د.رعد العنبكي
تتمة سقوط بغداد
اذكر لما ذهب بعض الناس الى ( القشلة ) ليشهدوا مراسيم انزال العلم التركي ورفع العلم البريطاني واذكر جيدا كيف كان ذلك المشهد مؤثرا:
البغداديون والبغداديات يجهشون بالبكاء والنحيب المكبوت والدافع لذلك هو :
انزال علم دولة مسلمة مدحورة ورفع علم دولة مسيحية منصورة
اذكر البلاغ الذي قراءه المختار على سكان المحلة موجها من قبل الجنرال ( مود ) مؤكدا لهم حسن نواياه ونوايا حكومته وحلفائها بازدهار مدينتهم التي كانت دوما من عجائب الدنيا السبع واعادتها الى سابق مجدها متعهدا لهم بانه ليس في نية حكومته ان تفرض عليهم انظمة لا يرتضونها ومناشدا اياهم التعاون مع السلطات العسكرية في ادارة شؤونهم المدنية مختتما بيانه بان الجيوش البريطانية لم تدخل بلادهم كفاتحين ولا كاعداء بل كمحررين ومنقذين وبعد عدة سنوات من اعلان هذا البلاغ اقام الانكليز تمثالا لتخليد مود نصب عند مدخل السفارة البريطانية في محلة الكريمات فقال فيه الشاعر محمد باقر الشبيبي :
يامود انك عندنا لرهينة فيما وعدت رجالنا الاحرارا
ولكن مود لم يف بالعهد الذي قطعه على نفسه وفي صبيحة يوم ( 14 تموز 1958) قام اهل بغداد باسقاط الفارس من على جواده وحطموا الفارس والجواد
اذكر بغداد بعد يوم او يومين من ليلة السقوط عندما اصلحت السلطات العسكرية الجسر واخذت طلائع الرتل القادم من الغرب الى جانب الرصافة وتخترق قلب بغداد مارة بعكد الصخر والاطفال والصبيان يصفقون للخيالة الذين كانوا من الهنود المسلمين والهندوس والسيك والكركه وكنا نميزهم
من شكل عمائمهم وطريقة لفها وقد توجهوا نحو باب المعظم ومنها بستان الصرافية حيث عسكروا هناك
اذكر بغداد عندما اخذت سلطات الاحتلال تسوق بعض البغداديين من رجال وشباب الى جزيرة هنجام واعتقالهم هناك لانهم اخذوا يقاومونهم ويتحدون اوامرهم
اذكر بغداد لما اجتاحها مرض الكوليرا او الهيضة( ابو زوعة ) في خريف ذلك العام فصار الناس يموتون بالمئات وليس فيها من يلقحهم او يعالجهم ولا حتى من يتولى دفنهم
واذكر بغداد لما اجتاحها فيضان دجلة والفرات في ان واحد فاحدقت المياه بالكرخ والرصافة وجعلت كثيرا من بيوتها عاليها سافلها فهلك الحرث والنسل والزرع والضرع
وفاة الجنرال مود
اذكر بغداد لما سرت الاشاعة من ان الجنرال مود قد حضر حفلة اقامتها على شرفه الجالية اليهودية في مدرسة الاليانس لمشاهدة تمثيليات شكسبير وان الجنرال قد تناول فنجانا من القهوة الممزوجة بالحليب ولم يدر ماكان القدر يخبئه له في ذلك الحليب فاصيب بالكوليرا وفي اليوم التالي نقل الى المستشفى حيث توفي بعد ثلاثة ايام من اصابته وبعد حوالي عشرة اشهر من دخوله بغداد فاتحا
واذكر لما شيع جثمانه مخترقا الشارع الجديد ( شارع الرشيد حاليا ) مارا بباب الاغا متوجها نحو باب المعظم حيث دفن في مقبرة الانكليز الواقعة بين الوزيرية والصرافية ( المجاورة لكلية التجارة والاقتصاد حاليا) وجرى ذلك في يوم شديد البرودة
اذكر بغداد يوم ( 30 تشرين الاول ) عندما اعلن وقف اطلاق النار بين الجيشين البريطاني والتركي في جبهة العراق
واذكر يوم ( 11 تشرين الثاني ) عندما وقعت الهدنة بين الحلفاء وبين تركيا والمانيا فبدات المهرجانات والزينات والالعاب النارية تقام في كل محلة من محلات بغداد فعاد اليها شئ من رونقها الذي فقدته طيلة اربع سنوات فاخذ الضباط والجنود يعودون الى وطنهم باستثناء الذين هلكوا في القفقاس اثناء ( السفر بر ) فمنهم من وجد افراد عائلته على قيد الحياة ومنهم من لم يجد احدا يستقبله او يرحب به فكل افراد عائلته قد طحنتهم الحرب بشكل او باخر
لقد وصلنا الى نهاية سقوط بغداد الحبيبة كما ذكرها الاستاذ المرحوم امين المميز رحمه الله تعالى
والى مقالة اخرى عن بغداد الحبيبة انشاء الله
اخوكم المخلص
الدكتور
رعد العنبكي
788 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع