شادية أيقونة السينما المصرية تتجاوز الثالثة والثمانين بكامل الألق

      

   طفلة رقيقة عاشت تبحث عن الحب تحت 'عين الشمس'

شادية تمثل أيقونة مصرية فريدة من نوعها لم تتكرر منذ ظهورها فقد شاركت المصريين كافة جوانب حياتهم في السينما والمسرح والغناء وحتى المشاعر الوطنية.

العرب خالد حماد/القاهرة - الطفلة الجميلة فاطمة كمال شاكر التي ولدت بحي الحلمية في الثامن من فبراير عام 1934 وبسبب ظروف عمل والدها انتقلت مع أسرتها إلى أنشاص بمحافظة الشرقية. لتنشأ في ريف يحمل كل الطمأنينة والبهجة.

لم يستقر الأمر كثيرا للأسرة بأنشاص إذ سرعان ما عادت إلى القاهرة واستقرت بحي شبرا ليكون شارع طوسون هو الفضاء الذي حضن عيون وطفولة الطفلة التي سيصبح اسمها لاحقاً “شادية” وفيه كانت أوّل قصَّة حُبّ عاشتها مع ابن الجيران.

كان شارع طوسون أوّل مكان يشهد على دفء ودلع صوت فاطمة التي شهد المطرب التركي الشهير منير نورالدين بعذوبة صوتها ونصح صديقه المهندس كمال شاكر بتعليمها أصول الموسيقي.

وبالفعل أخذ شاكر بنصيحة نورالدين وأحضر لابنته فاطمة مدرس الموسيقى الأستاذ محمد ناصر لتبدأ فاطمة رحلتها وخطواتها الأولى مع الغناء والتمثيل بعد أن سبقتها في تلك الفترة أختها الكبرى عفاف شاكر التي دخلت مبكّراً مجال التمثيل، الأمر الذي وفّر للأب كمال شاكر شبكة من العلاقات داخل الوسط الفني بحكم وجود ابنته عفاف فيه. فقد كانت لدى كمال شاكر في الوسط الفني علاقات عميقة وإنسانية إلى أبعد الحدود.

كانت تلك العلاقات والصداقات السرّ في اكتشاف فاطمة وتقديمها إلى عالم السينما والغناء. وكانت الصدفة هي الأكثر اقترانا بفرصتها. فقد كان المخرج أحمد بدرخان صديقا لكمال شاكر وفي إحدى زياراته له فوجئ بصوت فاطمة وهي تغني لأسمهان “بتبص لي كده ليه” وأغنية “أيها النائم”.

أزهار وأشواك

سارع بدرخان وطلب من صديقه توقيع عقد عمل فني تتقاضى بموجبه فاطمة 200 جنيه مقسمة على عشرة أشهر. وكان هذا العقد بمثابة شهادة اعتراف بفاطمة كممثلة ومطربة في الحقيقة. لم تمثل فاطمة بعد ذلك مع بدرخان فقد كانت تذهب إلى شركة الإنتاج ليدرّبها فريد غصن على دراسة الصولفيج. وهناك التقت بحسين كامل المهندس الذي اتفق معها على تمثيل فيلمين هما “دموع التماسيح” و”أزهار وأشواك”، الأوّل توقف العمل فيه بينما ظهرت فاطمة في الثاني بمشهد واحد إلى جانب الممثلتين هند رستم وسناء سميح المهش.

المثير في الأمر أنَّ أوّل كلمة قالتها شادية هي “إيه يا بابا”، وهي ذاتها الكلمة الأولى التي قالتها ليلة افتتاح الفيلم بعد انتهاء العرض ليخرج كمال شاكر مع ابنته فاطمة مسرعاً من دار العرض قبل أن يتعرف أحد إلى ابنته التي لم تظهر سوى مرّة واحدة. لكن هذا الظهور القصير لم يمنع المخرج الكبير حلمي رفلة مكتشف وصائد النجوم من اكتشافها، إذ سارع بتوقيع عقد عمل معها تقوم بموجبه في الاشتراك بفيلم “العقل في إجازة” ولعبت دور البطولة فيه إلى جانب الفنان الكبير محمد فوزي وظهرت في هذا الفيلم باسم “شادية” لأوّل مرّة.

وجه طفولي

المخرج محمد عبدالجواد كان معجباً بصوت ووجه شادية الطفولي وكان في طريقه إلى توقيع عقد معها لتقديمها كوجه جديد إلّا أنَّ حلمي رفلة اتّصل بمحمد عبدالجواد هاتفياً وطلب منه قطع الاتّصال بفاطمة لأن أهلها لو شاهدوها على الشاشة سيقتلونها.

وبالفعل أخذ عبدالجواد بالنصيحة ولم يحاول الاتصال بشادية مرّة أخرى. ولكن هذا كان فخاً من رفلة فقد بدأ بتقديم شادية بنفسه في فيلم “العقل في إجازة” بمشاركة محمد فوزي كما ذكرنا وكان ذلك في العام 1947 لتغني فيه شادية أمام الكاميرا أولى أغانيها “صباح الخير”. لكن لا بد من التنويه إلى أنَّ صوت شادية سبق وجهها للظهور على الشاشة بفيلم “المتشردة” الذي قامت بدور البطولة فيه الفنانة الكبيرة سميحه أيوب.

ومنذ ذلك الحين توالت الأعمال الفنية لشادية التي مثّلت في ما يزيد على 118 فيلما على الشاشة منها على سبيل المثال لا الحصر 13 فيلماً فقط للمخرج حلمي رفلة. وكان أوّل هذه الأفلام “العقل في إجازة” عام 1947 وآخرها فيلم “لمسة حنان” في العام 1971. بينما قدمت مع المخرج حسن الإمام العديد من الأفلام كان أوّلها فيلم “ساعة لقلبك” عام 1950 وآخرها فيلم “إلحقوني بالمأذون” عام 1954.

أوّل حب في حياة شادية كان مع ابن الجيران عندما كان عمرها 13عاماً وكان الحب وقتها بالعين. كانت تسكن الدور الخامس وهو يسكن الدور الأوّل. كان ثمة تلاقٍ بالعيون. لكنّ الحب الحقيقي الممزوج بالعاطفة والتواصل وقع لها عندما كانت في سن السابعة عشرة كما ذكرت شادية بنفسها في حديث لإيزيس نظمي نُشر بمجله “آخر ساعة”.

تلك القصة بدأتها شادية بقولها “وقفت لأغنّي فوقعت عيناي على شاب أسمر وسيم وأحسست بنظرته وقد اخترقت قلبي. وبعد انتهاء حفل الزفاف فوجئت به يتقدم نحوي ويهنئني ويعبر لي عن إعجابه بصوتي بكلمات رقيقة وقليلة. لم يتكلم كثيراً وقتها ثم افترقنا بسرعة. لكنَّني لم أنم تلك الليلة ولم تفارق صورته عقلي أبدا ولم أكن أعرف وقتها من هو وأين يعمل أو يقيم وهل يبادلني الإعجاب أم إنَّه معجب بصوتي فقط؟ وهل سأراه مرّة أخرى؟ وكيف؟ بقيت أياما حائرة حتَّى جاءني خطاب منه عرفت بواسطته أنَّه طالب في السنة الأخيرة بالكلية الحربية وأنَّ هذا الخطاب قادم من الصعيد حيث يعيش هناك مع أسرته، وكان خطاباً رائعاً ومليئاً بالمشاعر الرقيقة وشعرت وقتها بالسعادة والراحة لأنَّه يبادلني المشاعر نفسها.

ثم جاء إلى القاهرة مرّة أخرى والتقيت به وسلمته خطاباته التي كانت تصلني منه عبر صندوق بريد عائد لإحدى صديقاتي ورأيت القلق علي وجهه عندما مددت يدي لأسلمه تلك الخطابات لكنَّني قلت له إنَّ هذا إجراء وقائي يحميني فأنا أخشي أن يكتشف أهلي أمر هذه الخطابات العاطفية، وأن إخفاء هذه الخطابات عن عيونهم سيشكّل مشكلة كبيرة بالنسبة إليَّ ولحسن الحظ فهم ما أقصده ولم يغضب. وقال لي إنَّه لا يريد أن يكون سبباً في مضايقتي لأن هدفه الوحيد إسعادي. وكانت مشاعره نحوي قوية وعنيفة جداً لدرجة أنَّني كنت أخشي أن يعرف أهلي كل شي من عيني الحائرتين وتصرفاتي المرتبكة وشرودي الدائم وصمتي الطويل.

ثم سرعان ما فوجئت بخطاب جديد منه ولم يكن موجهاً لي بل لوالدي يقول فيه بأنَّه سيكشف قصه حبنا. وماذا سيكون موقفي أمام والدي الذي أحبه وأكنّ له الاحترام وأطيعه دائما؟ لم يكن شابّاً طائشاً وقتها بل هو رجل عاقل تماماً. الأمر الذي حيرني ورحت أتساءل عن تسرعه والسر وراء إرسال هذا الخطاب؟ ثم عرفت لاحقاً إنَّه يطلب يدي. ويريدني زوجة له. وكان ذلك أعز خطاب تسلمته في حياتي لدرجة أنَّني ما زلت محتفظة به”.

تضيف شادية “ازداد حبي لهذا الشاب الصعيدي الأسمر يوماً بعد يوم. وعندما تخرّج كانت (دبلته) في يدي، طلب منّي عدم الظهور على الشاشة مرّه أخرى وأن أعتزل الغناء فوافقت على الرغم من أنَّني رفضت عريسين قبله لهذا السبب. وعندما حدثت حرب الـ48، وكان على حبيبي التوجه للميدان، جاء ليودعني وكنت أشعر بأنه آخر يوم ألتقيه فيه. وحبست دموعي في عينيّ حتَّى غاب عني. وكانت هذه آخر مرّة أراه فيها فقد شاءت الأقدار أن يستشهد في الميدان. كرهت قصر عابدين وكل من أرسلوه ليحارب. وكانت الكوابيس تطاردني في نومي كلما غفوت وراحت تتراءى لي الكثير من المناظر البشعة، لكن حنيني إليه لم يفارقني وكلما شعرت بالضيق والوحدة ذهبت إلى الكاسيت لأشغل شريط التسجيل الذي يحمل صوته”.

في قطار الصعيد

ثم كانت البداية من جديد في “قطار الرحمة” المتجه إلى الصعيد والذي حمل معه كوكبه من نجوم مصر من أمثال فاتن حمامة وزوجها ومحمد فوزي وعماد حمدي وهدى سلطان وشكري سرحان، وكانت شادية تصطحب معها السيدة خديجة والدتها فهي لا تريد أن يفوتها حدث مثل هذا وهي المشاركة والمساهمة في جمع التبرعات من أهالي المحافظات بعد ثورة 1952.

كان الحب ينتظرها هناك. فقد كانت عينا عماد حمدي لا تفارقان شادية طيلة الوقت لتنشأ بينهما علاقة قوّية، فقد كان حمدي فتى أحلام فتيات مصر كلّها في ذلك الوقت وعلى الرغم من أنَّه يكبرها بـ26 عاماً إلا أن هذا لم يمنع شادية من مبادلته الُحّب والمشاعر نفسها. ومن الغريب أن السيدة فتحية شريف زوجة عماد حمدي كانت وراء تقريب ميعاد الزواج.

فقد كتبت بيدها خطاباً لشادية تردّ فيه على مجموع خطابات عماد حمدي لها وهددت زوجها بأنَّه إذا لم يكفّ ويبتعد عن شادية سترسل خطاب الأخيرة إلى الصحف وتعلن حقيقة العلاقة بينهما. فما كان من عماد حمدي وشادية سوى عقد قرانهما أثناء تصوير مشاهد فيلم “أقوى من الحُبّ ” وكان ذلك في العام 1953 واستمر زواجهما حتَّى العام 1956. وحين خرجت شادية من أزمة طلاقها وقعت في حُبّ فريد الأطرش حين عملت معه في فيلم “ودعت حبّك” ليوسف شاهين. وعرض فريد الأطرش على شادية الزواج حين اتّصل بها من باريس وصرح لها بحبه وقال إنَّه لا يستطيع العيش من دونها وطلب منها أن تنتظره في الإسكندرية ليعقدا قرانهما ما أن يعود بعد يومين.

لكن شيئاً ما حدث وغيّر رغبة فريد الأطرش. كان يشك باحتمال عودة شادية لعماد حمدي بسبب الإشاعات التي تنشرها الصحف، الأمر الذي جعله يتصل بشادية ويقول لها إنَّه لن يعود قريباً. ولم تسأله شادية حينها عن السبب فقد أبت كرامتها أن تكون مرفوضة.

ثم تعرفت شادية إلى عزيز فتحي بسرادق عزاء سراج منير لتتزوج به في العام 1957، ثم سرعان ما وقعت الخلافات بينهما عندما طلب منها المخرج حلمي رفلة تنفيذ العقد الموقع بينهما للبدء في تمثيل فيلم “ارحم حبي” الذي يشاركها البطولة فيه عماد حمدي. ورفض عزيز أن تنفذ شادية بنود العقد فقد كان يغار عليها بجنون ووصل الأمر حدّ التجاوز عليها ولطمها على وجهها أكثر من مرّة وأصبح الخلاف على أشدّه حتَّى حدث الطلاق بينهما في العام 1957.

شرخ كبير أصاب حياة شادية فقد كان هذا هو الزواج الثاني في حياتها الذي ينتهي بالطلاق واضطربت حياتها كثيرا ولم تسلم من الشائعات التي أخذت تطاردها هنا وهناك، بينما فضلت الصمت. وكانت الشائعة الأكثر رواجاً هي تلك المتعلقة بزواجها من الصحافي الشهير مصطفي أمين والتي لم يعلق عليها الأخير بشيء، حتَّى تزوجت شادية بالفنان صلاح ذوالفقار في العام 1964 بعد أن كانت بداية معرفتها به قد بدأت أثناء تصوير فيلم “أغلى من حياتي” الذي كانت قصته تشبه إلى حد كبير قصة حب صلاح ذوالفقار لشادية والتي لم تدم طويلا، فقد انفصلت شادية عن صلاح ذوالفقار بعد ثماني سنوات من الزواج في العام 1972.

بنت المصريين وأمهم

“شاديه لم تنجب”، كم هي قاسية تلك العبارة. ولكن يكفيها فخراً أنَّها أنجبت جيلا من المعجبين الذين عاشوا على إخلاصها وتفانيها في حب الناس ورسم البسمة على وجوههم.

لقد كانت مثل كل سيدات مصر شغلها الحلم الأمومة، لكن لم يتحقق لها هذا الحلم فقد أقبلت على الإنجاب مرتين ولم يكن لها نصيب منه، لكن أحلامها لم تتبخر فقد كانت الأم والأب الحنون لأسرة كبيرة تربت في بيتها وتعلمت منها. تعيش شادية اليوم بعيدة عن الأضواء بعد أن اعتزلت قبل سنوات. لكنها تتابع كل ما يكتب عنها وتتفاعل معه.

قالت حين قررت الاعتزال “لأنني في عز مجدي أفكر في الاعتزال. لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عني رويدًا رويدًا. لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعوّد الناس أن يروني في دور البطلة الشابة. لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتزّ صورتي في خيال الناس”.

لتبقى شادية حتى هذه اللحظة تمثل أيقونة مصرية فريدة من نوعها لم تتكرر منذ ظهورها. فقد شاركت المصريين كافة جوانب حياتهم في السينما والمسرح والغناء وحتى المشاعر الوطنية. وكان من أبرز ما غنت شادية أغنية “خلاص مسافر”. ومن أعظم الأغاني الوطنية لها أغنية “يا حبيبتي يا مصر”، كما شاركت في الأوبريت الكبير “وطني حبيبي.. وطني الأكبر”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع