اكتشفها زكريا أحمد.. والسادات كان مولعا بصوتها
الشرق الأوسط/القاهرة: سها الشرقاوي:سعاد محمد، صوت نسائي من جيل الرواد لم يفقد بريقه رغم مرور الزمن، وكأنه يرد لها الجميل بعد أن ظلت تغني على خشبة المسرح حتى عمر السبعين، حيث رحلت تاركة ميراثا لجمهورها شجيا من الفن والطرب، وما زال يردد منه حتى اليوم الكثير من الأغاني وفي مقدمتها أغنيتا «وحشتني» و«أوعدك».
عرف عن سعاد محمد، التي رحلت في عام 2011، احترامها لنفسها ولفنها، ولذلك احترمها وكرمها الملوك والزعماء، كما قدرها جمهورها في كل مكان، لتتفرد بمكانة عالية في الفن بفضل موهبتها، حتى قيل عنها إنها خليفة كوكب الشرق أم كلثوم، كونها مشت على خطها في غناء القصائد الصعبة.
التقينا في القاهرة بابنتها «إيمان» لتروي لنا تفاصيل أكثر عن حياه الراحلة، فبدأت الحديث قائلة: «ولدت سعاد محمد المصري في تلة الخياط في بيروت، في عام 1933، لأب من أصول مصرية من صعيد مصر وأم لبنانية، وتوفي والدها وهي طفلة صغيرة، وبدأت الغناء منذ نعومة أظافرها وكانت تشدو بأغنيات أم كلثوم في الأفراح، قبل أن تبدأ طريقها نحو احتراف الغناء والشهرة».
وعن سعاد محمد «الأم» تقول: «كانت أعظم أم في الدنيا، قامت بتربيتنا أنا وإخوتي وأخواتي أفضل تربية وجمعتنا في منزل واحد، سوء في ذلك أبناؤها من الزواج الأول أو الثاني، حيث أثمرت الزيجة الأولى ست أبناء؛ خمسة أولاد وفتاة، والثانية 4 أبناء؛ ابنتين وولدين، والزواج الثالث لم يثمر أبناء، فلم ينتابني أي إحساس أننا غير أشقاء، فقد نجحت في جعلنا عائلة واحدة وهذا يرجع لشخصيتها، كما أنها كانت ربة بيت من الطراز الأول، فكانت تقوم بالأعمال المنزلية بنفسها وكنا نساعدها وترفض أن يوجد خادمة في البيت».
وعن حياتها الفنية تقول: «اكتشافها كان عن طريق المطرب والملحن الشيخ زكريا أحمد، بعد أن سمع صوتها في بيت الفنانة صباح في لبنان عن طريق جارها الذي كان يعمل عازف عود في ذلك الوقت، وأعجب بصوتها وطلب منها المجيء إلى مصر في أقرب وقت، ونظرا لصغر سنها، فقد كان عمرها 12عاما وقتها، كان من الصعب أن تذهب إلى القاهرة بمفردها».
تكمل: «بعد ذلك اتجهت إلى غناء الموشحات في الإذاعة السورية مع الملحن السوري محمد محسن الذي قدم لها العديد من الألحان وقدمها في أغنيات ساعدت على انتشارها كأغنية (مظلومة) و(دمعة على خد الزمن) وغيرها، مما جعل البعض يصفها بأنها صاحبة أجمل صوت نسائي».
بعد سنوات قليلة تزوجت من الشاعر والصحافي محمد فتوح، وانتقلا للعيش في القاهرة، ومن هنا كانت بداية الانطلاق واللقاء الثاني مع الشيخ زكريا أحمد، ثم جاءت مشاركتها في فيلم «فتاه من فلسطين»، أعقبتها المشاركة بالتمثيل في فيلم «أنا وحدي» للمخرج هنري بركات، كما انتشرت في الأعمال الغنائية والمشاركات في الحفلات بين مصر وبيروت، لتكون محط أنظار كثير من الملحنين.
تملك الفنانة الراحلة رصيدا كبيرا من الأغنيات، وأشهرها «وحشتني» و«أوعدك» و«بقي عايز تنساني» و«مظلومة يا ناس» و«دمعة على خد الزمن» و«يا بخت المرتاحين»، و«ببعتلو جواب» «نهاية الحكاية»، إضافة إلى قصيدة «إرادة الحياة» وغيرها من القصائد. كما أنها لقبت بـ«شادية العرب» بعد غنائها أغاني فيلم «الشيماء». كما لحن لسعاد محمد عمالقة التلحين أمثال محمد القصبجي ورياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد سلمان وكارم محمود وحليم الرومي وخالد الأمير ومحمد محسن وغيرهم.
تقول «إيمان»: «بعض أغنياتها لا نعرف عنه شيئا واختفى نظرا لعدم اهتمامها في ذلك الوقت بتسجيل الحفلات، وللعلم، فقد قامت بغناء كتاب كامل للأصفهاني». وتؤكد أن والدتها لم تندم على تقديم عدد قليل من الأعمال السينمائية، فقد كانت لا تحب التمثيل لأنها مطربة في الأصل، وكانت تردد أنها لا تستطيع تسديد فاتورة التمثيل.
«كان لسعاد محمد دور سياسي طوال سنوات عمرها»، تقول ابنتها، لافتة إلى أن ذلك يأتي من خلال تقديم والدتها العديد من الأغنيات الوطنية، ومن خلال غنائها للجيش أثناء حرب أكتوبر، كما غنت في جميع المحافظات المصرية، كما أنها كانت المطربة المفضلة لدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي كان يعشق صوتها وكان يطلب منها الغناء له في الحفلات. وتتابع: «أتذكر واقعة حدثت تؤكد إعجاب السادات بصوت والدتي، ففي إحدى المرات كان يذاع على التلفزيون حفل على الهواء لوالدتي وكان يشاهدها الرئيس، وظلت تغني حتى منتصف الليل والمفروض ينزل الستار لأن المسارح الغنائية كانت تغلق عند الساعة 12 صباحا، لكنه اتصل بالمسرح وطلب منهم عدم إنزال الستار عليها وتركها حتى تكمل وصلتها الغنائية».
وتبين أنه عند علم والدتها باغتيال الرئيس السادات عام 1981 بكت كثيرا، وجاءت من لندن فور سماع الخبر لحضور جنازته. وتوضح أن الراحلة كانت لها علاقات جيدة بكل الزعماء العرب خاصة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وزوجته، وأيضا الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والملك عبد الله ملك الأردن، وملك المغرب الحسن الثاني. كما تلفت إلى أن الراحلة بكت عندما تنحى الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك عن الحكم مع اندلاع «ثورة 25 يناير (كانون الثاني)».
كما تشير إلى أن الراحلة نالت العديد من الأوسمة من كل دول العالم العربي، ولكن الذي تحتفظ به الآن 30 وساما فقط.
أما عن علاقة سعاد محمد بالفنانين، فتلفت ابنتها إلى أنها كانت تربطها علاقة صداقة قوية بالفنانة فايزة أحمد وزوجها الملحن محمد سلطان والفنان محمد قنديل والفنانة هدى سلطان والملحن أحمد صدقي، «أما الشحرورة صباح فكانت تعشق أمي، وكانت تسأل عنها دائما، وكذلك الفنانة والراقصة تحيه كاريوكا صديقة مقربة لوالدتي وكانتا تتزاوران حتى وفاة كاريوكا، التي كانت تلقبها أمي بـ(الجدعة)، كذلك كانت على علاقة جيدة بالراحلة أسمهان وشقيقها فريد الأطرش، الذي كانت أمي تقول إنه حزن وانفصل عن العالم بعد وفاة أخته، وكان رافضا للحياة، وإنه كان رجلا كريما لأبعد الحدود».
وتكشف «إيمان» عن علاقة والدتها بـ«أم كلثوم» قائلة: «كانت من عشاق سيدة الغناء العربي، وغنت لها العديد من الأغنيات في حفلاتها في بدايتها، بل إن الأنظار بدأت تلتفت لها كصوت يشبه مدرسة أم كلثوم». وتضيف أن الراحلة كانت دائما تقول إن أم كلثوم قامة يجب أن لا يقترب أحد منها ويقلدها. بينما ترجع سبب عدم وجود والدتها بقوة بين الجمهور مقارنة بكوكب الشرق وآخرين، إلى سوء الإدارة، حيث لم يكن لديها مدير أعمال ناجح كما كان لدى أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ.
عانت سعاد محمد في آخر أيامها من المرض، وأجرت في التسعينات بعد عودتها من قضاء فريضة الحج عمليتين خطيرتين، الأولى في القلب والثانية في الرأس، وخرجت بصحة جيدة، لكنها بعد ذلك أصيبت بمرض السرطان ولازمها المرض حتى توفيت في منزلها في 4 يوليو (تموز) 2011 عن عمر قارب الثمانين عاما.
وعن أبرز من كان يزورها قبل وفاتها من مطربي الجيل الحالي، قالت إيمان إن أبرزهم اللبناني راغب علامة والمصري طارق فؤاد، لافتة إلى أنها قبل رحيلها كانت تعبر عن غضبها من المطربين الذي قاموا بغناء أغانيها، وكانت تقول: «لا يصح أن الأغاني التي تعبت فيها وقدمتها بمجهود كبير تقدم الآن بمنتهي السهولة».
كما نفت أن تكون والدتها قد اعتزلت الفن قبل وفاتها، فقد ظلت تغني حتى إصابتها بمرض السرطان، ومن شدة عشقها للغناء قامت بإحياء حفل في أواخر التسعينات وكانت طبيبها الخاص وراء المسرح خوفا عليها من تدهور حالتها. أما آخر حفلاتها فقدمتها في عام 2002 وهي في سن السبعين تقريبا.
وأبدت إيمان رفضها أن تقدم قصة حياة والدتها في عمل درامي أو سينمائي، مبررة بأنها قدمت حياتها الفنية في أعمالها أما حياتها الخاصة فهي ملك لعائلتها. وأضافت أن الفنانة الراحلة كانت تنتقد الأعمال الدرامية التي قدمت السير الذاتية عن أسمهان وأم كلثوم وغيرهما، حيث كانت تردد: «كيف تظهر الممثلة في إحدى الحلقات سمينة وفي الحلقة التالية رفيعة».
618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع