الا ما ندر , في المجتمعات الشرقية ومنها العربية الأسلامية بشكل خاص , الرئيس الذي يجد نفسه على قمة هرم الدولة ـــ وغالباً بدون استحقاق ـــ , لا تعنيه النصيحة الصادقة التي قد يقدمها شخص في مقالة او حزب في بيان او الرأي العام عبر التظاهر والأحتجاج وحالات الرفض , بقدر ما يهمه وينتظره ويثير اعجابه ويشحن فراغه , مديح مضلل كاذب تقدمه له العائلة وحبربشية الحزب والمستشارين والمنتفعين , لتنتفخ فيه الذات ( الأنا ),
حتى يسقط في مصيدة اوهام العظمة اوالقفز على واقع فقر الوعي والحكمة والفراغ الروحي والمعنوي الذي يعانيه , او العزلة والتخبط منبوذاً في اول عثرة لـه .
هناك امثلة لا حصر لها , يكون فيها السقوط المخزي مثيراً للسخرية , صدام حسين مثلاً , وفي استفتاء على رئآسته مدى الحياة , حصل على نسبة اكثر من 100 % , وعندما سقط نظامه , لم يجد بين تلك الملايين والاف المداحين بيتاً يأويه , فأنتهى مصيره وحيداً قي حفرة لا تقل حقارة عن شخصيته , سلمه للأمريكان آخر شخص أئتمنه من اقاربه , وامثلة رؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن والحبل على الجرار , كانت صارخة بالعبر .
المشكلة : ان الرؤساء والمسؤولين هم آخر من يقتنع ان ( دار السيد ) ومهما كان حجم المداحين والطبالين , تبقى غير امنة .
الواقع العراقي الراهن , مضحكاً ما فيه الكفاية , حيث اغلب المسؤولين تناسوا واقعهم ما قبل 2003 , حالات الغربة والأذلال والتبعية بأشكالها المهينة للدول التي استضافتهم وبشروطها المجحفة احياناً , وتناسوا حجمهم المتواضع فكرياً وسياسياً ومعرفياً وثقافياً مقارة ببعض الكوادر الوطنية , وتناسوا علاقات اجتماعية ووطنية انسانية كانت تجمعهم مع رفاق دربهم عندما كانوا معارضين للنظام البعثي, تورمت فيهم ( الأنا ) حتى استعانوا بمن يكذب عليهم ويضللهم من زمر المداحين, ليصوروا لهم الحالة المرضية التي يعانون منها على انها عافية , فتوهموا الدهاء وبعد النظر ونشوة التغلب على الآخر , واعتمدوا مبدأ الشطارة والمناورة والخديعة والأيقاع بالأخر لتحقيق بعض النقاط الأنتخابية وكأنهم في حلبة للملاكمة او ساحة لصراع الديكة .
حالة الغرور واوهام العظمة تحتاج دائماً الى مزيد من المديح والتبجيل وتزوير الشخصية , حتى يتم اخراج الممدوح عما كان عليه انساناً سوياً , وبما ان الرئيس والمسؤول , اصبح مالكاً للسلطة والمال والجاه والأعلام وغلاف كثيف من المداحين والمضللين المنتفعين , اذن فهو العظيم والداهية والشاطر والمنتصر والقائد الضرورة في جميع الحالات , في هذه الحالة ينقلب على تاريخه القريب فيصبح فخامة ودولة وسعادة والقاباً اخرى غير مسبوقة لا يقبلوها لأنفسهم رؤساء وملوك حتى اكبر دول العام وابرز عظمائها , وتناسوا مع الأسف انهم ليس اكثر من ( ولد الكريه ) وتلك هي القشة التي تكسر ظهر المسؤول الواهم , وحتى يقتنع بأنه كان مجرد وهم وسذاجة وغرور, مخدوعاً معزولاً, فالأوان قد فاته والفأس قد استقرت في الرأس .
الأسوأ هنا ان يكون المداح المنتفع محسوباً على الثقافة , ليفرش كل ما يمتلكه من مخزون تجربتة في التأقلم واحترافه كتابة تقارير الوشاية تحت اقدام صاحب النعمة الجديد , انهم الأكثر قدرة وخطورة على تقطيع خيوط نسيج وحدة الحركة الجماهيرية وتشويه الأدوار الوطنية للرأي العام العراقي , انهم كالتعفن الذي يبدأ مفعوله من داخل الكيان , ولكثرة ما تغيرت وتعددت مهامهم وادوارهم وتبعيتهم , اصبحت ضمائرهم ذيولاً تمسح اوحال صاحب النعمة , فالمداحين الأنتهازيين لديهم القدرة على المناورة والتبرير والظهور بالوجه الأبيض ثم رشق الآخر بعاهاتهم حتى لو حاورهم الآخر دهراً ’ انهم الأقدر على تشويه الحاضر العراقي والأخطر على مستقبله , وهنا على رموز الثقافة الوطنية ان تتحمل المسؤولية التاريخية في التصدي لهم بصبر وكفاءة وثبات .
لا يمكن الحصول على مشورة صادقة مثمرة من مداح منتفع , فهو لا يرى ابعد من مصالحه الشخصية , اما الصدق والأمانة وقيم المواطنة , لا تشكل بالنسبة له , اكثر من عربة يمرر بها شحنات منافعه على ظهر المسؤول ( الممدوح ) , وهو الأسبق من غيره على كسر ظهره عندما تتغير المعادلة ويدركه موعد السقوط , ليبدأ من جديد مداحاً تحت الطلب .
ان مزادات العملية السياسية الراهنة , تشكل موسماً مثالياً لبضائع المداحين .
يمكن تقييم شخصية المسؤول ( الرئيس ) من خلال مداحيه , ونوعية واهواء وتواريخ وحجم المحيطين به من مستشارين ومرافقين وحراس امنيين وناطقين رسميين , انهم يشكلون ابرز تقاسيم شخصيته وسيرته الذاتية والمضمون الذي سينضح خيراً او شراً , وكذلك يحدد المسافة الزمنية التي سينتهي دوره ( مهمته ) مع نهايتها , فكل شيء محسوب ومحسوم من خلف ظهره , وهو اخر من يدرك موعد حتفه .
443 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع