلك علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.

1. التدخل العسكري التركي في سوريا
منذ بداية الحرب السورية، كانت تركيا تراقب عن كثب تطورات الوضع، خاصة في مناطق الشمال السوري التي تجاور حدودها. ومع مرور الوقت، أصبح التدخل العسكري التركي في سوريا أكثر وضوحًا وفاعلية. بدءًا من عام 2016، بدأت تركيا في تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية تحت مسميات مختلفة مثل "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى مواجهة تنظيمات متطرفة مثل داعش و"وحدات حماية الشعب" الكردية (YPG) التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK).

الحماية من التنظيمات الكردية: تركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني وحلفاءه الكرد في سوريا تهديدًا لأمنها القومي، حيث ترى فيهم امتدادًا لتهديدات قد تصل إلى الأراضي التركية، وهو ما دفعها إلى التدخل العسكري المباشر. عمليًا، تركيا قامت بتشكيل "المنطقة الآمنة" في شمال سوريا، وهي منطقة تحت سيطرتها مباشرة أو من خلال قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا.

الوجود العسكري في مناطق شمال غرب سوريا: تركيا تحتفظ بحضور عسكري قوي في محافظة إدلب، حيث تدعم فصائل المعارضة السورية، وتعمل على تعزيز نفوذها في هذه المنطقة بهدف منع تقدم النظام السوري وحلفائه الإيرانيين. هذه المناطق أصبحت بمثابة مناطق عازلة يمكن لتركيا من خلالها التأثير في مستقبل سوريا.


2. التوازن بين روسيا والولايات المتحدة
تركيا، رغم دعمها للمعارضة السورية، تحافظ على علاقات مع روسيا من خلال التعاون في بعض الملفات العسكرية والسياسية. على الرغم من أن تركيا تعتبر النظام السوري عدوًا، إلا أن علاقاتها مع موسكو متوازنة من خلال اتفاقيات وقف إطلاق النار في إدلب والتنسيق حول بعض القضايا العسكرية.

معادلة تركيا مع روسيا: روسيا، كداعم رئيسي للنظام السوري، ترى في تركيا لاعبًا مهمًا يجب التفاهم معها لمنع تصعيد المواجهات في مناطق مثل إدلب. تركيا، بدورها، تستخدم هذه العلاقات مع روسيا للضغط على النظام السوري وداعميه، وتؤكد أن مناطقها في شمال سوريا يجب أن تكون تحت سيطرتها، مما يساهم في تحقيق توازن مصالح بين البلدين.

علاقات تركيا مع الولايات المتحدة: على الرغم من أن تركيا هي عضو في حلف الناتو، فإن علاقتها مع الولايات المتحدة شهدت توترات بسبب الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، ما اعتبرته تركيا تهديدًا مباشرًا لأمنها. ومع ذلك، تحافظ تركيا على تعاونها مع الولايات المتحدة في بعض القضايا العسكرية، مثل محاربة داعش والمساعدة في الملف الإنساني.


3. التأثير الإنساني والدور في اللاجئين
تركيا تعتبر الدولة المستضيفة لأكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث يعيش فيها أكثر من 3.6 مليون لاجئ. هذا العدد الكبير يشكل تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا، لكنه أيضًا يمنح تركيا دورًا إنسانيًا مهمًا على الصعيدين الإقليمي والدولي.

الدور في المساعدات الإنسانية: تركيا تقدم مساعدات إنسانية ضخمة داخل الأراضي السورية، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. كما تسهم تركيا في تقديم مساعدات طبية وتعليمية، مما يساعد في تخفيف معاناة المدنيين.

الضغط على الاتحاد الأوروبي: تركيا تستخدم ملف اللاجئين كأداة ضغط في سياستها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، حيث تهدد بإعادة فتح الحدود أمام اللاجئين إلى أوروبا إذا لم يتم الوفاء بالتعهدات المالية والسياسية من جانب الاتحاد الأوروبي.


4. المصالح الاقتصادية والسياسية التركية
إلى جانب الأبعاد الأمنية والعسكرية، تسعى تركيا إلى حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية في سوريا.

الموارد الطبيعية: تركيا تسعى للحصول على حصتها من الموارد الطبيعية في سوريا، خاصة النفط والغاز في المناطق الشمالية. وهي تأمل في إنشاء مناطق آمنة تتيح لها الوصول إلى هذه الموارد بشكل أكثر سيطرة.

النظام السياسي في سوريا: تركيا ترى في بقاء النظام السوري تحت قيادة بشار الأسد تهديدًا لمصالحها، وتدعو إلى إقامة حكومة انتقالية تمثل جميع الأطراف السورية، بما في ذلك المعارضة.


5. الخاتمة
تعد تركيا من اللاعبين الرئيسيين في النزاع السوري، ولها تأثير كبير على مسار الأحداث في البلاد. من خلال تدخلها العسكري، علاقاتها المعقدة مع روسيا والولايات المتحدة، ودورها الإنساني الكبير، تسعى تركيا إلى تحقيق مصالحها الأمنية والسياسية. ومع ذلك، يبقى التحدي الكبير أمام تركيا هو كيفية تحقيق توازن بين هذه المصالح والحفاظ على استقرار المنطقة. في النهاية، دور تركيا في سوريا سيكون حاسمًا في تشكيل مستقبل هذا البلد، خاصة في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية التي تشهدها الساحة السورية.

الدكتور عبدالعزيز المفتي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

601 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع