
فارس الجواري
أستثمار بلا رؤية وتعطيل بلا مبرر… ادارة المطارات الحكومية في بغداد والموصل الى أين ؟
المطارات مساحة سيادية للدولة يجسد حضورها القانوني والامني داخليا وخارجيا أما ما يحصل في هذا القطاع داخل العراق هي حالة تناقض بين الوعود الحكومية في الاصلاح والواقع التنفيذي على ارض الواقع وهو ماتم ادراجه في البيان الحكومي الصادر قبل ايام قليلة الذي يعلن فيه عن توقيع عقد استثماري يمنح 57٪ من عوائد مطار بغداد الدولي لشركة خاصة مقابل 43٪ فقط لخزينة الدولة بالتزامن مع حالة الركود الملازمة لمطار الموصل الدولي ( سابقا ) والمحلي ( حاليا الى حين ) والذي جعله مغلقاً أمام الرحلات الداخلية والخارجية رغم افتتاحه رسميًا قبل أشهر والتصريحات المتكررة عن تشغيله قريبًا التي تصدر في الاعلام بين الحين والاخر وهي حالات تكشف غياب التخطيط وافتقار الإدارة الاستراتيجية لقطاع المطارات في العراق.
ففي وقت لايزال تاهيل وتطوير مطار العاصمة بغداد تشوبه الكثير من الملاحظات والشكوك في تفاصيله وخصوصا أن العقد المبرم مع الشركة الاستثمارية يمنحها الحصة الأكبر من التشغيل والعوائد (57٪) بينما تبقى للحكومة نسبة 43٪ فقط وهذا الاعتراض لا يتعلّق بنسبة الأرباح فقط بل بغياب الشفافية وضعف القدرة التفاوضية للدولة التي لم تعمل وفق مامعمول به في العراق وكافة دول العالم بجعل النسبة الاكبر للحكومة والاقل للمستثمر وهو ماتشير له قوانين الشركات المختلطة والتي تجعل نسبة 51% للجهة الحكومية و49% للجهة المستثمرة هذه من ناحية ومن ناحية تقنية كلنا يعلم أن المشروع لم يعرض كرؤية لتغطية العجز المالي باعتبار أيرادات المطار عالية جدا ولكن المطلوب هو أدارة هذه الاموال بأتجاه يصب في مصلحة تطويره ليليق بسمعة عاصمة العراق ومكانته بالدرجة الاساس وايضا تعزيز ايرداته بتحسين فرص الاستثمار الممنوحة بشكل تجاري منظم حيث كنا نتأمل من هذا العقد أن تبقى أدارة الأصول السيادية في هذا المرفق العام تحت اشراف محلي يتمثل بدائرة المطارات وليس التوجه بعرض المطار بهذه الصيغة القريبة من مفهوم المقاولات وهو مايشير الى غياب دور المختص في رسم سياسات قطاع المطارات العراقية في تمرير هكذا عقود ستؤثر سلبا في السيطرة على الادارة التشغيلية للمطار مستقبلا مما يجعل هذه الادارة ضعيفة في رسم سياساتها لتشغيل باقي المطارات الحكومية الاخرى ولعل مايحصل حاليا في مطار الموصل منذ أُعادة افتتاحه قبل اشهر بعد إعادة تأهيله دليل على هذه الاخفاقات فبعد أشهر من الانتظار والوعود صدر القرار بتحويله إلى مطار محلي وهو تراجع يطرح تساؤلات حول هل كان الافتتاح الرسمي قبل اشهر هو مجرد حدث إعلامي؟ أين التخطيط التشغيلي؟ أين ملفات التعاقد مع شركات الطيران ماهي اجراءات نظام المناولة والربط الجوي ؟ هذه التساؤلات تطرح يوميا من قبل الاعلام والمهتمين في محافظة الموصل التي كانت تنتظر دخولها البوابة الاقتصادية نحو العالم من خلال هذا المطار المغلق دولياً والمفتوح نظرياً .
لقد أثر غياب القرار الاستراتيجي في قطاع الطيران المدني العراقي في عدم رسم سياسات المطارات وإدارة الاستثمار والمخاطر بشكل يضمن المصلحة العامة حاضرا ومستقبلا بسبب غياب الكفاءات داخل الادارة الحكومية في القطاع وكانت النتيجة مشاريع تبدأ بلا اكتمال ومطارات تُفتتح بلا تشغيل وقرارات تُوقع بلا دراسات جدوى واضحة وهو ماحذا بنا ان نبين لو كانت هناك إدارة مختصة لكان بالإمكان تحويل مطار بغداد إلى شركة وطنية قابضة بمستوى هيئة مطارات بدلاً من عقد استثمار يضعف السيادة وان يتم تشغيل مطار الموصل تدريجيًا عبر رحلات محدودة مع اتفاقات موقعة مسبقًا مع شركات طيران وخدمات ارضية وباقي التخصصات محليا وباشراف مجلس استشاري لقطاع الطيران المدني في العراق يضم استشاريين في علوم ادارة وتشغيل المطارات وبتدقيق مباشر من سلطة الطيران المدني العراقي .
ما بين مطارٍ يُسلم ومطارٍ يُعطّل، يظهر السؤال الأخطر هل ستعمل الحكومة مستقبلا من بناء موارد بشرية محلية ووطنية ترسم استراتيجيات واضحة المعالم للمطارات أم تكتفي بردّ الفعل وقرارات اللحظة ... أن إصلاح المطارات العراقية يبدأ من مكان واحد فقط وجود المختص في موقع القرار قبل أن يوقّع العقد.
تشرين الثاني 2025

1024 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع