«مستر» سيبويه..!

                                   

جاءني سيبويه في المنام.. غاضبا مزمجرا:
ــــ يا بنت المفتي، ألن تكفي عن العبث بلغتي؟
ارتجفت قليلا قبل أن أجيب:

ــــ وماذا فعلت؟ (وأنا أدرك تماما ما هببت).
ــــ ألا ترين ما تفعلين في الإملاء والنحو والإعراب؟ ترفعين المنصوب، وتجرين المرفوع، وتلعنين أسلاف حروف العلة حتى أصبتني بعلة.
ــــ لا ألف سلامة عليك يا عزيزي... لكن لابد أن تعترف أن لغتك/ لغتنا صعبة ومعقدة.
ــــ لا تجرمي بحق لغة الضاد يا آنسة.
ــــ سيدة من فضلك.
ــــ سيدة آنسة.. لا فرق ولسنا في هذا الصدد.
ــــ هذا وحضرتك دقيق في اللغة يا مستر سيبويه!
(جحظت عيناه عندما سمع كلمة مستر)
ــــ لا تستعملي معي مفردات الفرنجة يا أنت.. ثم هل تعلمين اننا نحن من اعطيناهم من كلماتنا، فلغتنا هي مصدر للكثير من الكلمات المستخدمة في اللغات الاخرى، كالفارسية والهندية والتركية، حتى الانكليزية والاسبانية والايطالية.
ــــ أعلم، لكن حضرتك تعلم أن لغتنا صعبة، وقواعدها النحوية معقدة، خذ عندك مثلا الهمزة، هذه لوحدها تحتاج إلى دراسة معمقة، وساعات طويلة لنحزر أين تريد المدام أن تستريح. هل تود الجلوس على كرسي و«تتستت»، أم تريد القفز لتتربع فوق الألف، أو ربما تحتها، ناهيك عن مزاجها المتعب حين «تزعل» وتقرر أن تتخلى عن كل الحروف وتجلس بمفردها فوق السطر.
ــــ وما المشكلة في هذا؟ هناك اكثر من 300 مليون عربي يتكلمون العربية، ولا يستصعبونها مثلك.
ــــ هذا على فرض أنهم يتكلمونها! لقد تغيرت الأحوال يا عزيزي، فنحن لا نستعمل العربية إلا للشعر والحب والهيام، فأولادنا يستسهلون اللغات الاخرى ويتحدثون بها، وجاراهم بذلك الأهل، ليصبحوا «كوول»، فعوجوا ألسنتهم وصاروا يرطنون مثلهم.
ــــ هذه كارثة.
ــــ يا سيدي.. أضف إلى معلوماتك؛ إن التدريس في الجامعات صار بلغات أجنبية، محلاتنا، فنادقنا، مجمعاتنا، برامجنا التلفزيونية، والاذاعية تحمل مسميات أجنبية، حتى المذيعين- لا فض فوهم- ينطقون كلمتين بالعربي وكلمة بالإنكليزي.
ــــ توقفي هنا، واسألي نفسك.. لماذا؟ يا سادة أنتم تعاملون اللغة كما لو كانت تحفة أثرية، رغم أنها كائن حي ينمو ويكبر. ولو تذكرين ما قاله المفكر جرجي زيدان «لقد آن لكم ان تخلصوا لغتكم من قيود الجاهلية وتعملوا على تطويرها». انتم تتعاملون مع اللغة كما كانت منذ ولدت، ولا تراعون الزمن والعصر، واجبكم تحديثها وتطويرها نحو الافضل وليس تعقيدها وابتكار تعابير مضحكة كـ «الشاطر والمشطور وما بينهما كامخ». تبسطوا وجددوا يا رعاكم الله.
ــــ أتقول هذا الكلام لي؟ قله لمجمع اللغة العربية.. أولئك النائمون على أطلال الماضي.
ــــ صدقت.. سأطالبهم من طرفي، وبدوركم طالبوهم بالمزيد من العمل، اللغة العربية جميلة يجب ألا تضعف وتهان. ابدئي بنفسك، عدلي لغتك.. أفلا تخجلين من اخطائك وأنت سيدة بهذا العمر؟ بالمناسبة، كم عمرك؟
صرخت في وجهه:
ــــ وما شأنك أنت بعمري.. خلينا باللغة أحسن لك!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

900 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع