الانتخابات ١١ / ١١ / ٢٠٢٥ بين وهم التغيير وإدارة الدولة

بقلم : اللواء اللملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
٨ / ١١ / ٢٠٢٥

الانتخابات ١١ / ١١ / ٢٠٢٥ بين وهم التغيير وإدارة الدولة

١. المقدمة : حين ينهزم الوطن من الداخل يقول ڤولتير: ( التاريخ هو افتراء الأحياء على الأموات ) وكأنما كتبها ليصف واقعًا يتكرّر في كل دورة انتخابية، حيث يُعاد إخراج الماضي بوجوهٍ جديدة، بينما الجوهر لم يتبدّل. فالانتخابات في جوهرها ليست مهرجانًا ديمقراطيًا، بل امتحانٌ لسلامة الإدارة الوطنية،هل تستطيع أن تُفرز قيادةً كفوءة تُغيّر الواقع، أم أنها تكتفي بتبديل المقاعد فوق ذات البنية المترهلة لقد تحوّلت صناديق الاقتراع إلى مرآةٍ للخلل الإداري أكثر منها وسيلةً للإصلاح السياسي. الوجوه تتغير، لكن الملفات تبقى معلّقة، والقرارات تدور في حلقةٍ من البيروقراطية والفساد.العدو الذكي لا يحتاج إلى قصف المدن، يكفيه أن يُفسد الأنظمة. الحرب الإدارية كما قيل هي انهيار المؤسسات بدل الجبهات.وحين تنهار الإدارة، تنهار معها الثقة، وتُصاب الدولة بالشلل الناعم.

٢. مع كل انتخاباتٍ جديدة تُمنّي الناس بالتغيير،
لكن دون إصلاحٍ إداريٍّ جذري، فإن كل النتائج مجرّد إعادة تدويرٍ للفشل.فالمشكلة ليست في الناخبين ولا في المرشحين،بل في المنظومة التي تُعيد إنتاج ذاتها بعجزها وفسادها،لتبقى الدولة في دوامة الشعارات، والناس في دوامة الانتظار.

٣. العملية الانتخابية لم تعد عندنا طقسًا مقدّسًا بل مرآة تكشف عن هشاشة الإدارة وضعف الإرادة. إن نقدنا لها ليس اقترافًا لليأس بل عملٌ للوطن عندما ننتخب بلا معيار ونرضى بالحلول الوسط، نكرّس للطامع والمحتل أن يعبثوا بمقدّراتنا ويعيدوا كتابة تاريخنا باسم الشرعية ومن جاء من ما وراء البحار ليست الخير غايتهم بل تهيئة الأرض لتفريغنا من حضارتنا وتزوير ماضينا. فإذا احتُلّت البلدان فإنّ الأمل يضعف؛ لأنّ الوافد الغريب لا يبني بل يُعيد تشكيل الذاكرة ليخدم أهدافه.

٤. اليأس ليس قدرنا. ربما الأفضل لم يأتِ بعد هو بذرة تنتظر قطرات الندى كي تنمو. صوتك هو تلك القطرة، واختيارك هو المطر الذي يوقظ البذرة. لا تكتفِ بالتصويت لاسمٍ براقٍ أو لوعودٍ جاهزة اختر الكفاءة،والنزاهه واختر من يعرف كيف يصلح النظام الإداري قبل أن يعدك ببخارٍ يزول. او مطر يجف الإدارة السليمة تُبنى بصبر العمل لا بوعود الشعارات؛ ومن يصلح مؤسساته يغلق الباب أمام الانهيار الناعم.

٥. اصنعوا التغيير بوعيكم لا تُسلموا القرار لغيركم، ولا تسمحوا بأن يُدار وطنكم من مكاتب بعيدة. إنّ أبنائكم هم من يبنون الوطن، وليس الغُرَباء. اصبروا فلابد لليل أن ينجلي، ولابد للقيد أن ينكسر. اخرجوا للناس بصبرٍ العراق، وامنحوا البذرة فرصة النماء بقطرةٍ من حُسن الاختيار؛ فإنّ من يصنعون الغد اليوم لن يتركوه هديةً للآخرين.

٦. الخاتمة: لن يصنع التغييرَ صندوقُ اقتراعٍ في ظل إدارةٍ مشلولة.الانتخاباتُ التي لا تُغيّر بنية النظام الإداري،
ليست سوى تبديلٍ في الوجوه، لا تحولٍ في الاتجاه.
فالإدارة الكفوءة هي خط الدفاع الأول عن الدولة،
ومن يُصلح نظامه الإداري يُغلق الباب أمام الانهيار مهما تبدّلت الحكومات.التغيير الحقيقي لا يبدأ من الانتخابات، بل من المؤسسة التي تُنفّذ وعودها.فمن يُصلح الإدارة، يُنقذ الدولة؛ومن يتركها للشلل، يعيد كتابة التاريخ كما وصفه ڤولتير افتراءً جديدًا للأحياء على الأموات، لكن هذه المرة في سجلّ دولةٍ أنهكتها الوعود ولم تُنهضها الإرادة اصنعوا التغيير بوعيكم لا تُسلموا القرار لغيركم، ولا تسمحوا بأن يُدار وطنكم من مكاتب بعيدة. إنّ أبنائكم هم من يبنون الوطن، وليس الغُرَباء. عليكم أختيار الأفضل مع الاعتراف بأن الأفضل «بذرة» تنتظر ماء الوفاء لتنمو.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

700 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع