رغم الغضب الذي يهز قلوب المسلمين بسبب الفيلم المشين، الذي أساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن مثل ذلك العمل الصادم ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير.
فهو إحدى حلقات سلسلة متواصلة، ضمن حملة منظمة للتشهير بالعرب والمسلمين. ووقائع ما جرى بخصوص ذلك الفيلم تحديداً، تضع يدنا على أصل الموضوع. فلعل الأكثر غرابة هذه المرة، هو ذلك الغموض الذي أحاط بتلك الجريمة المسماة بفيلم سينمائي. فمنذ اللحظة الأولى، تنصل منه بعضهم، بينما اختفى البعض الآخر، في حين اتضح أن آخرين منهم كانوا يستخدمون منذ البداية أسماء مستعارة لإخفاء هويتهم. ولكل ذلك دلالات بالغة، تشير إلى حجم الجريمة وطبيعتها.
فبعد أن ارتبط الفيلم باسم موريس صادق، الذي أسقطت عنه الجنسية المصرية منذ سنوات، وتبرأت منه الكنيسة المصرية، وأدانته عدة مرات، خرج صادق علينا عبر إذاعة البي بي سي لينفي أنه قد أنتج الفيلم، وصرح بأن دوره اقتصر على «الإعلان» عنه. وكأن الترويج لعمل مثل هذا سلوك حيادي! ونفى صادق أيضاً أن تكون له علاقة بالمنتج الإسرائيلي للفيلم.
وما هي إلا ساعات، حتى كان فريق العمل في الفيلم، من ممثلين وفنيين، يعلن بالإجماع أنه تعرض للخديعة، وأن ما قيل لهم عند التصوير من جانب المخرج، كان أن الفيلم يتناول التاريخ الفرعوني، وفي قول آخر فيلم تاريخي باسم «محاربي الصحراء»! وأن ما جاء على ألسنتهم في الفيلم، تمت إضافته لاحقاً دون علمهم!
وإذا كان ما سبق، عزيزي القارئ، لم ينقلك بعد إلى عالم الخيال العلمي، فإليك بقصة المدعو سام باسيل، الذي قيل إنه الإسرائيلي الذي أنتج الفيلم، والذي قيل إنه تبين من البيانات الرسمية في كل من أمريكا وإسرائيل، أنه لا يوجد أصلاً شخص بهذا الاسم.
ثم إليك أيضاً بالمدعو نيكولا باسيلي نيكولا، الذي قيل إنه اتصل بالمنتج الإسرائيلى سام باسيل مرة واحدة، ثم ذهبت الأقاويل لاحقاً إلى أن نيكولا هذا هو المنتج الحقيقي، وأنه مسيحي من أصول مصرية. لكن لا يعرف أحد أين المدعو نيكولا! فمرة يقال إنه مختبئ، ومرة يقال إنه تحدث للأسوشيتدس برس. ثم تقول الأسوشيتد برس إنها حين بحثت عن هاتف سام باسيل، وجدت نفسها أمام نيكولا باسيلي، الأمر الذي يعني أن ذلك النيكولا يستخدم اسمه بكتابات مختلفة!!
وحتى تكتمل الدراما البوليسية، فقد اتضح من السجلات الرسمية أن المدعو نيكولا اتهم منذ سنوات بتزوير بنكي، وحكم عليه بالسجن، وبدفع غرامة ضخمة وصلت إلى 197 ألف دولار، الأمر الذي يجعلك تتساءل عما إذا كان نيكولا هارباً من وجه العدالة بسبب جريمة أخرى ارتكبها، أم أنه هرب جبناً بعد أن خرجت ملامح فيلمه التافه للنور.
ثم فجأة، عثر الأمريكيون على اسم ستيفن كلاين، الذي قال إن باسيلي اتصل به مرة واحدة يطلب مشورته حول السقف المسموح به قانوناً في أميركا بخصوص حرية الرأي، وأطلعه على فكرة الفيلم. وواضح أن باسيلى هذا كان يعرف أنه بمحتوى الفيلم يمس خطوطاً حمراء، كان من الممكن أن يقع بسببها تحت طائلة القانون لو كان في أوروبا.
لكن وجود اسم ستيف كلاين، يعني في تقديري أن كل الأسماء التي سبق ذكرها لا أهمية لها على الإطلاق. فكلاين له ارتباطات وثيقة برموز معروفة في أميركا، كلها تنتمي لشبكة فضفاضة، اتخذت من كراهية الإسلام والمسلمين هدفاً وصناعة في الوقت ذاته.
فستيف كلاين له علاقة بروبرت سبنسر الذي ينفث سمومه عبر موقعه الإلكتروني، وبدانيال بايبس الذي لا يقل عنه عنصرية تجاه العرب والمسلمين، كما أنه على علاقة وثيقة بالقس المتطرف تيري جونز، الذي أثار ضجة مماثلة في 2010، حين أعلن عن نيته إقامة احتفال لحرق أكبر عدد ممكن من نسخ القرآن الكريم.
لكن الأخطر من هذا وذاك، هو أن كلاين يرأس منظمة تدعى «مواطنون قلقون على التعديل الأول للدستور»، وهي منظمة بالغة التطرف، وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها منظمة «تبث الكراهية». وتقوم تلك المنظمة بتدريب أعضائها تدريبات عسكرية، من أجل حرب يقول لهم كلاين إنها قادمة مع المسلمين. وكلاين والدائرة التي يتحرك فيها، ليست بعيدة عن دوائر أكثر أنصار إسرائيل تطرفاً، الذين تجد الكثير من رموزهم في تلك الشبكة البائسة، مثل فرانك جافني ودانيال بايبس.
معنى كل ذلك، أن موريس صادق وباسيلي وباسيل، وكل الأسماء الأخرى التي ذكرت مرتبطة بذلك الفيلم، مجرد عملاء يتم تحريكهم من جانب تلك الشبكة المتطرفة، لتحقيق مهمة محددة في لحظة ما.
وفي تقديري، أن الهدف الواضح من الإعلان عن الفيلم في هذا التوقيت بالذات، أي في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، كان استفزاز المسلمين عمداً لارتكاب أعمال عنف. والهدف طبعاً هو تأجيج مشاعر الأميركيين، والترويج بموجبها لفكرتهم الرئيسة التي يحاولون إقناع الأميركيين بها، وهي أن الإسلام هو الخطر الذي يتهدد أميركا.
وهو أمر لم يخفه ستيف كلاين في الحوار الذي أجري معه بعد مقتل السفير الأميركي في ليبيا، فهو قال حرفياً: «لقد أقدمنا على ذلك (يقصد الفيلم) ونحن نعلم أن هذا سيحدث على الأرجح (يقصد العنف).. ولكنه ليس خطأنا. فنحن لم نكن نريد أن يقتل أحد، ولكن الحقيقة لا بد أن تنشر. نحن قلنا الحقيقة وهؤلاء (يقصد المسلمين) كان رد فعلهم هو قتل الناس».
وتلك كلمات لا تحتاج إلى تعليق، وإنما تحتاج إلى التأمل فيها. وفي ما جرى في الأيام الأخيرة.
873 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع