سوق "العبايجية" بسوق الشيوخ.. أنامل تصنع حرفيتها بحديث المساجلات الشعرية
الغد برس/ ذي قار: مدينة عراقية تقع شرق جنوب محافظة ذي قار كانت عاصمة إمارة المنتفق لأكثر من مائة عام اشتهرت بأسواقها التي شيدت لتكون أكبر مركز تجاري في المنطقة آنذاك على يد مؤسسها الأمير ثويني من أسرة آل سعدون، لتستمد اسمها من مكانة أسواقها و مشايخ حكامها باسم مدينة سوق الشيوخ التي يشتهر أحد أسواقها بأسم سوق "العبايجية"..
سوق الشيوخ مدينة تميزت عن غيرها من مدن الجنوب لخصوصيتها بما تحتويه من أماكن مازالت تمثل تراثا لأبنائها، فالبيوت العتيقة والحرف القديمة هي العنوان الأبرز لسجل تاريخها، وفيه سوق "العبايجية" لصناعة العباءة العربية وهو يختلف عن أسواقها الأخرى، أنامل صناعة تصنع من الخيوط فناً والمساجلات الشعرية تجعل منه سوق عكاظ جديد.
صناعة العباءة العربية التي اعتنقها سوق الشيوخ توطدت في بداية من احترفها من آل عامر "قبيلة نزحت من مدينة الحساء في السعودية إلى سوق الشيوخ".
ويقول محمد السعيدي، صاحب محل لصناعة العباءة العربية لـ"الغد برس"، إن "أكثر ما يميز آل عامر قي صناعة العباءة العربية أنهم يحترفونها بشكل دقيق"، مضيفا أن "لمساتهم في التصميم والتطريز أعطى نموذجا يسمى بعباءة آل عامر والتي تمثل تقريبا أغلى أنواع العباءة العربية".
ويوضح "أنهم يتفننون في صناعة نوع الزرياي المعروف شعبيا (البكر)"، موضحا أن "(البكر) ينقسم إلى ثلاثة أنواع المحلي والياباني والفرنسي".
من جهته، يتحدث ماجد الاسدي، احد صناع العباءة العربية لـ"الغد برس"، بالقول انه "بعد أن يفصل قماش العباءة إلى قطعتين الأعلى والأسفل يبدأ بعملية الصقل ما يسمى (البرداخ)"، مضيفا "بعد الصقل يأتي صاحب العباءة ليرى مدى نعومة الخيوط المستخدمة وفي حال قناعته يتم الاتفاق على نوعية نوع الخيوط والتطريز لإطراف العباءة".
ويضيف ايضا أن "مرحلة الخياطة تبدأ بمرحلة الخبن ومن ثم التطريز وبعدها تكون جاهزة بشكل نهائي"، مؤكدا أن "سوق الشيوخ أصبح اليوم من المدن التي يتوافد إليها الزبائن من مختلف مدن العراق لشراء العباءة العربية".
تاريخ سوق شيوخ بما أنجبته من شخصيات أدبية شعرية من الفصيح والشعبي جعل منها سوق عكاظ في العراق، وسوق العبايجيه بجلساته العربية لمحال صناعة العباءة العربية جعل من مجالسه ملتقى لابناءها والوافدين أليها لحديث شعري لايخلو من المساجلات السياسية والاجتماعية والغزل بحاضره وماضيه.
ويقول الكاتب والصحفي مصطفى عادل، لـ"الغد برس"، إن "مدينة سوق الشيوخ بما تزخر به من شعراء لاسيما في الشعر الشعبي جعل من اغلب دواوينها حديث لايخلو من الشعر والأهزوجة الشعبية"، موضحا أن "سوق العباءة بتصميم محاله التي تتخذ من الجلسة العربية ديكورا لها جعل من المقابلة بين الضيوف كأنك في جلسة ديوان شعري".
ويتابع أن "هذه الجلسات ليس فقط تخصص لبيع وشراء العباءة العربية بل غالبا ما تكون للقاء الأصدقاء وأبناء العشيرة الواحدة"، مبينا أن "حديث الشعر شاهد حاضر في كل جلسة لاسيما ما يحمل في طياته من حكم أو مثل لحل نزاع عشائري أو استشهاد في قضية ما، فضلا عن أن الوافدين من خارج المدينة يتبادلون الحديث كون اغلبهم مشايخ عشائر أو وجهاء فيحاول صاحب المحل أن يلطف الجو بمساجلة شعرية كنوع للمودة وكسب رضا الزبون".
ويستشهد عادل بمساجلة شعرية بين الأب وابنه بصورة شعرية غزلية في خيانة الحبيب وهجره.
فيقول الاب الحاج حسن:-
بويه ترف تاز هورابي بين راحات
وكلبي العاشرت ماشاف راحات
انه الي ربيت بوكت الغيض راحات
راحت له ومنه وعليه انصب عزيه
فيرد فلاح "الابن" قائلا:-
شجاك بجور هجرك علي سنيت
وسجاجين الغدر بحشاي سنيت
سهمك من رميته اسف سنيت
جتلي ولاحسبت احساب اليه
ولعل الكثير من المدن التراثية أصبحت من الماضي باندثار تراثهِا العمراني، لكن سوق الشيوخ مازالت تحتفظ بطرازها التاريخي، فالتعلم في الصغر كالنقش في الحجر، هكذا تتلمذ الأبناء من الآباء والأجداد ليستمر سوق العباجية صناعة وشعرا.
1293 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع