الفن الشّعبي تعبير عن الألم والأمل
تونس / الگاردينيا - منى بعزاوي
الفنانة سعيدة الهاني مطربة شعبية أصيلة من ولاية القصرين - مدينة سبيطلة، تؤدي اللون البدوي والتراث، تعاملت مع العديد من الشعراء، وعرفت في الوسط الفني باللون البدوي والشعبي، خاصّة في مراقصة التراث والنسيم الجبلي، وكانت مختلف أغانيها نابعة من وجدانها المتأجج بين لوعة الحب و حرقة الفراق.
وقد دأبت المطربة سعيدة الهاني منذ صغرها على تأدية هذا اللون الأصيل، وبدأ نجمها الساطع يشع بداية من سنة 1999 ضمن أغنية عن تراث القصيرين مسقط رأسها، وكانوا يطلقون عليها آنذاك بصاحبة الصوت الجبلي و صاحبة الحنجرة الذهبية لأن صوتها فيه نبرة خاصّة، يتصاعد بين الألم والوجع ويلتقي بلوعة الحب و الهيام إلى درجة التفنن والتغني المستمر. أسست فرقتها الموسيقية بنفسها ودأبت على معانقة أوتار الموسيقى بعد رحيل زوجها وفقدان ابنها، هذه الفرقة أطلقت عليها الأمل للفنون الشعبية، وكأنها تحاكي الأمل والحياة والتجدد وريعان الوجدان المتغير.
س: بمن تأثرت في تجربتك الفنية من عمالقة الفن العربي؟
في الحقيقة تأثرت بواقعي فقط، وعرفني الجمهوري بطابعي الخاص، فأنا مغرمة أشد الغرام بالتراث لأنني ترعرعت داخل بيئة حضارية متميزة، وهذه الحضارة هي المحيط الذي أتعايش معه في كل لحظة زمنية. هذا التأثير قد كان له وقعا على حياتي ومستقبلي الفني، فكنت كلما أعانق التجارب الذاتية والعامة أشعر براحة نفسية تختلج ذاتي وتراقص كياني، فمنذ صغري أحارب ويلات الحب والتجدد والأمل والألم، وهي ويلات ربما تكون منطلق كل فنان عشق الوقع الواقعي على الذات والنفس والمجتمع لاعتبار أن الفن الشعبي اليوم هو المتنفس الوحيد للعذاب والوحدة، فهو مصاحب لكل إنسان ولكل عصر، لذلك أكون متواصلة مع جمهوري في مختلف الولايات لأحاكيهم مرارة الوحدة و الغربة والعذاب وفي الوقت نفسه أبعث فيهم روح الفن والأمل والاستمرار في هذه الحياة.
س: ماذا يعني لك التراث، هل هو تعبير عن الزمن المفقود أم بحث عن عشق منشود؟
الفن بالنسبة ليّ هو تعبير عن الزمن المفقود وهذه أجمل عبارة أصوغها لكم اليوم، لأن ما نراه ونسمعه في هذا الزمن لا نستطيع أن نصنفه أو نقر بأبعاده الفنية، نظراً لأن الفن الصادق والمتميز لأبد أن يحتذى بالكلمة الراقية والموسيقى المتفننة، وحقيقة كنت حريصة على معانقة ذاك الوجع والفقدان بالشيء الثمين في زمن عرف بالغدر والخيانة، وهذه الخيانة قد تكون من الحبيب وقد تكون من الحياة، لذلك كان أول شريط كاسيت ليّ يحمل عنوان "رحل وخلاني" من كلمات الشاعر المتميز علي شوشان، الأقرب لذاتي فهو الذي يعبر عن خلجات نفسي وخلجات الآخر.
س: لماذا تركز اختيارك على الرحيل،هل في ذلك مرجعيات ذاتية أم اجتماعية؟
أن الفن هو الذي يعبّر عن كل ما نعيشه بما في ذلك الألم والأمل، وأنا شخصياً لا أؤدي الأغنية إن لم أتعايش معها في كياني ووجداني، وكان السبب الأول في اختيار الرحيل يعود إلى فقدان زوجي ورحيله عن الدنيا وتعبير عن فقدان ابني في مرحلة ثانية وتعبير عن الكثير الذكريات الجميلة في مرحلة كان اختياري محل تجربة ذاتية واجتماعية خاصّة وعامّة، لأنني أعتبر ثالثة، لذلك كان الفن هو أملي ومستقبلي وتجددي بالحياة، فالفن عبارة عن تلك البسمة التي تراقصني كل يوم وكأنني أعيش مع جمهوري داخل حقبة زمنية لا فصل لها ولا قوانين. وهي لحظة فاصلة في العمر ما بين الواقع والخيال.
س: من أبرز الشعراء الذين تعاملت معهم؟
تعاملت مع الشاعر علي شوشان والشاعر عبد الجبار علاّم، وتعاملي معهما دون غيرهما يعود إلى اهتمامي المستمر بالكلمة التي تصل إلى القلب مباشرة دون واسطة، و أحيانا أختار كلماتي بنفسي وأؤديها، من ذلك ألفت أغنية " يا قلبي أنت أخطأني، ولالي لالي، و حبك حراق يا حمه، و حمام القمري، و جددت أغنية " هزي حرامك" و هي أغنية من التراث و أغنية " منك مريضة رياف" و طبعا أعتقد أن الفنان لا يتناسى ذاكرته التي لطالما تعود به إلى روح الأصالة والتجدد والذكريات، فما أراه أنا هجرانا قد يكون نبع سعادة لدى المستمع المتذوق للفن وما أراه حبا قد يراه المتقبل للصدى فقدانا، فالشاعر قد يعيش مع واقعه الخاص ، و الفنان يعبّر عنها بإحساسه الخاص، في زمنه الخاص.
س: هل المطربة سعيدة الهاني متواجدة في المهرجات التونسية؟
أكيد أنا متواجدة في بعض المهرجانات وقد حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان الأغنية الشعبية بالقصرين سنة 2006، كما شاركت في مهرجان دوز الدولي ومهرجان سوق الأحد بقبلي ومهرجان الكرم ومهرجان واد الليل ومهرجان مساكن الصيفي ومهرجان جربة ميدون وبعض مهرجانات قابس والوسط التونسي وولاية توزر، بالإضافة إلى مهرجان دولي بالجزائر، والبرنامج التلفزي بيت الشعر مع الحبيب لسود و طبعا ككل فنانات الفن الشعبي لم أحصل على فرصة كبيرة للبروز والصعود، لاسيما وأن الفن الشعبي حيّ بداخلنا لايموت، وإن مات فسأعتبره موت للحضارة و للتاريخ.
س: ما هي أعمالك التي سجلها الفن الشعبي في تاريخه؟
في رصيدي إلى اليوم خمس اسطوانات وهي موجودة في السوق وآخر عمل كان في تكريم الفنانة الشعبية الراحلة فاطمة بوساحة، هذه الفنانة التي أعتبرها رمزاً من رموز الفن الشعبي التونسي، والتي دأبت على المحافظة عليه وصيانته من النشاز وغيره، وأعتبر نفسي اليوم مسؤولة عن هذا التاريخ الذي لا ينتهي وأحاول دوما البحث عن التجدد والتميز والتفنن لأن الفن عبارة عن قطرة دم تحتضن شراييني أينما تواجدت.
س: رغم تميزك كفنانة، أين أنت من وسائل الإعلام التونسية؟
سيدتي الكريمة، حقيقة وبكل أسف الوسائل الإعلامية تتجاهلنا كثيرا وخاصة في ربوع الجنوب التونسي، وهو تهميش لطالما عانينا منه وأحسسنا به، فالقنوات التلفزية تفتح أبوابها فقط لأهل العاصمة والساحل، ونبقى نحن في فلك النسيان ولا أعرف إن كان ذلك مرتبطا باللون الفني أو مرتبطا بالمحيط الاجتماعي. ولكنني متواجدة في بعض الإذاعات المحلية في قفصة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان والمنستير، وحقيقة أعتبر نفسي مظلومة في هذا المجال إلى حدّ كبير ، فلازلت أبحث عن فرصة لإثبات هويتي وموهبتي.
س: هل لك مشاركات في مهرجانات تونس لهذه السنة ؟
نعم إن شاء الله سأتواجد هذه السنة في مختلف المهرجانات، من ذلك مهرجان دولي بالساحل مع نجيب شبيل بعض المهرجانات الأخرى، في انتظار أن أصدر ألبوم جديد. و حقيقة أفكر بالسفر للتسجيل في الجزائر نظرا لأن شركات الإنتاج في تونس أصبحت حكرا لأصحاب النفوذ ومفتوحة أمام تسلط المنافسة الشديدة بين أبرز الفنانين، وأتمنى أن أحضى بفرصة مناسبة لتقديم الأفضل على الساحة الفنية.
س: ليس للفنان كلمة أخيرة باعتباره امتداد للماضي والحاضر والمستقبل، ما هي الرسالة التي توجهها المطربة المتميزة سعيدة الهاني في ظل ما تعيشه الكلمة اليوم؟
أشكركم على هذا الحوار الممتع، وفي الختام أوجه تحية لكل من شجعني على مواصلة دربي الفني ولكل من فتح لي باب الحضور والإمتاع وأتمنى أن تكون بلادي باستقرار ليتسنى لنا العودة للساحة وبعث الأمل في الشعوب العربية، حتى يضمنوا الاستمرار في الحياة ومعانقة الأمل والتجدد والكلمة الحرة.
726 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع