أيام زمان الجزء ٥٤ الإبرة في الأمثال والسحر والشعوذة

 أيام زمان الجزء ٥٤ الإبرة في الأمثال والسحر والشعوذة

يقال: (السياسة وخز الإبر) ويعنون بذلك سياسة العداء في الخفاء تخز وخزا من غير أن تسيل دماء. اكتشاف الإبرة يفوق في أهميته الدولاب والنار، لقد بدل الدولاب من طريقة التنقل، وعدلت النار طريقة تناول الغذاء، أما الإبرة فقد غيرت جذريا أسلوب ارتداء الإنسان للملابس، وبعيدا عن استخدام الإبرة في فن الحياكة وخياطة الملابس، فقد شاع استخدام طقوس خاصة للإبرة في العادات والتقاليد والأمثال، فكل بلد له عادات وتقاليد وطقوس وأمثال خاصة، يتمسك بها وخاصة فيما يتعلق بالحسد والزواج والعين الشريرة، وإذا نظرنا إلى استخدام الإبرة في العادات والتقاليد الأوروبية، فسوف نجدها مختلفة تماما عما هو معهود بالنسبة للدول العربية، وهذه العادات والتقاليد أثرت بشكل كبير في حياة الناس، وقد تكون السبب في تدمير بعض الأسر ، فهناك بعض الأشخاص الذين يخافون من "عين فلان أي حسد"، ويبتعدون عنه، وآخرون يتجنبون هذا الشخص لأنه حقود، ويرجع بطبيعة الحال إلى اختلاف العادات والتقاليد من دولة إلى أخرى، بل من مكان إلى آخر داخل الدولة الواحدة.

إبرة الخياطة صغيرة ورقيقة، ويمكن أن تجلب الكثير من الشر، ولكن إذا كان مستخدمها يعرف كيف يستخدمها فستحوله إلى البطل. فالإبرة هي أداة مقدسة يمكن أن تحمي المنزل أو تفسد الحياة، والتنبؤ بالمستقبل أو حرمانه، ومعرفة كيفية استخدامها على العهود من الأجداد.

منذ العصور القديمة، حاول الناس التطلع إلى المستقبل، من أجل حماية أنفسهم من الخطر، أو الاستعداد لحدث، والاهتمام بالسحر لا يتلاشى، بل على العكس فهو يزداد بسرعة، كل هذا بسبب وجود كمية هائلة من المعلومات المتاحة اليوم، ويمكن لأي شخص يريد التعرف على السحر أن يبحث بسهولة على الإنترنت، ويقرأ تعويذاً ويقيم حفلًا مناسبًا للسحر، لكن ليس كل شيء بسيطاً كما يبدو، حيث الأشخاص الذين يمارسون هذه الطقوس من أجل المصلحة أو للسخرية، يمكن أن يؤذوا أنفسهم وأحبائهم بشكل خطير.
أما جذور الخرافات وطقوس الإبرة، ربما تعود إلى تلك الأيام، عندما لم تكن أدوات الخياطة الجيدة سهلة الحصول عليها وتكلفتها عالية، ومن أشهر هذه الطقوس” وخز العريس ” بإبرة بصورة خفيفة أثناء عرسه وانشغاله بالترحيب بضيوفه، أو التقاط الصور التذكارية، حيث يخفي أحد الأصدقاء إبرة صغيرة في جيبه، ويظل يطوف بها قريباً من العريس، ويتحين الفرصة حتى ينشغل جميع من هم حول العريس من أصدقائه وإخوانه، ويصبح بدون حماية حينها يخرج إبرته من مخبئها، ليخز بها العريس بصورة سريعة ومفاجئة، فإذا صرخ العريس أو صاح بأي كلمة، فإن ذلك يعد من السلبيات، وأنه ليس عريسا مكتملاً، حتى إن رجولته مشكوك فيها، فقد عبر عن خوفه في حين يفترض به الشجاعة، التي تمكنه من تحمل المفاجأة ووخزة الإبرة الصغيرة. وتعتبر الخياطة تقليديا كمهنة أنثوية، فغالبًا ما وَخَزْنَ الخياطات أصابعهن بإبرة، وهذا يعني بما يتماشى مع التقاليد الشعبية علامات تؤثر على مجال علاقات الحب: يقول الاعتقاد الأكثر شيوعًا أنه في اللحظة التي وخزت فيها الخياطة إصبعها بإبرة يفكر فيها شاب لطيف، ويضع خططًا لمستقبل مشترك. وإذا حدث الوخز في ليلة رأس السنة الجديدة، فقد يكون وخز الإبرة نذيرًا لحفل الزفاف الذي سيعقد في الأيام القادمة، حتى لو لم يكن هناك مرشح مناسب لدور العريس في الأفق، فحينئذٍ ستلتقي الفتاة برجل جدير بها قريبًا. وإذا وخزت فتاة إصبعها بإبرة عندما كانت تخيط شيئًا لنفسها، فهذا يعني أيضًا أنها ستحصل قريبًا على معجب مثير للاهتمام الذي طال انتظاره، ووخز الإصبع أثناء التطريز ينذر بنتيجة نهائية رائعة.
هناك عدد من العلامات الأخرى التي تنطبق على كلا الجنسين:وتعتقد بعض الجنسيات أن وخز الإصبع بإبرة خياطة، يعني أنه سيتم قريبًا الثناء على الشخص لسلوكه اللائق، أو عمله بشكل جيد، ولكن إذا كان مؤلمًا وخاصة الإبهام هذه ليست علامة جيدة للغاية، مما يشير إلى الاستعداد للمشاكل، سوف يتسبب حلها بعض الصعوبات، ويتطلب الكثير من الجهد والوقت، ويمكن أن يعني وخز الإصبع بإبرة في يوم الزفاف أن الحياة الأسرية ستكون على دبابيس وإبر، أي أنه سيتعين على الأزواج المرور بسلسلة من النزاعات والمشاكل.

ففي أوروبا هناك عادات وتقاليد حيث يشتد الإقبال على الإبر التي تحاك بها الأكفان، لإلقاء أذى السحر على الأخرين، فإذا كانوا يرغبوا في إصابة أحد الأشخاص بمرض على سبيل المثال، فيكفي أن توضع إبرة واحدة أسفل طبق الشخص المدعو إلى الطعام. أما بالنسبة للفتاة التي تتمنى الزواج فعليها أن تشعل شمعة جديدة، ثم تقوم بغرز 7 إبر فيها وتظل تدعو للسيدة العذراء، فإذا فعلت ذلك ولم تظفر بقلب الرجل الذي تتمنا، فهي على الأقل تجعله عاجزاً مع النساء الأخريات. وإذا أرادت الفتاة معرفة إمكانية زواجها خلال العام الراهن، تمسح إبرة بأصبعها ثم تمسكها بطرفيها وتلقيها بحوض مليء بالماء، فإذا عامت الإبرة لحظة فلن يتأخر أحد طالبي الزواج الجادين عن التقدم لخطبتها، أما إذا انعكس الأمر وغاصت الإبرة تواً لم يكن للفتاة إلا أن تتسلح بالصبر وتنتظر العام المقبل. وعندما يقدم الشخص إبرة كهدية لغيره عليه أن يخزها بها قبل أن يهديها له وإلا فسدت العلاقة بينهما، كما يقال إن بعد كسر الإبرة أثناء الخياطة، فعلى الشخص الاستعداد لشيء جيد ومبهج، ولا يمكن أن يكون حدثًا فحسب، بل يمكن أن يكون أيضًا أخبارًا جيدة، وإذا لم يكن القدر مناسبًا للشخص مؤخرًا، فحينئذٍ سيتغير كل شيء بالتأكيد من خلال كسر الإبرة، فعلية بتغيير مسار الأحداث في حياته، وتغير علامتها من سالب إلى موجبة، والإبرة المكسورة ستجلب السعادة للمنزل بالتأكيد، الشيء الرئيسي هو عدم نسيان فتح الباب لها في الوقت المناسب.
هناك خرافة شائعة وهي أن الملائكة الموكلة بقسمة الأرزاق تنزل بعد العصر، فتقسم الأرزاق حسب الحالة التي يرون عليها الإنسان، فإذا كان في سعة من العيش زادته سعة، وإن كان في ضيق أعطته على قدره، وهم يعتقدون أن حرفة الخياطة من أبأس الحرف وأفقرها، فهم يكرهون أن تراهم الملائكة على هذا البؤس فترزقهم على قدر بؤسهم، فحرموا من أجل ذلك الخياطة وبيع الإبر بعد العصر.
وعند بعضهم اعتقاد بأن الخياطة بالليل يؤذى الأموات، فهم يكرهون أن يخيطوا شيئا بالليل، وفى بعض القرى يتشدد النساء في ذلك فلا يعرن إبرة لأي سبب بعد العصر، فإذا دعت الضرورة إلى ذلك وضعتها المعيرة فوق رغيف من الخبز وأعطته لطالبة الإبرة، فتأخذ الرغيف وعليه الإبرة، ولكن لا تمسها بيدها مباشرة، وعندهم نوع من الإبر يسمى (الإبرة الغشيمة) وهي الإبرة التي لا عين لها، وهي في الأصل إبرة أخطأت الآلات التي تصنعها فمرت عليها من غير أن تثقبها، فلما كثر الطلب عليها كان تجار الإبر يستوردونها بتوصية منهم عليها، السبب في الإقبال عليها اعتقاد العجائز أنها تبطل عمل السحر، فهن يأخذنها ويلففنها في خرقة ويضعنها في حجاب من جلد فتمنع العين والسحر.

من أجل عدم النحس على أي شخص، لم يعلقوا دبوسًا فحسب، بل قاموا أيضًا بتثبيت إبرة على طية صدر السترة من الجانب الخلفي ولفها بخيط أحمر. والغاية منها إبطال الأعمال السحرية المخطط لها بنجاح. كما يوضع إبرة صغيرة جدًا بحيث لا يرها أحد، في الستائر من العين الشريرة للأشخاص الفضوليين الذين يحبون النظر إلى النوافذ.

وتعد الأمثال الشعبية من الظواهر الحضارية، التي تعكس قدرة الشعوب على فلسفة المواقف الإنسانية بلغة موجزة ومكثفة تدل على رجاحة العقل وفهم الأمور بطريقة منطقي، والمثل من قديم موغل في القدم، وقيل كان نتيجة تجارب وخبرات عميقة لأجيال ماضية، فعملت على توحيد الوجدان والطباع والعادات والمثل العليا. ودخلت الإبرة في الأمثال الشعبية العراقية وهذه بعض الأمثلة: (بلسانه تمره وبأيده أبره)، يضرب كناية عن المجامل المتملق المداري وصاحب الأفعال السيئة، (يحفر البير بإبرة. ويدور الكطرة) يضرب في الصبر.ومعناه أن يصبر أحدهم كمن يحفر بئرا ولا يمتلك من العدد اللازمة للحفر غير أبره وانه سيكون بغاية السعادة لو حصل على قطرة ماء يتوج بها جهده الذي بذله وصبره الذي صبره وهو يتحمل كل تلك المعاناة، (يبلع البعير ويغص بالإبرة)، (يفتي على الإبرة ويبْلع الْمِدرَه)، وهي خشبة تُدْفَع بها السفينة، محرفة عن المُرْدِيِّ وبعضهم يروي فيه: «ويبلع الجمل». والمعنى: يدقق في فتواه حتى يتناول الشيء الدقيق كالإبرة، فيمنع عنه، ويتساهل في أخذ الرشا فتراه يبلع المردي مع غلظه ـ الإبرة تكسي غيرها وهي عريانه، يضرب لمن يعمل لنفع غيره بلا فائدة تعود عليه. (أضيگ من ثقب الإبرة)، (ما شايف من السماء غير ثقب الإبرة)، يضرب للمتكبر كما يضرب لمن كان غضبه شديدا، (راح أبره رجع مخيط)، ويضرب للشرير يذهب للحج مثلا للتوبة والاستغفار،

وإذا به يصبح أقبح من الأول، (إبرة بتبن،) يضرب للمبالغة في استحالة العثور على شيء صغير وغامض من الأغراض أو الأشياء المشابهة له أو البحث عن الشيء الصغير في كومه كبيره من الأشياء، (أبره وطاحت أب بحر)، (حَچَاها من الخيط للإبرة)، (كثر ما صنطه إذا تذب الإبرة تسمع صوتها)، (تتكحل بإبره وتتخطط أبسمار)، تشير إلى المهارة والإتقان، وتحث المرء على التحلي بالصبر ، (الإبرة المزروفه تسوي هوايه زروف)، يضرب المثل لتبيان أن الشخص الأغبر الذي به عيوب كثيره فهو دائما له مصائب ومشاكل. (أبره وخيط) قصة هذا المثل مفادها أن العروس قبل أن يتم زفافها إلى بيتها الجديد، تقوم بتحضير جهازها وألبستها وأغراضها الشخصية، ومجموعة من المناديل القماش التي صنعتها بيديها، لتقديمها إلى أهل العريس وجيران وأصدقاء العريس، الذين قدموا خدمات مهمة خلال العرس، خلال انهماكها بتحضير هذه الأغراض تسألها أمها: أين هدية "حماتچ"؟ يجب أن تحضريها قبل كل الهدايا، وأيضا تقوم بتحضير بقچه خاصه لعمتها، تضع فيها خيطاً وإبرة وقطعة صابون ومنشفه أي خاولي، وكل من هذه المحتويات لها معنى خاص تفهمه العمه حيث أن الإبرة والخيط هي لتخييط حلگ العمه أي الحماة، فلا تتدخل في حياتها الخاصة، والصابون رمز ستفهمه "الحماة أي العمه" مباشرة ومعناه أن تغسل يديها من ابنها، الذي صار ملك لها وحدها، أما المنشفة أو الخاولي فهي تعني أن الزوج ابن العمه أصبح مثل المنشفة، أي "فوطه أو وصله " بين يديها دائماً. يوجد تحليل آخر لهذا المثل وهو النقيض لما سبق ليبين أن هؤلاء الشخصين متشابهتان أو منسجمتان، كحال تلازم أو ترابط الخيط والإبرة حيث لا فأئده لأحدهما دون الآخر.
المصدر: الأمثال الشعبية
الخرافات والمعتقدات الشعبية الأوربية" للكاتب بيار كانافاجيو.

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://www.algardenia.com/mochtaratt/63972-2024-06-30-15-08-05.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1009 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع