أيام زمان - الجزء ٤٤ - كبك وأزرار
قبل أن تستخدم الأزراراستخدامها الحالي، وحين كانت مجرد زينة، كانت تميز ثياب الأثرياء، وكبار القوم، ولم يعرفها العامة، وحين صارت تستخدم لتثبيت الملابس، وأصبحت متاحة للجميع، كانت الأزرار المصنوعة من الجواهر النفيسة، مثل الذهب، والفضة، واللؤلؤ، والألماس، والكريستال، للأثرياء والنبلاء فقط، وكانت توضع في أماكن مختلفة، مثل ياقات القمصان والأكمام وعلى القبعات. بينما ارتدى العامة أزراراً من العظام، والخشب، والنحاس، والقصدير، والبرونز. وذهب الأمر لأبعد من ذلك، فوضع الأزرار النسائية حتى يومنا هذا، هو نتاج لهذه الطبقية، وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان الاتجاه السائد قد أصبح رافضاً لاستخدام الأزرار النفيسة، المبالغ في مظهرها وتكلفتها، وطُورت أزرار أكثر عملية وأكثر تواضعاً، لكنها على الجانب الآخر كانت أكثر حرفية، وأعلى جودة فيما يخص وظيفتها الأساسية.
حيث يعتبر الكبك من الإكسسوارات، وهو وِثاق الكُفّة أو زر معدني، يستخدمه الرجال والنساء على حد سواء، من أجل إغلاق طرفي الكم للقميص الرسمي، وللنساء يضعنهن في ثيابهن وقمصانهن النسائية، التي عادةً ما تنحصر في الأزياء الرسمية وشبه الرسمية وحفلات الزفاف، حيث يوجد تصاميم مختلفة للكبك، وتتنوع بين الأكثر مرحاً وخفة، غير أنها لا يمكن اعتمادها مع الملابس الرجالية الأنيقة من دون سترة.
فقد كانت الملابس في العصور القديمة لها غاية واحدة، وهي أن تكون عملية وترتبط بنمط الحياة والتي كانت حياة الصيد، لاحقاً تطورت الملابس لتتناسب مع نمط الحياة القائم على الزراعة، ومع تطور المجتمعات بدأت الطبقات المختلفة في المجتمع تظهر وأصبحت الملابس وتفاصيلها ترتبط بالمكانة والمال والنفوذ.
على الرغم من ظهور أزرار الكم الأولى في القرن السابع عشر، إلا أنها لم تصبح شائعة حتى نهاية القرن الثامن عشر، يرتبط تطورهم ارتباطًا وثيقًا بتطور قميص الرجال، ويرتدي الرجال ملابس شبيهة بالقميص منذ اختراع القماش المنسوج 5000 عام قبل الميلاد، على الرغم من تغير أنماط وأساليب التصنيع، إلا أن الشكل الأساسي ظل كما هو، سترة مفتوحة من الأمام بأكمام وياقة، تم ارتداء القميص بجوار الجلد مباشرة، وكان قابل للغسل وبالتالي حماية الملابس الخارجية من ملامسة الجسم، على العكس من ذلك فهو يحمي الجلد أيضًا من الأقمشة الأكثر خشونة، والأثقل للسترات والمعاطف من خلال تغطية الرقبة والمعصمين.
بعد العصور الوسطى، أصبحت المناطق المرئية من القميص (العنق والصدر والمعصمين)، مواقع لعناصر زخرفية مثل الرتوش والكشكشة والتطريز، وكانت الأصفاد تُربط مع شرائط ذات أطواق، وهي مقدمة مبكرة لربطات العنق، ويتم ارتداء الرتوش المعلقة على المعصم في المحاكم وغيرها من الأماكن الرسمية حتى نهاية القرن الثامن عشر، في ذلك الوقت، تنتهي الأكمام بشريط بسيط أو تم تأمينها بزر أو زوج متصل أزرار في القمصان اليومية.
ومع تطور الملابس تراجعت شهرة أكمام الدانتيل، التي ظهرت في عصر النهضة، وبدأت تظهر أنماط جديدة عملية، في البداية استخدم النبلاء الشرائط لربط الكمين، وأناقة هذه الشرائط كانت ترتبط مباشرة بالمكانة الاجتماعية، ولكن مع نهاية القرن السابع عشر، تم استبدال الشرائط بازار مصنوعة من المجوهرات، وذلك لعدة أسباب إذ أنها كانت عملية أكثر من شرائط الدانتيل، كما أنها كانت تظهر وتبرز وبالتالي توفر فرصة للاستعراض، وكانت الأزرار خلال تلك الفترة عبارة عن زرين من الذهب أو الفضة، يتصلان ببعضهما البعض بسلسلة، وهذا التصميم هو بداية الكبك.
الكبك بشكله الأولي بات رمزاً أرستقراطيا، مع قيام الملك تشارلز الثاني باعتماده، وكان الملك وفي كل المناسبات الرسمية يحرص على ارتداء الكبك، وبحلول القرن الثامن عشر بات الكبك جزءاً أساسياً من إكسسوارات العائلة الملكية، والطبقات الأرستقراطية، وفي الواقع الكبك هو أول هدية تذكارية تصنع بمناسبة زواج أحد أفراد العائلة الملكية، فحين تزوج الملك تشارلز من كاثرين براغانزا تم صنع كبك من الفضة، ورسم عليه صورة الملك وزوجته كهدية تذكارية تخلد هذا الزواج.
بحلول فترة حكم الملك جورج الثالث، أصبحت هذه الأزرار أكثر زخرفة، وكان النمط المعتمد هو رسم لوحات مصغرة على الجانب السفلي لقطعة من الزجاج أو الكوارتز، ولكن حتى مع الابتعاد عن الذهب والفضة إلا أن الكبك استمر ليكون من إكسسوارات النخبة وذلك لأن تصنيعه كان مكلفاً جداً.
في عام 1840 بدأت الأكمام الفرنسية أو الكم المزدوج، تشتهر وتعتمد على نطاق واسع، ويمكن القول بأن رواية ألكسندر دوما «الفرسان الثلاثة» التي نشرت في تلك الفترة تعتبر من المحفزات للأناقة ولشهرة الكبك خلال الفترات اللاحقة، في روايته وصف دوما وبشكل دقيق الأكمام، التي تم ثنيها الى الخلف للرجال الذين كانوا يحرسون الملك لويس الثالث عشر، وهذا الوصف ألهم المصممين الأوروبيين لتعديل القميص ليصبح بكمين بفتحة واحدة.
في القرن التاسع عشر، حلت الكفاءة البرجوازية للطبقات الجديدة محل الثورة السابقة للأرستقراطية، منذ ذلك الحين فصاعدًا، كان الرجال يرتدون ملابس تقليدية للغاية، بدلة داكنة في النهار، وسترة عشاء، أو معطف خلفي في المساء، بحلول منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت أزرار الكم الحديثة شائعة، وتم جعل الجزء الأمامي من القميص والياقة والأصفاد التي تغطي المناطق الأكثر تآكلًا أكثر ثباتًا، كان هذا عمليًا عندما كانت الياقات والأصفاد نظيفة، وأكدت على الطابع الرسمي للملابس، ومع ذلك يمكن أن تكون شديدة الصلابة، بحيث لا يمكن تأمين الأصفاد بزر بسيط.
منذ منتصف القرن التاسع عشر فصاعدًا، كان الرجال من الطبقات المتوسطة والعليا يرتدون أزرار الأكمام. تعني الثورة الصناعية أنه يمكن إنتاجها بكميات كبيرة، مما يجعلها متاحة في كل فئة عمرية، وكان يرتدي الأزرار الملونة المصنوعة من الأحجار الكريمة في البداية فقط الرجال، الذين يتمتعون بقدر كبير من الثقة بالنفس، وتغير هذا الوضع عندما قام أمير ويلز يلحق إدوارد السابع، بنشر أزرار أكمام ملونة في القرن التاسع عشر، خلال هذا الفترة أصبحت أزرار الكم إكسسوارات أزياء وواحدة من العناصر القليلة المقبولة من المجوهرات للرجال في بريطانيا والولايات المتحدة.
وكانت أزرار الكم غالباً تصمم مع أزرار مطابقة من الناحية الأمامية للقمصان، خصوصاً للملابس الرسمية التي كانت تعتمد في القرنين التاسع عشر والعشرين، مع بداية العصر الفيكتوري وحتى نهاية الثورة الصناعية بدأت الطبقات الوسطى في بريطانيا تعتمد الكبك، ما أدخل عليه تعديلات عديدة، والطبقة الوسطى استبدلت المجوهرات بمجوهرات مزيفة وتم استبدال الذهب بالنحاس والفولاذ بالفضة.
على الرغم من أن الطبقة الوسطى المتنامية، كانت تعشق أزرار الأكمام المزينة والمزخرفة خلال العصر الفيكتوري، ولكن الزخرفة فقدت شعبيتها خلال فترة انتشار الفن الزخرفي، وهو موجة تصميم شعبية بزغت في فرنسا على أعتاب الحرب العالمية الأولى، عندما أدرك العديد من الفنانين والمصممين البارزين، الذين لعبوا دوراً بارزاً في تطوير أسلوب الفن الزخرفي، واعتماد الطرق التقليدية في الإنتاج أصبح غير مناسب لعالم عصري يتسم بالتحدي والميل للمكننة، وأنه قد حان الوقت للانتقال إلى نمط جديد على عتبة القرن الجديد. نشط الحرفيون الماهرون مثل بيتر كارل، وصلوا الى مراحل متقدمة من احتراف الزخرفة بنهاية القرن التاسع عشر، وهذا ما مهد الطريق لإنتاج الكبك بكميات كبيرة في القرن العشرين.
كذلك برز رياديون آخرون ومصممون مثل كارتييه وتيفاني، وبدأوا أيضاً بصناعة الكبك في القرن العشرين وكانوا متأثرين وبشدة في تصاميم الفن الزخرفي والتكعيبي، وكذلك الآرت نوفو هو منهج تحديث التصميم للهروب من انتقاء الأنماط التاريخية والتي سبق وأن اشتهرت، وكان الذين يعتمدون المنهج هذا يجدون الإلهام من الأشكال العضوية والهندسية، مستنبطين التصميمات المنمقة من نتيجة اتحاد الأشكال الطبيعية، أما المدرسة التكعيبية فتتخذ من الأشكال الهندسية أساساً لبناء العمل الفني، إذا قامت هذه المدرسة على الاعتقاد بنظرية التبلور التعدينية التي تعدّ الهندسة أصولا للأجسام، ومع التأثر بالمدارس الثلاث هذه دخل الكبك مرحلة من الإبداع في التصاميم المتنوعة والمختلفة، وكان القرن العشرين هو الذروة في رحلة الكبك، ففي هذه الفترة قدمت مجموعة من المصنعين والمصممين مقاربات وطرق مختلفة من أجل تصميم إكسسوار بسيط يسهل وضعه وخلعه.
في العام 1882 قام جورج كريمنتز المهاجر الألماني بابتكار الكبك كما نعرفه اليوم، وابتكر آلة مكنته من صنع أزرار من قطعة واحدة بتكلفة منخفضة، ومع وضع التوجه الجديد لكل ما هو عملي بالحسبان، تم تصنيع الكبك بكميات كبيرة، ما أخرجه من صفته الحصرية للطبقة الأرستقراطية، ليكون متوفراً للجميع، استمر هذا التطور حتى أوائل القرن العشرين، مع ارتداء المزيد من أزرار الأكمام أكثر من أي وقت مضى، وكانت متوفرة في كل نوع من الأشكال والألوان والمواد، بما في ذلك الأحجار الكريمة والأحجار، الأقل قيمة والزجاج بنسخ أرخص، وكانت أزرار الأكمام المطلية بالمينا الملونة المعقدة شائعة بشكل خاص في كل نمط هندسي يمكن تصوره. كانت كل هذه الأشياء متساوية القيمة، حيث جعلت Coco Chanel مجوهرات الأزياء مقبولة للارتداء. ولكن في تطور موازي، ظهر نمط رياضي للقميص بأصفاد غير مرتبة يمكن تأمينها بأزرار بسيطة.
في العام 1924 قامت شركة بوير بابتكار نظام تثبيت، مكون من عصا مائلة بين ساق مزدوج مثبت في القاعدة، وما زال نظام التثبيت هذا هو الأكثر استخداما حتى في يومنا هذا، النمط هذا استمر حتى الخمسينيات حيث ظهرت أنماط جديدة من الكبك والتي هي عبارة عن شريط منحني متصل بالكبك من جانب الى آخر، بحلول السبعينيات بدأت القمصان بازار عند الكمين تنتشر على نطاق واسع، وبالتالي لم يعد هناك حاجة للكبك. ولكن في المقابل استمر الكبك ليكون جزءاً من التصاميم، وعدد كبير من الأشخاص استمروا باعتماده، وساهموا بإبقائه حياً ونقله للأجيال القادمة. وقد شهد الكبك على عودة دراماتيكية، وبات موضة لكل من ينشد الأناقة، ولم يعد حكراً على الفئات الأكبر سناً، بل شهد على إعادة اكتشاف الفئات الشابة لهذا الإكسسوار، وعلى تنوع في التصاميم والمواد المستخدمة في الكبك، يختلف الإقبال على الكبك باختلاف المجتمعات، ففي وقتنا الحالي الكبك محصور بالمناسبات الرسمية، وللساعين خلف الأناقة الباهظة الثمن في بعض المجتمعات، بينما نجده قطعة من الإكسسوارات المعتمدة على نطاق واسع جداً في مجتمعات أخرى، ومن قبل جميع الفئات العمرية وفي غالبية المناسبات وليس فقط حكراً على المناسبات الرسمية.
يقال بأن الرجل عليه ألا يشتري الكبك لنفسه، بل عليه أن يتلقاه كهدية تحتفل بمناسبة خاصة وهامة، القول هذا يرتبط بعادة كانت معتمدة على نطاق واسع، حين كان الكبك محصوراً بالطبقة الأرستقراطية وكان يصنع من المجوهرات، حالياً الكبك يأتي بمختلف الأشكال والألوان والمواد، من الكلاسيكية الى المعاصر، ومع ذلك ورغم التنوع الإكسسوار هذا ما زال الكبك اللمسة الأخيرة المثالية لأي طلة كانت.
المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي، محرري المواقع.
3264 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع