العراق وحرب التسريبات الصوتية،قصص التنصت واستراق السمع من النظام السابق الى يومنا هذا
مازن خالد مفتن
مع تصاعد حدة الازمة السياسية التي تعصف بالعراق اليوم، وبعد وصول الطبقة السياسية الحاكمة الى طريق مسدود لحل خلافتهم، يراقب العراقيين ومن على منصات التواصل الاجتماعي حرباً من نوع اخر بين افراد الطبقة الحاكمة، وهي حرب التسريبات والتسريبات المضادة، هذه الحرب التي اندلعت شرارتها الاولى عقب بث تسجيل صوتي مدته 48 دقيقة لرئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي(1) تحدث فيه وبكثير من الصراحة عن ما يدور في ذهنه من أفكار ومخططات تجاه خصومه السياسيين، وقد ادت هذه التسريب الى تعميق الازمة السياسية المتأزمة اصلاً بين قيادة التيار الصدري والأطار التنسيقي.
وفي المقابل فان دلت هذه التسريبات عن شيء فيه تدل على عمق الخلل في المنظومة الامنية العراقية، والى مدى الاختراق الأمني للطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وان هذه التسريبات سجلت وبثت من قبل جهات مخصصة من الناحية الامنية والتقنية، وهي نتاج عمليات معقدة لعناصر مختصة بالتنصت واستراق، وليست جهود صحفية او جاءت من هواة، وللعراق تاريخ حافل في قضية التنصت والتسجيل الصوتي والمرئي، وهو الامر الذي ساق المئات من الرجال والنساء الى المشانق او زج بهم في غيابه السجون خلال مرحلة نظام صدام. وفي السطور القادمة سأحاول سر عدد من القصص المهمة والحوادث التي جرت فيها عمليات تنصت وتسجيل في عراق نظام صدام او النظام الذي تلاه.
اول العمليات
في عام 1969 وعقب سنة واحدة من وصول حزب البعث الى سدة الحكم في العراق، اعدام النظام مدير محطة الموساد في العراق الجاسوس اليهود عزرا ناجي زلخا(2) عقب الإطاحة به واعتقاله مع 35 جاسوس بينهم 13 يهودي عراقي كانوا يعمل تحت أمرته ضمن 9 شبكات تجسسيه عملت لصالح الموساد في عموم العراق،
وكان الفضل لهذا الانجاز الأمني الكبير والذي قضى على كافة أشكال النشاط التجسسي الإسرائيلي في العراق خلال تلك المرحلة يعود لمديرية الأمن العامة ورئيسها الجديد اللواء ناظم كزار العيساوي وللأجهزة التقنية السوفييتية التي كانت قد وصلت حدثياً للعراق في تلك الفترة والتي من خلالها تمكنت مديرية الامن العامة من استمكان جاهز الاتصال الذي كان يستخدمه زلخا في ارسال رسائله المشفرة الى خارج العراق من داخل منزله في منطقة الكاظمية ببغداد.
وفي عام 1973 ومع الاطاحة بمدير الامن العامة اللواء ناظم كزار(3) واعدامه، عقب قيادته للمحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئيس العراقي البكر ونائبه صدام، وخلال مرحلة تحميل كراز وزر كافة الجرائم التي ارتكبت من قبل النظام، أعلن عن ضبط منظومة تنصت على الهواتف داخل منزل تابع للأمن العامة يقع في منطقة الكرادة ببغداد، وقيل في حينها ان هذه المنظومة احضرها كراز من الخارج واستخدمها في التنصت على هواتف قيادة الدولة والحزب، وان التسجيلات الصوتية التي ضبطت داخل المنزل حملت الالاف الساعات من المكالمات الهاتفية بين قيادات الدولة من وزراء وضباط وقادة عسكريين، وعلى الرغم من اختفاء هذه المنظومة وتسجيلاتها بالكامل فيما بعد مع طي صفحة كراز، الا ان الاعلان عنها كان يمثل اول اعتراف صريح من الدولة العراقية خلال تلك المرحلة بان جهة أمني تابعة لها كانت تتنصت على الهواتف والتي كانت تعد وسيلة الاتصالات الرئيسية في ذلك الوقت.
الجدران لها اذان
وفي عام 1979 ومع تولي صدام حسين مهام المنصب الاول في الدولة الحزب في العراق وقيامه بتعيين أخيه غير شقيق برزان التكريتي مديراً للمخابرات العامة، وتوسع وتضخم مديرية المخابرات العامة تحت قيادة برزان لتصبح من مديرية الى رئاسة توازي رئاسة الجمهورية ضمن الهيكل التنظيمي للدولة، وبتخصيصات مالية ضخمة خارج ضوابط الانفاق الحكومي وبسرية كبيرة للدواعي الامنية، أصبحت رئاسة المخابرات دولة داخل الدولة العراقية، وعمل برزان التكريتي على تطبيق نظرية الثلث على الثلثين، والتي نصت على ان ثلث الشعب العراقي لابد ان يتجسس على الثلثين الباقي.
ووسط أجواء من الخوف والرعب وطغيان رئاسة المخابرات العامة شاع بين العراقيين مفردة "اسكت للجدران اذان" وبالفعل وخلال تلك المرحلة كانت المخابرات تراقب وتتنصت على كل شيء من الاتصالات الهاتفية للمواطنين العاديين الى كبار رجال الدولة والحزب والضباط والقادة العسكريين،
وانتشرت خلال تلك المرحلة عمليات التسجيل الصوتي سواءً على الهواتف المنزلية او الهواتف الموجودة في دوائر ومؤسسات الدولة وحتى أكشاك الهواتف العامة في الشوارع وقادت هذه التسجيلات الصوتية المئات بل الالاف الى السجون وغرف التعذيب وحبال المشانق وكان من بينهم عدد كبير من الشخصيات الحكومية والعسكرية والشخصيات العامة وحتى الفنانين، فقد كان كفيل بزله لسان واحدة على الهاتف او خلال حديث جانبي يتم رصدها من خلال جهاز التسجيل ان تودي بصاحبها الى التهلكة، وكان من ابرز تلك العمليات والتي شاعت بين العراقيين هي عملية أعدام الفريق عمر محمد الهزاع، والهزاع كان احد قادة الجيش العراقي وشغل منصب قائد الفرقة الاولى فيه، كما كان افراد عشيرة صدام ومن الضباط المقربين من البكر، وقد امر صدام بإعدامه وهدم منزله في منطقة اليرموك ببغداد، عقب سماعه لتسجيل صوتي لمكالمة هاتفية للهزاع شتم خلالها صدام وعائلته(4).
فقد عملت مديرية الاتصالات والمديرية الفنية في رئاسة المخابرات على اداة برامج واسعة للمراقبة والتنصت على أجهزة الهواتف من عامة الناس الى هواتف الوزراء والضباط وقيادات وكوادر الحزب، كما شملت كافة هواتف ومقار البعثات الدولية والدبلوماسية وطواقم السفارات العاملة في العراق، فقد كانت المخابرات تتنصت وتتجسس وتنصت لسماع كل ما يقال.
كما وخلال فترة برزان التكريتي واجهة المخابرات العراقية تحدي أمني خطري اربك عمل كل من المخابرات والامن العامة والاستخبارات العسكرية،
ومثل ذلك التحدي بتلقي المخابرات وعن طريق مصدر مهم قريب من القيادة السوفيتية بلاغ افاد بان القيادة السوفيتية على اطلاع كامل بما يجري في مجلسي قيادة الثورة ومجلس الوزراء، وان السوفييت يتلقون تقارير تفصيلية من بغداد عن اجتماعات القيادة العراقية في مجلسي قيادة الثورة والوزراء وحتى اجتماعات القيادة القطرية للحزب(5)، وهو الامر الذي دفع صدام لإصدار اوامر صارمة لكافة الاجهزة الامنية لمعرفة مصدر تسريب المعلومات الى سوفييت، الا انه وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلك في عمليات البحث والتدقيق عجزت المخابرات العامة والاجهزة الامنية عن معرفة مصدر تسريب المعلومات الى السوفييت، وهو الامر الذي اثار غضب صدام.
وفيما بعد استطاع مصدر المخابرات العراقية القريب من القيادة السوفيتية تحديد مصدر تسريب المعلومات، حيث تبين ان السفارة السوفيتية ببغداد تمكنت وبجهد تقني من استراق السمع على القصر الجمهوري ببغداد، وهو الامر الذي دفع صدام لبناء مقر جديد للبعثة الدبلوماسية السوفيتية، والطلب من السوفييت الانتقال له بعيداً عن القصر الجمهوري(6).
التنصت وسط ضجيج المدافع
ومع اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية، ازدادت شراسة الأجهزة الأمنية لنظام صدام في مجال التنصت والتجسس الداخلي من رئاسة المخابرات العامة الى مديرية الاستخبارات العسكرية العامة، وتحت شعار لا صوت يعلوا على صوت المعركة، وسعت المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية مجال التنصت واستراق السمع على الهواتف، فرصدت الاستخبارات العسكرية الاتصالات التي كانت تجي بين القادة والضباط في الجيش وتنصت على احاديثهم لتحديد اي رفض او امتعاض من قرارات القيادة السياسة او من تدخل صدام بالشؤون العسكرية وقيادته للحرب، وبالفعل تم سجن العديد من والضباط والقادة العسكريين بسبب احاديثهم او اتصالاتهم فقد تم اعتقال كل من قائد فرقة المشاة /7 العميد الركن شاكر وجر الإمارة، والعميد الركن سهيل إسماعيل الأعظمي قائد فرقة المشاة /14 من قبل مديرية الاستخبارات العسكرية العامة، وايداعهم في سجن رقم واحد العسكري بعد انتقادهم لقرارات صدام العسكرية والتي ادت لوقوع خسائر كبير في صفوف القوات العراقية خلال معركة الدفاع عن مدينة المحمرة خلال مكالمة هاتفية تم استراقها وتسجيلها من قبل المديرية(7).
وفي ذات الوقت وعلى الرغم من انشغال العراق بالحرب، فقد كان العراق ساحة للتنصت الاسرائيلي، فقد عملت اسرائيل وباستخدام الوسائل التقنية بالتنصت على شبكة الاتصالات العسكرية للعراق، فقدت استطاعت الاستخبارات العسكرية العراقية وعن طريق الصدفة معرفة تمكن اسرائيل من نصب وحدة اعادة إرسال على الكابل المحوري للاتصالات العسكرية بالقرب من قاعدة الوليد الجوية في غرب العراق، والكابل المحوري التابع لهيئة الكابلات المحورية وهي شبكة تغطي كامل العراق، وتعمل على تأمين اتصالات رئاسة الجمهورية والقيادة العامة للقوات المسلحة وزارة الدفاع ورئاسة الاركان(8).
فقد تعرضت بلدوزر وخلال أعمال حفر بالقرب من القاعدة الى انفجار مجهول المصدر ادى الى تدمير البلدوزر واصابة سائقها، فأبلغت منظومة الاستخبارات الغربية ومقرها في معسكر الحبانية، مديرية الاستخبارات العسكرية ببغداد حول وقع الانفجار بالقرب من القاعدة فتم ارسال زمرة واجب من المديرية بأمرة العقيد الركن محمد سمير محمد حسن معاون مدير المديرية للشؤون الفنية الى مكان الانفجار، وفور وصول الزمرة الى مكان الانفجار حصل انفجار ثاني، اسفر عن مقتل جميع عناصر الزمرة، ليتبين فيما بعد انه كان هنالك جهاز استراق معلومات مربوط على الكيبل المحوري جرى تحصينه تحت الارض وربطه بهوائيات ارسال على شكل حجر صناعي يشبه احجار المنطقة تماما، وكان الجهاز يرسل جميع المكالمات الى تل ابيب مباشرة(9).
وفي ذات الوقت كانت المخابرات العراقية قد وصلت الى مراحل متقدمة في المشروع /858 والذي عرف فيما بعد باسم مشروع الهادي، والذي تحول الى المديرية /17 في المخابرات العراقية، ومشروع الهادي هو عبارة من منشأة لاعتراض الاتصالات والاستخبارات الإلكترونية والسيطرة عليها كانت تضم نحو 800 عمال يعملون على مدار 24 ساعة وبواقع ثلاث وجبات عمل، وكانت تقع في منطقة الراشدية على بعد 20 كم شمال شرق العاصمة بغداد، وقد تم جلب اجهزة ومعدات وحواسيب المشروع من الولايات المتحدة واليابان، وكان الهدف الرئيسي من المشروع هو اعتراض والتنصت على جميع المكالمات المحلية والدولية وكانت محطات الهادي للمراقبة قادرة على تحديد أماكن محطات الراديو السرية خلال 30 ثانية من بدء الإرسال لمتابعة عمليات التجسس وارسال المعلومات او استلام التعليمات من قبل الجواسيس والعناصر المعارضة للنظام الحاكم(10).
وفي المرحلة التي سبقت حرب الخليج الثانية، وعن طريق مشروع الهادي استطاعت المخابرات العراقية رصد وتسجيل العديد من المكالمات الهاتفية التي كانت تجري بين قادة دول الخليج العربي، وقد قام النظام ببث عدد من تلك المكالمات على شاشة التلفزيون الرسمي لبيان مدى التآمر على النظام حسب وصفه.
الاتصال والتحدث باللغة الكردية
وفي عام 1990 وعقب الاجتياح العراقي للكويت، ومع بدء عمليات التحشيد الدولي لشن الحرب على العراق، اصدر صدام اوامر لقيادة الجيش العراقي نصت على استخدام عناصر افواج الدفاعي الوطني من الاكراد لإدارة منظومة الاتصالات العسكرية للجيش في كافة القطعات الميدانية، ولمواجهة التطور التقني لقوات الحلفاء امر صدام باستخدام اللغة الكردية خلال نقل الاوامر والتعليمات العسكرية من خلال وسائل الاتصال والاحباط عمليات التنصت لقوات التحالف الدولية وبالفعل تم تدريب المئات من الاكراد لتولي مهام الاتصالات ونقل المعلومات والتعليمات بين الوحدات العسكرية، كما حدد امر صدام موعد البدء باستخدام اللغة الكردية مع بدء هجوم قوات التحالف على الجيش العراقي، الان ان الفشل كان حليف هذه الفكرة مع اندلاع الحرب(11).
وخلال حرب الخليج الثانية وما اعقبها من دخول العراق في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة واسرائيل اصبح العراق ساحة كبيرة لعمليات التنصت والتجسس ومراقبة المكالمات الهاتفية للقيادة السياسية للعراق وللقيادات الحكومية والعسكرية، ومع علم العراق بذلك وصل الامر الى ان صدام حسين شخصياً لم يستخدم الهاتف منذ نهاية الحرب ولغاية سقوط نظامه سوى لمرة واحدة او مرتين خوفاً من عمليات التنصت او الرصد(12)، وهو الامر الذي اخبر به المحققين الامريكان عقب اعتقاله والتحقيق معه. وقد تحدثت بعض المصادرعلى ان احدى تلك الاتصالات كان بواسطة جهاز الثريا، وكان عبارة عن حديث قصير مع زوجته الثانية التي كانت قد هربت الى الخارج عقب الغزو، وان هذا الاتصال قد تم رصده من قبل الامريكان وساهم في تحديد مكان تواجده قبل اعتقاله.
سيارة من عمان الى بغداد
وفي عام 2003 وخلال مرحلة الاعداد لغزو العراق، قام عملاء وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA بأداخل سيارة رباعية الدفع SUV تم تزويدها بمجموعة اجهزة استقبال مخفية تمكن تقنيو الوكالة من التحكم بأجهزة الهواتف النقالة والتنصت على موجات شبكات الراديو المستخدمة في الاتصالات، كما أنها تلتقط بحساسية أكبر من الاقمار الصناعية ووسائل تجميع المعلومات الجوية، وقد تم داخل هذه السيارة من الاردن وايصالها الى العاصمة بغداد، حيث تم ركن السيارة في كراج منزل في منطقة المنصور ببغداد وبالقرب من مجمع مباني جهاز المخابرات العراقية، وقد تولت هذه السيارة تسهيل بعض الامور التقنية للتجسس على مكالمات القيادة العراقية في ذلك الوقت(13)، وقد استطاعت اجهزة هذه السيارة رصد المكالمات الهاتفية التي ادت الى قصف منزل المنصور الواقع خلف مطعم الساعة، والذي كان يعد المقر البديل الذي استخدمه صدام خلال الحرب لعقد اجتماعاته، وقد تم سحب السيارة من قبل CIA ومع دخول القوات الامريكية الى بغداد، وكذلك وخلال تلك المرحلة عمل الأمريكان على اختراق خطوط الاتصالات العسكرية العراقية، وأجراء مكالمات هاتفية مع العديد من قادة الجيش وامراء الوحدات العسكرية وعرض عليهم التعاون او الحياد خلال الحرب القادمة، وهو الامر الذي كان بعلم القيادة العراقية، واكتفى صدام بالأمر برصد تلك المكالمات ومراقبة كلام القادة العسكريين فقط ورفع تقريري شبه يوميه له عن تلك المكالمات.
وعقب الاحتلال الامريكي للعراق وسقوط نظام صدام، طرأ تطور كبير على مجال التنصت واستراق السمع في العراق، ففي البداية بدأ عملاء CIA برصد كافة المكالمات التي كانت تصدر من العراق الى خارجه عبر اجهزة الثريا، وكان الهدف من ذلك هو رصد عناصر تنظيم القاعدة والمقاتلين العرب الذي وصلوا الى العراق في المرحلة التي سبقت الحرب، ومع اندلاع التمرد المسلح في العراق وزيادة الخسائر الامريكية تم التوسع في عمليات التنصت واستراق السمع للبحث عن قادة الجماعات والفصائل المسلحة، وبالفعل تم اصطياد العديد من قادة هذه الجماعات والفصائل بناءً على المعلومات التي توفرت من اتصال هاتفي مرصود.
ومع الانسحاب العسكري الامريكي من العراق بدأ العراق باستخدام التقنيات والوسائل الامريكية في عمليات التنصت ورصد المكالمات، وقد استخدمت هذه التقنيات في بادئ الامر ضد قادة تنظيم داعش حصراً ، وعلى الرغم من قيادات التنظيم لم تكن تستخدم الهواتف في اتصالاتهم، الا ان كل من زعيمي التنظيم ابو بكر البغدادي وابو ابراهيم القرشي قتلى عقب رصد اتصالات هاتفية من احد مساعديه وهو الامر الذي قاد الموت اليه. وبحسب المعلومات المتوفرة فان جهاز المخابرات العراقي حصل على منظومتين امريكية للتنصت على الاتصالات الهاتفية قيمة المنظومة الواحدة 850 مليون دولار.
عودة مراقبة المكالمات
وفي تموز/يوليو 2019 تفاجأ العراقيين بنشر وسائل الاعلام العراقية لتسجيل صوتي مسرب لمحادثة هاتفية قيل انها بين قائد عمليات الأنبار في الجيش العراقي اللواء الركن محمود خلف الفلاحي، وشخص آخر قيل إنه عميل لـ CIA(14)، عراقي الجنسية، وظهر في التسجيل مطالبة عنصر CIA من قائد العمليات تزويده بإحداثيات مواقع عدد من الفصائل العراقية المسلحة في مدينة القائم الحدودية بشكل خاص وفي قاطع عملياته بصورة عامة، وهو الامر الذي ادى الى فتح تحقيق مع قائد العمليات من قبل وزارة الدفاع، وتوجيه له تهم بالتخابر مع جهات اجنبية وتسريب معلومات أمنية حساسة. وفي ذات الوقت تحدثت المصادر عن ان احدى الفصائل المسلحة العراقية المقربة من ايران استطاعت الحصول منها على وسائل تقنية تمكنها من اختراق الهواتف النقالة وتطبيق واتساب فيها، وعن طريق تلك الوسائل تمكنت من اختراق هاتف القائد العسكري.
ومع حلول العام 2020 ازادت حدت الصراع الامريكي ـ الايراني على الاراضي العراقية، لتزداد كذلك شراسة عمليات التنصت واستراق السمع والتجسس في العراق، ففي مطلع العام قتل وبغارة أمريكية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، ومثلت عملية اغتيال الرجل خرق أمني كبير للمنظومة الأمنية للحرس الثوري الايراني، وليتبين فيما بعد ان CIA تمكنت من رصد تحرك سليماني ومعرفة خططه تجاه السفارة الامريكية ببغداد عن طريق اختراق هواتف قيادات عراقية كانت تساهم في ترتيب الامور الأمنية والفنية لزيارة الجنرال سليماني للعراق.
وعقب مقتل سليماني وجهت عدد من الفصائل العراقية المسلحة اصابع الاتهام لجهاز المخابرات العراقية بالتواطؤ في عملية الاغتيال، وعلى الرغم من النفي التام لجهاز المخابرات لذلك الامر ، فان جهاز المخابرات ومع تولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة شرع ببرنامج كبير وبالاعتماد على الوسائل التقنية والفنية لرصد المكالمات الهاتفية والمراسلات الالكترونية، وقد انحصر هذا الامر في البداية ضد عناصر وقيادات تنظيم داعش، الا انه تطور ليشمل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وكان الهدف من تلك العمليات هو رصد ومراقبة النشاطات المالية لتلك الفصائل والجماعات. كما وانه وبناءً على العلاقات الجيدة للكاظمي مع عدد من قادة الدول العربية والخليجية استطاع جهاز المخابرات العراقي الحصول على العديد من البرامج والتقنيات التي تستخدم في مجالات التنصت والمراقبة الاتصالات.
وفي الختام لابد من الاشارة من ان حرب التسريبات التي تجتاح العراق اليوم، هي نتاج عمل تنقني جبار، لا اعتقد ان بإمكان الافراد او الجماعات القيام به، وانما هو مجهود اجهزة ومؤسسة أمنية خاصة، وان هذه التسريبات لديها اهداف محددة وسجلت وسربت للتأثير على الرأي العام والشارع العراقي، وان حرب التسريبات هذه لن تنتهي في الوقت الحالي او في المستقبل القريب وانه هناك العديد منها مازال مخفي وبين يدي صناع القرار وسيم عرضه على العراقيين تباعاً وفي الوقت المناسب.
___________________
(1) للمزيد انظر: الجزيرة نت، تسجيل منسوب للمالكي يتعهد فيه بإسقاط مشروع الصدر والبارزاني والحلبوسي، آخر تحديث: 17/7/2022، 05:28 PM (مكة المكرمة).
(2) للمزيد انظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، عزرا ناجي زلخا، آخر تعديل لهذه الصفحة كان يوم 22 مارس 2021، الساعة 15:08.
(3) للمزيد انظر: صحيفة الشرق الأوسط، تفاصيل مؤامرة مدير الأمن العام وتصفية عبد الخالق السامرائي، العدد 9138، الجمعـة 10 شـوال 1424هـ، 5 ديسمبر 2003.
(4) للمزيد انظر: القسوة لدى صدام حسين، دولاب الدم ـ الجزء الأخير، نشر في 18 كانون الثاني/يناير 2010.
(5) مزهر الدليمي، محطة الموت ـ ثمان سنوات في المخابرات العراقية، ط 1 (بغداد، مكتبة المجلة، 2022)، ص 66.
(6) المصدر السابق.
(7) وفيق السامرائي، حطام البوابة الشرقية وحقائق عن الزمن السيء في العراق، ط 1 ( الكويت، شركة دار القبس للصحافة والنشر، 1997)، ص 71.
(8) قحطان السامرائي، التجسس الاسرائيلي على منظومة الاتصالات العراقية، المنتدى العسكري العربي، التاريخ العسكري، مارس 27 2016، 19:55.
(9) المصدر السابق.
(10) للمزيد انظر: (Al Hadi Project) Federation of American Scientists.
(11) وفيق السامرائي، حطام البوابة الشرقية وحقائق عن الزمن السيء في العراق، ط 1 ( الكويت، شركة دار القبس للصحافة والنشر، 1997)، ص 272 - 273.
(12) آشتون روبنسون، موعد مع رجالات صدّام - البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، ترجمة قيس قاسم العجرش، ط 1 (بغداد ، دار سطور للنشر والتوزيع، 2021)، ص 133.
(13) شون نايلور، التاريخ السري للعمليات الأمريكية الخاصة في العراق، ترجمة عمار كاظم حميد ، ط 1 (بغداد ، دار سطور للنشر والتوزيع، 2017)، ص 35.
(14) للمزيد انظر، صحيفة المدى، الجيش يحقق فـي تسجيل لقائد عمليات الأنبار سربه فصيل مسلح، العدد 4464، 2019/07/06 08:41:00 م.
1360 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع