المخابرات الأمريكيّة سهلّت دخول الجاسوس الإسرائيليّ إيلي كوهين إلى دمشق وزوجته تتهّم الأجهزة الأمنيّة بتل أبيب بعدم التقاط إشارات الخطر التي أرسلها قبيل اعتقاله
الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:في الذكرى الخمسين لإعدام أخطر جاسوس زرعته المخابرات الإسرائيليّة في سوريّة، إيلي كوهين، أعدّ موقع (WALLA) الإخباريّ-الإسرائيليّ تقريرًا مُطولاً عن الجاسوس، الذي تمكّن من الوصول إلى أعلى المراتب في دمشق، بعد أنْ زرعته المخابرات الإسرائيلية كرجلٍ عربيٍّ مسلمٍ من أصل سوريّ مهاجر عاد إلى بلاده ليستقرّ ويستثمر فيها، وقد تمّ إعدامه، بعد انكشاف أمره، في الثامن عشر من شهر أيار (مايو) من العام 1965 في إحدى الساحات العامّة بالعاصمة السوريّة شنقًا.
وكشف الموقع النقاب عن أنّ شقيق كوهين، حصل مؤخرًا على وثائق كانت حتى اليوم سريّة من وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة (CIA)، والتي أكّدت على أنّ كوهين حصل على مساعدةٍ من عميل للمخابرات المركزيّة الأمريكيّة ومن رجل أمن سوريّ، اللذين سهّلا عليه مهمة الدخول إلى سوريّة، مع جميع أجهزة التجسس دون أنْ يقوم السوريون بتفتيشه. ويُلقي التقرير الضوء على أساليب إسرائيل ومكائدها في اختراق العالم العربيّ بزرع الجواسيس للوصول إلى المعلومات الدقيقة عن الأوضاع العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة فيه للتعامل معها وفق المعلومة في وقتها المناسب.
كما أنّه الكتاب يُمثّل وجهة النظر الإسرائيلية التي تفوح منها رائحة المبالغة حول براعة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي جعلت من قصة كوهين أسطورة ونسجت من خيوطها هالة العظمة التي أحاطت بالموساد قبل أنْ يُصاب بنكسات عديدة في السنوات الأخيرة. وتطرّق التقرير إلى التلميذ الجاسوس وكيفية اختيار كوهين للمهمة الجاسوسية في سورية وعملية تدريبه على أعمال الجاسوسية، وعن الهوية الجديدة له، أيْ أنْ يكون عربيًا ملمًا بالديانتين الإسلاميّة واليهودية وذلك في نهاية العام 1960، أوْ أنْ يكون اسمه كمال أمين ثابت من إحدى العائلات السورية، وعرف مهمته بأنّه سيتوجه إلى سورية وأنّ عليه دراسة جغرافية سوريّة وتاريخها واللهجة السوريّة. ولقد علّموه استعمال آلات البث والاستقبال من جميع الأنواع لاستعمالها في رحلة التجسس والتصوير وحفظ الكثير عن تواريخ الحركات السياسية في سورية.
ومن الدروس التي تعلمها كوهين:
أنّ سورية أصبحت قاعدة العداء ضد إسرائيل وكل معلومات عن التطورات في داخل سورية لها أهمية كبرى لإسرائيل، إعطاء الأهمية الكبرى للمعلومات التي لها علاقة بالقوى العسكرية المعادية لإسرائيل، والتدقيق والإسراع في إرسال المعومات إلى تل أبيب. وبينّ التقرير أنّه في شهر آذار (مايو) من العام 1961 وصلت التعليمات من تل أبيب مفادها أنّه عليه إبلاغ أصدقاءه بأنّه قرر السفر إلى دمشق والدول العربية لبحث إمكانية الإقامة هناك، وبدون مشاكل حصل على تأشيرة دخول إلى سورية ومصر ولبنان، كلّ ذلك بعد ستة أشهر من وصوله إلى الأرجنتين وأثناء وجوده في الأرجنتين فقد كان يرسل رسائل إلى زوجته، ناديا، وفي الأوّل من كانون الثاني (يناير) 1961 غادر زيوريخ إلى جنوا في ايطاليا وفي نفس اليوم صعد إلى ظهر السفينة استوريا ومع وصوله إلى السفينة التقى بالرجل الذي سهلّ عليه عملية الدخول إلى سورية.
ولفت التقرير إلى أنّه بعد نصف سنة من وجوده في دمشق في شقته في أبو رمانة تلقى كوهين أمرًا من تل أبيب بالعودة إلى إسرائيل عن طريق أوروبا حيث كان صيف 1962 هادئًا جدًا في دمشق ولم تحدث على الحدود اصطدامات ذات أهمية. وشدّدّ التقرير على المعلومات الدقيقة التي زودّ بها كوهين إسرائيل عن تحركات القوات السوريّة والتطورات السياسيّة في سوريّة.
وبحسب التقرير فإنّ كوهين درج على البث إلى تل أبيب مرتين باليوم، الأمر الذي ترك أثرًا في الجو المحيط للبيت في منطقة القيادة العليا للجيش السوري (أبو رمانة) وفي هذا الحي توجد سفارات أجنبية من ضمنها سفارة الهند وكانت مراسلات الجاسوس تعرقل عملية البث والاستقبال في سفارات الهند والصين وروسيا، وعندما علمت الحكومة بذلك قامت بمسح المكان من دون الاقتراب من منزل كوهين الذي لم يكن عرضة للشك ولكن بدون فائدة فقد استمر الإزعاج ومعنى ذلك أنّ هناك من يستعمل جهازًا سريًا فتوجهت حكومة سورية إلى السفارة الروسية لمساعدتها في البحث عن هذا الجهاز فاقترح الخبير الروسي أنْ تشتري الحكومة جهازًا خاصًّا لمثل هذه الأمور من صنع روسيّ ومن نوع حديث للغاية فباستطاعة هذا الجهاز ذو المخ الالكتروني اكتشاف الأجهزة السريّة في مدة دقائق قليلة في دائرة قطرها مئات الأمتار، وفعلاً بدأت هذه الآلة بالتجول في شوارع دمشق ولكي تقوم بالواجب فيجب قطع التيار الكهربائيّ في الشوارع التي يمر منها، وقبل اعتقاله بيومين اخبر كوهين تل أبيب أنّه لم يستطع التقاط الإذاعة من تل أبيب لأنّ التيار الكهربائي كان مقطوعًا، حيث كان جهاز البث عنده يعمل بالبطارية الجافّة، أمّا راديو الالتقاط فبالكهرباء العادية ومن هنا تعرض إلى الخطر وهكذا تمّ اكتشاف موقع جهاز الجاسوس الإسرائيليّ.
واتهمّت زوجته ناديا، التي تعيش في مدينة هرتسليا، الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، بأنّها لم تلتقط إشارات الخطر التي أرسلها زوجها قبل فترة قليلة من اعتقاله، لافتةً إلى أنّه عندما وصل في آخر رحلة إلى تل أبيب، كان السوريون قد علموا بأمره ونصبوا له كمينًا، وعندما عاد إلى دمشق، اعتقلوه وحاكموه وشنقوه. وطالبت ناديا السلطات الإسرائيليّة بالعمل على إعادة رفات زوجها لدفنه في إسرائيل، على حدّ تعبيرها.
1011 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع