ذاكرة /مشية المسلّح Gunman's Walk فيلم الكاوبوي الذي فقدته واستعدته بعد 60 عاما !
مستلات
* / في احد تلك الأيام التي قاربت الظهيرة غافلت جدي الذي جلس على دكة النهر ومضيت إلى لافتة سينما الرشيد التي كانت تعرض فيلما من من افلام الكاوبوي /
** / تسللت مخترقاً شارع العزيزية الموازي لشارع (الوطن) ساعياً أقصى جهدي للقبض على ذلك الدرهم الراقد في أعمق أعماق جيب دشداشتي محاذراً أن يتدحرج أو يرنّ أو يضيع ..
* استغرقت السينما نصف حياتي تقريبا ، فقبل ستة عقود شاهدت فيلما من افلام الكاوبوي ثم فقدت اثره عدى لقطات من هنا وهناك . غير ان الشبكة العنكبوتية أتاحت لي فضاء لامحدودا من البحث الى ان تمكنت من استعادة ذلك الفيلم السكوب الملون .حكاية ذلك الفيلم ترويه السطور التالية :
اعتدت في صغري أن اصطحب الحاج فاضل , عم والدي والذي عشت سنواتي التسع الأوَل في كنفه ـ وكان ضريراًـ إلى محل الألبان الذي كان مملوكاً لابنه في قلب (العشار) كيما يقضي بضع ساعات هناك ثم أعود به على امتداد ضفة نهر العشار إلى موقف سيارات (أسد بابل) ومن ثم اهرع لمدرستي في دوامها الذي يبتدئ بعيد منتصف النهار بنصف ساعة.
ولأن جدي كان ثقيل الهيكل قياساً بالصبي الضئيل الذي يقتاده, فقد اعتدنا قطع طريق الساحل ذاك على مراحل, فقد كنا نجلس نحن الاثنين على دكّة النهر لبضع دقائق قبل أن نستأنف رحلة الإياب للبيت .
شقاوات صبي
كان الوقت بدايات عام 1959 وكنت حينذاك على صغر سني وضآلة جسمي لا أخلو من شقاوات صبي يحلو له, ان يغافل جده الأعمى كي يهرع إلى جسر الهنود كيما يطل على لوحة إعلانات تومان السينمائية أو يقطع الشارع باتجاه مبنى المصرف العثماني حيث كان الزقاق الخلفي يضم واجهة (اورزدي باك) الزجاجية التي كانت تعرض دراجة هوائية بعجلتين والتي كانت حلماً بالنسبة لصبي مثلي, ويضم كذلك الواجهة الخلفية لسينما الرشيد الشتوي التي تعلوها لوحة مانشيت عرض الأفلام.
في احد تلك الأيام التي قاربت الظهيرة غافلت جدي الذي جلس على دكة النهر ومضيت إلى لافتة سينما الرشيد التي كانت تعرض فيلما من افلام الكاوبوي, فانتابني عطش هائل لمشاهدة ذلك الفيلم.
ولكن من أين أتدبر ثمن تذكرة (أبو أربعين) ؟ ! لكن الحظ حالفني اثر مغادرتنا لسيارة الأجرة باتجاه البيت فما أن سرنا قليلاً في ذلك الزقاق شبه الخاوي من المارة, حتى طلع كهل من بيته وتقدم نحونا ليمنحني درهماً هامساً بي أن أضعه في جيب جدي. ويبدو انه قد حسب جدي متسولا ضريرا يدور في الشوارع ! كانت مفاجأة مربكة لم تمنع شقاوتي من الظهور فقد أنزلت الدرهم في جيبي بدلاً من جيب جدي الذي سألني من يكون ذلك الشخص الذي تحدث معي وما الذي أراده مني فأجبته:
ـ لا شيء.. يا جدو ..لا شيء!
مشية الصبي المدجج بدرهم !
في ظهيرة اليوم التالي غافلت أهلي وبالأخص أبي الذي كان مطلعاً على شقاوتي ونزواتي وكان من ذلك الصنف الصموت من الآباء الذين يركنون إلى السكوت المطبق انتظاراً لزلة ما ليجدونها ذريعة أقسى لذعا من سياط جلاد!
تسللت مخترقاً شارع العزيزية الموازي لشارع (الوطن) ساعياً أقصى جهدي للقبض على ذلك الدرهم الراقد في أعمق أعماق جيب دشداشتي محاذراً أن يتدحرج أو يرنّ أو يضيع.
كانت رحلة الوصول إلى دار السينما أشبه بحلم وكانت مشيتي لا تخلو من التبختر والزهو. وكلي أمل أن اقطع تذكرتي ليحتويني ظلام السينما فأستحم بدوش فضي منسكب من غرفة العرض. قبالة واجهة السينما, ألقيت نظرة اطمئنان على مانشيت الفيلم لأدرك انه مازال يعرض في تلك الدار التي اعتادت تقديم أفلام (هرقل الجبار) و (لوريل وهاردي) و(العربة الأخيرة) بطولة ريتشارد ويدمارك, لكن إحساسا طاغياً بالذنب تملك جوارحي وسحابة فوبيا تحلقت فوق رأسي من أن يعلم أبي بمغامرتي قد التهما جانبا من انتشائي بسحر الشاشة الفضية الموعود !
كلوز ــ أب
ما علق في ذهن صبي لم يتعد الثانية عشرة من العمر, من فيلم مضى على وصوله لدور السينما العالمية, لم يكن سوى النهاية الدرامية لفيلم (مشية المسلح) . نعم لقد رسخت تلك المشاهد النهائية في ذاكرتي .ولعل السبب يرجع إلى اعتماد مخرج الفيلم (فيل كارسونPhil Carlson) على اللقطة الختامية التي جاءت كبيرة جدا Close- Up وهو يسقط صريعا بمسدس أبيه ومن ثم يقترب من جسده المسجى واضعاً رأسه في حضنه في حين تنقذف على الأب والأبن القتيل ثلاثة ظلال لفرسان يبدو أنهم كانوا من أهل تلك المدينة الوادعة التي صدمها عنف الشاب وتمرده.
تلك اللقطة بقيت حية في الذاكرة في الوقت الذي ضاع عنوان الفيلم الذي لاشك انه قد استبدل من قبل موزعي الأفلام لدينا من اجل جذب اكبر عدد من المشاهدين, مثلما انطمست جل تفاصيل ذلك الفيلم الدرامي. ومن المعروف بالنسبة للسينما الأمريكية أن مخرجيها يميلون لاستخدام لقطات الكلوز- اب من اجل إغماء درامية الحدث لاسيما في أفلام الجريمة وأفلام الوسترن (الكاوبوي) وحتى أفلام الرعب السيكولوجية. كما ان ذاكرتي الغضة وقتذاك قد تكدست بصورة الأب (القاسي) الذي كان يرفض فكرة تسكعات ابنه ولو علم انه ذهب للسينما في تلك الظهيرة القفرة لأشبعه ضرباً وتقريعاً ! الفيلم كما ذكرت من إخراج فيل كارسون phil karlson الذي عرفه جمهور السينما منذ الأربعينات عبر أفلام مثل (كوبرا شنغهاي 1945), (الذهب الأسود 1947) (روكي 1948) (جحيم نحو الأبدية 1960) وغيرها من الأفلام.
أدى دور الأب الممثل الأمريكي البارع فان هيفلن Van Heflen 1908-1971 والذي عرفته الشاشة الفضية من خلال أفلام مثل (لمسة الأنثى 1941) (الفرسان الثلاثة 1948) (توما هوك 1951) و(المطار 1970).
أما تاب هنتر أو الابن المتمرد 1931-2018 فهو من مواليد نيويورك وهو مغن مسرحي وتلفزيوني وممثل أفلام وروائي من أشهر أفلامه (الخارج على القانون 1950), (التلال المحترقة 1956) و(مشية المسلح 1958) وعشرات أخرى من الأفلام السينمائية.
921 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع