أيام زمان الجزء- ٣٥ - أحذية باتا

                  

                  أيام زمان الجزء -٣٥-أحذية باتا

      

     

شركة أحذية باتا تاريخ حافل في العالم من شرقه إلى غربه، حيث اقترن اسمها بالحذاء الراقي والمتين الذي يلبسه المتميزون، افتتحت شركة باتا محلاتها في العراق عام 1932، وتميزت بواجهاتها الزجاجية الفخمة وبأسلوب استقبالها الراقي، وقد كانت شركة الأحذية الوحيدة التي لا تعمل تنزيلات على أسعار أحذيتها، لأنها متأكدة من جودة بضاعتها التي تعمِّر سنوات طويلة، كما أنشأت شركة باتا مصنعًا للأحذية في بغداد في تلك الفترة بهدف دعم منتجاتها بالإنتاج المحلي أيضًا، وقد تأمم هذا المصنع في عام 1964، وفي مدينة السماوة ما يزال شارع باتا هو أرقى الشوارع التجارية فيها، وقد كان فيه مخزن أحذية باتا.

أحذية باتا هي شركة عالمية، ذات أصل تشيكي، تصنع وتوزع جميع أنواع الأحذية ولوازمها عبر العالم، يوجد مقرها الأساسي في مدينة لوزان (سويسرا)، ويتألف هيكل الشركة من ثلاثة أقسام رئيسة، هي باتا أوروبا ومقرها في إيطاليا، باتا الأسواق الناشئة (آسيا ودول المحيط الهادئ ودول أمريكا اللاتينية) ومقرها في سنغافورة، باتا للأحذية المهنية والصناعية ومقرها في هولندا.
تبيع الشركة منتجاتها فيما يربو عن 70 بلدا، وتتوزع مصانعها على 26 بلدا، وقد دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية عندما باعت 14 بليون حذاء بوصفها "أكبر شركة لبيع الأحذية وتصنيعها".
منذ نشأتها اعتمدت الشركة على الحداثة التقنية، المستوحاة من تجربة شركات السيارات التي أنشأها هنري فورد، حيث أنشأت إلى جانب معاملها، مدنا لسكن العمال ومرافق حياتية واجتماعية وثقافية، للارتقاء بمستوى حياتهم، وقد أصبحت سريعًا إحدى أكبر الشركات العالمية المنتجة للأحذية.

                                       

نشأت شركة باتا عام 1894 في قرية زلين، الواقعة في جنوب جمهورية التشيك بوساطة توماش باتا مع أخيه أنطونين وأختهما أنَّا، وهم أبناء عائلة حذَّائين مارسوا المهنة ما يزيد عن ثلاثة قرون.
في عام 1895 عانى توماش باتا من مشكلات مالية وديون متراكمة، وللتغلب على هذه المشكلات المستفحلة قرر صناعة الأحذية من قماش الخيش بالإضافة للجلد، وانتشر هذا النمط من الأحذية بصورة واسعة، وساعد على نمو الشركة بحيث أصبحت تشغِّل 50 شخصًا، بعد أربع سنوات من ذلك ركَّبت الشركة أولى الآلات البخارية بادئة عهدًا من التطوير التقني السريع، في عام 1904 أدخل توماش باتا مكننة الإنتاج التي سمحت لشركة باتا للأحذية بأن تصبح أحد أوائل منتجي الأحذية بالجملة في أوروبا، كان أول منتجاتها الرائجة على نطاق واسع هو "باتوفكي" المصنوع من الجلد والقماش والموجه للعمال، وقد تميز ببساطته وتصميمه الجميل بالإضافة لوزنه الخفيف وسعره المناسب، ساعد نجاح هذا الحذاء على نمو الشركة فأصبح عدد العاملين فيها بحلول عام 1912 نحو 600 شخصًا، بالإضافة إلى عدة مئات من العمال الخارجيين الذين يعملون ضمن بيوتهم في جوار قرية زلين.
مع بدء الحرب العالمية الأولى في عام 1914، حققت الشركة تطورًا ملحوظًا مع زيادة الطلب على الأحذية العسكرية، مما نتج عنه زيادة في عدد عمال شركة باتا، وفتحت الشركة مخازن لها في زلين وبراغ وفيينا وغيرها من المدن.
أثناء الكساد العالمي الذي تلى الحرب العالمية الأولى، عانت تشيكوسلوفاكيا (وهي بلد أنشئ بعد هذه الحرب) هبوط قيمة العملة قلَّ الطلب على البضائع، بقدر كبير وهبط مستوى الإنتاج كثيرا، وبلغت البطالة أعلى مستوياتها، وقد ردَّ توماش باتا على الأزمة بتخفيض أسعار أحذيته إلى النصف، كما وافق عمال الشركة حينها على تخفيض رواتبهم مؤقتًا، بالمقابل قدَّمت الشركة المواد الغذائية والألبسة والأشياء الضرورية لهم، بسعر أقل، وأدخل توماش باتا إحدى أوائل مبادرات مشاركة الربح التي تحول جميع العاملين إلى شركاء يساهمون في نجاح الشركة، وهكذا توفرت لدى العمال "رجال باتا" وعائلاتهم جميع الخدمات الضرورية للحياة اليومية: السكن، المخازن، المدارس، المشفى، إلخ...

            

تعاظم إنتاج باتا مع تنامي الطلب على الأحذية الرخيصة، وهكذا زادت شركة أحذية باتا من إنتاجها ووظفت المزيد من العمال، وأصبحت زلين مدينة مصنع بحق، أي مدينة لمعامل باتا التي شغلت مساحة عدة هكتارات فيها، حيث تجمعت في الموقع معامل الدباغة مع مصنع للمواد الكيميائية وورش لإنتاج المطاط ومصنع للورق وآخر لورق التغليف المقوَّى (لصنع علب الأحذية) ومصنع للنسيج (لصنع بطانة الأحذية وصنع الجوارب)، ومصنع لمواد تلميع الأحذية ومحطة لإنتاج الطاقة.

                 

بدأت شركة باتا ببناء المدن والمصانع خارج تشيكوسلوفاكيا (بولونيا، لاتفيا، رومانيا، سويسرا، فرنسا، وكان لدى الشركة 112 فرعًا عبر العالم، في عام 1924 أظهر توماش باتا مدى فطنته في التجارة، من خلال معرفة حجم المبيعات التي احتاجها، لتحقيق خططه السنوية والشهرية والأسبوعية واليومية، استخدم باتا أربعة أنماط من الرواتب، راتب مقطوع، راتب يعتمد على الإنتاج الشخصي، راتب الإنتاج الجماعي، راتب مع نسبة من عائد الشركة.
وضع توماش باتا أيضًا ما أصبح يُعرف عالميًّا "سعر باتا"، وهو سعر السلعة منتهيًا بالرقم 9، بدلا من سعر منته بالعشرات، وهذا ما زاد من حجم أعمال الشركة بقدر كبير، وسرعان ما وجد باتا نفسه على رأس رابع ثروة في تشيكوسلوفاكيا، أصبح للشركة مشفاها الخاص بها، وكان المصنع الرئيس للشركة يتألف من 30 مبنى، وقد أنشأ رجل الأعمال مؤسسات تعليمية مثل مدرسة باتا للعمال، وأدخل نظام العمل في خمسة أيام، ثم أنشأ متحفًا مدهشًا للأحذية يروي إنتاج الأحذية عبر العالم من غابر العصور حتى العصر الراهن، بحلول عام
1931 كان لباتا مصانع في ألمانيا وإنكلترا وهولندا وبولونيا.
توفي توماش باتا وعمره 56 سنة، في حادث أثناء إقلاع طائرته في طقس سيء من مطار زلين، وبوفاته انتقلت إدارة الشركة إلى أخيه جان وابنه توماس جون باتا، الذي قاد الشركة خلال معظم القرن العشرين مسترشدًا بكلمات والده: "لا يجب اعتبار شركة باتا للأحذية كمصدر للثراء الشخصي، وإنما كمؤسسة عامة أو كوسيلة لتحسين معايير الحياة ضمن المجتمع، ولتوفير سلعة جيدة للمستهلكين مقابل ما يدفعونه". وهو وعد قطعه الأبناء على أنفسهم في الاستمرار ضمن المبادئ العملية والاجتماعية والإنسانية لوالدهم، وعند وفاته كانت شركة باتا تستخدم 16560 شخصًا، وتدير 1645 مخزنًا و25 شركة. وأُنشأت مصانع في ويوغوسلافيا والبرازيل وكينيا وكندا والولايات المتحدة خلال العقد التالي لوفاة توماش باتا، كما أنشئ مصنع في الهند في مدينة باتانجار قرب كلكتا وبلغ عدد عماله زهاء 7500 شخصًا في نهاية الثلاثينيات.
قبيل الاحتلال الألماني لتشيكوسلوفاكيا، ساعدت الشركة في نقل عمالها اليهود إلى فروعها عبر العالم، وقد احتلت ألمانيا القسم الباقي من تشيكوسلوفاكيا، ما قبل الحرب في آذار 1939، ودخل جان أنطونين إلى السجن لفترة قصيرة ثم غادر البلد مع عائلته، بقي جان أنطونين في الولايات المتحدة عامي عامين، ولكن عندما دخلت الولايات المتحدة في الحرب، شعر أنه سيكون من الأسلم لعماله ولعائلاتهم أن يعود إلى تشيكوسلوفاكيا المحتلة، من أن يبقى في الولايات المتحدة، وهكذا حاول أن ينقذ ما أمكنه من أعماله بخضوعه لمخططات الألمان، وبالوقت نفسه بدعم الحكومة التشيكوسلوفاكية في المنفى التي قادها إدوارد بينش، وأثناء احتلال أوروبا ارتبط أحد مصانع باتا للأحذية بمعسكر الاعتقال، وقد كان أحد أوائل أعمال السخرة فيه، هو العمل لصالح مصنع باتا للأحذية، في عام 1942 أنشئ معسكر اعتقال صغير لرفد العمل في مصنع باتا للأحذية بعمال السخرة اليهود.
لم يتمكن توماس (ابن توماش) الذي كان يعمل مدير قسم المشتريات في شركة باتا البريطانية من الرجوع إلى بلده إلا بعد الحرب، وقد أرسله عمه جان إلى كندا لكي يصبح نائب رئيس شركة باتا للاستيراد والتصدير المنشأة عام 1939 في مدينة الشركة اتاوا، وقد فصلت فروع الشركة عن الشركة الأم ونُقلت ملكية المصانع في بوهيميا ومورافيا إلى أحد أبناء العائلة، بعد الحرب العالمية الثانية صادرت حكومات تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية وبولونيا ويوغوسلافيا مصانع باتا وأممتها، قاطعة باتا عن ممتلكاتها في أوروبا الشرقية، ومن خلال مقرها الجديد في كندا بدأت الشركة في إعادة بناء نفسها رويدا رويدا، بحيث امتدت إلى أسواق جديدة في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبدلا من تنظيم أعمالها في هيكلية مركزية وضعت باتا أساس كنفدرالية من الشركات المستقلة التي يمكنها أن تتجاوب مع أسواق دول العالم النامي بقدر أفضل.
في عام 1964 نقلت شركة أحذية باتا مقرها الأساسي إلى مدينة تورنتو في كندا، ثم انتقلت في عام 1965 إلى مبنى حديث، المركز العالمي لشركة أحذية باتا الذي صممه المعمار الكندي جون بي. باركين، يقع في ضاحية مدينة نورث يورك، بعد التغيرات الاقتصادية العالمية التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي، أغلقت الشركة عدد من مصانعها في الدول الصناعية، وركزت أعمالها على التوسع في فتح مخازن البيع، تركت باتا كندا في عدة مراحل، وأغلقت مصنعها ومخازنها مبقية على مجموعة مخازن، ثم انتقلت إدارة الشركة إلى مدينة لوزان السويسرية، وانتقلت إدارتها إلى توماس جي. باتا. حفيد توماش باتا.
في عام 2007 باعت باتا مجموعة المخازن منهية بذلك أعمال مخازنها في كندا، مع إبقاء إدارة العلامة التجارية لأحذية "Power" في تورنتو، كما أن متحف باتا للأحذية الذي أسسته سونيا باتا وتديره مؤسسة خيرية، موجود أيضًا في تورنتو، حيث بقي توماس باتا نشطًا في عمل الشركة، وكانت بطاقته المهنية تحمل وظيفة "المدير العام للمبيعات"، توفي توماس باتا عام 2008 في تورنتو عن عمر يناهز 93 سنة، وتقدر شركة باتا للأحذية عدد زبائنها بنحو مليون شخصًا في اليوم، ويبلغ عدد العاملين فيها عبر العالم زهاء 30000 شخصًا، ويبلغ عدد مخازنها أكثر من 5000 مخزنا، وتدير 27 مصنعًا، وهي تنشط في المبيعات ضمن ما يزيد عن 90 بلدًا عبر العالم.
دخلت أحذية باتا في مصر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وبنت فيها مصنعًا للأحذية أيضًا، ولكنَّ التأميم الذي عمله الرئيس جمال عبد الناصر عام 1961، فصل شركة باتا في مصر عن الشركة الأم، ولم تعد هناك أي علاقة بينهما منذ ذلك الوقت، وماتزال شركة باتا للأحذية في مصر تحتفظ بالاسم التجاري "باتا" رغم عدم أحقيتها في ذلك.
وفي السودان، فتحت باتا مصنعها الكبير في الخرطوم، في بداية الستينيات من القرن الماضي، وكان نموذجًا في إفريقيا والشرق الأوسط وكان مخزنها في الخرطوم، موجودًا في منطقة تُعرف اليوم بمحطة المؤسسة، وقد أُمِّمت الشركة في عام 1971، أما في موريتانيا كانت أحذية باتا أيضًا هي الماركة الأشهر للأحذية، في السبعينيات من القرن الماضي وكان شعارها الترويجي هو: "باتا... لا خطوة بدون باتا...".

             

أحذية باتا موجودة اليوم من خلال وكلاء توزيع محليين، في لبنان والأردن والإمارات العربية المتحدة والسعودية والعراق والمغرب، وإذا كان مستوى أحذية باتا يتفاوت بين دولة عربية وأخرى، فيعود سبب ذلك إلى اختيارات الوكيل المحلي لمستوى الأحذية، الذي يريده لسوقه وليس لخيارات شركة أحذية باتا نفسها.
مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://www.algardenia.com/mochtaratt/56565-2022-11-30-12-40-28.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

624 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع