فنجان قهوة مع الدبلوماسي البروفيسورعبدالستار الراوي
إيمان البستاني
ضيفنا يا سادة يا كرام ....شخصية ثقافية حاضرة من خلال رصانتها الأكاديمية, هو بروفيسور في الفلسفة ومباحثها , فيلسوف عراقي بارع ومفكر متنور صاحب اجتهادات فلسفية في فكر المعتزلة والمتصوفة ، كتاباته أدبية فكرية وشعرية مميزة وكتابه الرائع( ثورة العقل ) الدراسة الفلسفية التي كرسها لفكر المعتزلة ..معتزلة بغداد , وله يد بيضاء في تحرير ( الموسوعة الفلسفية العربية), تولى تدريس علم الكلام ،الصوفية ، فلسفة اسلامية،مدارس فلسفية ، الفكر الفلسفي المعاصر في جميع كليات بغداد ,استاذ الدراسات العليا، جامعة بغداد و جامعة البكر،أشرف على الرسائل العلمية (ماجستير ودكتوراه) قسم الفلسفة في جامعة بغداد وشارك في مناقشة ( ٦٢ ) رسالة علمية , مؤلفاته لا تعد في النصوص الفلسفية , التصوف الاسلامي , فلسفة التربية ,الفكر السياسى المعاصر,دراسات في الفكر الايراني المعاصر,السير والافكار,الباراسايكولوجى ,و الشعر عدا الفن التشكيلي ومعارض شخصية
وهو ايضاً دبلوماسي رصين تولى منصب سفير العراق في طهران من ( ١٩٩٨ لغاية حرب ٢٠٠٣ ) , ضليع بالفكر السياسي للثورة الايرانية و محلل سياسي لما يدور في المنطقة العربية
هو من اسرة السادة من راوة - محافظة الانبار و من مواليد بغداد سنة ١٩٤١ حصل على الدكتوراه من جامعة الإسكندرية بمصر سنة١٩٧٧
نرحب بكم بروفيسور الراوي بمجلة الگاردينيا الثقافية في فقرة فنجان قهوة ونأمل ان تكون فسحة معرفية تليق بأنجازاتكم
س ١ - في سلسلة كتاباتك لحارة بغدادية ( قمر الكرخ ) تبتدأ الحكاية بأهداء حيث تقول( إلى أمي مليكة حمادي وإلى دربونة زنْگوّْ)هل هي سلسلة لذاكرة مكان ام زمان ام انسان ؟
أود إذا أذنت لي ؛ أن أحييك على سخائك وكرمك وانت تحملين متفضلة فنجان القهوة ، وأود أن أبدي إمتناني للاخ الكبير الاستاذ جلال چرمگا، وأحيي الگاردينيا وما تقوم به من دور ريادي في إعلاء قيم الحرية ورسالة الكلمة إلى محبيها وقرائها ـ
أما عن سؤالك فالشطر الاول منه يتعلق بقمر الطفولة والامومة : ــــ أقول ؛ تتشابه الامهات في كثیر من المآثر السجایا، ولا یختلفن إلا ببعض التفاصیل الصغیرة، وأنا ذهبت إلى مشرق العالم أو غربه ، سوف لن تجد فرقا كبيرا بین أم وأخرى إلا بطریقة التعبیر عنها وفي أسالیبها أحیانا، إزاء هذه الحقیقة الوجودبة، فإن ملیكة حمادي، شأنها شأن الامهات الاخریات ، لم تنفرد بشیئ مغایر لم تدخل مدرسة ولم تصب علما، كان لها في مرحلة الطفولة والصبا ابجدية فطرية هي البحث عن (المعنى) في الحياة ، وهي الإشارة الاولى التي إلتقطتها من بستان أبیها ، فـ(الامومة) ، تتسع لدیها وتنصرف من الاسرة الصغیرة إلى العائلة الكونیة ، من الخاص ، إلى العام ، ومن البقعة المحدودة المسافة إلى الوجود كله ، فالامومة لدیها قادرة على ضم الكائنات كافة، قد تبكي لنوْح طیر، أومواء قطة ضلت طریقها، كانت تؤمن بیقین مؤكد بأن الكائنات باختلاف فصائلها وأنواعها ، ذات مصدر واحد ، تنتمي إلى عائلة الكون الواحد : فالشجر ، والإنسان ، والحیوان ، وحتى النمل ، من أصل واحد .. وكان من وصایاها لبنیها أن یحسنوا العنایة بالاشجار والرفق بالحیوان، وأن یتئدوا أثناء السیر ، خشیة أن تضل أقدامهم فیدوسون (نملة) تحمل زادا لبنیها . و تروي الام ملیكة قصصاً بالغة الدلالة عن وحدة المخلوقات الكونیة ، فاللشجر روح ، وللدابة روح ، كما الانسان تماما .. وكانت تثق بأن هذه الموجودات لها مشاعر كما البشر تماماً ، وان بین یدیها براهین على ذلك ؛ فقد تابعت في بستان أبیها حمادي الصالح دورة حیاة الحیوان والحشرات والشجر، وأن أول الْبیّنات في إعتقادها تكمن في حیاة (النمل) و( الزیتون) . وتثق بأن الجنة مأوى الاسخیاء والطیبین والمتعبين ، وان الأیتام والاطفال والشهداء هم أول الضیوف علي مائدة السماء .. وان من الخطأ الجسيم أن نعتقد بأن قیمة الإنسان تكمن في وفرة المال أو وجاهة مقام ، بل الجمالیات كلها تتجلى في وداعة القلب,ومحبة الناس ، وقد كان لــ(زنْكَوّْ) تأثير كبير عليها، من خلال صديقاتها (الحاجة حمدة المحنة وحفصة مراد وصديقة العكلة) وازعم بأني تعلمت منها السماحة وتوقير الطبيعة ـ
أما الجزء المتعلق بالذاكرة مابين أرجحية أي من (الزمان و المكان والانسان)
البناء النفسي تشكله عوامل عدة ، من اولوياتها سحر المكان كما يقول باشلار ؛ فقد عشت طفولتي وصباي في دربونة (زنْكَوّْ) تضم بين جناحيها احد عشر منزلا ،كنت أعتقد وطبقا للمنطق الفطري أنها دارا واحدة ، وكل أم في هذا المكان هي أمي ، فقد ارضعت كل واحدة منهن أطفال الاخرى، فكانت زكية الكردية أمي، وابنتها مجودة اختي ، قكان الجميع ينتمون لأسرة واحدة، وقد تلتئم (زنْكَوّْ) حول طبق واحد ، المحبة كانت تطوق طفولتنا ؛ هذا المجتمع الصغير يصلح فلسفيا أن يكون صورة مثالية ، بل قد تتجاوز بواقعيتها الصورة الافلاطونية ومدينة الفارابي، فلا احد من الكائنات يجوع أو يعرى في هذه البقعة من الارض ، التكافل الاجتماعي في أرفع درجاته الإنسانية ؛ ولذلك عندما كتبت عن المجتمعات اليوتوبية وتجاربها في ( كيمياء الامل )، كانت دربونة زنْكَوّْ نموذجا من تجاربها المعاصرة ، الفرق الحاسم ، أن اليوتوبيا تعني (اللامكان) محض فكرة متعالية على الواقع ،لا وجود لجمهورية أفلاطون ولا لحاضرة توماس مور ولا لمدينة الفارابي الفاضلة ، ولكن (زنْكَوّْ) كانت قائمة داخل المسافة والزمن لم تكن مجتمعا ملائكيا ، كانت تضم حمار إبراهيم الجرمط ، وبقرات ملكة الثلاث ، وطيور أحمد البطوشة ، وديكة علي العكلة ، ونخلة حفصة ، وعرقت الاحزان العميقة وجربت ارزاء الموت ـ وعندما دونت كتاب (فردوس الكرخ) حرصت قدر المستطاع أن ألجأ إلى السببية الانسانية في تعليل وجود يوتوبيا من لحم ودم فاكتشفت بأن الـ (نحن) هي القانون الأول: فالفردية الفاقعة اللون، (الأنا) المنكفئة على شأنها الخاص أو (الأثرة) الخالصة، منفصلة بالحتم والضرورة، لا معنى ولا مضمون لها في لوحة (قيم) الدربونة، لا تملك إلاّ التهافت حيال الوعى الحقيقي للـ (كل).
طبقا لذلك، فأن زنْكَوّْ علمت بنيها بأن الانفلات من أسر (الأثرة) هو المقدمة الاولى لأن يصبح الكائن البشرى إنساناً سوياً، بارتقائه إلى (الإيثار) النبيل الذي يفصح عن الوجه الوضئ للحياة.
القانون الآخر؛ هو القيمة الكبرى للإنسان، إذ تذوي في (الدربونة)، وتذوب: الطبقية..العرقية.. الدينية.. يلي ذلك قانون التآزر الاجتماعي في الارزاء والمسرات،ثمة قانون الحرية القائم على الشورى وتبادل الرأي ، و في سعة الصدر،وكان الحوار هو المنهج الوطيد الذي تلوذ به الدربونة في حل أي خلاف ، وهناك قانون آخر هو (حكمة الشيوخ) الحاجة حمدة والحاج مشمش والبستاني بريسم ، ونورة القدسي ؛ ولا أظن أن (زنْكَوّْ) في عقدي الاربعينيات والخمسينيات كانت تختلف كثيرا عن أزقة بغداد الاخرى، فالسجايا البغدادية النبيلة قسمة مشتركة بين عموم العراقيين ،
فلسفة الـــ(النحن) . طفولتنا الأولى المفعمة بالصدق والبراءة... وثيقة محبة لصبية زنْكَوّْ الموتى والأحياء، أصدقاء الإزدهار الإنساني ، الذين تآزروا لألتقاط نجمة الصباح، بأمل أن يكون لهم غد سعيد ..
س ٢- ولدت في الكرخ حيث اختار اكثر اقرانك مسلك العسكرية وانضباطها, ما الذي اخذك للفلسفة وهو العلم المحب للحكمة و طلب المعرفة والبحث عن الحقيقة ؟
ماخطر ببالي يوما فكرة الإنخراط في المسلك العسكري، ربما لان بنائي النفسي كان سببا في ذلك ، فقد كانت أمنية أمي مليكة أن أتعلم القراءة وأختم القرآن الكريم ، وربما كانت تحلم أن أكون شيخا حتى أتمكن من إهداء ثواب ما أقرأ على روحها بعد مفارقتها الحياة، وكانت تفضل (الكتاتيب) على (المدرسة) ولذلك تحت هذا التأثير وجدت نفسي منذ بداية حياتي وأنا في الخامسة من عمري، اتنقل على مدى ثلاث سنوات بين ثلاثة من الشيوخ الاجلاء (الملا حماد) في سوق حمادة و(الملا حميد) في سوق الجديد و(الشيخ عباس العزاوي) كان المرفأ الاخير في الفحامة ، وقد دخلت مدرسة الزوراء الابتدائية، وأنا أحسن القراءة والكتابة وكنت قد جاوزت التاسعة ؛ ومن الگاردينيا ارسل التحية إلى ذكرى الاستاذ المربي عباس العاني ،وحدث أثناء دراستي في المرحلة الإبتدائية أن انتقلنا من (زنْكَوّْ) إلى محلة (القشله) في الرصافة ، فأدخلني أبي إلى مدرسة الحسينية الأهلية وكان لاستاذتي ومعلميٌ الشيخ حمود الساعدي و علي النعيمي ومحمد جواد الغبان والسيد هاشم النعمة كان لهؤلاء المربين الاجلاء الفضل الكبير في توجيهي للقراءة الحرة وتغذية ميولي نحو مطالعة الروايات والنصوص الادبية ، ومن وقد فتحت مكتبة جامع الخلاني أمامي أفقا واسعا للتعرف على عالم الكتاب، لاسيما في موسم الاجازة الصيفية ، وفي هذه المكتبة الزاخرة بكل ألوان المعارف والاداب والعلوم حظيت برعاية وتوجيه الاستاذ الشاعر محمود الريفي والسيد علي محمد الحيدري، تعلمت كيف انتقي الكتاب المناسب ، وطريقة الافادة من النصوص ، وكنت محظوظا بانني تلقيت العلوم الفلسفية على كبار الاعلام في مرحلة البكالوريوس وهم ( الدكتور كامل مصطفى الشيبي، الاستاذ مدني صالح ، الدكتور ياسين خليل ، الدكتور جعفر آل ياسين الدكتور حازم مشتاق ، والدكتور صالح الشماع ، والدكتور نجم البازركان) ، وابقى مدينا لكل واحد من هؤلاء الفلاسفة الذين تعلمت عليهم بأن الاحتكام للعقل يجنبنا الوقوع في مغبة (القبليات) وأن إعمال الفكر بداية طريق الحكمة وان الشك المنظم أول درجات البحث عن الحقيقة ، بهذه المخرجات المدرسية والوصايا المنهجية ، تتبدى القيمة التنويرية لفلاسفة بغداد ، ولكل منهم مقام سام في وجداني وعقلي ،
س ٣ - في عام ١٩٧٧ ومن جامعة الاسكندرية منحت شهادة الدكتوراه وقبلها الماجستير في علم الفلسفة , ماهي ذكريات تلك التجربة ؟
أحببت مصر منذ طفولتي وامضيت في ربوعها أجمل سنوات حياتي ، واقمت فيها عشرة أعوام (1967 ـــ 1977) في رحلتي العلمية ، كنت ادرس في معهد الدراسات الاسلامية العليا بالقاهرة ،
وفي الوقت عينه ، أواصل تعليمي في جامعة الاسكندرية ،وكنت أقيم مابين القاهرة والاسكندرية ، لي صحبة طيبة مع مجموعة من الاصدقاء واولهم إدموند إيليا، الدكتور أحمد عبد الحليم ،الدكتور ماهر عبد القادر ، هاني المرعشي ، الدكتور محمد محمد قاسم ، الدكتورة راوية عبدالمنعم ،وماتزال هذه الرفقة قائمة حتى اليوم بعد مضي نصف قرن من الزمان ، الدكتور هاني، وكان أستاذي الدكتور ياسين خليل قد حثني على مواصلة دراستي للفلسفة وكتب توصية علمية بذلك وكذلك استاذي وصديقي الدكتور كامل مصطفى الشيبي خير عون لي طوال دراستي العليا ، وقد لقيت أثناء دراستي مؤازرة علمية من عميد الآداب الاستاذ الدكتور عبد المعز نصر ومن الاستاذ الدكتور على سامي النشار رئيس قسم الفلسفة في آداب الاسكندرية وقد درست عليه فصلا دراسيا كاملا قبل أن ينتقل إلى كندا ثم المغرب ، وتحت إشراف الاب الروحي الفيلسوف الدكتور محمد على ابو ريان ، انجزت رسالة الماجستير (مدرسة بغداد الاعتزالية) 1974 واطروحة الدكتوراه (العقل والحرية في فكر المعتزلة) 1977 ،
كانت مصر في عقد الستينيات في عهد الرئيس جمال عبدالناصر تعيش في ظل تجربة اشتراكية ، اسهمت في التقدم الاجتماعي لصالح الكادحين والفقراء وصغار الموظفين عبر محوري الاكتفاء الذاتي ، والعدالة في توزيع الثروة الوطنية ،وقد شكل العمال والفلاحون نسبة 50% في البرلمان ، وقد تمكنت التجربة الاشتراكية من تحقيق إلزامية التعليم وإقامة التعاونيات، وترسيخ حقوق المرأة ، وشملت مظلة التأمينات المواطنين كافة لاسيما في النواحي الصحية والاجتماعية ، في ظل هذا المناخ الخصيب ازدهر الفن والثقافة والادب ، وأصبح الكتاب في المقدمة ففي كل يوم كان هناك رصيدا من الانجاز الثقافي والمعرفي ، قبل أن تزلزل هزيمة الخامس من حزيران مصر والدنيا العربية ، ورغم الجرح النفسي الفاغر الذي احدثته حرب الايام الستة، حاولت مصر أن تستعيد نفسها، فكان بيان 30 مارس، منهجا نقديا للخطايا، ومشروعا للثورة على الذات ،بإعادة تأهيل المجتمع ، وتنظيم الجهد العسكري بحرب الاستنزاف وصولا الى لحظة العبور إلى ضفة الحرية ،في السادس من اكتوبر 1973 ، وماحدث تاليا لهذه المرحلة ومانلاها معروف للجميع ـ
س ٤ - توليت تدريس علم الكلام ، التصوف ، فلسفة اسلامية ، مدارس فلسفية ، الفكر الفلسفي المعاصر في كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد و كلية العلوم وكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة بغداد ، واستاذ الدراسات العليا، جامعة بغداد في جامعة البكر، و معهد التاريخ العربي للدراسات العليا ثم توليت منصب مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات ( ١٥ )عاماً منذ عام ١٩٨٣, كيف تقيم تلك التجربة وما صفات التدريسي الناجح لهذا الاختصاص ؟
ليس هناك من مهنة تفوق مهنة التعليم ؛ فالمعلم كما الاب يفخر بأبنائه وتلاميذه ، سواء ممن درستهم أو اشرفت على رسائلهم العلمية او الذين شاركت في لجان مناقشة اطروحاتهم ، وأصبح الكثيرون منهم اساتذة ورؤساء اقسام وعمداء، في الجامعات داخل وخارج العراق، واتواصل مع الكثيرين منهم ، واتابع باعتزاز إنجازاتهم العلمية ، وأقرأ لهم مايتيسر لي من النصوص، واحمل لكل من طلبتي ذكرى جميلة ، وأقر بأنني تعلمت الشيئ الكثير من تلاميذي سواء في مرحلة البكالوريوس أو في مرحلة الدراسات العليا، فالمعلم مهما أؤتي من معرفة أو نال من العلم ؛ يكتشف بأن الكم الهائل من المجهولات يفوق مما لديه من المعلومات، وفي ضوء نسبية المعرفة يظل المعلم تلميذا في مدرسة الحياة ، التي لاتكف عن القاء اسئلتها ، والفلسفة هي المولدة للاسئلة ؛ بل هي السؤال نفسه ؛ ومتى ماكف العقل عن السؤال ، تنطفئ المعرفة، لذلك أؤكد بأنني تعلمت من أبنائي وتلاميذي الكثير ، عبر قنوات الاسئلة الذكية، والحوار ومناقشة البحوث والرسائل العلمية ، وتبادل الرأي حول الاشكاليات الفلسفية وفي مختلف القضايا، ومازلت مؤمنا بما علمني استاذي وصديقي الراحل العزيز كامل مصطفى الشيبي (1927 ــــ 2006) بأن الطالب طرف مشارك في صنع المعرفة وليس متلقيا لها فقط ـ
س ٥ - في عام ١٩٩٨ عينت بمنصب سفير للعراق في جمهورية ايران الاسلامية وبقيت في المنصب حتى حرب ٢٠٠٣ , هل يكفينا فنجان قهوة لتفتح لنا بوابات ايران واحداً تلو الآخر ؟
أولا ـ امضيت في وظيفتي الدبلوماسية بطهران حوالي اريع سنوات وسبعة اشهر (1998 ــ 2003) وبأمانة كانت لدى العراق إرادة سياسية ورغبة حقيقية لإيجاد مخارج إيجابية لتطبيع العلاقات مع طهران ، بقصد الوصول إلى إتفاقية سلام دائمية ، ولذلك كانت هناك خمس لجان مشتركة تلتقي دوريا لحل ومعالجة الملفات العالقة بين البلدين ، وقد قطعنا شوطا في ذلك ، وكان لقاء الرئيس الراحل بوزير الخارجية الدكتور كمال خرازي في بغداد عام 2001 ايجابيا للغاية ، وقد استغرق اكثر من ساعتين بحضور وزير خارجية العراق آنذاك السيد محمد سعيد الصحاف ، وبالقدر الذي كان فيه السيد محمد خاتمي يبدي رغبة (وإن كانت مترددة أحيانا) لانهاء الازمة ، كان هناك أيضا التيار المحافظ الذي كان يقف بالسر والعلن ضد تطبيع العلاقات فكان يختلق الازمات بين البلدين ، وكان الحرس الثوري ، ووزارة الامن يقفان أيضا مع التيار المحافظ ، كانوا يحاولون إعاقة أي تقدم أو تطوير للعلاقات الثنائية ، في الوقت الذي كنت أواصل فيه اللقاءات مع رئيس الجمهورية ونائبه ومع رئيس البرلمان وكذلك مع الدكتور كمال خرازي وكبار مسؤولي وزارة الخارجية ومع العديد من الوزراء ،
في المقابل كان الشيخ هاشمي رفسنجاني يتجاهل مذكرات سفارتنا المتكررة في تحقيق لقاء معه، وتزامن في حفل استقبال أقامه الرئيس خاتمي لرؤساء الجامعات الاسلامية، وكنت برفقة الاستاذ الدكتور ناجح خليل الراوي رئيس المجالس العلمية في العراق ، ضمن المدعوين أن رأيت الشيخ رفسنجاني وقدمت نفسي إليه ، وابديت رغبتي في لقائه ، نظر الي بنصف ابتسامة وقال كلمتين (يصير خير) وطبقا لمعلوماتي كان أحد الممانعين في قضية تطبيع العلاقات بين البلدين ـ
ثانيا ـ ازعم بأن السفارة العراقية وطوال فترة عملي فيها تكاد تكون من السفارات القليلة التي شرعت ابوابها امام مواطنيها من العراقيين كافة ،دون اي تمييز أو موقف مسبق ، وبمعزل عن الانتماء السياسي، سواء كان المواطن لاجئا سياسيا ، أم هاربا من الخدمة العسكرية ، ام مقيما ، وبهذا الصدد حذرتنا الخارجية من مغبة فتح باب السفارة ؛ خشية من إقتحام المعارضة السفارة والقيام بعمل عدائي ضد رئيس واعضاء البعثة، لكننا تمسكنا بموقفنا ، رغم أننا سبق وأن تعرضنا لهجوم عنيف شارك فيه فيلق بدر والحرس الثوري عام 1999ـ لكن طاقم البعثة أفشل الهجوم وتمكن من احتوائه ـ
قضيتان كانتا تؤرق السفارة هما : عودة (الاسرى) وحل (قضية اللاجئين) الذين تعرض الكثيرون منهم للمهانة والإذلال على يد القوات الامنية ودائرة الاقامة ، وقد كتب البعض من اللاجئين رسائل احتجاج على سوء المعاملة ونشرتها في حينها صحيفة الوفاق ، وقد ورد فيها ندم العراقيين لانهم تخلوا عن نصرة بلادهم أثناء الحرب ووقفوا يقاتلون الى جانب القوات الايرانية ، وكانت مكافأتهم إما الإنضمام إلى قوات بدر ، او السجن أو الطرد من البلاد ـ وحين توضحت هذه الحقيقة أصدر العراق عفوا غير مشروط ، بعودة اللاجئين العراقيين كافة الى وطنهم ، وقد اجرى مندوب فضائية (ANN) السيد نجاح محمد علي ، لقاء معي تحدثت خلاله عن قرار العفو الذي شمل جميع العراقيين بما في ذلك الاحزاب ـ ومن بين فقرات القرار؛ اصدار جوازات سفر جديدة بدلا من المزورة ، وردا على قرار العفو، ثارت ثائرة المجلس الاعلى وقوات بدر ومنظمة العمل والدعوة، وبعض التنظيمات الصغيرة، فشنوا عبر جرائدهم والاذاعة الموجهة حملة تشكيك إعلامية صاخبة ضد السفارة، فأصدرا بيانا إثر بيان ، يحذرون فيها العراقيين من التوجه الى السفارة ، لانهم سيلاقون حتفهم وسيحملون بصناديق الى بغداد ، لكن هذه الحملة لم تؤت أكلها ، فقد حدث العكس فكان الاقبال على السفارة ملحوظا واخذ يتضاعف يوما بعد يوم ، واشهد بأن كافة موظفي السفارة بمختلف عناوينهم كانوا على وعي تام بالمسؤولية ، واحسنوا معاملة جميع المواطنين، وقد كتبت الصحف الايرانية والعربية عن ظاهرة اقبال العراقيين على سفارة بلادهم، واذكر هنا ثلاث حوادث ؛
الاولى: أن أحد المواطنين كتب في جريدة الوفاق مدعيا بسوء معاملة أحد موظفي السفارة، فكتبت في اليوم التالي رسالة إعتذار له في الجريدة نفسها،
الثانية ؛ جددت السفارة جواز السيدة شقيقة السيد محمد باقر الحكيم ، وجاءني مندوب جريدة القبس الكويتية ، وسألني ؛ عن مدى صحة تجديد السيدة من آل الحكيم ؟، فأجبته بالايجاب، ثم القى مافي جعبته (هل تمنح السفارة السيد الحكيم جواز سفر في حال طلبه؟) قلت نعم ؛ إذا جلب معه الاوراق الثبوتية ، (شهادة الجنسية والبطاقة الشخصية) حاله حال غيره من العراقيين، قي صباح اليوم التالي ؛ نشرت القبس بالخط العريض صياغة مثيرة للخبر !
الثالثة ؛ تلقيت في المساء اتصالا هاتفيا من مواطن عراقي مقيم في مدينة يزد ؛ أغرقني بالشتائم ، وهو يهدد ويتوعد ، وذكر بأنه ضابط في الجيش العراقي ، ويبيع (سيجاير) لكي يقيم اوده ، وانه يعلم بأن قرار العفو مكيدة للايقاع باللاجئين ولذلك فإنه رغم حاجته لجواز سفر لن يجازف بحياته ويأتي إلى السفارة ، فبادرته وقلت له : ألست عراقيا كما تقول ، فأجاب نعم ـ وهل تفتح باب بيتك إذا جاءك ضيف ؟ فأجاب بالتأكيد ، فقلت له مارأيك لو أنني أرسلت اليك ابني لينزل ضيفا عليك، وتبقيه في يزد ، وتأتي لانجاز معاملتك ؟ لم اسمع إلا البكاء ، في صباح اليوم ، وانا اهم بدخول السفارة ، وقف رجل في حوالي الاربعين ، انا من كلمك مساء امس وجئت اقدم اعتذاري ، ودخل وانجز معاملته في اقل من ساعة ، وهو يقسم أن يعود إلى الوطن ـ
حاولت قدر استطاعتي خلال سني خدمتي الدبلوماسية في إيران وبرفقة اعضاء البعثة ومؤازرتهم أن نعمل على تخفيف التوتر لتوطيد أسس العلاقات بين بلدينا على قاعدة الحوار العقلاني المتكافئ ، وحل جميع الاشكاليات وفقا لمبادئ حسن الجوار، والمصالح المشتركة، والكف عن التدخل بالشأن الوطني، تمهيدا لاقامة إتفاقية سلام حقيقية ، ينصرف من خلالها البلدان إلى التنمية والبناء ، وكانت صفتي كأكاديمي تسبق احيانا الصفة الدبلوماسية ، فشاركت بصفتي الشخصية كباحث في مؤتمرات مركز ملا صدرا للدراسات الفلسفية ، وقدمت بحوثا في طهران واصفهان وكيش ، والقيت محاضرات في مركز حوار الحضارات، وقدمت دراسة لمؤتمر الفيروز أبادي الدولي بجامعة شيراز ، تحدثت فيه عن رحلة الفيروز ابادي عن كتابه (القاموس المحيط) ـ وكتبت عن الشاعر العظيم سعدي شيرازي وعن مرثيته لبغداد، يوم كان يتلقى علومه في المدرسة المستنصرية ، وكان شاهدا على سقوط بغداد على ايدي المغول 1258 م
وعلى ذات القاعدة الثقافية بادر كاتب السطور إلى التنسيق مع بيت الحكمة في بغداد للمشاركة في المؤتمرات الفلسفية ،وتم بالفعل دعوة بعض الشخصيات من بينهم البروفيسور مهدي محقق رئيس مركز المفاخر الثقافية في طهران، ـ
وفي الاتجاه نفسه وجدت أن الفضاء الثقافي بين البلدين يفوق السقف السياسي ويتجاوزه ، ولذلك بادرت إلى إقامة معرضي الشخصي للفن التشكيلي في قاعة نياوران في طهران واخترت عنوانا متفائلا (الغد ــــ فردا) وقد لقي إقبالا من البعثات الدبلوماسية ومن المواطنين الايرانيين ، وقد احتفظ (متحف نياوران للفن التشكيلي) بلوحتين من أعمالي ، واهديت ثالثة للرئيس السيد محمد خانمي ، والرابعة إلى مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للخارجية الايرانية، ووجدت مكانا لها في مكتبة المركز، وقدمت اللوحة الخامسة إلى مركز الحوار بين الحضارات.
وعن معرض (الغد) كتب فيصل عبدالله ـ جريدة الحياة ـ لندن ـ 4 /3/ 2000 رقم العدد: 13507 تحت عنوان : عبد الستار الراوي يعرض في طهران . أمنيات عراقية مؤجّلة
لا يستمدّ المعرض الذي تستضيفة قاعة نياوران للفنون في طهران قيمته الأستثنائية من طبيعة لوحاته الفنية او عددها. الا ان زيارتي المعرض بددت أهمية التفكير في المكان واللوحات الى حد كبير، فغدت من العناصر الثانوية مقارنة بشخص الفنان. ولأعترف كنت مدفوعاً، لحظتها، بفضول الصحافي الذي يبحث في تعاكسات الأشياء وتناقضاتها. فجاءت المفارقة على درجات، إذ أن الفنان صاحب المعرض ليس عراقي الجنسية وحسب، وانما القائم بأعمال سفارة بلده في طهران. وقد دشن بمعرضه هذا سابقة لم تتح لشخص آخر على مدى العشرين عاماً الأخيرة،
وقد شهد خلالها البلدان حرباً ضروساً، إنطلاقاً من نهاية العام 1980 ودامت ثماني سنين، وراح ضحيتها أكثر من مليون ونصف، وخلفت عدم ثقة بين البلدين مازالت قائمة حتى الآن. وإضافة الى الخراب الذي ضرب ركائز البلدين الأقتصادية والأجتماعية والنفسية، فقد تركت تلك الحرب مراراتها في أفواه الأسرالايرانية والعراقية على حد سواء. وفعلاً وجدت ضالتي في مفارقة، ربما نادرة،
فالسيدة بهبهاني مديرة تلك القاعة، التي أبهرتني في طلاقة لغتها الأنكليزية، كانت متحمسة لتقديمي الى الفنان، وكانت حماسها للمعرض وللفنان، أشبه بوسيلة لأشباع رغبتها غير المتحققة في زيارة قبر جدها المدفون في أرض العراق،وتحديداً في مقبرة النجف الأشرف .
اما الفنان، فهو عبدالستار الراوي الذي شغل سابقاً منصب أستاذ فلسفة في جامعة بغداد، وقد بادلها إيماءة مماثلة حين أطلق على معرضه عنوان "الغد"، مما يوحي بطي صفحة الماضي المؤلمة في العلاقات بين البلدين. لوحات المعرض، تجاوزت السبعين عملاً فنياً، عكست رحلات واقامات الفنان الدبلوماسي بين عدة أماكن، مثل بغداد والهند وأخيراً طهران. وقد نفذت بمواد مختلفة دارت حول موضوع واحد تقريباً. هذا الموضوع، الذي عالجه بطريقة تشخيصية ومشحونة بطاقة لونية تجذب النظر، يطرق أبواب البراءة الأولى والماضي الجميل المستمد من ذكريات الفنان الكرخي في بغداد. ان معرضاً كهذا، لا يقدم فقط تجربة فنان يمثل العراق رسمياً في بلاد أعداء الأمس، لكنه يضرب على وتر التقارب والمصالحة الذي تحاوله طهران ولا زالت بغداد تصد عنه بتمنعاتها المعروفة. هذا على رغم ما يكنه الفنان الدبلوماسي من مشاعر صداقة وود وتطلع إلى عودة أجواء السلام المؤجل بين البلدين، حتى وصلت به حماسته، وهو يحدثني، الى إقتراح فصل الربيع لزيارة طهران لانها تتحول الى سجادة من زهور. وقد تكون هذه مجرد كلمات تسبح في فضاء الفن والجمال ،. لذلك قد يبدو هذا المعرض أشبه بمحاولة يائسة لتحدي الفوضى التي زرعتها السياسة، وغمرت الايرانيين والعراقيين ولم تبق لذلك الصنف الأرهف من الناس الفنان ومديرة المتحف سوى الرهان على أمنيات مؤجلة دائماً الى "الغد" السائب خارج مواعيد الزمن الفعلي.
وبقصد إزالة الحاجز النفسي بين العراق ومواطنيه وبينه وبين الشعب الايراني ؛ بادرت السفارة كفريق عمل واحد إلى استثمار قصر منيف تعود ملكيته للعراق وهو من بين اجمل مباني طهران ، وحولناه إلى مركز ثقافي تحت اسم (البيت العراقي) ، ويضم القصر ثلاث قاعات (المتحف والمقتنيات الآثارية) وكان في اعداده وتنظيمه صورة نموذجية للمتحف العراقي ، وضمت القاعة الثانية ( لوحات الفن التشكيلي العراقي المعاصر) وخصصنا القاعة الثالثة (مكتبة) تحت عنوان الكلمة العراقية رسالة سلام ـ
وقد قام وزير خارجية العراق الدكتور ناجي صبري بزيارة البيت العراقي واعجب بمقتنياته ، وقد تم افتتاحه عام 1999 واقمنا فيه حفل استقبال حضره غالبية أعضاء ورؤساء البعثات الدبلوماسية في طهران وكذلك كبار مسؤولي وزارة الخارجية الايرانية ـ
س ٦ - كتابك المثير للجدل ( ثورة العقل ) الدراسة الفلسفية التي كرستها لفكر معتزلة بغداد , ولك ايضا ( فلسفة العقل ) هو حتماً جهد حضاري شاق، حيث اخترت ان يكون ( العقل) منهجاً تحليلياً لعالم المسافة والزمن، وجعلت من ( الحرية) علماً له قاعدته الحية الموجهة في بناء الإنسان وتقدير موقفه من نظام الكون، وحدود الأشياء , ماذا توصلت في هذا البحث المعمق من نتائج ؟
يواجه المجتمع العربي في هذه المرحلة تراجعا ثقافيا لصالح العقل الديني المؤدلج وهو اشد خطرا من احزاب اللاهوت المغلقة التي لاترى ظلا لسواها ، فكلاهما لديه نسقا ايديولوجيا قائما على جملة من المفاهيم (الدوجماطيقية) ،ويتبنى أحكاما مقررة سلفا ، ويزعم بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة ، ولاشريك له في هذا الوجود ، مما يعني أننا أمام فكر ذي بعد واحد ـ وامام اصنام جديدة ولاهوتيات ظلامية ؛ كتب عنها الفيلسوف فرانسيس بيكون منذ اربعمائة سنة ـ
الفلسفة توأم الحرية ؛ ووفقا لهذه البديهية يصعب الحديث عن إشاعة الفلسفة في مجتمع شبه مغلق، في ظل دعاوى الهرطقة وفتاوى التخدير والتكفير ، لايمكن في غابات الدم ـ أن ينهض عقل فلسفي مستقل ، لا احد يجرؤ اليوم على نقد العقل اللاهوتي ـ الفرق ان الفلسفة وليدة سؤال الواقع ، تحاول ان تفسر القيم الدينية لصالح الانسان ـ وليس لحساب رجل الدين ، الذي يقدم نفسه وسيطا بين السماء والارض ـ
ما يجري الآن هو هيمنة سلطة اللاهوت على العقول وعلى الرقاب ـ ومن بديهيات العقل النقدي ؛ أن لاتفلسف دون حرية ، فالحرية للعقل كما النور للابصار على حد قول الجاحظ ، وبغياب الحرية تتلاشى سلطة العقل ، ولاتفلسف دون شك منهجي كما يقول الغزالي، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال ، ولا تفلسف في ظل (الإجماع) و(التعميم) ـ
الفلسفة مرآتها حقوق الانسان و إيمان قوي بالحرية في القول والفعل، واحترام لا مشروط للرأي الآخر، ومقاومة القبح ونبذ كل أصناف العنف والارهاب الفكري ؛ يقول فولتير (1694-1778)«مهما اختلفت معك سأدافع عنك إلى آخر رمق في حياتي حتى تعبر عن رأيك بكل حرية» .
ثورة العقل تمثل نضارة فكر مدرسة بغداد الفلسفية الاولى ممثلا بالاعتزال ؛ جاءت ثورة العقل ردا على الافكار الدوجماطيقية والتطرف وعلى المناهج الوثوقية وعلى محتكري الحقيقة، ومعها كل أشكال الوعي الزائف الاخرى ،ولهذا يقال عن المتعصب Intolerant إنه دوجماطيقى. والدوجماطيقية Docmatisim لفظ معرب ويعنى توهم امتلاك الحقيقة المطلقة. وإذا تمادى الدوجماطيقى فى هذا الوهم فإنه يدخل فى «سُبات دوجماطيقى». على حد تعبير الفيلسوف مراد وهبة ،وهذا المصطلح قد صكه فيلسوف التنوير عمانوئيل كانط فى القرن الثامن عشر. عبر عنه فى مقالته المشهورة: ما التنوير؟» وجاء جوابه أن التنوير هو إعمال العقل من غير معونة الآخرين، الأمر الذى يمكن معه القول بأنه لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه.
فالعقل يزدهر بالحرية والنسبية وبالحوار ، وبإقصاء النتائج القبْلية . والبدء بالبحث . الفحص ، المراجعة . النقد . هى الادوات العقلانية . التى سبق للمعتزلة منذ القرن الثالث الهجري أن حاولوا النزول بها إلى الواقع وإلى الشارع والاسواق لتكون فى خدمة الإنسان مقصدها الاحتكام للعقل والحرية للانسان ، والغاية منها التنوير لفهم الكون ، والكشف عن أوجه التماثل والاختلاف والعلاقات المتبادلة ، واستقصاء الأسباب ، ومحاولة الانتقال من الحقائق الفردية إلى الحقائق العامة . ومن المعرفة المبنية على حقائق متفرقة إلى معرفة أرقى للارتباطات القائمة بينها. لذلك يبقى المثل الأعلى للعقل العلمي النقدي هو تحقيق الترابط المنهجي للحقائق .
وعلى الطريق ذاته كان البحث في (( الحرية )) إقرارا تأريخيا لأولوية العقل وحقوقه ، بالنظر والعمل ، بالفكر والحركة .
س ٧ - هل قادك التصوف الاسلامي الى علم الباراسيكولوجي , كونك عضواً مؤسساً ونائباً لرئيس جمعية الباراسيكولوجي العراقية، وعضو الهيئة الاستشارية لمجلة الباراسايكولوجي والحياة، وأستاذاً محاضرا في مركز البحوث النفسية (الباراسايكولوجي) جامعة بغداد، على الرغم من أن اختصاصك الدقيق في (الفلسفة ومباحثها). وكيف تقيم هذه التجربة في العراق ؟
أود القول بأن الباراسايكولوجيا (حقل معرفي) وليس علما وضعيا ، وهو تجربة ذاتية ، ولكي ندرك العلاقة بين الموهبة النفسية الفائقة والكرامة الصوفية (المفترضة) يقتضي الوقوف على مفاهبم كلا الحقلين الصوفي والباراسيكولوجي
1ـــ تقتضي الإحاطة النسبية بأصول التصوف ، دراسة اتجاهاته ومدارسه ، وفهماً عميقاً لمقاصده ومعرفة أذواقه ومواجيده، فالمتأمل يلاحظ في حياة الصوفية ، وفي ما عبروا به عن مذاهبهم ، أن النفس الإنسانية هي المحور الرئيسي الذي تدور عليه مجاهداتهم النفسية . فالتصوف ؛ من هذه الناحية ولدى مريديه وطبقا لاقوالهم ؛ ( ليس إلا رياضة للنفس ، وكبحاً لجماحها ، ومجاهدة لأهوائها وتنقية للقلب من أدران الشهوات ، وشوائب النزوات ، والتصوف بعد هذا كله ذوق ووجد ، وفناء عن الإنية ، وبقاء في الذات العلّية ، واتصال بالمنبع الأزلي الأسمى الذي يفيض على الكون ، كل ما فيه من آيات الحق والخير والجمال) !.
يتضح هنا أن الإحاطة بكل جوانب التصوف أمر متعذر مثل من يريد أن يعرف كل شيء عن التصوف دون أن يسلك طريقه كمثل الذي يتفحص ثمرة لم يذق بعد طعمها ولا عرف نكهتها لان التجربة الصوفية (تجربة ذاتية) .
2- استقصاء أصول الباراسايكولوجيا والتعرف على مقدماتها الأساسية والأهم من ذلك كله ، هو الموقف من الظواهر فوق الحسية نفياً وتأييداً ، أو على الأقل توفر قدر معين من النظرة المحايدة.
ومع ذلك فإن المناقشات حول الظواهر فوق الحسية غالباً ما تأخذ شكلاً عاطفياً متطرفاً ، فهي إما مرفوضة رفضاً قاطعاً ، أو مقبولة على علاتها . ويزيد من ذلك أنها أصبحت من محاور الجدل المضنّي بين ذوي الاتجاهات المثالية والمادية ، أي أنها أصبحت مشكلة في الفلسفة وفي الدين وفي السياسة أيضاً ، فالمثاليون يعتبرونها شواهد حية ماثلة لم يستطع العلم التجريبي حتى الآن أن يجد لها التفسير العلمي المقبول ، والماديون يوصدون أبوابها هروباً ، دون أن يقدموا براهينهم على نفيها لانها مسألة ميتاسايكولوجية لاتستحق عناء البحث.
ولعل أقوى حجة يسوقها خصوم الباراسايكولوجيا ، هي عدم القدرة على استخدام المنهج الإحصائي التقليدي للظواهر فوق الحسية ، فما يتقبله العلم ينبغي أن يتميز بخاصية القدرة على التكرار والحدوث ، عندما يقوم أحد العلماء بتجربة موضوع البحث مرة ثانية ، والتجربة يجب أن تكون ممكنة الوصف بشكل كامل ، ومن ثم يمْكن إعادتها أمام الباحثين الذين يجب أن يحصلوا على النتائج نفسها ، وذلك قبل أن تتحول تلك التجربة إلى حقيقة علمية مدققة ومبرهن عليها .
إزاء هذا المنطق العلمي الموضوعي فإن المشكلة الرئيسية التي تثيرها الظواهر النفسية الفائقة ،هي أنها تبدو متناقضة مع مفهومات محددة ، أصبحت أساسية في حضارة وثقافة هذا العصر، مثل مفهومنا عن الزمن والسببية والنسبية ، والطاقة والذهن والمادة . وفي ضوء ذلك يتعين علينا طرح الاسئلة الآتية: هل توجد فعلاً ظواهر خارقة ؟ وهل يمكن الاستفادة منها في شؤون الحياة ؟ ولماذا ؟
ولذلك نخاطر بالارتطام ببعض مفاهيمنا المادية التي تبدو لبعضنا ثابتة ومقدسة .
إن الاعتراف بوجود ظواهر خارج نطاق وجهة النظر التقليدية في الطبيعة وعلم النفس أمر يحاول أصحابه أن يثبتوا جدواه وأننا سوف نتحقق منه في الوقت المناسب عندما تستكمل أدوات المعرفة العامة .
3- أن الكرامة نشأت وترعرعت في أوساط الثقافة، بعيداً عن الحس النقدي، فالكرامة في أغلب الأحيان من «المرويات» التي تتناقلها مجالس المريدين، ويرجع سبب نشأتها هذه إلى أن «الولي» أو «القطب» يكتم الكرامة ، فبالتالي تتناقل وتتسرب بعيداً عنه، محملة بالكثير من الأساطير والخرافات ، مما يجعل هذه الطائفة هدفاً للنقد .
فصعوبة التحقق والتدقيق للنصوص والإشارات والحالات الروحية ، تقع خارج المعطيات العيانية المباشرة ، فالبعض منها محض حكاية ، وبعضها الآخر روي في زمن مضى ، والقسم الأكبر من (الكرامات) شخصي ، ذاتي يصعب الوصول إليه أو التأكد من صحته .
ولكن يجب أن نعترف بأنه لم تتوفر بعد النظرية الكاملة التي يمكن في ضوئها تفسير أي واحدة من الكرامات أو ظواهر الإدارك فوق الحسي وفق المنهج العلمي التجريبي المعترف به في أوساط الباحثين والعلماء .
4- أن الأعمال التي توصف بأنها (خارقة) ،هي عبارة عن موهبة قوية تظهر نفسها فقط ضمن شروط وأجواء يصعب فهمها أو تفسيرها أحياناً ، كما أن التجارب التي تجري لإثبات صحتها نادراً ما تقدم نتائج متناسقة ومترابطة ، ضمن المتداول من منهجية البحث العلمي.
5- مشكلة استقصاء الجذور النفسية المشتركة بين التصوف والباراسايكولوجي ومحاولات رصدها استنباطاً ، واستنتاجاً في حدود تحليل الخبرات المتماثلة نسبياً ، وتوصيف عام لماهياتها .
إن الف باء المنهج العلمي في عرض مادة البحث لا تحول دون إبداء تحفظاتي العلمية على أيّ من الأحكام المسبقة أو الآراء (القبْلية Apriori) التي تلزم وتفرض علي التحقق من صحة المقدمات وفحص وتقويم البيانات ، وهذه واحدة من مهام العقل النقدي الذي يواصل البحث عن أجوبة شافية للأسئلة القلقة ـفالكرامات ليست سوى حالات مفترضة ورؤى ميتافيزيائية متعالية ؛ وليست وقائع ثابتة،والأمر ذاته ينطبق على بعض الظواهر النفسية الفائقة التى لا يزال الكثير منها قيد البحث والدراسة ـ
قد تتحول مجهولات اليوم إلى معروفات في الغد ، عندما يمتلك العقل أدوات التفسير المعرفية اللازمة أو يهتدي إلى قوانين أخرى في الطبيعة تمكنه من الفصل بين التصورات والتصديقات ـ
س ٨ - في كتابة السير والافكار لديك العديد منها على سبيل المثال لا الحصر
- السيد عبد الكريم المدني (رجل الدين المستنير)
-الشيخ رجب الراوى (من اعلام التصوف الاسلامى فى العراق)
-الدكتور حسين محفوظ ( رحلتة الستينية مع القلم والكتاب)
-الفنانة سهام السعودي (كلمة امام مقام الطين)
- الدكتور على الوردى ( مقدمة فى فكره ومنهجه)
-حسام الآلوسي ( رحلة البحث عن الاسئلة )
-الدكتور كمال السامرائى ( رحلة الثمانين )
- كامل الشيبى (بين مقامات الحب وأحوال الهوى )
-الدكتور كمال مظهر احمد ( المنهج في كتابة التاريخ )
- مدني صالح فيلسوفا
-الدكتور خالد حبيب الراوي( أول الاصدقاء كلية الاداب)
-الدكتور حسان الراوي( صديق الورد وطبيب الفقراء)
- الدكتور خالد حبيب الراوي( مبدع الاحزان العظيمة )
-عبد الوهاب المسيري ( طائر أفراح المستقبل)
ما هو الحافز للكتابة , وهل في كتابة السير تحتاج لتكنيك ادبي معين ولغة خاصة وهل فيه رد دين وجميل لمصاحبة من كتبت عنهم ؟
سيدتي الفاضلة ، لست مختصا بهذا الضرب من فنون الكتابة ، وان مادونته يتناول الجانب العلمي والتنويري قبل أن يكون بحثا في السير الشخصية ، ومن وجهة نظري ، من كتبت عنه يعد من المتميزين سواء في الافكار او المهن او مستوى الانجاز ، وقد حاولت أن أكتب عن اساتذتي الذين تعلمت على ايديهم وفي مقدمتهم الشيوخ الاجلاء ومعلمي الاقاضل واساتذتي في العراق ومصر وانا اعد الان مشروعا بحثيا عن الدكتور مسارع الراوي بوصفه من رجال التنوير واحد الرواد الاوائل في موضوع تعليم الكبار في العراق والوطن العربي ، واعمل على بحث يتناول انجازات الاستاذ سلمان العبيدي قي الباراسايكولوجي ؛ الامر المهم هنا أننا يجب أن لاننسى أو نهمل الرواد الذين اقاموا اسس النهضة العراقية في القرن العشرين أو اسهموا في بنائها، واني بهذه المناسبة احيي الصديقين حميد المطبعي ومؤيد عبد القادر واحيي عملهما الموسوعي الذي سعى كل منهما إلى توثيق الذاكرة المعرفية والثقافية لاعلام العراق في القرن الفائت ـ
س ٩ - كتبت أيام أبي وهي سيرة حياة الوالد المرحوم ( عز الدين محمود عبدالدخيل ) منذ نشأته وبدايته وظروف التحاقه بالجندية وأهم الاحداث التى مرت به، وظروف تشكل شخصيته وفكره وجوانب من حياته العائلية والشخصية , مالذي اكتسبته من هذا الرجل الفاضل , وهل هناك ما غاب عن التدوين ؟
أيام أبي سيرة قد تتجاوز في فصولها الطابع العائلي الخاص لتنصرف إلى الفضاء الانساني العام ، فالنص إكراما لذكرى إنسان حاول أن ينهض بمسؤوليته الذاتية ويشكل ماهيته ، رغم أنه ولد مطوقا بالاحزان وبالفقر والوحدة الموحشة ؛ كان في رحم أمه ، لم تلامس الشمس وجهه ؛ يوم اقتيد أبوه محمود العبد الدخيل إلى (السفربرلك) خريف عام 1916 ولم يعد جدي من رحلته العثمانية تلك.
وقيل: قتل في الحرب، أو ابتلعته الضواري، أو أطفأ قلبه بردُ الليل.
وحين أطل عز الدين على الدنيا عام 1917، كان صوت ناعور (شكره) يملأ روحه شجناً وأنيناً.
وعلى شاطئ الفرات (بيت دخيل) الذي أمضى فيه طفولته وصباه وعندما هتف يوماً: "أين أبي؟!" أجابته أمه: "إن أباك عبر الفرات إلى حرب البيت العالي، ولم يعد منها... لعله يؤوب يوماً ما". فولد عزالدين يتيماً لم ير وجه أبيه، وظل قلبه معلقاً بباب السماء، وهو ينتظر عودة الغائب الذي لم يأت أبداً ـ
ولّج عزالدين كما هو حال جيله في ذلك الوقت باب (الملا)، أمضى في أجوائها العبقة سنوات طفولته الأولى، دارساً على (فلفل عبد اللطيف) فظفر بعد مضي عام كامل بالختمة سماعاً، إذْ استطاع أن يستظهر القرآن الكريم ويتلوه على صدره غيباً، حافظاً لسوره وآياته، دون أن يتعلم أصول القراءة أو يلّم بحرف من حروف الأبجدية.
ويروي أبي عن تجربته الأولى (... أشبعني ملا فلفل ضرباً مبرحاً، فقد كان قاسياً غليظ القلب، يتفنّن في أساليب العقاب، بسبب أو بدون سبب) ؟!
وانتقل الصبيُّ إلى ملا آخر هو (حنشول عبد العزيز) يصفه أبي: (كان الملا حنشول ضعيفاً في إدارته متواضعاً في علمه).
لذلك لم يحظ عزالدين بفرصة تعلم القراءة رغم ولعه الشديد بالمصحف الشريف وتعلقه به وإقباله عليه، فوَلّد في نفسه عزوفاً عن المتابعة، فانقطع عن مواصلة الدوام لدى (الملا) بعد أن اقتصر تحصيله على مجرد الحفظ والاستظهار من غير تدبر للمعنى أو معرفة بالحروف.
وبعد أنْ أدرك بأن رحلته في الملا انتهت إلى طريق موصد، إذ لم ينّل منها ما كان يرجوه من التعلم، فقرر أن يعتمد لنفسه إسلوباً خاصاً ، وهو أن يبدأ تجربة التعليم الذاتي التي استغرقت سنوات عديدة من حياته، وهكذا علّم نفسه الحروف وإنشاء العبارة.. وتواصلت قراءاته، فأعاد حفظ القرآن، وحاول تدبر معانيه، والوقوف على مقاصده ومراميه، وتوالت قراءاته حتى بلغت مئات الختمات، وظل كتاب الله في قيامه وقعوده زادا ومعادا، وهو يلتمس في ظلاله الرجاء الموصول بالبوْح والدعاء، يقرؤه فجراً، وفي الحلّ والترحال، قائم الليل لا يشغله عن الذكر الحكيم مال أو بنون، عابداً متهجداً، تغمر روحه أنوار الفرقان. يهيم وجداً بالصوت الرخيم، وتهز وجدانه نغمات الناي، وتبكيه العتابة، وتشجيه أنات الناعور. ويعشق صوت حضيري أبو عزيز واغنيته العذبة ( عمي يبياع الورد كلي الورد بيش؟)
من أحزانه الكبرى : اصابة أمه بالشلل ، ورحيلها وهو لم يتخط العاشرة ، وإحساسه الموجع بالندم الذي بقي عالقا في روحه حتى أيامه الاخيرة وكان قد بلغ الحادية والتسعين من عمره ، لان أمه (وردة) أرادت رؤيته في لحطاتها الاخيرة ، لكنه كان منشغلا مع رفاقه على شاطئ الفرات بين السباحة واللعب ـ
بدأ حياة العمل الشاق منذ الرابعة عشرة من عمره كادحا وهو يحمل الحجر من الفجر حتى نجمة الليل الاولى ، وبقي هذا حاله حتى عام 1939، يوم دخل خان الاغا الكبير في الشورجة ، تعلم عزالدين الــ(خانجي) على مدى اكثر من نصف قرن ، من تجربة العمل في السوق ؛ أن الربح الاعظم الذي يظفر به في عالم التجارة ؛ هو الوصول إلى مقام (النفس الراضية) ولهذه الفضيلة أركانها (صدق النوايا ، الامانة ، وحسن المعاملة) ، تحقق لصاحبها إدخارا لاينضب وهو االسمعة الطيبة، وكان دليله هو فطرته القروية ، وحركة الحياة من حوله ، وما تعلمه على يد الحاج مهدي صالح الراوي ـ
علّم بنيه توقير الجار والوفاء والترحاب بالضيف وإغاثة الملهوف، وصلة الرحم، واعتبر ذلك فروضاً واجبة التنفيذ والاتباع. وعوّد أولاده وأهل بيته أن يأكلوا مما يبقيه الضيف. وقد يقف بباب الدار ينتظر الذي يأتي، علّ غريباً يجيء أو ابن سبيل يمر ليشاركه الطعام.
ودرب نفسه الصبر الإيجابي المقترن بالعزم الارادي على إحتواء الارزاء ، يوم إحترق الخان بكل مقتنياته ، ويوم استشهاد ابنه سعد أول فدائي عراقي في فلسطين (31/7/1969) ، لكنه أخفق في مداراة المهانة الوطنية التي الحقها العدوان الامريكي ببلده ، فقد ظل ينزف الما ، حتى رحيله عام 2008
س ١٠ - في الشعر لك حكاية , عناوين قصائدك تتمحور بين القمر والصفصاف والرحيل واغاني للغد ولراوة مدينتك , كلها أسفار تكوين و وجع غربة , والحديث لك لتكمل لنا ؟
كنا عشاقا نبكي وجدا ونطوف طرقات الليل ، فكتبنا عن أرزاء الحب الاول ـ
أنا هاو للشعر ، شاركت في مهرجانات كلية الاداب يوم كنت طالبا فيها ونشرت تجاربي الشعرية في الصحف العراقية ــ ولكاردينيا ولقرائها الاعزاء اهدي مقاطع من قصيدتين :
صلاة خلف الرياح
أيها العاشق في الفجر دعاءا *** طف على صمتي أنيناً يتناءى
واغترب خلف مرامينا صدىً *** مخملياً ينحت الشوق رجاءا
أيها العاشق نجواك لنا *** حلم ينثالُ همساً وغناءا
ههنا ذكراي يا صفصافتي *** ههنا ظلي مضى حيناً وجاءا
أينما رحت أجد ذكري ذوت *** وبقايا تسبيح الانتهاءا
واسى ينشج مجنوناً فلا *** يرجع الماضي فقد صار هباءا
أصرخي يا روح آنستي البكا *** راحة تصمت شكواي استياءا
وانقري بابي حنيناً أسفاً *** يهب العودة ذوْباً وفناءا
فاغربي فالحب قد مزقني *** وطواني عبرات تتناءى
1966
حرائق الروح
الصبر في لغة الضاد وفقه الصمت جبلٌ من شجرالشوك البريّ،
الصبرُ في أزمنة الغربة ؛ ترحالٌ ، بُعدٌ ، تيهٌ .. وعذابْ
والصبرُ في المنفى، إيلامٌ مرٌ وبكاءٌ
الغربةُ يا أمي جارحةٌ عمياءْ
نفد الصبرُ وجفً الماءْ
والزادُ قليلْ
والدربُ طويلْ
والبحرُ عميقْ
لازلنا تحت سماء الغربة نقرأ لائحة الطقس ، أخبار الوطن
و(مكاتيب) الصحبة والاحبابْ
طيرُ السمان في بستان الكرخيّ ينوحْ
يوقظ أشجان الروحْ
تلك أصداء عربة قيس النوري لا يخطئ الشرقُ الاوسطُ صوت المرسيدس،
إيقاع المزمارْ
صرير الابوابْ
أزيز (البستمْ)
نتلهى نقرض مرئيات الكون بـ(كان) الماضي
نتحدث عن بغداد
عروس الكون
عن الق السعدون
عن جسر الشهداء
عن (تشريب) الباقلاء
والنرجيلة والمشويات
الايامُ تتوالى والغربةُ تأكل أطراف أصابعنا
تنسينا المرح ، الحلم ، الامل .
في الليل ياأمي تنهض من رقدتها فاجعةُ المنفى
فتمتلئ الروح باللوعة والذكرى،
(عزاوي) يتلهى
يخرج من دائرة الوقت
يلج الارض الاخرى
يقرأ نبأ الرجل العائد من أرض الحرب
** 2009
س ١١ - لك في الفن التشكيلي معارض شخصية منها قمر الكرخ ( قاعة جمعية التشكيليين العراقيين) المنصور ١٩٩٧ فردوس الكرخ( كلية التربية-جامعة بغداد) ربيع ١٩٩٨الغد ( قصر الثقافة) فرهنك سراي- نياوران - طهران ٢٠٠٠ الامل( المعرض الشخصي الرابع ) البيت العراقي طهران كيف تحكي لنا عن هذه التجربة , وهل سبقتها دراسة ام هواية تربعت للظهور؟
الفضل لمعلمي في الابتدائية الاستاذ حسين كربلائي ، الذي علمنا أن مجرد رسم خط سواء كان منحنيا أم مستقيما هو فن ، وقد فاجأنا في اول درس لنا ونحن في السنة الخامسة الابتدائية حين وضع امامنا مزهرية ثم مالبث أن ألقاها أرضا وجعلها هشيما ، وهو يردد ابحثوا عن الجمال في عقولكم وحاولوا أن تخرجوا مابداخلكم على الورقة ، وكان مشغل الاستاذ بدري البدري الرسام والنحات في متوسطة الملك فيصل الثاني من أعظم المختبرات التدريبية في الفن التشكيلي ، لست محترفا ولا أدعي أنني فنانا ، واحاول فقط ان اعبر عن مايختلج في داخلي وما يحدث في عالمنا من ضجيج الاسئلة الحائرة مابين الوجود والعدم ،
س ١١ - ماهي رؤيتك لمستقبل المنطقة العربية وإيران , وانت المتخصص في الشأن الإيراني و العقل السياسي الامريكي المعاصر ؟
اولا ــ النظام العربي : لم يجرب النظام العربي عبر مؤسساته مراجعة أخطاءه أو الإعتراف بقصوره وخطاياه ، ولم يجر في تاريخنا العربي السياسي المعاصر أن مارسنا النقد الذاتي لتصحيح السياسات وتطوير آليات عمل تنقل بلداننا إلى اللحظة المعاصرة ، وتغيير المنهجية الفوقية صاحبة الحقيقة المطلقة إلى سلطة الشعب ، واعادة الاعتبار لدور المواطنة في إحداث تغيير في بنية العلاقات بين الجمهور والسلطة ، لبناء تقاليد ديمقراطية في الممارسة والسلوك ، ليس هناك شك بأن السببية الجوهرية في تخلفنا كأمة هي غياب الحرية ، فلا زال البعض يعتبرها هبة إلهية وليست حقا طبيعيا ، لذلك غابت عنا شروط النهضة ( الحرية ، الابداع العلمي، المنطق التعليلي ،العقل النقدي ،التخطيط العقلاني لتنمية القطاعات كافة الخ) ، ومن هنا اصبح العرب وعاء لتلقي الوافد ، والإستنساخ الاعمى للآخر، وعليه فإن العرب مقبلون على دخول مرحلة من السبات المديد أو (العشاء الاخير) ، إذا بقي العقل العربي على حاله : مقيد الحرية ، مستهلكا لا منتجا ، تابعا لامبدعا ، منفعلا لا فاعلا ـ
ثانيا ؛ الطائفية والارهاب : متلازمة وهي أخطر مايواجه الحياة في بلداننا من تهديد، فالثيوقراطية المسلحة سواء كانت كانت تحت ذريعة جناح الآل أو جناح الأصحاب ، كلاهما يدعي أنه يحتكر الحقيقة الالهية المطلقة ، وباسم (علي وعمر) تعقد محاكم التكفير والهرطقة والتجديف، وتسقط الرقاب .
ثالثا ـ العقل السياسي الامريكي : إحتفظت الولايات المتحدة وعلى مدى سنوات مديدة بإستراتيجية تغيير الأنظمة السياسية الوطنية بمنطق القوة العمياء، عبر سيناريوهات متنوعة الاشكال والادوات تارة تعمد إلى تدبير الإنقلابات العسكرية وأخرى عن طريق إثارة الفتن الداخلية والإحتراب الاهلي، أو شن الحروب العدوانية المباشرة.. وكان اللجوء إلى العنف المسلح، يتم تحت طائلة من الذرائع البائسة من قبيل التصدى للخطر الاحمر، والتطهير العرقي، الدكتاتوريات، ومنذ أحداث الحادي عشر 2001 والعالم أصبح يراقب بحذر وخوف تحرك الولايات المتحدة، نظرا لما قد ينتج عن ذلك التحرك من تأثير سلبي على هذه الدولة او تلك، وقد أصبحت أمريكا بعد تلك الأحداث وحشا هائجا لا يحكّم أي عقل او منطق في تصرفاته وردّات فعله بل أصبح الانتقام هو أساس التحرك، وقاعدة للحكم في وجه كل ما هو عربي وإسلامي. بدعوى الخطر الاخضر.. وحدث هذا كله ويحدث في عالم لم يعد يؤمن بمبادئ النفعية في السياسة بل يؤمن بفلسفة حكم الغابة بكل فطرتها وهمجيتها.
والطابع الارهابي للعقل السياسي الامريكي سواء لدى الحزب الجمهوري ام الحزب الديمقراطي، تترجمه مقولة الكاتب الأمريكي (هرمان ملفيل): «لا نستطيع إراقة قطرة واحدة من الدم الأمريكي من دون أن يُراق دم العالم كله. دَمُنا نحن أشبه بطوفان الأمازون. إنه دم مؤلف من مئات التيارات النبيلة المترافدة في مجرى واحد. نحن لسنا أمة، بمقدار ما نحن عالم. فما لم نكن قادرين على أن نزعم أن العالم كله هو لأبينا وسيدنا، مثل ملك إبراهيم، يبقى نسبنا ضائعاً في الأبوة الكونية الشاملة».
ويعلق محمود حيدر في إفتتاحية كتابه لاهوت الغلبة (التأسيس الديني للفلسفة السياسية الأمريكية) : بمثل هذه الروح الفاشية تتكئ الأيديولوجيا الأمريكية، يشترك فيها السياسي والديني، والغيبي والأرضي، من دون تفاوت. وهي روح لا تزال مستمرة وسارية في الزمان والمكان منذ عهد الاستيطان.
ولو عدنا إلى وثيقة ماي فلاور لعام 1620، لرأينا كيف شبه أول حاكم لمدينة بوسطن مدينته بالقدس الجديدة!!.
وبعد قرون انكشف الخطاب الأمريكي عن رسولية مزعومة لا تفاجئ أحداً، تقول أدبياتها (على الأمريكيين "حمل مشعل الأخلاق السياسي والعسكري في قانون القوة المقدسة ، كما عليهم أن يصبحوا قدوة للشعوب"). من هذه الفكرة بدأت أمريكا بالأيديولوجيا لتؤسس الدولة بالفكرة، ثم لتحيي فكرة الأمة بالعقيدة، حتى جورج بوش الذي دخل مغامرته ليخوض حربين عالميتين بعد الحادي عشر من أيلول، سوف يحفر في سر الإشكال ويقول:"لا يوجد عرق أمريكي بل عقيدة أمريكية".
هي الحرب الأخرى التي تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها شنها على العالم لحساب النيوليبرالية والرأسمالية المتوحشة ، وهي آخر صياغات العقل السياسي الامريكي في العقدين الاول والثاني من الالفية الثالثة .. ويروج لها في الوطن العربي ، تيار (الليبراليين الجدد). أصحاب نظرية (الحد الأدنى) والقبول بالأمر الواقع، القائم على مهادنة الأعداء، والتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب، والاستقواء بجيوش الأجنبي لتدمير الشعوب وإحتلال الاوطان؛ عن طريق تزييف المفاهيم وتزوير الحقائق ، وأضاليل شعارات الإصلاح والتعددية والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة ، لإنتاج وعي مغاير يدعو إلى تفكيك وحدة الدول وتجزئة المجتمعات بإسم المحاصصة الدينية والمذهبية والعرقية لإقامة دول الطوائف وفيدراليات الاحزاب ، وماحدث في العراق برهان صريح على مشروع التآكل الجغرافي والتفتيت السكاني فقد تجاوز عدد المهجرين والمهاجرين الملايين .
رابعاـ الصوت الامبراطوري : بدلا من أن تلتمس التجربة الإيرانية منهجاً واقعياً في بناء وتوطيد العلاقات السوية، وتبادل المصالح والمنافع، واحترام خيارات الدول، حسب مبادئ القانون الدولي، الذي يحرم اللجوء إلى إستخدام العنف، أو اللجوء إلى القوة المسلحة لتسوية المنازعات أو الخلافات الثنائية، .. بدلا من كل ذلك ، تجاهلت طهران القانون الدولي، وأهملت الاعراف الدبلوماسية .. فكان البديل هو النزوع إلى فرض أيديولوجية الفقيه على دول الجوار العربي ، وكان العراق في مقدمة أهداف المشروع التوسعي. وبالقدر الذي حاولت فيه بغداد تصويب العلاقات بين البلدين على قاعدة حسن الجوار والمصالح المشتركة التي يلتقي حولها البلدان ، فإن الجواب الايراني كان للاسف قاطعا في سلبيته ، فالعراق لدى منظري الثورة وقادتها يمثل الرأس العربي الذي ينبغي الإطاحة به أولا، قبل الشروع في إجتياح الخليج العربي ، للمضي إلى إختراق مصر والوصول إلى شمال افريقيا . وهو ماأكده يونسي نفسه معتبرا أن "(كل منطقة شرق الأوسط إيرانية)"، قائلا "(سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية)"، على حد تعبيره. وقد تماهى العقل السياسي في الإنسياق الايديولوجي إلى حد التصريح الفاضح بأن بغداد اصبجت عاصمة للامبراطورية الايرانية، جاء ذلك على لسان الشيخ علي يونسي وزير الاستخبارات السابق ومستشار الرئيس روحاني في مؤتمر الهوية الايرانية ونشر في 8 آذار / مارس 2015 قائلا ( إن "جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد"،. إن "إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي)"،
إن توسيع رقعة الحلم الإيراني ، عن طريق القوة المسلحة ، باتت عقيدة راسخة في وجدان الطبقة الثيوقراطية الحاكمة ، وألقت بظلالها من قبل على دستور الدولة، وأصبحت جزءا من عقيدتها العسكرية في الهيمنة والتوسع ـ
من هنا فأن صوت إيران المجلجل بشعارات تحرير المسجد الاقصى، وإلإحتفاء بيوم القدس العالمي، هو الصوت الذي سمعنا أصداءه على مشارف كابول، مساندا للعدوان الامريكي ، ولم تتردد الجمهورية الاسلامية في تسهيل مهام الولايات المتحدة، والتواصل الاستخباري معها ، ومد الغزاة بالمعلومات، وبالخدمات اللوجستية، وفي تمكين القوات المعتدية من إنجاز بعض خططها العسكرية ،قبيل وأثناء وعقب الاحتلال ، وهي أول دولة في العالم الاسلامي سارعت قياداتها إلى إضفاء الشرعية على الإحتلال الامريكي، عن طريق إعترافها بحكومة المندوب السامي بريمر، وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما قدمت دعمها السياسي اللامحدود لسلطة مجلس الحكم الإنتفالي، وأعلنت تأييدها لمشروع المحاصصة العرقية والطائفية .
وكما أظهرت سنوات الاحتلال الثماني الشداد الطبيعة الوحشية واللا أخلاقية للثقافة الامريكية، وزيف حضارتها ، فإنها كشفت الطبيعة الإرهابية للولاية الايرانية، فالاساليب المتدنية التي اتبعها حرس الثورة الإسلامية عبر عنها الإنتقام الوحشي من كل عراقي شارك في الدفاع عن بلاده في حرب الثماني سنوات، فجرى إغتيال أعداد غفيرة من منتسبي القوات المسلحة، والقيادات المدنية، وقد إنحدرت فرق الموت الإيرانية إلى قاع العالم السفلي في تواطئها مع الشيطان الامريكي المحتل ، عندما أخذت على يديه لتسهيل مهماته الهمجية، في ملاحقة المقاومة العراقية وتصفية أنصارها، بل وجرى تزويد الـ(CIA) بكل ماتحتاج إليه من معلومات تم وضع اليد عليها عبر أحزابها الموالية، لتغذية النزعات الإنقسامية وإيقاد نار الحرب الاهلية، والقيام بسلسلة طويلة من عمليات التصفية الجسدية من إغتيال وقتل وإعدام، وفق قاعدة معلومات تفصيلية أعدتها إطلاعات بمعاونة وجهود حلفائها وأحزابها التي تتربع على عرش الحكم . وقد أكدت المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الانسان ومراكز الرصد الوطني بأن عمليات تصفية الكفاءات العلمية تدل أرقامها وكيفياتها على تواطئ قوات الولايات المتحدة مع جهاز الموساد الاسرائيلي والاحزاب الدينية ، بتوفيرها الاجواء المناسبة أمام قوات حرس ولاية الفقيه، في إعداد وتدريب وتسليح فرق الموت لإغتيال العلماء والاكاديميين وذوي الكفاءات المعرفية ، لإفراغ البلاد من عناصر القوة القادرة على إعادة البناء والتنمية ـ
وتشير الوقائع الموضوعية إلى ماهية وطبيعة الاهداف والغايات التي تلتقي فيها المصالح الدولية بالنوازع السياسية سواء في واشنطن أو تل أبيب ، وقد يمتد الطريق إلى طهران، بالرغم من التناقضات الاايديولوجية، وإختلاف المعتقدات الدينية، فكل طرف من هذه الاطراف آت من شرق العالم أو من غربه ، منفردا أم مجتمعا في الخفاء أم في العلن، يبحث عن موطأ قدم له داخل المنطقة العربية، ليشكل منها مستعمرة نفوذ، ينطلق منها لتسويق مشاريعه السياسية والإقتصادية والثقافية، كل حسب إيديولوجيته وشعاراته وأساطيره؛
1-النموذج الامريكي القائم على دعاوى حرية السوق وحقوق الإنسان والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والتداول السلمي للسلطة،تسويقا لمشروع الشرق الاوسط الجديد .
2- ماكنة العدم الاسرائيلية ، المرافق الاقدم للحلم التوراتي، بتجريف فلسطين وإقتلاع الانسان، لإنهاء روح المقاومة، والمضي قدما لبسط إرادتها على البحار والديار والانهار.
3- المشروع الاممي الإيراني : عقب إحتلال العراق، ومجئ الجمهورية التاسعة بقيادة أحمدي نجاد، وغيبة النظام العربي، دشنت ولاية الفقيه فصلا إستراتيجيا جديدا، إستعادت به أحلامها الاولى، وجددت شعاراتها التوسعية ، بعد أن كادت تنسى أو تندثر تحت وطأة هزيمة الولاية في حرب الثماني سنوات. فقد خلق الإحتلال الامريكي، ظرفا مواتيا أمام إستراتيجية الجمهورية الاسلامية لأن تكون طرفا مهما، ولاعبا رئيسيا في الصراعات الدائرة على الساحة العراقية، وبفضل سلطة الاحزاب الدينية الموالية لها، تمكنت طهران من إقامة قواعد شبه ثابتة داخل العراق ، تنطلق منها لتنفيذ أهدافها ـ
الواقع والمستقبل
اولا ـ رباعية التحالف الدموية : هي آخر صياغات العقل السياسي الايراني ، في الدفاع عن كرسي الحاكم الابدي ، يقدم مابقي من جسد بلاد الرافدين تحت ذريعة داعش على طبق شهي لايران وروسيا ، ومن المتوقع أن تقتسم موسكو وطهران الغنيمة ، وسيصبح العراق كله مجرد ذكرى أو نسيا منسيا ـ
ثانيا ـ ادركت الاحزاب الدينية في يغداد تحت وطأة الحراك السياسي القائم في جنوب ووسط العراق بأنها لم تعد تحظى بأي دعم حتى من داخل طوائفها ، بعد إفتضاح سلوكها الاجرامي وفسادها المالي والاداري ، وبعد أن أغرقت البلد بمشاكل مالية يصعب معالجتها على المدى المنظور، ومن هنا فإن حكومة العبادي المطوقة من كل جانب ، وجدت في التحالف وسيلة للخلاص، ولم تجد هذه الاحزاب حليفا أفضل من إيران ، التي كان لها دورها في تنصيب حزب الدعوة والمنظمات الموالية على رقاب العراقيين ، وتمكين حكومة المحاصصة الوضيعة من إحكام القبضة على نظام الحكم والهيمنة على مرافق الدولة ـ
ثالثا ـــ إستراتيجية الدب الروسي : الرئيس بوتين (مسؤول الخدمة السرية والعمليات الخارجية في الـــ(K G B) سابقا ، يسعى من إنضمام بلاده للتحالف الرباعي إلى تحقيق عدد من الغايات من ابرزها : بناء قاعدة من المصالح في سوريا والعراق والامتداد بها إلى منطقة الخليج العربي ـ
رابعا ــ المشروع الايراني : لم يعد خافيا أن طبخة الحلف الرباعي هي الثمرة الذهبية لكل من طهران ولحكومتي بغداد ودمشق المتهاويتين ، وان التحالف الرباعي جرى الاعداد له منذ بداية صيف 2015 ، عبر لجنة برئاسة سفيرها في بغداد (حسن دانائي فر ) وقائد فيلق القدس الايراني (قاسم سليماني) و(أبو مهدي المهندس) (ممثل مكتب المرشد في العراق )، لانضاج فكرة التحالف الرباعي. وأنّ الفكرة نضجت داخل السفارة الإيرانية ودعمها قادة الحشد الشعبي وخصوصاً هادي العامري وعملوا على إتمامها بالتشاور مع قادة الاحزاب الدينية ، وقد تحمسوا وطالبوا التعجيل بها بعد إنفجار الحراك السياسي في جنوب ووسط العراق.
كلمة لقرائك ومتابعيك من خلال مجلة الكاردينيا الثقافية
باخلاص ومحبة احيي الاصدقاء كافة في وردة الگاردينيا وهي تفتح صفحاتها لكل ذي رأي وقلم وموقف ، إيمانا بأن حوار الاختلاف هو الطريق الصائب للكشف عن نواحي القصور الذاتي في مناهج التفكير حيال الواقع الذي يتعين علينا فهمه وتحليله لمعرفة مكامن التناقض في بنيته ، وأن مايدور من وجهات نظر برعاية الگاردينيا ، أتاح فرصة الحوار الجاد حول العديد من القضايا المهمة التي تتصل بواقعنا كعراقيين ، ولم تعد صدورنا تضيق بوجهة نظر أخرى ، نختلف مرة ونتقاطع احيانا ، لكن لاشيئ يعلو على الحقيقة .. ولذلك أثق بأن (المختلفين كلاهما على صواب) كما يقول الجاحظ طالما كانت الحقيقة هي المقصد الاسمى ، ومن نافلة القول ؛ الاقرار بأن الارتقاء بلغة الحوار إلى مستوى رفيع من اللياقة والتوقير ، هي سمة غالبة في حوارات محبي واصدقاء الگاردينيا في الكتابة والمداخلات ـ تأكيدا لقيم التسامح والمحبة ..
في الختام أقول أن اجاباتي كلها تحتمل الخطأ، لكني حاولت قدر الوسع أن أكون أمينا مع نفسي ، ورحم الله من أهدى إلي أخطائي ، كما يقول الفقيه الشافعي ـ
اجدد التحية مرة أخرى وأخرى للاخت الموقرة الاستاذة إيمان البستاني و لاخي الكبير الصديق الاستاذ جلال چرمگا ولگاردينيا ولقرائها المحبة الدائمة ـ والختام سلام
839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع