التقييم الاستراتيجي لعملية طوفان الأقصى

د .علوان العبوسي
4 / 11/ 2025

التقييم الاستراتيجي لعملية طوفان الأقصى

تنويه
قبل نشر مقالي الموسوم (طوفان الاقصى شرف الامة ونبراس عزتها ضد الهيمنة الصهيونية) في موقع الكاردينيا الثقافية ، شكرني السيد اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس على المقال واقترح توسيعه باضافة مادة توضح التقييم الاستراتيجي لهذه العملية مقترحاً بعض العناوين المساعدة كنا نعمل بها في تقادير المواقف الاستراتيجية ، وهل كانت النتائج توازي حجم التضحيات؟ وهل حققت حماس أهدافها الاستراتيجية، مقابل ما حققه الطرف الإسرائيلي أو فشل في تحقيقه؟والحقيقة انا ممتن لسيادته على هذه الالتفاتة الكريمة وآرائه السديدة ،وهو الاخ والاستاذ والقائد وزميل الغربة الذي اعتز به ، عملت تحت قيادته سابقاً في جامعة البكر للدراسات العسكرية والسياسية الاستراتيجية العليا عميداً لكلية الدفاع الوطني فله كل الشكر والتقدير.
العناوين المقترحة
1.توازن القوى وردود الفعل الإسرائيلية والدولية، وما إذا كانت حماس قد قدّرتها ضمن حساباتها المسبقة
قوات الطرفين
العدو الاسرائيلي
تتصف القوات العسكرية الاسرائيلية بالتالي:
• قوات جوية متفوقة في تحقيق سيطرة جوية شاملة، وتنفيذ ضربات جوية دقيقة ، مع تحقيق مبدء الاستمرارية، مدعومة امريكيا واوربياً بكافة امكانياتها القتالية .
• قوات برية مدعومة واحتياط مدربة جيداً بامكانها تنفيذ عمليات ناجحة وطويلة المدى .
• قدرات استخباراتية متطورة ومتعددت الانواع مع علاقات استخباراتية دولية.
• دعم بحري امريكي وبريطاني بحاملتين للطائرات مع مجموعتيهما المقاتلة .
• منظومات دفاع جوي متطورة لها القدرة على حماية اسرائيل من اي تهديد معادي.
حماس والفصائل الفلسطينية
• قوات ذات مرونة قتالية عالية مع شبكات أنفاق واسعة تشمل كافة اراضي غزة ، قدرة عالية في مواجهة العدو الاسرائيلي .
• الأسلحة الرئيسية المتوفرة لدى حماس منها صواريخ ارض – ارض بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى بالاضافة الى صواريخ صناعة محلية ( القسام)، وصوالايخ مستوردة . (1)
• صواريخ موجهة ضد الدروع للدبابات روسية وايرانية الصنع
• أنواع متعددة من قاذفات الصواريخ Rbg .(2)
• طائرات مسيرة صناعة محلية .
• بنادق كلاشنكوف صغيرة ومتوسطة وقناصة مستوردة ومحلية
• العبوات والمواد المتفجّرة المصنعة محليا.
• قدرات بحرية ومفاجآت بحرية
• ألغام بحرية وقوارب هجومية ذخائر بحرية
• شبكة أنفاق تحت غزة تستخدم للتنقل المخفي والتخزين والتمركز.
• ورش تصنيع محلية للصواريخ البسيطة، وقطع تصنيع الطائرات المسيّرة والمتفجرات من مواد متاحة.
حماس كانت وقبل المواجهة تمتلك مزيجاً من الأسلحة المحلية والمهرَّبة والمستوردة.(3)
توازن القوى اثناءانطلاق عملية طوفان الاقصى
• عسكرياً: إسرائيل تملك تفوقاً تقنياً ونوعيّاً كبيراً ، طيران دروع ، امكانيات استخباراتية متطوّرة، أنظمة دفاع جوي متقدِّمة، ودعم امريكي واسع. مقابل ذلك، حماس اعتمدت على عناصر مباغتة، هجمات برية ، استخدام درونز، قوارب هجمات متزامنة متعددة المحاور، وتخطيط استخباري عملي لمناورات تسلّل، الهجوم نجح في تحقيق مفاجأة تكتيكية ألحقت خسائر بشرية ومادية كبيرة بإسرائيل، لكن القوة النارية والقدرة على الردّ بقيت لصالح إسرائيل على المدى المتوسط. (4)
• سياسياً واستراتيجياً: إسرائيل تمتلك أوراق ضغط إقليمية ودولية (دعم لوجستي وسياسي من الولايات المتحدة ودول غربية)، بينما حماس تُعوّل على حالة التعبئة الجماهيرية الفلسطينية، ثم الدعم من بعض المحاور الإقليمية (بدرجات محدودة)،اما الموقف الاعلامي لصالح المقاومة في أجزاء من العالم العربي والغربي. (5)
ردود الفعل الاولية لاسرائيل
في الثامن من اكتوبر اعلنت اسرائيل الحرب وردت رداً عسكرياً واسع النطاق وفوري، توجَّه لإضعاف بنية حماس العسكرية في غزة عبر ضربات جوية متواصلة، حصار، وعمليات برية لاحقة بهدف تدمير شبكات القيادة ،هذا الرد تطوّر إلى حملة طويلة ودموية ، وقد وصف وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف غالانت) الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية ونطق عباراته الوقحة (نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفق ذلك)، وسنعمل على فرض حصار كامل على غزة، لا كهرباء، لا طعام، لا وقود ، كل شيء مغلق، هذه التصريحات أُدلت خلال اجتماع مع قادة الألوية في قيادة الجنوب بعد هجوم 7 تشرين الأول/ اكتوبر.
ردود الفعل في الداخل الاسرائيلي أدّت إلى تحقيقات فورية، واستقالات لمسؤولين، وفتح نقاش عام حول فشل استخباراتي وسياسي. تقارير إسرائيلية رسمية ومحلية اعتبرت أن السياسات السابقة ساهمت في تمكين الهجوم.
في 8 اكتوبر ارسلت امريكا حاملة الطائرات USS Gerald R. Ford، وفي 13 منه ارسلت حاملة طائرات اخرى ، USS Dwight D. Eisenhower ، تمركزتا في شرق المتوسط مع مجموعتيهما القتالية ، كما وجهت رسالة إلى إيران وحزب الله بعدم توسيع الحرب، ناهيك عن ألدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، كما قامت بتجهيز اسرائيل بدفاعات جوية متطورة واظهرت التزامها المطلق في دعم إسرائيل أمام العالم (
اما الجهود الدبلوماسية قامت إسرائيل الحصول على غطاء دولي مع حلفائها الغربيين ، وتحسبا لاي تطور في العمليات مع تباينات في المواقف حول حدود وشرعية الردّ وطبيعته، بعض الدول دعت لوقف فوري للقتال والاهتمام بالمدنيين.


الردود الدولية والاقليمية
• الولايات المتحدة والغالبية ألاوربية أدانت ألهجوم على المدنيين وإعرابها عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع ضغوط لاحقة على إسرائيل لالتزام قواعد القانون الدولي وحماية المدنيين، والدعوة إلى إطلاق سراح الرهائن .(6)
• بعض الدول العربية والإسلامية تباينت ردودها مابين دعم سياسي لإسرائيل ومطالبات بوقف فوري للقتال وإدانات للعنف الإسرائيلي كما ظهرت موجات احتجاج شعبية ومظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في عواصم غربية.
• المجتمع الدولي ومنظمات حقوقية قلقها من ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين ودعوات للتحقيقات والمساعدات الإنسانية.
كيف وضعت قيادة حماس هذه الردود في حسابها قبل الهجوم
قيادة حماس استفادة من دروسها المستنبطة من حروبها السابقة مع اسرائيل( 2008 -2009 ،2012 ، 2014، 2018-2021)، حيث أدرجت ردود فعل إسرائيل في حساباتها عندما خططت لعملية (طوفان الأقصى)، وأدركت أن المعركة ضد جيش نظامي يجب اعتمادها على المرونة وليس التمركز الثابت، كما اعتمدت على شبكة أنفاق هجومية ودفاعية، نفذت من خلالها عمليات تسلل خلف خطوط العدو
وتدربت على قتال المدن والأنفاق لحماية القوات والقيادة من القصف، كما انها توقعت مخاطر كبيرة وقبلتها وربما قلّلت من بعض أبعاد الكلفة سواء المادية والبشرية لشعب غزة . كما أن ما صدر من تقارير رسمياً عن حماس كان تقارير عامة تقنع بها شعبها نتيجة للواقع الذي تمر به القضية الفلسطينية أما تقاريرها الداخلية والمفصلة للاستخبارات والعمليات فلم ينشر عنها شيئ وقد ينشر بعد انتهاء العمليات الجارية .
الاعتبارات التي وضعتها حماس لردود فعل اسرائيل لطوفان الاقصى
التخطيط لعملية طوفان الاقصى يشير إلى استعداد طويل المدى لعمليات قد تكون معقدة تبعاً للتفوق الاسرائيلي عليه سعت حماس والفصائل الفلسطينية التركيز في التدريب والتعود على العمل في الانفاق وتنسيق اطلاق النار براً وبحراً ، وهذه الاساليب في التخطيط يتطلب العديد من الافتراضات المسبقة حول ما سيحدث بعد الضربة الأولى، وأهمها الردّ إلاسرائيلي، ومن المؤكد ان حماس خططت بشكل دقيق لما متوقع من ردود فعل اسرائيلية قوية ، وقد اكد ذلك تحليل الخبراء الاسرائيليين أن هذا التخطيط لم يكن عملا ارتجالياً ، بعض المحللين وصفوا أن قيادات داخل الحركة قبلت تكلفة انتقامية لتحقيق أثر سياسي. هذا لا يعني أنهم لم يتوقعوا الردّ، بل أنهم راهنوا على أن الردّ نفسه يخدم أهدافاً استراتيجية رمزية.(7)
في 21 كانون الثاني /يناير/2024 نشرت حماس وثيقة رسمية عامة ، تؤكد فيها أنها استهدفت مواقع عسكرية وأسر جنود كرادع تفاوضي (8).
توقُّعات حماس للردود الإسرائيلية
منطقياً قيادة حماس توقعت ردّاً قوياً من إسرائيل ، فالهجمات العنيفة على دولة لديها قدرات عسكرية ضخمة من المؤكد سيكون ردها عنيفاً ، وأنّ الحرب ستمتد وقد تؤدي إلى أزمة إنسانية كبيرة ،( صرح النتن ياهو في بداية اعلان الحرب في اكتوبر 2023 ان الحرب ستطول زمناً طويلا حتى القضاء على حماس وقدراتها القتالية )، ومع ذلك اخذ حماس بنظر الاعتبار،مبدئين مهمين هما طبيعة ومستوى التنسيق الدولي والدعم السياسي العسكري الذي ستتلقاه إسرائيل ، او ربما الهدف الاستراتيجي لحماس يتجاوز الخسائر المحتملة نتيجة هذه العملية ،كما توقّعت أن أسرّ الرهائن وربط قضيتهم بالقتال سيضغط دولياً لوقف القتال ، لكن التجربة أظهرت أن موضوع الرهائن شكّل ورقة تفاوضية سياسية وقانونية معقدة لم تضمن لها غايتها في هدف الحرب بالحدّ الذي راهنت عليه. (9)
استنتاج -1
حماس حققت مباغتة تعبوية ناجحة ، وفرضت واقعاً سياسياً في منطقة غزة ، لكنها ربما قلّلت من حجم الكلفة العسكرية والإنسانية طويلة الأمد بين تأييد حق الدفاع وإدانة تجاوزاتها لقواعد الحرب (كما تفسرها الولايات المتحدة ) وبمعنى آخر حسابات حماس الاستراتيجية حملها وحمل شعبها في غزة كلفة عالية في الافراد والبنية التحتية لغزة .
استنتاج- 2
لو أن قيادة حماس وضعت منذ البداية تقديراً استراتيجياً أشمل للبيئة الدولية والإقليمية، وافتراضات مسبقة واقعية قابلة للتنفيذ، تأخذ بالحسبان ردّ الفعل الإسرائيلي الحتمي، والموقف الأميركي والدولي، وطبيعة الأرض والزمان وميزان القوى، لربما اختلف المسار والنتائج. ليس من ناحية المبادأة أو عنصر المفاجأة، بل من حيث القدرة على الاستمرار، أو تحقيق مكاسب سياسية أكبر، أو تجنّب هذه الكلفة الإنسانية الباهظة التي دفعتها غزة وما تزال. كما أن الوصول بالمعركة إلى مرحلة تُربط فيها نهايتها بشرط القضاء على حماس ككيان سياسي وعسكري لم يكن على الأرجح ضمن حسابات التخطيط الأولي. ومع ذلك، يبقى من المؤكد أن العالم بأسره استيقظ على حقيقة الوجه الوحشي لإسرائيل.
2.العلاقة بين النجاح التكتيكي والنتائج الاستراتيجية، وهل حققت العملية غاياتها السياسية المرجوة أم أسفرت عن كلفة ميدانية باهظة.
حماس نفذت عملية مباغتة هجومية ناجحة ومعقّدة أثبتت قدرتها على التخطيط والتنفيذ واختراقات في العمق الاسرائيلي واختيار التوقيت المناسب (عيد العُرْش اليهودي. ومصادفة عطلات العيد ومظاهر الاحتفال كانت لا تزال جارية في إسرائيل ) ، واحتجاز 240 رهينة مابين عسكري ومدني ، هذا ظهر كنجاح تكتيكي اولي مهم . من خلال التحليل العسكري اعتبرت الهجوم من أعقد العمليات التي نفّذتها حماس منذ عقود.
لقد ترجم النجاح التكتيكي لحماس نتائج استراتيجية لكنها محدودة
• كشف الهجوم الفلسطيني ضعفاً استخبارياً وعملياتياً لدى العدو، مما أحدث شرخاً سياسياً واجتماعياً داخل إسرائيل.
• جاء الهجوم اختراقاً مفاجئاً للجبهة الجنوبية لإسرائيل عبر أكثر من 30 محورًا، تم خلاله شلّ منظومة الإنذار والسيطرة الإسرائيلية خلال الساعات الأولى، والسيطرة على 10 مستوطنات ومعسكرات داخل العمق الإسرائيلي.
• استعادة حضور القضية الفلسطينية في الشارع العربي والدولي، وتصاعد الضغط الإعلامي والإنساني لصالح الفلسطينيين، مما منح حماس والفصائل الفلسطينية مكسباً معنوياً وسياسياً.
• تكاليف مادية وبشرية هائلة في غزة ،تقديرات البنك الدولي تشير إلى أضرار تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات والنقص الكبير في البنى التحتية والخدمات، مما يضع قيوداً على الاستمرار في العمل العسكري أو السياسي كقوة منظّمة. (10)
• اضعاف القدرات القتالية لِحماس ، وفق تقديرات غربية وأمريكية اوضحت إضعاف كبير لقدرات حماس بعد ردود الفعل إلاسرائيلية ، مما يقلل من إمكانية النصر التكتيكي. (11)
• خسائر بشرية كبيرة ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة مابيت شهيد وجريح (حوالي 70000الف شهيد و170000 الف جريح و10000 مفقود ) أدى إلى ضغوط أخلاقية وقانونية ودبلوماسية على الفاعلين المسلحين، ويمكن أن يقلّل من التعاطف الدولي طويل الأمد لهذه الخسائر.(12)

استنتاجات
• النجاح التكتيكي لم يترجم بالكامل إلى مكاسب استراتيجية دائمية لأن الرد الإسرائيلي كان قوياً ومُكبِّداً للبنية المادية والبشرية لغزة ، مما قلّل من قدرات حماس على الاستمرار كقوة تقليدية.
• استغلال المكسب السياسي/الدبلوماسي كان محدوداً بفعل الانقسام الدولي والعربي ،بين دعم حق الدفاع وإدانة الخسائر المدنية، مما قلل من الضغط الدولي لوقف الحرب سريعاً.
عليه العملية نجحت تكتيكياً وأحدثت أثر رمزي وسياسي مباشر، لكنها دفعت كلفة ميدانية واستراتيجية باهظة حددت من إمكانية تحويل هذا النجاح إلى انتصار استراتيجي دائم.
3. الانعكاسات المستقبلية على مسار المقاومة الفلسطينية والوضع العربي العام.
النتائج المتحققة لعملية طوفان الاقصى.
• أعادت العملية زخماً شعبياً وسياسياً وقانونياً للقضية الفلسطينية وأعادت للمقاومة حضوراً قويّاً في الشارع العربي والدولي بعد افولها بشكل متعمد (اتفاقيات أوسلو (1993–1995)محاولة لتسوية سلمية ظاهريًا لكنها في الواقع لم تحقق المكاسب السياسية الحقيقية للشعب الفلسطيني، بل تم تقويضها تدريجيًا بشكل متعمد لأسباب متعددة دعماً للكيان الصهيوني .
• من جهة اخرى، أدّت الضربات الإسرائيلية إلى أضرار مادية وبشرية هائلة في غزة والضفة الغربية أضعفت بنى المقاومة ومخزونها القتالي .
• ارتفاع مستوى الحوادث المسلحة على عدة جبهات ( لبنان، اليمن، سوريا بعد تحررها من نظام الاسد )، مما ادى ذلك إلى موجات عنف إقليمية .
الانعكاسات على مسار المقاومة الفلسطينية
تحول في التكتيكات والهيكل التنظيمي
من المحتمل أن تحافظ المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات تكتيكية مفاجِئة ضد القوات الاسرائيلية ، وفي ذات الوقت محاولتها على تفادي المواجهة المباشرة عبر اساليب وتكتيكات دقيقة في المناورة والتخفي لاضعاف القدرات الاسرائيلية بضربات قوية لاتتحملها البنية الاسرائيلية.
القدرة على المقاومة في حرب غير متماثلة
رغم عدم توازن القوى الفلسطينية والاسرالئيلية نوعيا وكمياً استمرت المقاومة طوال سنتين من الحرب غير المتماثلة قادرة على إطالة حالة عدم الاستقرار بدرجات متفاوتة للقوات الاسرائيلية مكبدة اياها خسائر جسيمة بالافراد والمعدات لاتتحملها اسرائيل ، هذا يعني أن المقاومة ستحول الصراع من مواجهة نظامية مفتوحة إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات. (13)
الاعلام وسيلة مهمة في دعم المقاومة الفلسطينية
• الاعلام إذا ما استُخدم بشكل ممنهج وصحيح دبلوماسياً وقانونياً ، يمكنه المحافظة على زخم الدعم الشعبي والضغط على الأنظمة العربية والدول الغربية . منذ 7 أكتوبر، بدأت المقاومة عبر وسائل الاعلام الحديثة استحداث رواية موازية تُظهر فظائع العدوان في استهداف الاطفال والمدنيين ، فبدأ الرأي العام الدولي بالتحول التدريجي في مناهضة الكيان الصهيوني ، طوفان الاقصى غير مفاهيم القوة في القتال، ولم يعد الانتصار يُقاس بالاسلحة والمعدات وكفائتها القتالية وانما ، بقدرة اطراف القتال وتاثيرها في الضمائرالانسانية .
الشرعية السياسية وشرعية المقاومة
شرعية سياسية تمثّلها السلطة الفلسطينية وحركة فتح باعتبارها نتاج اتفاق أوسلو واعتراف دولي ،( دون ردود فعل حقيقي منهما ) وشرعية مقاومة شعبية، ، تمثّلها حماس والفصائل المسلحة معها التي ترفض التسوية وتطرح التحرير، هذه النتائج قد تؤجج صراع النفوذ بين الفصائل، حماس تسجّل مكسباً رمزياً، لكن تكبّدها خسائر قد يفتح مجالاً لانتقادات داخلية وصعود قوى ، هذا يؤدي إلى مزيد من التقطّعات السياسية على المستوى الداخلي الفلسطيني.(14)
الانعكاسات على الوضع العربي العام
• تمثل عملية طوفان الأقصى نقطة انعطاف في مسار الصراع العربي–الإسرائيلي، ليس لكونها حدثاً عسكرياً مفاجئاً، بل لأنها اوضحت مفاهيم جديدة للردع ، والكرامة، والمقاومة في الواقع العربي والإسلامي. شكلت العملية استعادة لافعال المقاومة الفلسطينية الذي تراجع بفعل اتفاقات التطبيع، والجمود السياسي، وعدم الوفاء في اتفاقات اوسلو، ثم الانقسام الفلسطيني. فجاءت العملية بمثابة أعادت إحياء فكرة أن الاحتلال قابل للمقاومة، وأن القوة الإسرائيلية ليست مطلقة، ولا سبيل أستعادة الحقوق الفلسطينية الا بهذا السبيل ، واسرائيل لاتعترف الا باستخدام القوة معها.
• كما حملت العملية رسالة رمزية ذات بعدين ، الأول موجهة إلى الداخل الفلسطيني بأنّ المقاومة قادرة على المبادرة رغم الحصار عليها، والثانية موجهة إلى الخارج العربي والدولي مفادها أنّ أي تسوية تتجاهل جوهر القضية الفلسطينية ستبقى عرضة للانفجار.
• هيمنت الاكاذيب والافتراءات الإسرائيلية لعقود على الهيئات الدولية بانها الضحية والتهديد الوجودي، غير أنّ العملية، رغم قسوتها، فندت هذه الافتراءات ، إذ انها اظهرت إسرائيل بمظهر الدولة غير القادرة على حماية نفسها، وتبدّلت صورة الضحية في نظر قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي إلى صورة المحتلّ الذي فقد السيطرة، فالمقاومة لم تعد مجرد فعل عسكري بل أصبحت لغة احتجاج أخلاقي ضد الهيمنة على الحقيقة.
• أستعادة العملية ربط الشارع العربي بالقضية الفلسطينية بعد عقود من التهميش. المظاهرات في العواصم العربية والعالمية ،لم تكن فقط تعبيراً عن التضامن، بل أيضاً عن موقف شعبي لاستعادة معنى الكرامة والسيادة، في المقابل واجهت بعض الأنظمة الرسمية مأزقاً بين رغبتها في الحفاظ على التحالفات الغربية، وضغط الشارع المؤيد للمقاومة، والاهم من ذلك أن العملية أعادت إلى الأذهان صورة المقاومة بوصفها جزءاً من الهوية العربية لا حدثاً طارءً . لقد تحولت غزة من بلد محاصَر إلى رمز أممي للمظلومية والصمود.
• في مجال الإعلام، استطاعت المقاومة بفضل سرعة انتشار الصور والافلام للضحايا المدنيين بافعال الصهاينة المنافية لكل الاعراف والقوانين الانسانية ، أن تُحدث انقلاباً في إدراك الرأي العام. تحولت وسائل التواصل إلى ساحة صراع اخلاقي ، انتقلت فيها صورة الضحية من الإسرائيلي إلى الفلسطينين، هذه النقلة كشفت تراجع هيمنة الخطاب الغربي الأحادي، وأبرزت تنامي قوة المجتمعات في تشكيل الموقف الأخلاقي العالمي،غير أن البعد الأخلاقي هذا ظلّ معقّداً، فالعنف الذي صاحب العملية من قبل اسرائيل أتاح لها تبرير ذلك، مما أعاد النقاش حول مفهوم الشرعية الأخلاقية للمقاومة في القانون الدولي .
• الابعاد الاستراتيجية
o : العملية كشفت تحول في ميزان الردع وضعف الاستخبارات الإسرائيلية، لكنها لم تَمنح المقاومة سوى تفوقاً رمزياً ، مما يجعل ميزان الردع نفسي، سياسي.
o أدت العملية إلى إرباك في سياسات التطبيع، ودعت بعض الدول إلى مراجعة حساباتها تجاه إسرائيل.
o تدويل أعمق للقضية الفلسطينية لاسباب اتساع التغطية الإعلامية والاحتجاجات الشعبية عالمياً أدّى إلى إدخال القضية الفلسطينية مجدداً في الخطاب الإنساني العالمي.
الخاتمة
عملية «طوفان الأقصى» مثال حقيقي للحرب غير المتماثلة منذ 2008 حتى طوفان الأقصى ،ولم تكن مجرد معركة عسكرية، بل رمزية كبرى أعادت معاني القوة والضعف في الصراع العربي–الإسرائيلي. لقد فرضت على المنطقة والعالم إعادة النظر في المسلمات، وأعادت إلى الواجهة سؤالاً قديماً متجدداً، هل يمكن أن يُهزم الاحتلال في ميدان الحق قبل أن يُهزم في ميدان السلاح؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال ستحدّد طبيعة المرحلة المقبلة من الصراع، ليس بين حماس وإسرائيل فحسب، بل بين مشروعين، مشروع الحق الفلسطيني في ارضة المغطصبة ومشروع هيمنة قوى اجنبية احتلت بالقوة ارض العروبة والاسلام .

المراجع
). Special Report: The Deadly Rocket Arsenal of Hamas
2 ). Hamas fights with a patchwork of weapons built by Iran, China, Russia and North Korea
3). نفس المصدر السابق
Israel underestimated Hamas before Oct. 7 attack, military probe finds (4
5) Tracking International Reactions to the Hamas-Israel War
6) Tracking International Reactions to the Hamas-Israel
7)Israel underestimated Hamas before Oct. 7 attack, military probe finds
8 ). موقع الجزيرة الاخبارية .
9). The October 7 Attack: An Assessment of the Intelligence Failings
October 2024, Volume 17, Issue 9 Michel Wyss
10). Joint World Bank, UN Report Assesses Damage to Gaza’s Infrastruct
11 ). Hamas no longer poses major threat to Israel, Biden says
12). The economic and social costs of the war in Gaza
13 ).CSIS : Escalating to War between Israel, Hezbollah, and Iran
14).المركز العربي واشنطن دي سي One Year After October 7: Assessments and Implications

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

926 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع