في انتظار نتائج الانتخابات العراقية القادمة.. هل ستَصدُق نبوءات الذين يدّعون معرفتهم ببواطن الأمور؟ وما هي سياسة الرئيس ترامب الخاصة بالعراق؟

د. سعد ناجي جواد

في انتظار نتائج الانتخابات العراقية القادمة.. هل ستَصدُق نبوءات الذين يدّعون معرفتهم ببواطن الأمور؟ وما هي سياسة الرئيس ترامب الخاصة بالعراق؟

تكاثرت بصورة كبيرة اعداد المنجمين والعرافين وكاشفي الطالع (الذين يُعرفون عراقيا باسم فتاحي الفأل) بالشأن العراقي حتى تحول الأمر إلى تسابق وتنافس فيما بينهم على جائزة من يطرح التخيلات الاغرب. البداية كانت في عام 2023 عندما قال أحد السياسيين الذين ظهروا بعد الاحتلال انه بحلول نيسان/ أبريل 2024 سوف لن يبق من الاحزاب والوجوه الحاكمة العراقية اي أحد، وسيزالون جميعا من المشهد السياسي. ثم أردف قائلا لا تسألوني كيف او من اين اتت هذه المعلومة، فقط على الشعب العراقي ان ينتظر ويرى النتيجة. (ولما حل الموعد الذي تنبأ به ولم يحدث شيئا سأله نفس المذيع عن نبوءته، أجابه يعني الناس تقول كل شيء ولا تحاسبوهم وانت تحاسبني على الموعد، انتظر قليلا وشوف، وما زلنا ننتظر.)

عدوى التنبؤات هذه انتشرت أكثر بين اشخاص اخرين، وبالذات اميركان من أصل عراقي، كانوا قد انظموا إلى حملة الرئيس ترامب، وبدأوا يتحدثون بعد فوزه عما قالوا انها مخططات وبرامج جديدة يمتلكها الرئيس الأمريكي بخصوص العراق. تخيلات هذه المجموعة وجدت من يكررها من عراقيي الداخل. وكل هؤلاء كانوا، ولا يزالون (يبشرون) العراقيين بخلاص قريب في الايام القليلة القادمة. ووصل الامر ببعضهم الى تحديد مواعيد وتواريخ واسم الشهر الذي سينتهي فيه النظام في بغداد. وكان آخر تلك المواعيد يوم 25 اكتوبر/تشرين الاول الجاري، حيث قالوا ان في هذا اليوم ستعم مظاهرات كبيرة في كل المدن العراقية تسقط النظام. وبغض النظر عن حقيقة انه لا توجد اية دلائل او اشارات على مايدعون، إلا ان احدا لم يسال نفسه او هؤلاء المنجمين لماذا يتوقعون ان تحرص الولايات المتحدة على إصلاح ما أفسدته هي بنفسها في العراق وعن قصد؟ او لماذا تحرص واشنطن ولندن وتل ابيب على انهاء الحالة غير الطبيعية التي خططوا لها وجعلت العراق دولة لا قيمة له داخليا واقليميا ودوليا، حتى وصل الأمر إلى ان تقوم الكويت بتحشيد قواتها على الحدود العراقية بدعوى عزمها على (استرداد) خور عبد الله العراقي بالقوة! إذا لم يعترف البرلمان العراقي (بأحقية الكويت في الخور وبعائدتيه التاريخية لها!). (خير رد جاء من استاذ كويتي مرموق قال فيه إذا كان الخور كويتيا فلماذا دفعنا المليارات من الدولارات رشاوي لسياسيين وبرلمانيين عراقيين من اجل تزوير الحقائق والوثائق؟)
عندما بدأ الاستعداد للانتخابات القادمة (11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري) ازدادت التنبؤات، ومعها التخيلات. فمع تكرار مقولة ان الانتخابات سوف لن تجرِ؟ ادعى البعض ان احزاب وسياسيين معارضين للنفوذ الأمريكي ومتعاونين مع ايران ولديهم مليشيات مسلحة سوف يستبعدون من الانتخاب (وهم مازالوا مشاركين في الانتخابات بقوة)، وثالث قال ان مظاهرات ستجتاح العراق وتسقط النظام (ولم تخرج مظاهرة واحدة من هذا النوع لحد الآن)، ورابع ادعى ان الولايات المتحدة دربت طاقما عراقيا (امريكيا) كاملا سوف تفرضه على العراقيين، ناهيك عن اولئك الذين يظهرون في فيديوهات مسجلة يهددون فيها رئيس الوزراء، والأحزاب الحاكمة بضرورة التخلي عن الحكم كي يسلموا على حياتهم، وبعض هذه الفيديوهات احتوت على نسبة غير قليلة من السباب والشتائم، مع ادعاءات للمتحدثين فيها بان ما يقولونه وصل اليهم من مصادر أمريكية او غربية موثوقة جدا! ورغم كل ما يقال بهذا الشأن فان الاحزاب السياسية الحاكمة منذ 2003 ظلت ماضية قدما في الإعداد للانتخابات القادمة وشراء الأصوات وإستبعاد من ينافسهم، ما يعني ان نفس الوجوه المتهمة بالفساد والطائفية والعنصرية – الشوفينية وسوء الادارة والمحاصصة سيتم تدويرها من جديد وستبقى في الحكم للسنوات الأربع القادمة.

اطرف نبوءتين انتشرت قبل ايام قال صاحبها، بعد ان اكد ان ما سيقوله هو ليس من بنات أفكاره وانما وصل اليه من احد أساطين العملية السياسية في العراق (اسماه احد صقور السياسة، وهم حسب وصفه من اهم العالمين بالأمور)، الذي اخبره بمسألتين: الاولى ان الرئيس ترامب قد ضاق ذرعا بالحالة العراقية، وان الولايات المتحدة قد وضعت خطة مبنية على مسارين: الاول ان تشكيل الحكومة بعد الانتخابات القادمة سيكون بيدها، وانها أبلغت اطراف السياسة العراقية بان واشنطن هي من سيسمي الرئاسات الثلاثة (الجمهورية، والوزراء، والبرلمان) بالإضافة الى وزراء اهم الوزارات: الخارجية والدفاع والداخلية والمالية والنفط والأمن القومي، ومناصب حساسة اخرى. والمسار الثاني الاغرب يرتكز على خطة أمريكية لمحاربة الفساد في العراق مفادها ان واشنطن ستبلغ الفاسدين الذين نهبوا العراق منذ بداية الاحتلال وحتى الان بان بإمكانهم الاحتفاظ ب 20% من مجموع ما سرقوه وإعادة الباقي إلى الخزانة العراقية. اقتراح او خطة أقرب إلى النكتة، (التي صدقها كثيرون). ولم يسأل من روج لهذه الفكرة لماذا مكافأة السراق على سرقتهم؟ وهل ان الولايات المتحدة او اي دولة محترمة في العالم كانت ستعفو عمن يسرق المال العام فيها وتمنحه حتى واحد بالمائة مما سرقه بدلا من ان تودعه السجن؟ ثم جاءت آخر التنبؤات التي قالت ان الولايات المتحدة تعد ضابطا عراقيا سابقا برتبة فريق في الجيش، (يبلغ عمره 87 عاما)، لكي يقود عملية تغيير عسكري.
طبعا لم يلحظ الفرحين بهذا الكلام ان موعد الانتخابات قد حل وان العراقيين سيذهبون إلى انتخابات مماثلة لسابقاتها، ولم يسألوا أنفسهم كيف ستتمكن الولايات المتحدة من فرض الاشخاص في المناصب المهمة التي ذكرت أعلاه، إذا ما جرت الانتخابات وبدأت عملية توزيع المناصب استنادا إلى نتائجها كما حدث في السابق؟ نعم بالتأكيد ان واشنطن ستعترض على بعض الأسماء كما دأبت على فعله منذ 2003، ولكن لن يصل الأمر الى حد تسمية كل الادارة. اما بالنسبة للمسار الثاني فان المنطق يقول إذا كانت الولايات المتحدة مقتنعة بان هناك كم هائل من الاموال العراقية المسروقة وانها تعرف السارقين وكمية سرقاتهم (وهذا امر معروف لكل العراقيين) فلماذا تكافئهم بمنحهم 20% من سرقاتهم؟ ولماذا لا تخضعهم لمحاكمات وتحاسبهم حسب تقارير اللجان الأمريكية المتخصصة التي أحصت الفساد منذ 2003؟ او على الاقل تبدأ بأولئك الذين انتقلوا للعيش في الولايات والمدن الأمريكية مع سرقاتهم الكبيرة؟ اليس هذا تشجيع آخر على الفساد؟ (أحدهم قال قبل مدة ان الولايات المتحدة لديها سجل كامل بالمبالغ المسروقة، والتي قد تصل إلى ترليون دولار، ستصادرها واشنطن كلها لكي تسد بها جزءا من العجز في ميزانيتها، وهو لا يرى في ذلك سرقة علنية اخرى، وربما لا يعلم ان العجز الأمريكي لن تصلحه كل الثروات العراقية لعقود طويلة قادمة).
المشكلة في هذه الطروحات هي ليست سذاجتها او سطحيتها فقط، وانما في ان أصحابها لا يزالون يدورون حول فكرة ان الولايات المتحدة، التي دمرت بلدهم ولا تزال تفعل، ستكون المنقذ. ونسوا تماما ان الولايات المتحدة بعد الاحتلال اختارت الأسوأ والأفسد والأجهل والأكثر عمالة لها، واستبعدت كل الكفاءات العراقية الداخلية.
الرئيس الأمريكي قبل ايام اعطى العراقيين فكرة او دليلا واضحا جديدا عن إستراتيجيته عندما اختار ممثلا له في العراق، شخص أمريكي (من أصل مسيحي كلداني عراقي)، سرعان ما تكشفت تفاهته وضحالة آرائه بالشأن العراقي في المرات القليلة التي ظهر فيها إعلاميا بعد تسميته، حيث اثبت انه ساذج تماما بالمفهوم السياسي وليس له اية خبرة او تجربة بالعمل الحكومي، ولا يمتلك اية معرفة حتى بالشأن العراقي لانه غادر مسقط راسه منذ كان طفلا. أضف الى ذلك انه ليس معروفا في الأوساط المسيحية سواء في الولايات المتحدة او في العراق. ناهيك عن المعلومات التي اكدت ان ثروته جاءت من مشروع اقتصادي مشبوه. وفي اول ظهور علني له مع صديق كردي عراقي فاحت من كلماته رائحة التشجيع على تقسيم العراق.
الاسئلة الاهم التي يغفلها كل المتنبئين ومن يفرح ويؤيد ما يصرحون به، والتي يجب تكرارها مرة ثانية، هي: اولا من قال ان الولايات المتحدة مهتمة بإصلاح الامور في العراق؟ لقد اراد التحالف الأمريكي-البريطاني-الصهيوني ان يدمر العراق وفعل، وان ان ينهي التهديد الذي كان يمثله العراق لإسرائيل وفعل، وان يمزق المجتمع العراقي على اسس طائفية وشوفينية عرقية ودينية وفعل، ولم يفعل هذا التحالف اي شيء عندما أصبح العراق ساحة لنفوذ قوى إقليمية عديدة اصبحت هي الأخرى ذات مصلحة في إبقاءه على هذا الحال. نعم الرئيس ترامب بفكره المادي مهتم جدا بالسيطرة على النفط والمواد الأولية العراقية، والكل يتذكر فكرته القائلة ان على العراق ان يسدد التريليونات التي صرفتها الولايات المتحدة [لتحريره] -او بصورة ادق لتدميره. (وليس العكس لان احتلال العراق تم بدون تفويض من الامم المتحدة.) وقد فعل ذلك مع أوكرانيا.
لقد اثبتت احداث 2003 وما تلاهاً، ان الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك ايران وتركيا وبعض دول الخليج، لا يهمهم سوى دعم الفاسدين والفاشلين الذين يخدمون مصالحهم. ومع الأسف فان الناخبين العراقيين يدعمون هذه السياسة عن طريق التصويت لنفس الوجوه والكتل التي افلست العراق بفسادها ومزقته بسياسة المحاصصة الطائفية والعرقية والدينية الكاذبة. وطالما ظلت الحالة هكذا فسوف لن يشهد العراق اي تغيير بعد الانتخابات التي ستجري بعد ايام، وسيقضي العراقيون اربع سنين اخرى قادمة يبكون فيها على تدهور احوال بلدهم وتبديد ثرواتهم وحرمانهم من الخدمات وسماع نغمة (الاستحقاق الانتخابي) الذي في حقيقته لم يأت بعملية ديمقراطية كما يدعون، وانما نتيجة للتزوير، وشراء الأصوات والشحن الطائفي والعنصري.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك