أيام زمان - الجزء ٤٨ ربطة العنق
تقول الأساطير التاريخية إن الإنسان لبس ربطة العنق منذ أمد بعيد، وكان يرتدي ربطة عنق بطريقة مختلفة، لم يكن ينوي من ورائها الزينة والأبهة، بل كانت ضرورية لحياته، فقد كان يضع حول عنقه أدوات الصيد، بما فيها أدوات الرمي والسهام، في كل مرة يصادف فيها طريدة في الغابة يجد كل شيء حول عنقه، فلا يتأخر كثيرا في رمي الوحش، لأنه إن حدث أي تأخر فإن الوحش لن يتأخر في تمزيقه بأسنانه، هذا دليل على أن ربطة العنق كانت ولا زالت مرتبطة بالقوت اليومي للناس، ولهذا السبب يذهب الناس حاليا إلى مكاتبهم بربطات العنق، كما أن الكثيرين من الذين يتقدمون لطلب عمل لا يستغنون عن ربطة العنق.
ربطة العنق تاريخ ممزوج بالحب والدم، من المفاجئ أن ربطة العنق لها خلفية عسكرية ، حيث يرجع أول دليل على وجود أشخاص يرتدون أربطة العنق إلى الصين القديمة حوالي 200 قبل الميلاد ، كان الإمبراطور تشين شي هوانج يخاف من الموت لدرجة أنه أمر بدفن جميع حراسه معه حتى يتمكنوا من حمايته في الآخرة ، ولكن نصحه مستشاروه بأنه بدلاً من قتلهم ، فإن من الحكمة صناعة نسخًا مماثلة للحراس بالحجم الحقيقي حتى يتمكنوا من حمايته إلى الأبد ، وهكذا فعلوا ، وعندما تم اكتشاف هذه التماثيل “الجيش الطيني” في عام 1974 ، لاحظ علماء الآثار ارتدائهم جميعا قطعة من القماش حول العنق تشبه أربطة العنق ، وكانت رمز لشجاعة الحراس منحت لهم كهدية من قبل زعيمهم .
في عام 113 م، ظهر دليل أخر على وجود أربطة العنق في العصر الروماني أيضًا، فعندما هزم الإمبراطور الروماني تراجان الداسكيين واحتفل بفوزه، قام ببناء عمود رخامي، وصور هذا العمود آلاف الجنود الذين كان العديد منهم يرتدون أربطة عنق، وكانت أيضا رمزًا لشخصية المحارب الشجاعة.
رَبْطَة العُنُق أو الكرفتة أو معنقة، هي قطعة طويلة من القماش، تلبس لأغراض الزينة وتكون حول الرقبة، وتستقر تحت ياقة القميص وتعقد عند الحلق، غالباً ما يرتدي الرجال والفتيان في العالم ربطات العنق كجزء من الزي العملي العادي أو الملابس الرسمية كما أحياناً ترتديها النساء والفتيات.
ترجع أصول الكلمة الفرنسية لربطة عنق(كرافات) إلى كلمة كروات، ويعود تاريخها إلى بدايات القرن 16 وبالتحديد في الفترة بين (1618-1648)، وهي فترة حرب الثلاثين عاما التي وقعت بين دول شمال ووسط أوروبا، استخدم الجنود الكرواتيون بالتحديد هذه الربطة وكانت عبارة عن (شال)، ملفوف حول العنق وبنفس الطريقة التي يلف بها ربطة العنق اليوم، حيث كانت تعلقها النساء في أعناق أزواجهن وأحبائهن أثناء سوقهم لجبهات القتال، كعلامة على الحب والوفاء، أثاروا المرتزقة الكرواتيون اهتمام الباريسيين بهذا الربطة، وقد كانت الحرب شديدة وعنيفة لدرجة أن طريقة إعدام الكرواتيين كانت بتعليقهم بربطات العنق التي يرتدونها.
وبدأ الملك لويس الرابع عشر بارتداء ربطة العنق في عام 1646، وبدأت هذه المادة الجديدة من الملابس إثارة الاهتمام في فرنسا، وارتدى الكثير من الرجال والنساء قطعة من القماش حول أعناقهم، التي تأخذ كمية كبيرة من الوقت والجهد للترتيب، وتم إدراجها من ضمن الزي الرسمي للساسة والقادة الكبار، في زمن لويس السادس عشر، وامتد استخدام ربطة العنق ليشمل عامة الشعب وأطلق عليها الفرنسيون اسم (كرافات).
وفي نحو عام 1870م أصبحت ربطة العنق الطويلة، التي تُعقد عقدة منزلقة هي الأكثر شعبية في الاستخدام العام، وربطة العنق على شكل الفراشة لثياب المساء، وربطة العنق السوداء على شكل الفراشة للزي الرسميّ، وربطة وندسور المرن للزي الرياضيّ.
وكانت ربطات العنق في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، في الغالب ذات أهداب وتُزَيّن برباط، وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حلت ربطات العنق ذات الخيوط الرفيعة، وأربطة العنق التي على شكل فراشة والمشغولة بالإبرة، (ربطات عنق عريضة الطرفين) محل ربطة العنق الأكثر إحكامًا.
ارتدى الناس في السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، نوعين من ربطات العنق، أُطلق عليهما العقد المنزلق (رباط رقبة طويل يعقد عقدة منزلقة)، وعقدة الفراشة وما زال الناس إلى اليوم يرتدون هذين الطرازين. وفي العقد الأول من القرن العشرين ظهرت ربطات العنق السوداء على شكل فراشة، كما أصبحت ربطات العنق الطويلة، بعقدة منزلقة شائعة الاستخدام.
ربطة العنق جزء من أناقة الرجل، فإن طريقة لفّها جزء من ثقافته، بما أن ربطة العنق هي ثاني أمر يلفت النظر نحو الرجل بعد وجهه، لذلك يجب أن يولي الكثير من العناية لطريقة اختيارها، بشكل يتناسب مع أسلوبه وشخصيته ويحقق أهدافه، وغدت ربطة العنق في الآونة الأخيرة واحدة من أهم إكسسوارات الموضة الرجالية، التي يحرص الرجل العصري على ارتدائها لتكتمل بها أناقته، ولكي تضفي ربطة العنق لمسة جمال وأناقة على مظهر الرجل ينبغي دائماً ربطها بشكل صحيح، وللاستفادة من ربطة العنق أطول فترة ممكنة ينبغي الاعتناء بها جيداً والاحتفاظ بها في مكان مناسب .
عرض ربطة العنق تكون بحدود 9.5 سم من أعرض مكان، يمكن أن تزيد أو تنقص والان أصبح هناك ربطة عنق رفيعة، وتتراوح الأطوال الدارجة ما بين 130 – 150 سم، فيجب أن تضع في الحسبان طول القامة وعرض الكتف، وكذلك عرض ياقة الجاكيت، فكلما كانت الكتفين عريضتين أو الياقة عريضة، وجب أن تكون ربطة العنق عريضة والعكس صحيح، وتجنب ارتداء ربطة عنق رفيعة أو مصنوعة من حبال جلدية، ويفضل اختيار الطول القياسي. المهم في النهاية عند ارتداء للربطة لا يجب أن تكون قصيرة، فتقف نهايتها فوق منتصف البطن، ولا أن تكون طويلة لتتجاوز الحزام، وعند ربطها التأكد من أن الجزء الرفيع الخلفي لا يتدلى ويظهر أمام الربطة. وربطة العنق أو الكرافات ليست فقط جزءا من أناقة الرجل، وإنما تعبّر عن شخصيته، وقد تكون لها القدرة على كشف مزاجه وطباعه وثقافته ونظرته للحياة، خصوصا في عيون النساء اللواتي يبدو أنهن يعرفن حقيقة الرجل من ربطة العنق والحذاء، غير أن بعض الرجال يرفضون اعتماد ربطة العنق، وخاصة الإيرانيون يرفضون ارتداء رابطة العنق التقليدية المكملة للزي الرسمي للرجال في مختلف أنحاء العالم، وذلك لاعتبارها أحد العلامات المميزة لاتباع الثقافة الغربية التي يناصبوها العداء، والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي هو الآخر كان يرفض ربطة العنق، التي يطلق عليها الليبيون اسم القرواطة، وكان له خطاب شهير في عقد الثمانينات من القرن الماضي ينتقد فيه من يخنقون أنفسهم بالقراويط، في حين كانت الجماهير الشعبية تهتف بحماسة زائدة (خانق روحه بالقرواطه.. وناسي مصدرها بعباطه)، بمعني أن هناك من يخنق نفسه بربطة العنق ولكن من عبطه ينسى مصدرها الغربي.
أما لون ربطة العنق من العوامل المهمة جداً عند الاختيار، فالألوان الداكنة والهادئة ملائمة للعمل المكتبي في مجالات متعددة، (كالمحاماة والمالية والاستشارات)، والألوان البراقة والفاتحة تلائم بشكل أكبر العاملين في مجالات الترفيه والموضة وأحياناً المبيعات، الربطات ذات اللون الواحد يجب اختيارها بعناية وحرص، بحيث تكون مصنعة من خامات جيدة، وبالرغم من انتشارها وأغلب الرجال يفضلونها، فهي قد تكون مملة بعض الشيء، ولكنها في الغالب مريحة للنظر، وهي مفضلة لملاءمتها لكثير من القمصان والبدلات، هناك معيار آخر لاختيار لون ربطة العنق، وهو مراعاته للون القميص، فإذا كانت الربطة مليئة بالألوان والزخارف يفضل أن يكون القميص سادة، والعكس صحيح. وعند اختيار ربطة ذات لون داكن يجب أن يكون القميص لونه فاتح، والعكس صحيح، واختيار لون ربطة العنق الملائم فهناك فلسفة تربط بين لون ربطة العنق وشخصية الرجل، لذلك يجب أن الحرص على اختيار اللون المناسب:
– الأحمر: هو من أكثر الألوان انتشاراً في عالم ربطات العنق، لاسيّما أنه يرمز إلى القوة والمكانة الرفيعة، وهو يزيد من جاذبية الإطلالة، مهما كان لون البدلة، لكن جمال هذا اللون يبرز مع البدلة الداكنة بألوان الكحلي والرمادي والرصاصي، والقمصان باللون الأبيض أو الأزرق أو الرمادي.
– الأزرق: لون منعش يناسب حفلات الاستقبال واجتماعات التعارف بين شركاء العمل، وهو لون مناسب للربيع والصيف، لأنه لون مرح وأنيق ويعكس في الوقت نفسه الشباب والحيوية، وتلائم ربطة عنق بهذا اللون مع بدلة رصاصية، لإطلالة أنيقة في أشهر الحر.
– الكحلي: لون كلاسيكي في عالم الأعمال والتجارة، يعكس الرقي وهدوء الشخصية والأناقة والنضج، وارتداء ربطة عنق كحلية مع بدلة داكنة اللون، يحصل على إطلالة توحي بأنه إنسان محافظ ويستحق الثقة.
– البرتقالي والزهري والليلكي: هذه الألوان المرحة تناسب الربيع والخريف، كما يمكن ارتداؤها في المناسبات المهمة، ويبرز جمالها مع القمصان البيضاء أو الزرقاء الفاتحة، أو غيرها من الألوان الفاتحة، وفي حال اختيارها بدرجات أغمق، فإنها تضفي صفة رسمية بالشكل الكافي.
– الأصفر والأخضر: هذان اللونان يناسبان الربيع والصيف، الأصفر هو لون مرح، لكنه لا يناسب عالم التجارة والأعمال، لأنه لون لعوب ولا يضفي النضج أو الثقة على الإطلالة. ويذكّر أن ربطة عنق صفراء مزينة بأنماط مختلفة تناسب القمصان الداكنة، بينما ربطة العنق الخضراء تناسب القمصان البيضاء.
– البنّي: هو لون غير رسمي، ما يعني أنه غير ملائم لمقابلات العمل أو لإنجاز صفقة مهمة. لذلك ارتداء هذه الربطة مقتصراً على التجمّعات غير الرسمية أو في عطلات نهاية الأسبوع.
– البنفسجي: هو لون ملكي يرتبط بالنبالة، ويمكن ارتداؤه في جميع الفصول، وفقاً لدرجته اللونية، فالبنفسجي الفاتح مثل اللافندر أو النرجس يناسب فصل الربيع، خاصة إذا تم ارتداؤه مع بدلة رمادية فاتحة أو بلون الجلد المدبوغ، أما البنفسجي الداكن كالخوخي أو الباذنجاني، فيناسب الخريف والشتاء.
– الأسود: هو لون راق يناسب السهرات، كما أنه يرتبط بالمآتم، لذلك لا يُنصح بارتداء ربطة عنق سوداء في أماكن العمل.
– الأبيض: ربطة عنق بيضاء هي خيار القضاة في المحاكم والمحامين والمتهمين، بهدف عكس البراءة وعدم صحة التهمة الموجهة إليهم، لذلك يجب تجنب اللون الأبيض بشكل كلي.
– الرمادي والفضي: الفضي يبرز جمال القمصان البيضاء التقليدية، وهو يناسب أعياد الميلاد وحفلات الكوكتيل، وغيرها من المناسبات الاحتفالية. أما اللون الرمادي فيمكن ارتداؤه للعمل بشرط أن يلائم البدلة.
– الألوان المتعددة: ربطة عنق بألوان متعددة، تناسب من يريد أن يتجرّأ ويبرز بين الآخرين، وخاصة الشباب المحترفين، لأنها تعزز فرادتهم. ولكن يجب الانتباه من الإكثار من الألوان الفاقعة كي لا تصبح مرتديها مهرج.
يتم الاحتفال بيوم ربطة العنق الدولي يوم 18 أكتوبر في كرواتيا وفي مدن مختلفة حول العالم.
المصدر: مواقع التواصل الاجتماعي. محرري المواقع
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/61610-2023-12-28-10-50-36.html
4755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع