سنين مضت وأحداث أبت أن تنسى

  

      سنين مضت وأحداث أبت أن تنسى

 
 
 

تدور فصول حكايتي هذه حول مسرحية واقعية تحكي مأساة مجموعة خيرة بريئة من مواطني محافظة السليمانية قامت بتنفيذها مديرية أمن المحافظة المذكورة بإخراج متقن من مديرها مقدم الأمن (حاتم عبد الكريم) قاصداً التنفيس عن حقده الدفين على مواطني هذه المحافظة بشكل عام ومنتسبي جهاز الشرطة فيها بشكل خاص ممثله بهذه المجموعة التي طالتها حملة الاعتقالات التي بدأت في شهر كانون الأول من عام 1986 واستمرت على شكل وجبات وآخرها يوم 7 حزيران من عام 1987 وبها بلغ العدد الكلي للأشخاص المعتقلين في المديرية المذكورة (136) مائة وستة وثلاثون شخصاً اخضعوا للتحقيق بتهمة الانتماء لتنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني / جناح ثوار كردستان وممارستهم نشاطات معادية داخل المحافظة وقسم منهم في صفوف الحزب القائد كما ورد في استمارة أخبار المعلومات الأولى

 

 

الصادرة من مديرية أمن محافظة السليمانية في 6 كانون الأول 1986, مع قرار قاضي تحقيق أمن السليمانية بتوقيفهم وفق أحكام المادة 157 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة  1969 وتفريق الأوراق التحقيقية إلى عدة قضايا وكانت القضية الأولى تحت رقم 111/1987 وتضمنت أسماء الذوات التالية أسمائهم:-
1-المحامي فريدون محمد علي شريف - مقدم شرطة متقاعد
2-مقدم الشرطة أكرم سعد الدين – مدير الجنائية والحركات في شرطة السليمانية
3-المقدم بهزاد عبد القادر – مدير الدفاع المدني لمحافظة السليمانية
4-رائد الشرطة فؤاد حسن عبد الرحمن – ضابط حركات شرطة السليمانية
5-رائد الشرطة شيرزاد نوري فقي محمد – مدير حسابات شرطة السليمانية
6-رائد الشرطة عبد القادر حمه رؤوف – ضابط الاحصاء / شرطة السليمانية
7-ملازم أول الشرطة خوشه ويست جمال احمد – ضابط الحسابات / شرطة السليمانية
8-ملازم الشرطة نجم الدين قادر بخيت – ضابط مركز شرطة سرجنار
9-ملازم الشرطة مريوان كمال عمر – ضابط الآليات / شرطة السليمانية
10-ملازم الشرطة حسن عمر حسن – ضابط شرطة مركز رزكَاري
11-ملازم الشرطة عبد الله محمد – ضابط الادارة في شرطة النجدة
12-المفوض محمد عزيز
13-المفوض فاضل مولود عزيز
14-المفوض محمود كريم محمد
15-المفوض نوزاد احمد حمه فرج
16-المفوض عبد المجيد رسول مجيد
17-المفوض حسين غيدان نريمان
18-المفوض توفيق خضر رشيد
19-المفوض عثمان محمد رستم
20-المفوض آرام محمد لاو
21-المفوض غريب رشيد
22-المفوض شورش محرم محمد أمين
23-المفوض دشتي مصطفى حمه رش
24-رئيس العرفاء دلير غريب بكر
25-الشرطي هيرش سعيد
26-المحامي عمر عبد الرحمن علي
27-المحامي عادل حمه جوان
28-المحامي آزاد احمد صبري
29-أحمد حمه كريم – كاسب
30-نهاد محمود امين – موظف في مديرية ماء ومجاري السليمانية
31-غازي غائب نجم - معلم
أحيلت أوراق القضية الأولى الى محكمة الثورة في بغداد والتي حددت يوم 27 تشرين الأول 1987 موعداً للبدء بإجراء محاكمتهم بحضور جميع المتهمين في هذه القضية والذين أنكروا لهيئة المحكمة والتي كان يرأسها (عواد بندر) وعضوين عسكريين جميع التهم المنسوبة اليهم وبأن اعترافاتهم المدونة من قبل محققي مديرية أمن محافظة السليمانية وقاضي التحقيق فيها جاءت نتيجة التعذيب الجسدي والنفسي الشديد المستمر الذي مورس معهم أثناء مراحل التحقيق والذي تمثل في تعرضهم للضرب المبرح والجلد بالسياط وتعرضهم للصدمات الكهربائية والتعليق من الأيادي والأرجل وتوجيه الكلمات النابيه مع سوء التغذية وتدني مستوى الرعاية الصحية والتكدس داخل الغرف وكان من جراء ذلك وفاة الشرطي المعتقل ( دارا حميد) أثناء التحقيق معه وعدم تحمله الممارسات الغير الإنسانية.
طلب رئيس المحكمة من المدعي العام فيها والذي كان عسكرياً وبرتبة رائد قراءة لائحته حول القضية والتي كانت تتألف من ستة صفحات وتتضمن مختلف انواع الاتهامات الخطيرة للمذكورين من ثبوت كونهم ضمن التنظيمات الداخلية للمخربين أو ما يسمى (بالاتحاد الوطني الكردستاني) وهي جماعة لها ارتباطاتها المشبوهة مع إيران والتي هي في حالة حرب مع العراق بالإضافة الى العديد من الاتهامات الأخرى كما وخص المنتمين منهم الى تنظيمات حزب البعث بتهمة الاندساس في صفوف هذا الحزب لمقاصد تآمرية , ولم تشفع لهم درجاتهم الحزبية حيث كان أحدهم بدرجة عضو شعبة وآخر بدرجة عضو فرقة وآخرين بدرجة أعضاء في هذا الحزب.
في نهاية لائحته طلب من هيئة المحكمة فرض عقوبة الإعدام بحقهم استناداً لأحكام المادة 156 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وبدلالة المادة 157 من نفس القانون ,في نهاية الجلسة طلب رئيس المحكمة من جميع المتهمين الخروج من قاعة المحكمة وبعد خروجهم مباشرة انفرد بكل من المتهمين ( بهزاد عبد القادر وعادل حمه جوان وآرام محمد لاو) لورود توصية بحقهم من مديرية أمن السليمانية في كونهم كانوا متعاونين مع اللجنة التحقيقية وعرض عليهم استثنائهم من عقوبة الإعدام وتخفيف عقوبتهم الى السجن المؤبد في حال بقائهم على اعترافاتهم السابقة المتضمنة ارتباطهم جميعا بهذا التنظيم المعادي , أصر الثلاثة على انكارهم بعدم ارتباطهم بهذا التنظيم وأي تنظيم معادي آخر كما وأنكروا صحة اعترافاتهم السابقة .
اسلوب منافي لأبسط قواعد العدالة ويخالف القواعد القانونية في التحقيق والاستجواب لجأت اليه المحكمة في سبيل إدانة المذكورين من خلال اتباع الحيل القانونية غير المشروعة , والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالة والحالات المماثلة , ماذا كان سيحصل للمتهمين الثلاثة وزملائهم الآخرين لو اعترفوا تحت تأثير هذه الوسيلة بجريمة لم يرتكبوها؟
بعد هذه الخطوة التي لم تلاقي النجاح وعدم توصل المحكمة إلى قناعة في الاتهامات الموجهة لهم , طلب من الثلاثة بالإضافة إلى المتهم (فريدون محمد علي شريف) باعتباره المسؤول عن هذا التنظيم كتابة إفاداتهم مجدداً حول القضية وبتفاصيلها حول مراحل التحقيق وأسلوبه والإجراءات المتخذة بحقهم في مديرية أمن محافظة السليمانية وبعد انتهائهم من ما طلب منهم قررت المحكمة إرجاء النظر في القضية الى موعد آخر وإعادة المذكورين إلى معتقل مديرية الأمن العامة والتي بدورها أعادتهم إلى مديرية الأمن في السليمانية في اليوم التالي المصادف 28 تشرين الأول 1987.

                    

                         علي حسن المجيد

لقد اخطأت المديرية الأخيرة في إجراءاتها تقصيرا أو تقصداً بتجاوزها لسياقات العمل والتعليمات التي تقضي في مثل هذه الحالات قيامها بمفاتحة مرجعها مديرية أمن الحكم الذاتي والتي بدورها تخاطب مديرية الأمن العامة والتي تخاطب مرجعها ديوان رئاسة الجمهورية / سكرتير رئيس الجمهورية لإعلامها بتفاصيل الأخبار وأخذ موافقتها على المباشرة في اتخاذ الاجراءات والتي اقتصرها مديرها المقدم (حاتم عبد الكريم) على مقابلة ( علي حسن المجيد) أمين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث ومقره في محافظة كركوك وزف له بشرى اكتشافه لأكبر تنظيم معادي للحزب والدولة في محافظة السليمانية وطالباً منه الإذن للشروع في اتخاذ الإجراءات وبعد أن شكره على جهوده وجهود منتسبيه في كشف هذا التنظيم أوعز اليه قائلاً : (( بلش بيهم )).

        

     المقدم /حاتم عبدالكريم مدير أمن محافظة السليمانية
لعدم اقتناع هيئة المحكمة بالإجراءات المتخذة في هذه القضية وشكها في صحة الاتهامات الموجهة للمتهمين فيها فقد حرر رئيسها مطالعة مفصلة إلى رئيس الجمهورية (صدام حسين) بفحوى الأخبار وتفصيلاته والإجراءات المتخذة بشأنه وبأن المحكمة المذكورة لم تجد في القضية أية أدلة مادية أو معنوية تكفي لإدانة المتهمين فيها وعدم قناعتها باعترافاتهم المدونة تحت تأثير التعذيب والإكراه , على أثر هذه المطالعة أوعز رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تحقيقية من خيرة ضباط مديرية الأمن العامة بغية إعادة التحقيق في القضية وكشف ملابساتها....
بعد علم مدير أمن محافظة السليمانية بهذه التطورات في القضية لجأ الى تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة معاونه للشؤون الادارية وضابطين لغرض التحقيق مجدداً وتثبيت نتائج التحقيق الذي توصلت اليه سابقاً , تم استدعاء جميع المتهمين في القضية الأولى والبالغ عددهم (31) واحد وثلاثون متهماً ومن الجدير بالذكر ملاحظة المذكورين وقبل حضورهم امام اللجنة المذكورة استدعاء المتهم رئيس العرفاء (آرام محمد ) وعودته بعد يومين حيث ابلغهم بضرورة الاعتراف وعدم التراجع عن الإفادات السابقة وبعكسه سيلقون مصيراً أسوداً ولن يطلق سراحهم مدى الحياة.
لدى حضور المذكورين أما اللجنة التحقيقية أنكروا جميعاً التهم المسندة إليهم باستثناء المفوض (غريب رشيد ) ورئيس العرفاء ( آرام محمد) , وعلى أثره تم فصلهما عن باقي المتهمين الموقوفين وبعد مرور عدة أيام وبناء على طلب مديرية الأمن العامة تم تسفير المتهمين البالغ عددهم (29) تسعة وعشرون متهماً الى بغداد بسيارة بوكس مغلق , وكان ذلك يوم الخميس المصادف 17 كانون الأول 1987 وبتاريخ 19 كانون الأول 1987 تم احضار جميع المتهمين بما فيهم المتهمين الذين تم فصلهما عنهم سابقاً في محافظة السليمانية أمام اللجنة التحقيقية المشكلة في مديرية الأمن العامة وأنكر الجميع دون استثناء علاقتهم بأي تنظيم معادي للدولة وعدم صحة الإفادات التي أدلوا بها سابقاً واعترافاتهم أخذت منهم بعد سلب ارادتهم الحرة نتيجة الضغط والإكراه الجسدي والنفسي الذي مورس معهم.   
 طلب من الجميع تدوين افاداتهم بأنفسهم بعد تزويدهم بالأوراق والأقلام حول مجريات هذه القضية من البداية بالتفصيل بكافة مراحلها وأسلوب التحقيق وسلوك المحققين معهم في مديرية أمن محافظة السليمانية والتي تم الإيعاز لها بإحضار باقي المتهمين الموقوفين لديها وبذلك أصبح جميع من وجهت اليه تهمة الانتماء لهذا التنظيم موقوفين في مديرية الأمن العامة والبالغ عددهم (135) مائة وخمسة وثلاثون موقوفاً لغاية يوم 1 آذار 1988 حيث تم نقلهم الى مديرية أمن محافظة صلاح الدين (تكريت) ومن الجدير ذكره بأن أسلوب التعامل قد تغير معهم لحظة وصولهم الى محافظة بغداد – مديرية الأمن العامة – حيث تم وضعهم في قاعات خاصة وتلبية طلباتهم من الطعام والمستلزمات الضرورية الأخرى.
يوم 16 آذار 1988 تم نقل الجميع الى محافظة بغداد ومن ثم الى محكمة الثورة في منطقة أبو غريب حيث جرت مرافعة القضية الأولى 111 / 1987 مرة ثانية ووضع المتهمون فيها في قفص الاتهام مع بقاء المتهمين الآخرين خارج قاعة المحكمة.
طلب رئيس المحكمة من الادعاء العام فيها قراءة لائحته علماً بأنه كان نفس المدعي العام في الجلسة الأولى وكانت المفاجأة حينما كانت لائحته لا تتعدى السطرين ( أطلب من هيئة المحكمة الموقرة الافراج عن جميع المتهمين في هذه القضية لعدم كفاية الأدلة ضدهم استناداً لأحكام الفقرة ج من المادة 182 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل , ثم تلا رئيس المحكمة القرار المتضمن الافراج عن جميع المتهمين لنفس السبب ووفق نفس المادة الأصولية ).
لم يطلق سراح المذكورين بالرغم من صدور قرار الافراج عنهم في 16 آذار 1988 وإنما نقلوا الى مديرية الأمن العامة وأخبروا بأن الرئيس العراقي (صدام حسين) قد طلب من مدير الأمن العام (عبد الرحمن أحمد الدوري) اللقاء بهم قبل اطلاق سراحهم وتأخر هذا اللقاء لمدة أربعة أيام بسبب انشغال المذكور في مهمة خاصة في شمال الوطن .
يوم 20 آذار 1988 طلب من الجميع النزول من الطابق الثالث من البناية والاستعداد لمقابلة مدير الأمن العام وبعدها اطلاق سراحهم ولهذا الغرض تم ادخالهم الى قاعة مسبح المديرية المذكورة وحينها اندهشوا من هول المفاجأة حين مشاهدتهم لذويهم جالسين في نفس القاعة وبحركات لا إرادية أقبلوا بعضهم على البعض متجاهلين الموجودين من قوات الأمن وهم غير مصدقين لما تراه أعينهم , كان لقاءا درامياً امتزجت فيه أصوات البكاء وضحكات الفرح ودموعها , منظر يصعب وصفه وأملي في أن يسرح خيال القارئ العزيز في تصوره لهذه الجموع وهي تتشابك بعضها مع البعض بعد طول الفراق المحزن والمؤلم جراء تصرف طائش من شخص عديم الضمير يفتقر الى القيم الانسانية ونوازع الرحمة ومخافة الله سبحانه وتعالى , نعم مدير الأمن ( المقدم حاتم عبد الكريم ) حاول تحقيق طموحاته الشخصية غير المشروعة على حساب عذابات وآلام الأبرياء , بعدها وبصعوبة بالغة استطاع منظموا اللقاء فضه وطلبوا من المذكورين الجلوس مقابل ذويهم في اماكن مخصصة لهذا الغرض.
دخل مدير الأمن العام ( عبد الرحمن أحمد الدوري) الى القاعة يرافقه رئيس وأعضاء اللجنة التحقيقية في مديرية الأمن العامة والتي حققت مع المذكورين.
استهل الحديث موجهاً كلامه لذوي المفرج عنهم مرحباً بهم ومباركاً لهم هذه المناسبة السعيدة وموضحاً بأن اطلاق سراح المذكورين لا يعني بأنهم أبرياء ولم يرتكبوا أية جريمة ولكن كرم ورحمة وعطف السيد الرئيس القائد (صدام حسين) شملهم برعايته الأبوية وقرر اطلاق سراحهم وجمع شملهم معكم وفي نفس الجلسة وجه كلامه للمفرج عنهم وأعلمهم بأنه تقرر منحهم إجازة لمدة اسبوع واحد وبعدها يباشرون الدوام في دوائرهم السابقة وفي نفس أماكنهم فيها وعرض عليهم فيما إذا كان أحدهم يرغب النقل والعمل خارج محافظة السليمانية إلا أنهم رفضوا ذلك وفضلوا البقاء في دوائرهم السابقة.
  

أطلق سراح جميع من شملهم قرار المحكمة بالإفراج في نفس اليوم أما المتهمين الآخرين والذين لم تكن قضاياهم محالة  للمحكمة فقد تأخر اطلاق سراحهم لغاية يوم 25 نيسان 1988 ربما بسبب الحاجة لإصدار قرار بهذا الخصوص من نفس المحكمة أو من مجلس قيادة الثورة ومن أبرز من كان ضمن هذه الوجبة (الملازم الأول عز الدين درويش) مدير الشؤون الداخلية لمحافظة السليمانية والذي قتل في مبنى مديرية أمن المحافظة بتاريخ 7 آذار 1991 في أحداث الانتفاضة في المدينة المذكورة وكان بدرجة عضو شعبة في تنظيمات حزب البعث بالإضافة الى ملازم أول المرور (أسو عمر كريم) مدير مرور بلدة السليمانية.
  
مجموعة من ضباط مديرية شرطة محافظة السليمانية بمناسبة نوروز 21 آذار 1984 في منطقة (كوتلا) القريبة من مدينة السليمانية الواقفون من اليمين ملازم أول عز الدين درويش ثم ملازم نبيل , كاتب المقال , ملازم أول هاشم والملازم مريوان , والجالسون من اليمين الملازم مزهر , النقيب عباس , الملازم خوشه ويست
الذين شملهم اطلاق السراح عادوا مع ذويهم الى محافظة السليمانية يغمرهم الفرح والسرور بعد زوال هذا الكابوس عن صدورهم والمعاناة الصعبة التي عاشوها هم وذويهم طيلة هذه الفترة الطويلة , بعد انقضاء فترة الاجازة باشروا الدوام في دوائرهم ولم تكد تمضي فترة اسبوعين على ذلك حين بلغوا (الضباط) بضرورة السفر الى العاصمة بغداد ولقاء مدير الشرطة العام اللواء (عبد المحسن خليل) وكان ذلك في 16 نيسان 1988 حيث اجتمع بهم ورحب بقدومهم وهنأهم على قرار الافراج عنهم كما وأوضح لهم قائلاً :(( كنت متأكد من براءتكم )) وأضاف (( بيضتوا وجهي )) بعدها بين لهم بأن الضرورات الأمنية ومصلحتهم الشخصية تقتضي نقلهم خارج محافظة السليمانية , وعند ملاحظته عدم تقبل المذكورين جميعاً لمقترحه هذا أخبرهم بأن المسألة لا تقبل النقاش ويجب نقلهم , حينها اقترح احد الضباط من المجموعة ترك الخيار لهم في اختيار الاماكن التي يرومون النقل اليها , قوبل مقترحه من قبل مدير الشرطة العام بالرضا وعلى ضوء ذلك اختار كل واحد منهم المكان الذي يناسبه باستثناء محافظة كركوك حيث استثناها المذكور من الاختيار وبأنه لا يجوز طلب النقل اليها ( كانت تعليمات الحكومة العراقية تقضي بعدم جواز انتقال المواطنين الاكراد الى هذه المحافظة وتسهيل أمر من يريد تركها ).


    

تبين فيما بعد من أن اقتراح نقل المذكورين قد جرى من قبل محافظ السليمانية ( جعفر شيخ عبد الكريم البرزنجي) وبضغط من مدير أمن المحافظة المقدم ( حاتم عبد الكريم)

 

وكانت حجته في ذلك كون المذكورين كانوا متهمين بجرائم خطيرة على أمن الدولة وسلامتها وبالرغم من الافراج عنهم الا أن الضرورات تقتضي نقلهم خارجها.
وفاتني أن أذكر بأنه لم تكد تمضي سوى عشرة أيام على اطلاق سراح المذكورين وعودتهم الى محافظتهم وقيام مديرية الامن فيها باعتقال كل من (المحامي فريدون محمد علي شريف ) مقدم شرطة متقاعد و(المحامي عادل حمه جوان) حيث تم اقتيادهما الى مديرية الامن وبعد وضع الاوصاد في معصميهما وضعا في سيارة بيكب وتم ارسالهما الى محافظة بغداد- مديرية الامن العامة قرب بارك السعدون , وبعد فترة انتظار ادخلا على سكرتير المدير العام والمدعو ( صلاح التكريتي) وكانت الساعة تشير الى الرابعة عصراً وعندما تأخرا في مقابلة المدير العام استفسر المحامي ( فريدون) من (صلاح ) وكان على معرفة سابقة به فيما اذا كان بإمكانهما مغادرة الدائرة والمبيت في احدى الفنادق والعودة في اليوم التالي في حالة عدم وجود مجال لإجراء هذه المقابلة هذا اليوم , إلا أن السكرتير أجابهما : (( يا أخوان شلون يصير؟ )) انتاب الاثنان حالة من عدم الارتياح من هذه الاجراءات وخيبة الامل والخوف من المصير المجهول الذي ينتظرهما وهم في خضم هذا التفكير بمصيرهما جاء الايعاز للسكرتير لإدخالهما على المدير العام والذي رحب بهما واستفسر منهما عن القضية التي اتهموا بها وطلب منهما شرح تفاصيلها وملابساتها من البداية الى النهاية وبعد انتهائهما من ذلك ومناقشتهما للجوانب التي كانت خافية عليه , كرر المدير العام ترحيبه بهما في نهاية الجلسة إلا أنه لاحظ بقاء فنجان القهوة المقدم للسيد (فريدون ) على حاله فسأله قائلاً : (( أخ فريدون ليش ما شربت القهوة مالتك؟ )) أجابه: (( أني ما أحب القهوة!)) رد المدير العام مبتسماً :(( لا تخاف اشربها ما بيها شي)) .
بعدها خرجا من المديرية المذكورة وباتا في أحد فنادق بغداد وعادا الى السليمانية في اليوم التالي ويذكر بأنه حصلت تغيرات في ملاك مديرية أمن السليمانية بعد هذه المقابلة بوقت قصير حيث تم استبدال معظم العاملين فيها وعلى رأسهم مديرها المقدم ( حاتم عبد الكريم) .

ملاحـــظات عــلى بعض الجــوانب مـــن القـضية:   
المحامي فريدون محمد علي شريف – مقدم شرطة متقاعد اعتبرته سلطات التحقيق في هذه القضية مسؤولا عن هذا التنظيم المعادي , وعندما كانت تتم المناداة على هذه الجماعة كانت توصف من قبل رئيس المحكمة (عواد بندر) بـ : ((فريدون وجماعته)).

  
 
المحامي فريدون محمد علي شريف
مدير الأمن العام (عبد الرحمن احمد الدوري) عضو القيادة القطرية لحزب البعث أقيل من منصبه ومن الحزب بعد أحداث الكويت ووضع تحت الاقامة الجبرية في بيته ومات في ظروف غامضة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
إن السلوك اللانساني للمقدم (حاتم عبد الكريم) مدير أمن محافظة السليمانية تجاه هذه المجموعة البريئة من مواطني هذه المحافظة , حيث أذاقهم ضروب العذاب الجسدي والنفسي لمدة تقارب السنة وأكثر من ثلاثة أشهر لا لشيء إلا ليبرهن لأسياده براعته وكفاءته وإخلاصه في كشف المعادين للسلطة متخطياً لكل القيم الانسانية وقواعد العدالة والقانون إلا أن عدالة السماء كانت له بالمرصاد حيث قتل من قبل ابن شقيقته لدوافع أخلاقية وهذا هو جزاء الله سبحانه وتعالى لهذا الشخص الظالم لما اقترفه بحق المذكورين والكثير من الاشخاص الآخرين من قتل وتعذيب وانتهاك للحرمات والله عزت قدرته (يمهل ولا يهمل).
   

عقيد الشرطة جلال حسن الأتروشي ثم عقيد الجنسية حقي الله ويردي والثالث هو مقدم الامن حاتم عبد الكريم أثناء استقبالهم لمجموعة من رجال الدين بمناسبة عيد الشرطة في 9 كانون الثاني 1986
المعتقل نهاد محمود أمين من المجموعة الأولى التي أحيلت إلى محكمة الثورة كان يصرخ بأعلى صوته  وهو ينكر انتمائه لتنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني ويدعي بأنه من كوادر الحزب الشيوعي العراقي وكان يفضل اعتقاله وتعذيبه لهذا السبب.
من الاسباب التي دفعت مدير الامن العام (عبد الرحمن احمد الدوري ) في اعتبار اطلاق سراح المتهمين في هذه القضية مكرمة من قبل الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) هو من أجل حفظ هيبة الدولة والتغطية على فشل اجهزتها الأمنية وتسببها في ايقاع الظلم بهذه المجموعة الكبيرة من المواطنين دون أي مسوغ قانوني , وخلافاً لأبسط قواعد العدالة وحقوق الإنسان , في حين أن قرار الإفراج قد صدر من محكمة الثورة بسبب انعدام الأدلة وكما هو مصرح به في قرار الحكم .
الملاحظة الجديرة بالاهتمام لأهميتها في اثبات براءة هذه المجموعة من التهم الموجهة اليهم هو طول الفترة التي استغرقتها حملة اعتقالهم التي جاوزت الستة أشهر وهذا يتعارض مع حقيقة وجود هذا التنظيم المزعوم بينهم , حيث لم يحاول أو يهرب أي منهم لكونهم على يقين بعدم علاقتهم مع بعضهم البعض على أساس صلتهم التنظيمية وكان بمقدورهم الهرب لولا هذا الاعتقاد لسهولة ذلك باستثناء النقيب (أمير كريم جاوشين) الذي استبق أمر اعتقاله وهرب والتحق في صفوف تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في منطقة (سه رگه لو) واستشهد بعد شهر من التحاقه نتيجة القصف المدفعي الذي تعرضت له المنطقة من قبل الجيش العراقي .


       
نقيب الشرطة أمير كريم جاوشين
من العوامل التي مكنت مديرية أمن محافظة السليمانية الاستهانة بهذا العدد الكبير من منتسبي مديرية شرطة المحافظة المذكورة من الضباط والأفراد واعتقالهم بهذه السهولة والتصرف معهم بهذا الشكل والذي ينم عن صرف النظر عن مديرها عقيد الشرطة (جلال حسن الأتروشي) والمشهود له بضعف الشخصية , حيث يهاب القوي ويتملق له ويستغل الضعيف ويستأسد عليه وخلال هذه الاحداث قام بنفسه بعد أن طلب من المقدم ( أكرم سعد الدين ) والملازم ( مريوان كمال) مصاحبته في مهمة بسيارته وكانت المفاجئة حين توجه بهما الى مديرية أمن المحافظة وكان بانتظارهم امام مدخل المديرية المذكورة مساعد مدير الأمن الرائد (ضياء) والذي بادرهما عند ترجلهما من السيارة قائلاً : (( يا هلا بضباط الشرطة )) , حيث استلمهما وأودعهما الاعتقال في احدى غرفها وكانت هذه اللحظات هي بداية رحلة العذاب والقهر , كما ولا بد أن أشير الى الموقف السلبي لمدير الشرطة العام اللواء (عبد المحسن خليل) في عدم دفاعه عن منتسبيه بالرغم من اقراره عند مقابلته لهم من أنه كان متأكداً من براءتهم لاسيما وأنه كان شخصية مؤثرة في الدولة من خلال خدمته الطويلة في المواقع الحساسة وعلاقاته الواسعة مع أغلب المسؤولين.
   

اللواء عبد المحسن خليل مدير الشرطة العام وبجانبه العقيد جلال حسن الأتروشي مدير شرطة محافظة السليمانية
الأمر الذي يؤسف له هو بقاء عدد قليل من الذين شملتهم اتهام المشاركة في هذا التنظيم وبعد اطلاق سراحهم والإفراج عنهم استمروا في ولائهم للحكومة العراقية بالرغم من ما عانوه من تعذيب وإهانة وممارسات تعسفية غير انسانية طيلة فترة وجودهم في الاعتقال فقد قتل في احداث الانتفاضة في شهر آذار من عام 1991 كل من المقدم(أكرم سعد الدين) مدير شرطة قضاء خانقين والملازم الأول (عز الدين درويش) مدير الشؤون الداخلية لمحافظة السليمانية , اما المقدم (بهزاد عبد القادر) فقد فضل الالتحاق بالحكومة العراقية بعد سيطرت قوات البيشمركة على محافظة السليمانية.

                 
             
المقدم بهزاد عبد القادر مدير الدفاع المدني لمحافظة السليمانية

  

الملازم الأول عز الدين درويش مدير الشؤون الداخلية في محافظة السليمانية

  
عقيد الشرطة جلال حسن الأتروشي مع مقدم الشرطة أكرم سعد الدين
إن الحديث عن الاعتقال والتعذيب والسلوك غير الانساني وتجاوز حقوق الانسان اليوم اصبح لا يثير الاهتمام بالشكل المطلوب بسبب استمرار هذا النهج المبرمج من هذا السلوك والتغير الجوهري الذي حصل في هذا الشأن هو تبادل الأدوار بين منفذي هذا السلوك الشائن ومتلقيه.
الخـــــتام  
غايتي الشخصية من سرد هذه الحكاية المؤلمة في تفاصيلها ومجريات احداثها هو توثيق ما أصاب هذه المجموعة الخيرة وفيهم العديد من زملائي الذين عايشتهم أثناء فترة اشتغالي في مديرية شرطة محافظة السليمانية عام 1984 وكنت فيها مديراً لشرطة الحراسات الخاصة وبرتبة رائد وتشكلت لدي علاقات واسعة بالرغم من قصر الفترة مع العديد من الضباط فيها واخص بالذكر لواء الشرطة ( مريوان كمال)

    


   

كاتب المقال مع اللواء مريوان كمال القرداغي
والذي كان في الفترة المذكورة برتبة ملازم , وأعرب هنا عن شكري له لجهوده في معاونتي في اخراج هذا المقال بهذا الشكل باعتباره كان أحد المعتقلين وكانت لمعلوماته المستقاة من واقع الأحداث الدور الكبير في اعطاء فحوى المقال المصداقية والتكامل في تسلسل السرد.
  

كاتب المقال يتوسط زميليه الملازم الاول هاشم علي يساره والملازم نبيل على يمينه في باحة مديرية شرطة محافظة السليمانية عام 1984
أملي في أن اكون قد وفقت في اعطاء تصور متكامل حقيقي للقارئ العزيز عن هذه الأحداث والتي أهدف من خلالها كما ذكرت لا شيء سوى توثيق مجريات وقائعها وأشخاصها الذين يسرني اطلاعهم عليها وإبداء ملاحظاتهم على فقراتها والتي ستكون بالتأكيد إثراء للمعلومات التي درجناها على ضوء امكانياتنا الشخصية وبالاعتماد على بعض الأصدقاء شاكرين لهم جهودهم ,كما نرجو مشاركة القراء الأعزاء من الذين يمتلكون معلومات إضافية عن هذه القضية التي نرجو بقائها في الوجدان وأن لا يطويها النسيان , اعتذر عن عدم تمكني من معرفة جميع اسماء الأخوة الذين شملهم الاعتقال لغرض ذكرهم في هذا المقال والذين أرجو للأحياء منهم الصحة والسلامة والتوفيق وللأموات منهم الرحمة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى.

   

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

709 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع