ياسر الياسري مبدع يحلم بنهضة سينمائية في الخليج العربي
المخرج ياسر الياسري يأمل هذا المبدع الشاب الذي لفت الأنظار إليه بقوة في أن تصل غزارة الإنتاج السينمائي إلى مستوى الإنتاج الدرامي التلفزيوني في الخليج العربي.
العرب/فادي بعاج:بصمة فريدة، بعيدة كل البعد عن التقليد، صاحبها يروي الحكاية بطريقته الخاصة. يحاول أن يقدم صورة غير نمطية، بعد أن عمل خلال وقت قصير جدا في مجالات عديدة من إخراج وتأليف وإنتاج.
العراقي ياسر الياسري الذي تنقل من إخراج الإعلانات مرورا بالفيديو كليب والدراما الخليجية وصولا إلى الحلم الكبير في عالم السينما، يعيش هذه الأيام مفعما بالنشاط والسعادة، حيث يقوم بتصوير فيلمه الأول في هوليوود الشرق “مصر”، ليكون أول مخرج عراقي في تاريخ السينما المصرية. الفيلم عنوانه حتى الآن “122”، وهو من تأليف السيناريست المصري صلاح الجهيني، الذي وصف الياسري في تصريح صحافي، بالمخرج المحترف والمتمكن بشكل كبير من كل أدواته.
ويشارك في بطولته كل من طارق لطفي، أحمد داود، أمينة خليل، أحمد الفيشاوي، وهو من إنتاج سيف عريبي. السينما المصرية برأي الياسري تمثل السينما العربية، والجمهور العربي بشكل عام يسمي الفيلم المصري “الفيلم العربي”، وهذا نتاج طبيعي لتاريخ مصر المليء بالإبداعات والتي شكلت الذاكرة العربية السينمائية.
وبالتالي فإن المخرج العربي عندما يعمل في مصر، تتوسع قاعدة المتابعين لأعماله، وتصبح لاسمه مكانة جماهيرية واسعة، حسبما يقول اليسري لـ“العرب”. ومن هذا المنطلق فإن دخوله عالم السينما المصرية أمر بغاية الأهمية بالنسبة إليه، وهو حلم يتحقق الآن من خلال فيلمه الجديد الذي يأمل أن يعجب الجمهور والنقاد على حد سواء، وهو الذي يصفه بالفيلم “الجديد كليا”.
صانع صورة النجوم
الياسري من مواليد 1983 وكان قد غادر العراق إلى دولة الامارات العربية المتحدة في العام 2000، على أمل العودة بعد ثلاثة أشهر لاستكمال دراسته في كلية الهندسة، لكنه اضطر إلى المكوث هناك عشر سنوات متتالية، خلالها دخل عالم الفن بمساعدة أخيه الأكبر أنور الياسري المخرج والمنتج المعروف.
عمل في البداية في مجال المونتاج، ومن ثم مساعد مصور فمساعد مخرج إلى أن أصبح مخرجا في العام 2003، وكان أول عمل قام بإخراجه هو أغنية “هب النسيم” لفرقة دبي الحربية، ليبدأ مشواره الفني بإخراج فيديو كليبات خاصة بالتراث الإماراتي، قبل أن يدرس هذا الاختصاص في أكاديمية مانهاتن.
تعلم الياسري المونتاج وكتابة السيناريو والتصوير في معاهد وجامعات عدة. وهو يعتقد أن الدراسة باختلاف المكان والنوعية لا تولد الإبداع، إنما هي طريق نحو القواعد والاطلاع على تجارب السابقين لتجاوز عثراتهم والاستفادة من نجاحاتهم.
ورغم صغر سن الياسري وقت بداية عمله كمخرج، إلا أنه استطاع التعامل مع كبار المطربين، أمثال راشد الماجد وعبادي الجوهر وعبدالكريم عبدالقادر ومحمد عبده وأصالة نصري وشذى حسون ووليد الشامي والوسمي وبلقيس وفايز السعيد ومنصور الزايد وحسام الرسام وباسل العزيز والعديد من النجوم العرب.
كان الفيديو كليب بطاقة عبوره إلى الدراما والسينما، حيث اكتسب الياسري من عشرات الأغاني المصورة الخبرة الفنية عالية المستوى، والتي كانت تتطور من عمل إلى آخر. يقول لـ“العرب” إن “الفيديو كليب جعلني أتعرف على تجارب مختلفة وتطلعات كثيرة وأيضا معالجات كثيرة للأفكار وقصص الأغاني التي قمت بإخراجها، كما أنه أعطاني شهرة كبيرة بين الوسط الفني وبين الجمهور العربي، حيث الفيديو كليب يعرض بشكل متكرر على الفضائيات العربية وهو سهل التناول بين رواد مواقع الإنترنت”.
لم يحصر الياسري نفسه في مجال إخراج الفيديو كليب، بل انتقل إلى مجالات أخرى، مثل الإعلان، والبرنامج، والدراما التلفزيونية، والفيلم السينمائي. وهو يرى أنه لا يمكن المقارنة في ما بين هذه المجالات، حيث لكل مجال خصوصية. ولكنه يجد نفسه مع الفيلم أولا فالكليب وتأتي البقية تباعا.
في جعبة الياسري السينمائية فيلمان، الأول قصير بعنوان “ضوء دامس” من تأليف محمد عبدالله الحمادي، وقد عرض في مهرجانات سينمائية عدة منها مهرجان ترابيكا نيويورك ومهرجان الخليج السينمائي، كما أنه حصد جائزة اللؤلؤة السوداء عام 2012 وهي الجائزة الكبرى في مهرجان أبوظبي السينمائي.
أما الفيلم الثاني فكان روائيا طويلا، ومازال الياسري يحصد نجاحه حتى اليوم، إنه فيلم “شباب شياب” المُنتج من قبل “إيمج نيش” إحدى الشركات الرائدة في مجال الإعلام والترفيه، وقد عُرض قبل فترة وجيزة في مهرجان “بالم سبرينغز”السينمائي الدولي 2018 في ولاية كاليفورنيا الأميركية ولاقى نجاحا جماهيريا، حيث امتلأت الصالة ونفدت كل التذاكر، مما اضطر المنظمين في المهرجان إلى فتح صالة أخرى في نفس الوقت والتي نفدت تذاكرها أيضا.
آلة الإنتاج
لا يخفي الياسري فخره بنجاح فيلم “شباب شيّاب” ووصوله إلى منصة العرض الدولية المرموقة وهي مهرجان بالم سبرينغز، يقول “نحن ندرك أهمية هذا المهرجان العالمي الكبير الذي يلقي الضوء سنويا على مجموعة من كبرى الأعمال السينمائية الضخمة ويستعرض دائما أهم الأفلام العربية”. وكان قد عمل بنفسه على تأليف وإخراج هذا العمل السينمائي الذي ينتمي إلى فئة الأفلام الكوميدية، واقتبس الفكرة من قصة قصيرة نسج خيوطها الشاعر الكبير كريم العراقي.
تدور أحداث الفيلم حول أربعة رجال مسنين يمضون السنوات المتبقية من حياتهم في حالة حزن في مأوى للكبار، إلى اللحظة التي يبتسم فيها الحظ لهم على نحو غير متوقع عندما يرث أحدهم ثروة كبيرة، ما يمكنّهم من العودة لتحقيق أحلامهم السابقة التي طواها النسيان في مغامرة شيقة مليئة بالأحداث الكوميدية في شوارع مدينة دبي.
يشارك في بطولة الفيلم عدد من كبار الممثلين في العالم العربي، مثل الكويتي سعد الفرج، والنجم السوري سلوم حداد، إلى جانب الممثلين الإماراتيين منصور الفيلي، ومرعي الحليان، حيث أدى هؤلاء النجوم الأدوار الرئيسية الأربعة، وشارك في العمل أيضا النجمان الكويتيان فؤاد علي، وليلى عبدالله، إضافة إلى النجم الإماراتي عبدالله الجنيبي. أما إنتاج الفيلم فمن نصيب رامي ياسين، مع مشاركة متميزة للمخرج الإماراتي ماجد الأنصاري كمنتج منفذ.
يأمل هذا المبدع العراقي الشاب الذي لفت الأنظار إليه بقوة في أن تصل غزارة الإنتاج السينمائي إلى مستوى الإنتاج الدرامي التلفزيوني في الخليج العربي. فالسينما الخليجية حسب رأيه لا تزال تحبو ببطء شديد في هذا المجال، وأغلب الأعمال الموجودة في الساحة هي نتاج اجتهادات شخصية ولم يتم تمويلها من شركات معروفة. وهو يأسف لأنه ليست هناك في الخليج شركات مهمة سوى عدد قليل جدا من الشركات والمؤسسات التي دارت عجلاتها أخيرا في الطريق الصحيح، عبر إنتاج أعمال مهمة ترتقي إلى المستوى المأمول.
ويؤمن صاحب “122” المثير بأن نجاح الأعمال السينمائية في الخليج له انعكاسات إيجابية متعددة، أبرزها أنه يعود بمردود مادي جيد على المنتجين، ما يدفعهم إلى مضاعفة الإنتاج شيئا فشيئا، على غرار السوق السينمائية في الإمارات التي شهدت حالة من النهضة والانتعاش خلال العامين الأخيرين.
الدراما التلفزيونية المصرية بنظر الياسري “شهدت تطورا ملحوظا وأخذت نهجا سينمائيا في التصوير والإخراج بعد العام 2011”، وهو ما يعتبره التغيير الجذري الإيجابي، وسببه تحول معظم السينمائيين من منتجين ومخرجين إلى الدراما التلفزيونية.
صور ديفيد لين ويوسف شاهين
وحول سؤال “العرب” للياسري عما إذا كان ينوي الدخول إلى الدراما المصرية، أجاب أن ذلك مرهون فقط بالنص الدرامي المناسب، ولكن تبقى الأولوية بالنسبة له للسينما تبعا للوقت المتوفر لديه، حيث أن الدراما تستهلك وقتا طويلا وهذا ما لمسه في تجربته في الدراما الخليجية حين قام بإخراج مسلسل “ما أصعب الكلام”.
الحياة بالنسبة للياسري مراحل يرتقي إليها الإنسان ويتعلم فيها بمرور الوقت، وتزداد خبرته بالإطلاع على جوانب جديدة في الحياة الفنية، ولذلك فإن النقلة الحقيقية في مشواره المهني حصل عليها وهو في سن صغيرة نسبيا من خلال كليب “صاحي لهم” للفنان راشد الماجد، ومن بعدها توالت النجاحات على عدة أصعدة.
والتأثر بتجارب الغير من المخرجين العالميين يأتي من باب الإبداع، كما يعتقد الياسري، الذي يعتبر أن مثله الأعلى عالميا هو المخرج ديفيد لين، أما عربيا فمثله الأعلى هو المخرج يوسف شاهين. وبرر ياسر لـ”العرب” ذلك، بكونهما شكلا حالة مغايرة في السينما، سبقت عشرات السنين من وقتهم ذاك، وأسسا مدارس إخراجية تعلم منها الكثير من صناع الأفلام.
يتحدث الياسري بنشوة عن رؤيته للمستقبل في مجال الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، ويتوقع أنه سوف يكون باهرا بوجود شبكات إنتاجية عدة على الإنترنت مثل شبكة “نتفليكس”، ولكنه في الوقت نفسه يضع على عاتقه وعلى عاتق بقية المخرجين والمنتجين العرب مهمة أن يسعوا لملاحقة هذا التطور الحاصل الآن في الغرب، والخروج من إطار الثلاثين حلقة المتعلق بالموسم الرمضاني الدرامي، والاتجاه لما يريده المشاهد العربي من تنوع بالقصص، وعدد الحلقات غير المحدد.
توقع الياسري أيضا أن المعلن العربي سوف يتخلى عن الشاشات المتلفزة الفضائية، وينتقل إلى الشبكات الحديثة التي تقدم خدمات يتحكم بها المشاهد وليس العكس، ويشيد الشاب العراقي بتجربة صديقه المخرج ماجد الأنصاري في فيلمه “الزنزانة” المتاح على شبكة نتفليكس، مما مكن عددا كبيرا من المشاهدين من مختلف الجنسيات من رؤية الفيلم.
يتمنى الياسري أن تتحقق أحلامه بدعم الجمهور للسينما العربية بشكل عام. يقول إن “نهوض السينما في منطقتنا مرهون بدخول المشاهد العربي إلى الصالات التي تعرض أفلاما عربية، وهو الأمر الذي يقوم بإعطاء القيمين على الإنتاج العربي من منتجين ومخرجين وممثلين، دفعة على الجانبين المعنوي والمادي، وبالطبع هذا سيؤدي إلى الارتقاء بالمستوى الفني وتقديم أفلام ذات محتوى تلبي تطلعات الجمهور العربي”.
652 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع