د. سعد ناجي جواد*
العملية العسكرية الاسرائيلية الفاشلة ضد قطر.. هل هي دليل على (الجبروت) الإسرائيلي.. ام انها اشارات ضعف وتخبط وإفلاس؟ وهل سياتي الحل للقضية الفلسطينية من داخل الولايات المتحدة؟
صباح امس، وقبل ان يحدث العدوان الإسرائيلي على دولة قطر العزيزة، كنت قد شرعت في كتابة مقالة عن اشارات لعملية خداع جديدة يمارسها الرئيس الأمريكي ترامب مع المقاومة، كما فعل في السابق مع ايران. ثم جاء العدوان ليؤكد في ذهني التواطؤ الأمريكي معه لسببين: الأول هو ان الرئيس الأمريكي كان قد توعد حركة حماس قبل يوم او يومين بان ابواب جهنم ستفتح عليها إذا لم تجتمع وتعطي ردا إيجابيا على المقترح الأمريكي لإطلاق سراح الأسرى لديها، وبعد أن أكد ان إسرائيل وافقت على المقترح (وهذا لم يكن صحيحا)، هذا التصرف والإلحاح على مفاوضي حماس كان بداية خطة لجعلهم يتحركوا بسرعة للالتقاء في الدوحة لكي يكونوا هدفا جاهزا وسهلا لضربة إسرائيلية جوية؟
الثاني والاهم هو انه بالاستناد الى كل المقاييس والاعتبارات والتجارب السابقة لا يمكن للكيان الاسرائيلي ان يقدم على مثل هكذا جريمة كبيرة دون اخذ ضوء اخضر من واشنطن، خاصة اذا ما كان الهدف دولة حليفة للولايات المتحدة ويوجد فيها اكبر قاعدة امريكية في المنطقة. اما الإنكار الأمريكي المتأخر فيمكن تفسيره بانه جاء بسبب ان العملية قد فشلت، وبالتالي كان لابد من وضع هذا الفشل على كاهل نتنياهو ووزير حربه. ولو كان الأمر معكوسا، اي لو كانت العملية قد نجحت في اغتيال قادة حماس (لا سامح الله)، لخرج علينا المتحدث باسم البيت الأبيض او الرئيس نفسه بتغريدة يدافع فيها عن (حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وحقها في قتل الارهابيين الذين يستهدفونها).
وفي كل الأحوال فان العدوان الذي تعرضت له قطر يوم امس لا يمكن ان ينظر اليه على اساس انه حدث عابر، بل هو استفزاز وتجاوز خطير بكل المعايير، ويهدد بشكل كبير امن المنطقة باسرها، وذلك لاعتبارات عديدة:
ـ اولا: ان ما حدث لم يكن تهديدا لأمن قطر والمنطقة فقط، بل انه ضرب بعرض الحائط كل المعايير والأعراف الدولية وأسس احترام سيادة الدول، واستهدف وامن دولة كانت، مع مصر، مركز كل النشاطات لوقف الحرب. ولجأت اليها واشنطن لتحرير احد اسراها، بل ولجأ اليها نتنياهو نفسه عندما كان يمر بأحرج مراحل حكمه، وعنما كان يلهث وراء وقف لإطلاق النار، وتحرير اسرى إسرائيليين، وبالتالي فان هذه العملية توكد ان رئيس وزراء دولة الاحتلال لا يقيم وزنا واعتبارا لأية دولة في المنطقة، وخاصة اذا كانت عربية، ولا يحترم حتى من يساعده وينقذه من مآزق مستعصية.
ـ ثانيا: ان هذه العملية في اعتقادي المتواضع، لا تعطي مؤشرا جديدا على قوة وجبروت اسرائيل، كما اراد نتنياهو ان يقول، لان الكل يعرف ان اسرائيل وبدعم واشنطن واسلحتها الفتاكة، قادرة ان تضرب في كل مكان، وانها (وقادتها) محصنة ضد اي عقاب، ايضا بدعم الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة، ولكنها تدلل على افلاس وتخبط نتنياهو وفشله في تحديد أولوياته وفي اختيار الأهداف الاستراتيجية المهمة، وانها تشير إلى عجز وليس قدرة فائقة على فرض وجهة نظر بالقوة، وذلك لعدة اسباب، منها ان الهدف المقصود يعتبر هدفا رخوا وسهلا ومكشوفا (مع كل الإحترام لشخوصه) وكان بإمكان إسرائيل ان توكل الأمر عملائها الأجانب والعرب، كما فعلت في السابق. كما انه إذا ما افترضنا جدلا ان الضربة كانت ستنجح في اغتيال بعض قيادات المقاومة، فان ذلك لم يكن ليغير من حقيقة ان قيادة المقاومة في الخارج لا تمتلك تأثيرا كبيرا على القيادة العسكرية الجديدة التي تقود المعارك في الداخل. واذا كانت المقاومة بقيادتها الشابة الحالية قد نجحت في البقاء في الساحة وإدامة المواجهة مع العدو الاسرائيلي بعد ان فقدت اهم القيادات التي خططت ونفذت عملية طوفان الاقصى، فكيف يمكن ان يوثر اغتيال قيادات في الخارج على صمودها واستمرارها في المقاومة؟
ـ ثالثا: ان العملية مثلت فشلا استخباريا إسرائيليا كبيرا، وكذلك كشفت حجم الخلافات داخل القيادات العسكرية والإستخبارية في داخل دولة الإحتلال، ونتنياهو نفسه كشف ذلك عندما قال ان الجيش الشاباك فقط هم من خططا ونفذا العملية، وان بعض القيادات العسكرية والأمنية لم تكن موافقة على الخطة.
ـ رابعا: ان نتائج هذه العملية الفاشلة لابد وان تأتي بمردودات عكسية على اسرائيل والولايات المتحدة. فكل الدول العربية المطبعة مع الكيان الاسرائيلي اصبحت في وضع لا تحسد عليه الان، فهي إبتداءا بدا تشعر بانها غير آمنة على نفسها، وانها مهما فعلت فانها لا يمكن ان تأمن شر كيان مارق يقوده شخص فقد اعصابه، ناهيك عن انها اصبحت مطالبة بان تقف موقفا ينسجم مع فداحة الجريمة المرتكبة ضد دولة ترتبط معها باتفاقات امنية ومواثيق تحتم عليها الوقوف إلى جانب بعضها البعض، كونها جزء من منظمة واحدة (مجلس التعاون الخليجي). كما ان كل الدول الخليجية، وكذلك الأردن ومصر، التي تمتلك معاهدات وقواعد أمريكية على أراضيها، لابد وان يطرح محلليها ومفكريها وسياسيها وإعلاميها ومراكزها البحثية، وحتى مواطنيها البسطاء، سؤالين محددين الأول هو: إذا كانت هذه القواعد والمعاهدات الامنية التي تربط بلدهم بواشنطن لا تستطيع حماية اراضيهم ومواطنيهم من عدوان اسرائيلي مارق فما هي فائدة وجود هذه القواعد؟ والثاني هو اذا كانت دولة مسالمة مثل قطر، وحليفة للولايات المتحدة وقدمت مئات المليارات لها كاستثمارات وعقود شراء اسلحة، وبادرت منذ بداية الأزمة في غزة لفعل كل ما في وسعها لكي تنهي الحرب، وجمعت المفاوضين من كل الأطراف ( ومن ضمنهم الاسرائيليين، على أراضيها، ولم تشكل يوما ما تهديدا للأمن الإسرائيلي، ومع ذلك لم تشفع لها كل هذه المواصفات في ان تكون في مأمن من الغدر الإسرائيلي، فكيف ستأمن دولا اخرى (خاصة مصر والأردن) على نفسها وامنها واستقرارها امام محاولات اسرائيل لتغيير كل ما موجود فيها بدعوى انشاء نظام شرق أوسطي جديد؟ وفي وقت تعتبرهما اسرائيل (مصر والأردن) مناطق لتهجير الفلسطينيين لها، كما تصرح تل أبيب وواشنطن بين الفينة والأخرى؟
ـ خامسا: لا يمكن لمثل هكذا حادثة ان تمر مرور الكرام، وخاصة بالنسبة لدولة قطر وللدول الخليجية والعربية، وخاصة تلك التي تمتلك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ولا يكفي اصدار بيانات ادانة وانما يجب ان تكون هناك افعال جادة اولها واهمها انهاء حالة التطبيع مع هذا الكيان او في اقل تقدير إعلان اعضاء الوفود الدبلوماسية الاسرائيلية في عواصم تلك الدول، اشخاصا غير مرغوب بهم في هذه المرحلة وحتى تقدم إسرائيل اعتذارا عن عملها الذي إنتهك كل القواعد والاعراف الدولية. وحديث السيد رئيس وزراء قطر كان واضحا ليلة امس عندما وصف العمل ب “الارهابي وسياسة ممنهجة يتبعها شخص واحد (نتنياهو) لزعزعة الامن والاستقرار الاقليمي … ورسالة واضحة للمنطقة كلها، وبالتالي فانه يتطلب ردا من المنطقة بأكملها على مثل هذه التصرفات الهمجية”.
ـ سادسا: سارع الرئيس ترامب للاتصال بالأمير تميم بن حمد (مستنكرا) هذه الجريمة، لكن هذا الإتصال والكلمات العابرة التي وردت فيه ليست هي المعيار الحقيقي او رد الفعل المطلوب، خاصة ان واشنطن لم تدن رسميا هذا الإعتداء على سيادة ومواطني دولة حليفة. المطلوب هو ان تصاحب هذه الإدانة حرمان الدولة المارقة من الدعم (العسكري وغيره) الذي يمكنها من الاستمرار في ابادة ابناء غزة والإعتداء على دول المنطقة. ويجب ان يكون هناك موقفا امريكيا واضحا في مجلس الامن الذين سيبدأ بمناقشة هذه الجريمة اليوم او غدا. والسؤال هو هل ستقبل واشنطن بقرار الإدانة الذي سيصدر؟ ام انها كالعادة ستضغط على الدول في المجلس لكي لا يطرحوا قرار يدين إسرائيل، او تامر باستخدام الفيتو ضده إذا ما طُرِح؟ ما سيحدث في مجلس الأمن سيكون هو الإثبات والمعيار الحقيقي على ما إذا كانت ادانة الرئيس الأمريكي صادقة ام انها كانت فقط للتخدير الموضعي والآني.
ـ سابعا: يقول البعض، وهم محقون، بأن العدوان وجه ضربة قاصمة لمسيرة التفاوض، ومعها فرصة التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، وكذلك لأمل إطلاق سراح سريع للأسرى المتبقين لدى حماس. ولكن هذا الراي يغفل حقيقة مهمة هي ان ما حدث جاء مقصودا وهدفا اساسيا من اهداف نتنياهو الذي لم يكن مرتاحا لعملية التفاوض، ونجح وبإصرار في إفشالها اكثر من مرة، لكي يستمر في حرب الابادة التي ينتهجها منذ اكثر من 700 يوم خدمة لأغراض السياسية والشخصية.
ـ ثامنا: ان محاولة توريط قطر والادعاء بانها اُعلِمَت بالهجوم قبل وقوعه بلحظات، للإيحاء بأن الدوحة أبلغت قادة المقاومة وأنقذتهم في اللحظة الاخيرة، لا يمكن ان يستوعبها عقل سليم، بدليل ان ابن السيد خليل الحية كان من ضمن الشهداء الذين سقطوا في هذا الهجوم الغادر، وكذلك مرافقه ومدير مكتبه. كما انه يجب عدم استبعاد محاولات إسرائيل لتوريط دول اخرى في المنطقة من خلال ترويج اخبار مفادها ان الطائرات الحربية الإسرائيلية قد مرت عبر اجوائها، (اسرائيل قالت انها نفذت العملية بالتعاون مع اطراف اخرى)، وغير ذلك من المحاولات التي يراد منها خلق فتنة بين دول وحكومات المنطقة، والتي يجب ان يتم الإنتباه لها والتركيز على هدف ادانة ومواجهة هذه العدوان الذي قد يتكرر في أية لحظة، خاصة اذا لم يظهر من يردعه.
ـ واخيرا فان الولايات المتحدة ستحاول بالتأكيد التقليل من خطورة ما حدث، وستنجح في اقناع دولة قطر في الاستمرار بلعب دور الوسيط، والخطورة تكمن في اجبار حماس على القبول باطلاق سراح الاسرى لديها مقابل هدنة قصيرة يستأنف بعدها جيش الإحتلال حرب الإبادة وعملية إجبار ابناء غزة على النزوح منها وبدون وجود اي كوابح، خاصة اذا ما تذكرنا نية الرئيس ترامب في إفراغ غزة من سكانها (هذه الفكرة التي اصبحت احد اهداف الحكومة الإسرائيلية وتطلق عليها اسم خطة ترامب)، والتي لم يتراجع عنها ابدا، ويكرر في كل مرة عبارة (نحن لسنا في عجلة من امرنا). كما يجب ان لا يغيب عن البال ان كل من الرئيس ترامب ونتنياهو يشتركان في كرههم للمسلمين، وبالذات للعرب من المسلمين.
لقد نجحت المقاومة لحد الآن، ورغم كل الخسائر والتضحيات التي تكبدتها، ان تُفشِل هذه المشاريع، وكذلك فعل ابناء غزة الذين صمدوا امام كل محاولات ترحيلهم عن ارضهم، وهذا الصمود الأسطوري من قبل الطرفين يبقى هو الكفيل بإفشال كل المخططات الإسرائيلية والأمريكية، وهو الكفيل بأن يُحدث تغيير في داخل دولة الإحتلال، من خلال تزايد موجات الإعتراض على سياسة نتنياهو، وفي الولايات المتحدة نفسها الداعم الأكبر والأهم للإحتلال، من خلال التناقضات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية المتزايدة. وهذا ليس كلاما إنشائيا او تمنيات شخصية، وانما فكرة مستندة على تحليلات لمفكرين اميركان ويهود كان اخرهم الأستاذ الدكتور جيفري ديفيد ساكس، الذي قال في اخر حديث له (هناك امر جلل على وشك الحدوث في أميركا)، والموجود على قناة يوتيوب لمن يريد ان يرجع اليه. طبعا هذا الأمر لن يحدث بين ليلة وضحاها، وسيحتاج وقت لكي يتبلور، ولكنه يبقى إحتمال وارد يدعمه تصاعد حملات الرفض الشبابية للانحياز الأمريكي لإسرائيل.
Jeffery David Sachs, I am sorry I can’t stay silent any longer. Something big is about to happen in America.
*كاتب واكاديمي عراقي
608 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع