هل مات فيصل مهموما بسبب صراع الساسة على السلطة 1932-1933
الحلقة الاولى: الصراع بين الملك فيصل ونوري باشا على السلطة في البلاد
حالما انجز نوري باشا مهمته بحصول العراق على مقعده في عصبة الامم عام 1932 وحتى قبل عودته الى بغداد فقد ابعده الملك فيصل الاول من منصبه ...السبب هو غيرة الملك منه .....الملك كان يكن له المحبة ولكنه وكما قال قد تصرف معه كما يتصرف الزوج مع زوجته بهجرها لبعض الوقت .......الملك وقبيل وفاته مر بتجارب مريرة مع الساسة امثال نوري السعيد وياسين باشا......كما وقد كان قلقا والعراق توا حصل على استقلاله ليرى طهران تطالبه بممارسة السيادة على شط العرب، ومطالبة السفارة البريطانية منه بان لا يسبب الاذى لأصدقاء مثل نوري......... معلومات وتفاصيل جديدة لم توثق من قبل ............اتمنى لكم ان تتمتعوا بهذه المعلومات الجديدة
الدكتور مؤيد الونداوي
عمان –حزيران 2018
فور الاعتراف الدولي بالدولة العراقية الجديدة عضوا في عصبة الامم بات على الانكليز ان يغيروا من شكل وصيغة تعاملهم مع القادة في بغداد وذلك بعد ان كنوا سلطة احتلال ومن بعد سلطة انتداب. في 2 نوفمبر 1932 ابرقت الخارجية بموجب برقيتها 244 الى سفارتها في بغداد تبلغها بان تكون حذرة وان تفهم الجميع بان حكومة صاحب الجلالة ليس لديها اي حق لان تستفسر من الملك فيصل عن اسباب اختياره رئيسا جديدا للوزارة او عن طريقة تعامله مع رئيس الوزراء السابق وتحديدا تجنب تقديم اي انطباع شخصي او رسمي معاديا الى ياسين باشا وان عليها ان تحاول ان تبقي الامور سلسة ولحين وصول السفير الجديد السير همفري.
كما وتم اعلام السفارة ان حاول نوري السعيد ، وكان وقتها رئيس الوزراء ن الرجوع لكم فان عليكم ابلاغه بطريقة منفردة وخاصة وبشكل غير رسمي من انكم تثقون بان الملك فيصل يحرص كثيرا على كرامته وشرفه وان من مصلحة العراق ان يعيين اي شخص لمنصب رئاسة الوزارة ممن بوسعه ومستعد للحفاظ على روح وجوهر ومضمون الاتفاقية وإن يكن هو غير مقتنع فيها. ولكن عليكم ان تشيروا بان حكومة صاحب الجلالة البريطانية ستكون خاسرة من الناحية السياسية ان تم تعيين اي شخص هو لا يزال علنا يصرح بانه سيحطم السياسة التي على اساسها قد انظم الى عصبة الامم وفي هذه الحالية لربما سيطلب منه تقديم التطمينات بان اي تغييرات لن تحصل في السياسة التي اعتزم العراق الالتزام بها .
الملك يطرد نوري السعيد من رئاسة الحكومة ويدعو ناجي شوكت لرئاسة اول حكومة للدولة العراقية المستقلة (اكتوبر 1932)
في 31 اكتوبر كتب كورنواليس بان الملك قد استدعى ناجي شوكت يوم السبت مساء وطلب منه تشكيل الوزارة ولكنه طلب منه فيما بعد اعتبار الدعوة قد الغيت وعلى اساس ان نوري وبشكل غير متوقع قد وافق على تولي حقيبة الخارجية في وزارة يشكلها ياسين الهاشمي إن حصل اتفاق بينهما على برنامج الوزارة. واضاف كورنواليس القول من طرفي افهم ان الملك قد سحب شرطه بان يقوم ياسين وبشكل علني التنصل من معارضته للاتفاقية. ان وافق نوري العمل تحت قيادة ياسين فان ذلك سيكون فقط بهدف تقليل المخاطر التي تتعرض لها البلاد ولكون الملك قد تعامل معه بقليل من الكياسة. ومن طرفي فأنني ارى ان حصل الاتفاق فان نوري سوف يحاول ان يعرف من خلالي موقف حكومة صاحب الجلالة ولهذا انا اقترح ان نقول له باننا كنا فعلا قد حذرنا الملك فيصل من العواقب السيئة التي قد تبرز في لندن وعواصم اخرى نتيجة لعمل متسرع او التعامل علنا وبفضاضة مع نوري وفي لندن فان اي تعيين لمنصب رفيع لشخص يجب ان يكون ممن يحافظ ومن دون شك على روح ومفردات الاتفاقية.
وكان نوري قد عاد من جنيف عن طريق القاهرة بتاريخ 29 اكتوبر المصادف يوم الاربعاء بعد ان شارك في احتفالية قبول العراق في عصبة الامم. في الاسكندرية قد تم ابلاغ من طرف القنصل العراقي العام فيها وهو شقيق مرافق الملك من ان الملك فيصل قد قرر الطلب منه لتقديم استقالته وتكليف ياسين باشا لتشكيل الحكومة والتي فيها سيخدم بمنصب وزير الخارجية. في يوم الاربعاء مساء التقى نوري الملك الذي طلب منه تقديم الاستقالة وانه قد قرر ان يتولى ياسين باشا تشكيل الحكومة. الخميس صباحا ارسل بطلب السير هنري يونك الذي ابرق لحكومته قائلا ان الملك اعلمني بان نوري وبطريقة عفوية اعلن اسبابه لتقديم الاستقالة وانه قد وافق على تقديمه للاستقالة وايضا وافق على حل البرلمان وذلك لكون اي رئيس وزراء جديد سوف يحتاج الى انتخابات . ولكن كورنواليس قام بتذكير الملك بوعده الذي قطعه الى السير همفري بانه لن يقوم بأي تغيير ولحين عودته وهنا قد رد الملك بان الوعد كان قد قدمه عندما اعتقد ان كلا من همفري ونوري سيعودان معا وقبل ان يفتتح البرلمان جلساته وهكذا فقد قدم نوري استقالة حكومته. في مساء ذلك اليوم التقيت نوري وابلغني حقيقة اسباب الاستقالة موضحا انه تماما قد خسر ثقة الملك به وانه لم يكن بوسعه ان يقبل بالدعوى الرسمية له لآجل تشكيل وزارة جديدة. هذا وان الملك اغلق مقابلتي له منذ يوم الجمعة ولغاية اليوم بمبرر ان الجمعة هو يوم عطلة وفي هذا الاثناء قد قبل استقالة نوري من رئاسة الحكومة مساء. مع مقابلتي للملك صباحا فإنني حذرته رسميا من العمل المتسرع وعرضت عليه التوسط بينه ونوري. عندها قال الملك لي بما كان قد فعله ووافق على ان يرسل على نوري مرة اخرى. طوال ساعات النهار كورنواليس وانا قد امضيناها في محاولات غير مثمرة لان نجمعهما ولكن الملك كان قد عقد العزم مسبقا لان لا يلتقي بنوري ومن طرف نوري فقد كان يشعر بانه ليس من فائدة لان يتظاهران بانهما متفقان. ولقد تركت الملك توا من بعد الزيارة الثانية له وفيها اعلمني انه سيدعو ناجي شوكت لتشكيل الحكومة وسواء هو او غيره سيقبل بتشكيل الحكومة فانهم سيطالبون بحل البرلمان الذي سيلتقي بتاريخ الاول من نوفمبر وان نوري سيحضر لآجل اعلام البرلمان حول مهمته في جنيف. ولقد طمئنني الملك بان ياسين قد وضع نفسه خارج الملعب بسبب رفضه التخلي عن موقفه المعارض للاتفاقية، ولكنه لن يكون سعيدا ما لم يرى ياسين في السلطة وانني لن اضمن بانه لن يستدعيه لتشكيل الوزارة.
افتتح البرلمان بتاريخ الاول من نوفمبر وكان خطاب الملك عاديا كما ان نوري قدم تقريره واستنادا لأخر المعلومات فان ياسين ونوري قد اخفقا على التلاقي وان ناجي شكوت مرة اخرى قد طلب منه تأليف الوزارة. وكانت السفارة مطلعة على قائمة الاسماء التي وقع عليها الخيار لتولي الحقائب الوزارية وممن ليس لهم صلات مع اي من الاحزاب وكانت السفارة تراقب عن كثب كيف تجري الامور وهذا ما ثبتته في برقيتها ليوم 3 نوفمبر كما وكتب يونك ان سوف يتناول العشاء غدا مع الملك ليشرح له ما يحسه ويشعر فيه في الحال الحاضر وهو عازم ان يعترض لدى الملك على تكليف ياسين باشا لتشكيل الحكومة الجديدة ومثلما تم توجيهه من طرف حكومته.
عاد السير يونك ليكتب لحكومته بتاريخ 4 نوفمبر بان مرسوما ملكيا قد صدر امس بتشكيل الوزارة التالية: ناجي شوكت رئيسا للوزارة ووزيرا للداخلية، ونصرت الفارسي للمالية، وعبد القادر الرشيد للخارجية، وجميل الوادي للعدلية، ورشيد الخوجة للدفاع، وجلال بابان للاقتصاد والمواصلات، وعباس مهدي للتربية. وعلى الرغم من ان هؤلاء الوزراء لم يكلف سابقا بمنصب وزاري غير انهم معظمهم من ذوي السمعة الجيدة بوصفهم موظفين اكفاء. بشكل عام هنالك اعتقاد ان الوزارة الجديدة سوف تقوم بحل البرلمان وان الانتخابات المقبلة ستكون محط منافسة بين نوري وياسين.
نوري السعيد يعلن استقالة وزارته دون اخذ رأي الملك فيصل
في 14 نوفمبر 1932 كتب السير يونك الى السير جون سايمون بموجب رسالته 5950\3910\93 قائلا ان نوري ورستم حيدر عادو الى بغداد عن طرق الجو بينما بقية الوفد الذي شارك في اجتماع عصبة الامم الذي شهد قبول عضوية العراق قد عادوا عن طريق البر. كانت هي الفرصة الاولى التي اغادر فيها منزلي منذ عشرة ايام. يوم الخميس صباحا وردتني رسالة هاتفية من البلاط تقول ان الملك يسره سماع ان صحتي تتحسن وهو يرغب ان يراني. من بعد محادثة قصيرة حول مسائل ليست ذات اهمية، فقد فاجئني بالقول ان نوري الذي تناول العشاء معه منفردا في الليلة السابقة واعرب عن نيته في تقديم استقالته وانه يرغب ان يستشيرني بشان ما سينجم من وضع بسبب هذا التطور. لقد اعلمني بانه ومنذ وقت يعمل لآجل اقامة ائتلاف او حكومة وطنية تحت زعامة ياسين باشا الهاشمي ولكنه غير قادر على اقناعه بان يتخلى علنا عن معارضته لاتفاقية 1930 وهو امر مهم جدا قبل ان يكلف ويتولى تشكيل الحكومة. والملك وكما يبدو لا يحبذ ان يطلب من نوري ان يؤلف الحكومة الجديدة بسبب حالته الصحية غير المستقرة وايضا بسبب عدم رغبته التدخل بعمل الوزراء ولكن وبشكل رئيس بسبب اختلافه معه وبشكل جذري في فهمه للطريقة السياسية الصحيحة التي على الحكومة العراقية ان تنهجها. ولقد اوضح نوري انه تماما ضد الطريقة التي يتبعها الملك لآجل استيعاب الهاشمي. ولقد اكد الملك بانه كان مفهوما ان نوري كان يعمل وسعه لان يرى نجاح عمله في عقد الاتفاقية وفي ان يرى العراق يدخل الى عصبة الامم وان يقدم استقالته بأقرب فرصة من بعد عودته من جنيف. السير يونك من طرفه عبر عن المفاجئة الكبيرة التي اصابته نتيجة السرعة التي قدم بها نوري استقالته وانه يرى ان الملك لم يلتزم بوعوده التي قدمها الى السير فرنسيس همفري بانه سينتظر عودته قبل ان يجري اي تغييرات ولكنه ايضا لم يترك لنوري ان يبقى في منصبه كي يقدم تقريره للبرلمان عن مهمته الناجحة في جنيف. كما انه لم يكن يرى سببا يدعو لحل البرلمان وهو برلمان اغلبيته عبروا عن تأييدهم للسياسة التي يتبناها الملك وانه ليس بعمل صعب العثور على رئيس وراء يتولى الحكومة يحظى بدعم البرلمان له. ولقد طلب من الملك ان يعمل ما وسعه لان يحل الخلافات مع نوري والتي كما يبدو هي ليست بعميقة. ولقد وعد الملك ان يفعل ما بوسعه وطلب مني ان اتفهم متطلبات الدستور التي تقتضي ان تستقيل الحكومة .
من طرف نوري فقد زار الدبلوماسي البريطاني في منزله في مساء ذات اليوم وقدم له قصة مختلفة عما حصل وابلغه انه وعند عودته الى الاسكندرية فان القنصل العراقي فيها وهو شقيق مرافق الملك قد ابلغه ان الملك ينوي تأليف حكومة جديدة من قبل ياسين باشا فيها يمنح حقيبة الخارجية وانه يريد ان يعرف ان كان سيقبل من عدمه. من الطبيعي ان نوري قد رفض تقديم اي جواب او مناقشة الموضوع ولكنه اغتنم الفرصة من بعد عودته الى بغداد لسؤال الملك بماذا يفكر حقا. من طرف الملك ومن بعد انكاره انه قد اتخذ اي قرار بعد بشان من سيكون رئيسا للوزارة غير انه عبر عن رغبته بتغير جديد وقد طلب منه تقديم الاستقالة وبناء على طلبه هذا فقد قدم استقالته رسميا. لقد عبر نوري انه بات صعبا التعامل مع الملك ومثلما كان الامر في الايام الخوالي. وفعلا فإنني وعندما طلبت ان التقي الملك صباحا فقد تم اعلامي باعتذار الملك عن مقابلتي لانشغاله طوال النهار وانه بوسعه ان يستقبلني السبت صباحا وحتى ان قابلته فانه لن يكون بوسعي ان احدث تغيير.
ولقد اكد كورنواليس بدوره هو الاخر بعد لقاءه نوري بانه قد وجد نوري عند لقاءه به في منزله بوضع يشعر فيه بالأسف الشديد والطريقة التي تم معاملته بها من قبل الملك، وانه يرفض تولي المنصب مرة اخرى سواء رئيس وزراء او وزيرا للخارجية وان السير كورنواليس هو الاخر وجد انه لم يكن ضروريا حل البرلمان ولم تكن هنالك حتى رغبة لاتخاذ هذه الخطوة، وان على نوري ان يستمر بوظيفته رئيسا للوزارة.
مساعي السفارة البريطانية لدعم ابقاء نوري في رئاسة الحكومة
وعند لقاء السير يونك مرة اخرى مع الملك تم تنبيهه الى اهمية ان يأخذ بعين الاعتبار وبأهمية ما سيقوله وان النقطة الاولى هي ان عيون العالم حاليا متجهة نحو العراق في هذه المرحلة البالغة الاهمية ومستقبل العراق. واضاف يونك انه ومن خلال لقاءاتي مع الدبلوماسيين من زملائي فقد وجدتهم يشعرون وبشكل عام بعدم الارتياح بسبب هذه التغييرات السريعة وانهم من دون شك سيبلغون حكوماتهم وسيكون من المؤسف ان جرت خلال الشهر الذي انظم العراق الى العصبة وحصل على استقلاله التام فانهم سيجدون انفسهم يشكون في تقاريرهم هكذا توجهات يتم اتخاذها دون ان تدرس بعناية. وسوف يكون مؤسفا ان رئيس الوزراء الذي هو توا قد عاد من بعد ان جلس على مقعده بين ممثلي دول العالم في اجتماع العصبة وسيكون هنالك انطباع سيء في العواصم الاوربية ان يتم ابعاده عن منصبه حال عودته الى بلاده وحتى قبل ان يقدم تقريره امام البرلمان. هنالك اعتبارات يجب الانتباه اليها في السياسة الخارجية والتي من المفيد ان اساعد فيها خصوصا اجد من مسؤولتي بوصف ان بلادي كانت الدولة التي قدمت العراق لنيل عضوية العصبة. واخيرا كانت النقطة الثالثة والاخيرة التي عرضتها على الملك بوصفي ممثلا عن الدولة التي لم يمض سوى شهرا واحدا والعراق وقع معها معاهدة تعتمد اقامة علاقات خاصة. اذا ما كانت زمام الحكومة وفي اي وقت من الاوقات بيد وعهدة رجل دولة فان عليه ان يلتزم ليس فقط بما مدون ولكن ايضا بروح اتفاقية 1930 وبخلاف ذلك سيكون لذلك تأثيرات مؤسفة لدى حكومة صاحب الجلالة البريطانية ولقد نصحت الملك بوصفي صديق له بان لا يتسرع في منح الثقة وبشكل كبير لأي من الاشخاص ممن ولاءه الشخصي له ليس هو متأكد منه تماما وان جميع الرجال لديهم اعداء وان من المصلحة ان يبقي بيده ببعض الشيء من القوة كاحتياط في الوقت الحاضر.
الملك شكرني بحرارة على النصائح التي قدمتها والتي وصفها بانها كانت مهمة له ومن طرفه ناقشني وبسرعة عما قدمته في النقاط الثلاثة وقال بانه ليس معتاد على المستوى الاوربي في الشؤون السياسية ولكن اصدقاءه الشرقيين دوما يلومونه ليس فقط كونه غير سريع في اتخاذ القرارات وانما ايضا عن الحذر الكبير الذي امارسه وانه يأمل ان يستمر على منهجه هذا وفيما يخص نوري وحضوره للبرلمان فانه قد قرر فعلا ان يتم ذلك وفيما يخص المعاهدة فقد ذكرني بانه دوما قد اصر بان اي شخص يعلن للعلن معارضته لها فان عليه ايضا وعلنا يعترف بخطئه وقبل ان يمنح اي فرصة لتولي اي منصب في الحكومة العراقية. ولغاية ايام قليلة خلت كان يأمل ان ياسين باشا كان سيفعل ذلك ولكن ومن خلال اللقاء الصحفي لياسين مع الصحافة العراقية في اليوم السابق فقد بات واضحا بان عليه ان يتخلى عن هكذا امل . ولقد ابلغ الملك الدبلوماسي البريطاني بانه قد شعر بالإهانة من قبل نوري عندما دعا الوزارة لاجتماع يوم الخميس خلاله تم اتخاذ قرار الاستقالة الجماعية. وانه قد قبل هذه الاستقالة يوم الجمعة وبنفس الوقت طلب من نوري ان يستمر بإدارة الحكومة ولحين تشكيل الوزارة الجديدة ولقد دعا نوري بان يتولى ذلك وتوقع ان يسمع منه لاحقا وفي ذات الصباح من انه مستعد لان يفعل ذلك ولكنه شعر بالخوف انه من الصعب ردم الهوة بينهما.
الملك فيصل : عندما يختلف الزوج مع زوجته عليه ان يهجرها لبعض الوقت
عندها تحدث مع نوري ولمدة تزيد عن ساعة ولكنه كان قد مارس ما قاله له الدبلوماسي من نصيحة بان لا يضع الكثير من السلطة بيد عدو محتمل. ولكن من طرف الدبلوماسي سرعان ما انبرى يدافع عن نوري قائلا بعدم وجود رجلا في البلاد هو اكثر مدافعا ومخلصا له ولسياساته من نوري السعيد. اعترف الملك بان هذا صحيح ولكنه اضاف قائلا بانه ونوري مثل الزوج والزوجة هم ايضا في احوال معينة يمرون ببعض الاحيان في خلافات وانه يتوجب من وقت لأخر ان يقللوا من رؤيتهم البعض للبعض الاخر. ولكن رد الدبلوماسي البريطاني بالقول ان كان الامر كذلك فإنني اقترح انه من الافضل لهما ان يجلسا معا وعلى اقل تقدير لوقت طويل لآجل تجنب الفضيحة المعلنة وفي النهاية فقد وعد الملك مرة اخرى ان يقوم بذلك .
من بعد مغادرة الاجتماع مع الملك التقى السير يونك مع نوري في منزله ووجد ان موقفه قد بات متشددا وقد قال ان اساس وجذور خلافه مع الملك فيصل هو ان هذا الاخير وبشكل مستمر يسيء الى مركزه ومكانته من اجل ان يحقق لنفسه ولحاشيته منافع تافهة وقدم العديد من هكذا مواقف للملك معه مما يجعل استمرارها وقبولها من قبل رئيس وزراء يحترم نفسه يعد امرا غير مقبول. ولقد عبر الدبلوماسي بالقول انه من الصعب ان يصدق بان اتفاقا لا يمكن التوصل ايه ما لم تكون هنالك اسباب اخرى لهذه الخلافات بين الملك وبينه اكثر مما تم عرضها له من طرف نوري موضحا إلى عبثية صديقين قديمين ينفصلان في لحظة كهذه لأنها لم تكن قادرة على أن ترقى إلى المثل السامية للآخر. من طرف نوري اكد وجود هذه المفارقة ولكنه وجد ان هنالك القليل الممكن كي يتم تحقيق التوافق من بعد ما حصل وان افضل حل هو ان يتولى ناجي شوكت او اي شخص اخر لآجل تشكيل الحكومة وبسرعة وان يترك هو جانبا. وسوف تبرز المشاكل وبسرعة وان الحكومة سرعان ما ستسقط وانه سيتم دعوته مرة اخرى لتشكيلها ولكن بشروطه. لن تسبب هذه التطورات اي اذية له وخلال ذلك فانه مستعد لان يخدم كمدير في وزارة الخارجية من اجل ان يضع خبرته متوافرة دوما. ان موافقته لتولي حقيبة الخارجية في هكذا وزارة سيكون مستحيلا لان الملك سوف يشك به من انه وراء المعارضة. وانه بوسعه فقط ان يقبل بحقيبة الخارجية في وزارة ياسين ليس لأنه يثق به بل لأنه عندها سيكون بوضع يمكنه من خلاله دحر مشاريع ياسين ويحمي الملك من نفسه.
من بعد هذا اللقاء غادر نوري لآجل ان يلتقي الملك ومن طرف السير يونك قد عاد الى منزله واليه قد حضر كورنواليس الذي ابلغه بانه كان بدوره في حضرة الملك قبل قليل. ابلغ كورنواليس السير يونك بان الملك قد طمئنني بان ياسين قد بات الان تماما خارجا كمرشح لتشكيل الحكومة وان الطريق الوحيد الذي يراها للخروج من الحالة سببتها استقالة نوري هي دعوة ناجي شوكت لتشكيل الحكومة. وبينما كنا لا نزال نناقش هذه المسالة وبشكل شامل حضر نوري وابلغنا بان الملك قد استقبله وبلطف وطلب منه اولا بتشكيل حكومة ائتلافية وقد رفض قبول ذلك وبالتالي انهت الآمال بتحقيق المصالحة بين الملك ونور. واضاف نوري ان الملك تسيطر عليه حالة الغيرة منه واشتكى بان الملك قد ذهب بعيدا عندما التقى برؤساء تحرير الصحف المحلية موبخا اياهم بقساوة لنشرهم مقالات فيها تم الثناء على نوري لما قدمه من خدمات الى بلاده. وانه اي نوري مقتنع بان الملك قد عقد العزم بان لا يمنحه الفرصة عند انعقدا البرلمان وتقديم تقريره عن مهمته في جنيف وانه مستعد للتضحية باي شيء نتيجة لمثل هكذا غيرة مؤسفة.
طبعا لم يكن نوري موفقا في فهم نوايا الملك الذي كان قد عبر وقبل وقت قليل مطمئنا السير هربرت يونك من ان عليه ان يقدم للبرلمان تقريره. وثق يونك ما يجري من حوله بالقول لم اكن مصدقا وما يحصل وبناء على مقترح كورنواليس فقد رافقت نوري الى البلاط لآجل التأكد بانني اكتب الى لندن ما هو صحيح. ولقد قلت للملك بانني قد فهمت منه خلال لقاءي في الصباح بانه قد قرر ان يسمح لنوري بعرض تقريره امام البرلمان وارجو انني لم ارتكب خطاء وما سمعته منه. هنا رد الملك بان ذلك سيعتمد على رؤية رئيس الوزراء الجديد اي كان هو وانه قد طلب من ناجي شوكت مساء السبت ان يشكل الحكومة وبينما كان شوكت يتباحث مع زملاءه لتشكيل الحكومة فان الملك دعاه ليبلغه بانه قد سحب عرضه له وعلى اساس ان نوري قد وافق على ان يقبل بحقيبة الخارجية في وزارة يشكلها ياسين باشا. من سوء حض شوكت الذي كانت قائمة وزارته قد استكمالها تقريبا وقدمها للبلاط. ومن طرف ياسين قد اتصل رسميا مع نوري ودخلا بمفاوضات وان نوري ابغ كورنواليس بان الملك وصل الى نتيجة بانه من الضروري على ياسين ان يتنصل من كلامه علنا ولكن هو اي نوري لن يشارك بالوزارة الا بشرطين هما اولا عدم حل البرلمان وان يبقى ناجي شوكت في منصبه وزيرا للداخلية. وان تم التوصل لهكذا اتفاق فقد طلب نوري ان يعرف موقف الحكومة البريطانية من شروطه هذه.
في الاول من نوفمبر افتتح البرلمان جلسته وفق ما اعتاد عليه من احتفالية وتم الاعلان عن استقالة حكومة نوري السعيد رسميا امام الشعب وبطريقة مناسبة ومقبولة. الملك ورئيس مجلس النواب اشاروا الى خدمات الحكومة الجليلة . في اليوم التالي ابلغ كورنواليس السير يونك بان نوري وياسين قد اخفقا بالوصول الى اتفاق رسمي وان ناجي شوكت مرة اخرى تم الاجتماع به لآجل تشكيل الحكومة وتم التلميح بان ناجي سوف يحتفظ بحقيبة الداخلية لنفسه وانه سيحيط نفسه بزملاء من الوزراء ممن سيختارهم من المؤسسات الحكومية ولم يتولوا حقائب وزارية من قبل. وانه ايضا يؤيد فكرة حل البرلمان. مثل هكذا حكومة لم يكن من المتوقع لها ان تستمر لوقت طويل وان الملك فيصل سوف يواجه مرة اخرى ان يختار بين اقرب صديق له وعدوه السري ما لم يتمكن من جمعهما معا. انني اؤمن بانه اي الملك حقا يعد ان ما يقوم به هو سياسة حكيمة وانني لا اتفق مع نوري ومناوراته الحالية. نعم لا بد من الاقرار ان نوري قد حقق نجاحا كبيرا خلال سنواته العشر الاخيرة في توثيق علاقاته مع جميع الاطياف العراقية .
الحوار المطول بين الملك فيصل والسفير البريطاني (نوفمبر 1932)
وصل المندوب السامي السابق والذي قد بات الان سفير بلاده في العراق Sir Francis Humphrys السير فرانسيس همفري الى بغداد وكتب بتاريخ 28 نوفمبر مشيرة الى رسالة يونك بتاريخ 3 نوفمبر بان الملك قد قام بحل البرلمان بتاريخ 9 نوفمبر وان ارادة ملكية قد صدرت بهذا المعنى وكان ذلك قبل عودتي للبلاد وان الملك قد اتخذ قراره بنا على نصيحة رئيس الوزراء الجديد الذي شعر بانه ليس بوسعه ان يحصل على دعم كافي له من البرلمان الذي بينه اغلبية مؤيدة الى نوري من حزبه. واضاف السفير بنه قد تم ابلاغه بان الحكومة سوف تشرع فورا بأجراء الانتخابات لآجل وصول اعضاء يمثلون اهم الشخصيات في الحياة العامة سواء ان كانوا مناصرين للحكومة الحالية او من عدمه. مع وصول هكذا برلمان فانه سيكون بوسع الملك ان يسمح بتشكيل حكومات من دون انتخابات جديدة. وفي الجانب الاخر رئيس الوزراء الجديد وزملاءه هم حاليا لم ينظموا بعد دعما شعبيا لهم ولكنهم يتمتعون بتأييد الملك لهم وليس امامهم سوى الاتفاق على ما يخططه الملك وان كانت بشكل واضح تتعارض مع استمرارهم في الوزارة.
السفير البريطاني: مستقبل استقلال سوريا بوقت مبكر بات يعتمد على النجاح المتحقق في العراق
في يوم 9 نوفمبر قد السفير البريطاني الجديد اوراق اعتماده الى الملك فيصل وقد التقاه في ذات اليوم ولمدة ثلاث ساعات مساء في منزله الكائن في الحارثية. ولقد عبر الملك عن شكره للملك جورج وحكومته على ما قدمته من مساعدة غير محدودة في الاخذ بيد العراق خلال السنوات الماضية وهي مساعدة من دونها لم يكن بوسع العراق بمفرده ان يحصل على استقلاله من خلال قبوله في عصبة الامم. ولقد رد السفير بالشكر للملك على اقراره وشكره للحكومة البريطانية لما قدمته من مساعدة للعرف مضيفا بان ما انجزه الملك فيصل كان له دوره في قيادة العراق نحو النجاح في جنيف. ولقد نوهت بان تحرر العراق من نظام الانتداب هو وبشكل طبيعي ادى الى الكثير من الانتباه والاهتمام. هنالك الكثيرين ممن يعتقدون بان ما تم انجازه هو عمل مبكر وان الاحداث في العراق سوف يتم متابعتها لان ومراقبتها عن كثب لكي يتم التعرف ان كان قرار حكومة صاحب الدلالة البريطانية في اهلية الشعب العراقي لان يحكم نفسه بنفسه هو امرا حقيقيا قائما. ومن طرفي ايضا فقد نوهت بان مستقبل سوريا التي حكومة جلالته مهتمة بها تماما سوف يعتمد كثير او يقاس على الوضع في العراق. ان سارت الامور بشكل جيد وان العراق يبرر الثقة التي منحت له فان ذلك سيجعل الامر سهلا على سوريا لان تحقق تقدما اكثر على الطريق الذي سار عليه العراق. وفي الجانب الاخر ان كانت الآمال التي منحت للعراق اثبتت ان انهاء الانتداب عن العراق سيعقبه نوع من الفوضى او تراجع وتدهور كبير في ادارة البلاد عندها فان الراي الدولي من دون شك وبالتأكيد سيصعب الامر امام اي انهاء مبكر للانتداب على سوريا.
لقد ذكر الملك انه يدرك ان هنالك مسؤولية كبيرة باتت ملقاة على عاتق العراق وان يعتزم ان يؤدي واجبه بشرف. وان على حكومة صاحب الجلالة البريطانية عليها ان لا تخشى من الثقة التي منحتها للعراق بانها ليست في محلها. وانه وحكومته سوف لن يقصروا في مساعيهم من اجل ان يظهروا للعالم من ان العراق يستحق المكان الذي حصل عليه في عصبة الامم. وقد عبر عن محل التقدير ان ما سيحصل في العراق من شانه ان ينعكس على مصير سوريا وان هذه الحقيقة سوف تثبت كونها حافزا للشعب العراقي لآجل الحفاظ على السمعة الطيبة لبلادهم وان يثبتوا انهم عرب مؤهلون لان يحكموا انفسهم في اطار الاجواء الحديثة التي يشهدها العالم.
من بعد ذلك تحدث الملك وبشكل مختصر حول موضوع الاثوريين وحذرته من ان الجواب الذي قد ارسل الى عصبة الامم بشان شكوى الاثوريين المقدمة في شهر حزيران الماضي لربما لن يتم رؤيته بانه ردا مقنعا من طرف جميع القادة الاثوريين وان من المتوقع عودة البطريرك من جنيف وهو مستاء جدا ذهنيا. لقد اوضحت بانني هنا لا انبه محذرا جلالته ولكنني اعتقد من الضروري ان احذره بانه هنالك لربما تفش للمشاكل مع الاثوريين مع نهاية السنة. ولقد طمئنني الملك بان الحكومة العراقية تماما واعية لأهمية تبني سياسة متعاطفة فيما يخص الاثوريين وانها ستكون مستعدة ان تفعل ما وسعها لان تجعلهم تماما مواطنين مقتنعين بانهم من مواطني هذه البلاد. في هذه القضية ومثلما هو في غيرها في جميع الامور المهمة فانه دوما سوف يطلب نصائحي. معاملة الاقليات بطريقة سخية يجب ان تكون اساسية الشكل في سياسته .
من بعد ذلك ذكرني الملك فيصل بانه سبق وان طلب مني قبل مغادرتي العراق في الصيف بانه يأمل وما دام العراق الان قد انظم الى العصبة وان موضوع علاقتها مع بريطانيا قد استقر الان نهائيا فان الحكومة العراقية سوف تركز اهتماماتها على الشؤون الداخلية وبشكل خاص على التنمية الاقتصادية وانه يتطلع وبشكل خاص لان يستشيرني عن هذا الموضوع المتصل وتنمية السكك الحديد والبحث عن قروض لآجل تنفيذ اعمال نافعة.
الملك فيصل يطالب بريطانيا بدعم الاقتصاد العراقي واحداث تنمية في البلاد
هذا المطلب من طرف الملك منحني الفرصة للحديث مع جلالته بشان الاحداث السياسية في بغداد. ولقد قلت بانه قد مشاورات مهمة مع الخبراء الماليين والفنيين في لندن ولقد عدت ومعي مقترحات والتي ارغب عرضها على جلالته بهذه المناسبة. يبدو لي بان حل البرلمان قد سبب على وجه الخصوص تأخير تحقيق تقدم لكون الحكومة الجديدة ليست على اطلاع على الاعمال الاولية التي انجزن اصلا حتى الان. ولقد كان هنالك خيبة امل كبيرة لي عندما عدت الى بغداد لاجد ان الحكومة التي قد قدمت اعمال ممتازة الى البلاد وكذلك البرلمان الذي قد قدم الدعم لها في مهمتها قد تم حلهما. الى جانب التأخير والمصاعب التي ستبر نتيجة هذه التطورات فيما يخص تنفيذ مشاريع تنمية والتي قد تحدثنا عنها فان تغيير الحكومة وحل البرلمان الذي حدث وبشكل مفاجئ من شانه ان يجعلني ان اتخوف من انه قد تسبب بعقبات لتنفيذ مبكر للعديد من الامور منا على سبيل المثال اختتام الاتفاق الثلاثي مع بلاد فارس بشأن شط العرب وايضا تأسيس مؤسسة للسكك الحديد والتي كنت على امل ان ننجزها من بعد عودتي. اضافة الى ذلك انني شعرت ان سيكون من الصعب جدا لي لان اوضح الى حكومتي كيف حصل وان حكومة وبرلمان هما من وقعا وصادقا على معاهدة التحالف لعام 1930 قد تم حلهما فور ان اصبحت الاتفاقية نافذة. في جنيف ايضا هذين الحدثين من المتوقع انه سينظر لهما بانه عمل لا يمكن مسامحته خصوصا انه لربما قد يقود حتما الى التوصل الى خلاصة من الحكومة التي امنت للعراق الدخول الى عصبة الامم والتي منحت مهمة قد تحقق من طرف العصبة هي حكومة لا تتمتع بثقة جلالة الملك وهي لا تحظى بدعم شعبي وانهما قد تم ازاحتهما لآجل فسح الطريق لأخرين يحالون تعديل او حتى تغير السياسة التي انتهجتها الحكومة السابقة.
لقد اغتنم الملك وبسهولة الفرصة ولكنه طمئنني وبشكل قاطع تماما بان هذا التغير في الحكومة لم يكن له علاقة وباي شكل من الاشكال مع السياسة الخارجية. عدم رضاه على نوري كان قد برز تماما بسبب طريقة معالجة هذا الاخير للشؤون الداخلية. لقد اثنى كثيرا على العمل العظيم الذي قد انجزه نوري لآجل العراق خلال المدة التي امضاها في قيادة الحكومة فيما يتعلق ومعاهدة التحالف مع بريطانيا العظمى وفي انضمام العراق وحصوله على عضويته في عصبة الامم ولكنه ومنذ وقت طويل كانت لديه خلافات مهمة معه فيما يخص سياسته في الشؤون الداخلية. ان نوري باشا وعلى العكس من نصيحة جلالته كان نوري يروج وباستمرار لوظائف مهمة في الادارة لرجال لا يمتلكون القدرة او النزاهة، رجال غايتهم الاساسية الادعاء انهم تحت رعاية رئيس الوزراء ويحضون بدعمه الشخصي. لربما هذه الامور ليست مطلعا عليها غير انها امور معروفة للناس بشكل عام. ونتيجة لذلك فان حكومة نوري باشا قد ساءت سمعتها وان هيبة الادارة باتت تعاني. وعلى الرغم من ان تكرار نصائح جلالته فان رئيس الوزراء قد رفض تغير تكتيكاته وان وجهات النظر بينها قد تباعدت حول هذا الموضوع وكان السبب الرئيسي لان يقوم رئيس الوزراء بتقديم استقالته. انه على ثقة من ان الحكومة الجديدة ومن خلال برنامجها والذي سيتم نشره في الايام القليلة القادمة وما ستقوم لاحقا من تنفيذه والتي ستبدد وبسرعة المخاوف التي انني اشعر بها فيما يخص الاهمية السياسية لاستقالة نوري باشا. الوزراء تم اختيارهم بعناية وعدا رئيس الوزراء فان الوزراء لم يسبق لهم ان كلفوا باي حقيبة وزارية وانهم جميعا اثبتوا قدراتهم ونزاهتهم في المسؤولية الوظيفية وهم يمارسون عملهم الاداري. اضافة لذلك وهنا فان جلالته قد شدد بانه يستند تماما الى ان اي من هؤلاء لا يرتبط باي حزب او عقيدة سياسية.
لقد شكرني الملك للنصائح الطيبة التي اقدمها له وقال بان عدم الاتفاق مع نوري في عالم السياسة فهو من غير سؤال لا يؤثر على مشاعره الشخصية ازاءه. انه لا يزال يعده بوصفه واحدا من الاصدقاء القدماء الاعزاء. ان الحكومة تدرس تأسيس مفوضية في روما او برلين لتكون تحت ادارة وزير مفوض واحد. وانه من المصلحة والممكن في الوقت الحاضر ان يكلف نوري بتولي هذه الوظيفة.
ايران تطالب بالسيادة في شط العرب
من بعد ذلك قال الملك انه يرغب ان يبلغني عن المحادثة التي كان قد اجراها في صباح اليوم السابق مع الوزير المفوض الفارسي سيد باقر خان كاظمي. الوزير كان قد عاد توا من زيارة سريعة الى طهران وقال بانه قد تم تخويله للتفاوض مع الحكومة العراقية العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والتي كانت مؤخرا موضع حديث. ولقد اشار وعلى وجه الخصوص الى الاتفاقية المقترحة المتصلة وشط العرب. ان حكومته وكما قال تهتم بشكل خاص ان تنهي ما تعانيه مصالحها في الوقت الحاضر في هذا النهر وانها تأمل بان الحكومة العراقية وفي ضوء المصالح المشتركة وعلاقات الصداقة الوثيقة ان تتبنى روية مفيدة ازاء هذا الموضوع وان يتم تعديل الحدود في قاطع شط العرب.
الملك فيصل كان قد رد بانه كان يعتقد ان هذا الموضوع قد تمت تسويته عمليا عندما كان نوري باشا قد ناقشه مع الوزير الفارسي في البلاط خلال زيارة جلالته الى طهران في الربيع الماضي وانه قد فوجئ عندما علم بان الحكومة الفارسية ترغب بإعادة فتح مسالة السيادة لهذه الانهر. ان هكذا امر ليس من صلاحيته ان يناقشه ومن دون شك ان الوزير المفوض الفارسي سوف يناقشه مع وزير الخارجية ان تم توجيهه لان يقوم بذلك.
من بعد ذلك فقد عبر الملك عن قلقه العميق لما تتطلع له الحكومة الفارسية. هو يخشى انهم سوف يجعلون من مطالبهم بشط العرب قضية سياسية كبيرة ولعلهم ايضا سيحاولون احالة الموضوع الى عصبة الامم. لقد اشار الى موضوع عنادهم وموضوع البحرين واضاف انه يرى بان الموضوع سيكون صعبا جدا التعامل معه لأنه يتعلق بمصالح اكبر. هنا اشار الملك بانه اي انتقاص من السيادة الكاملة للعراق على نهر شط العرب لا مجال للتفكير به وانه يأمل بان حكومة صاحب الجلالة البريطانية وفي اطار معاهدة التحالف بين الطرفين ان تمنح كامل الدعم للعراق في مواجهة كل المساعي للحكومة الايرانية لآجل ان تستولي على هذا المجرى النهري. الملك ايضا اعلمني ان فروخي خان وزير الخارجية الايراني قد المح عن رغبته بان يتم عقد لقاء خلال ايام عندما يمر عبر بغداد وهو في طريقه عائدا من جنيف. وانه يخشى من ان فروخي هو الاخر من المحتمل ان يثير النقاش حول هذا الموضوع.
لقد اجبت جلالته بان نصيحتي الى جلالته بان يدعو الحكومة الفارسية لتشكيل مجلس محافظين والذي مؤقتا تم الاتفاق عليه في الربيع الماضي. ولقد تناولت في الحديث موضوع شط العرب عندما كنت في طهران قبل ان يقوم جلالته بزيارته لها وان وزير البلاط الذي كنت من اوضحت له مقترح مجلس المحافظين قد وافق على المبادئ الاساسية لهذا المشروع بوصفه يكفي وما تطالب به الحكومة الفارسية. ولقد طمئنت جلالته بانني متعاطف ومساند للمحافظة على المصالح الحيوية للعراق في اي موضوع يتصل بحدودها الاستراتيجية.
السفير يطلب استمرار المستشارين البريطانيين العاملين في الحكومة العراقية ابلاغه بما يجري في الوزارات
من بعد فقد تناولت مع جلالته موضوع العلاقة بين السفارة والمستشارين البريطانيين للحكومة العراقية. لقد قلت انني لا اغرب ان اعطي الانطباع من انني احاول ان اتدخل بالشؤون الادارية الداخلية ولكن ومن اجل مصالحنا المشتركة فانه ببدو بانه من الضروري ان يكون هنالك استمرارية للتنسيق المشترك والوثيق بين الحكومة العراقية والسفارة. وان افضل طريقة لتحقيق ذلك هو من خلال المستشارين وانني امل بان جلالته سيقبل بان عليهم ان يستمروا في ابقائي على اطلاع حول جميع الامور المهمة والتي لربما تحدث في مجالات انشطتهم. من طرف جلالة الملك فقد قال انه وبشكل قاطع انه يعتبر هذا امر مرغوبا به تماما وان التواصل عن قرب يتوجب تعزيزه بين المستشارين والسفارة وانه يعتبر ذلك من الضروري ان يتم اطلاعي تماما على جميع التطورات المهمة. لقد تعهد بان الاوامر يجب ان تعطى وبشكل خاص الى المستشارين بانه ليس هنالك تغيير في هذا الشأن ولقد شعر بارتياح شديد عندما اعلمته بانني اقترحت ان الغي الرسالة الرسمية الاصلية والتي كنت قد كتبتها الى المستشارين واستنادا لوظيفتي كسفير. هنا عليه وخلال وقت قصير ان اتخذ اجراء تم اقتراحه من قبل السير روبرت هملتون في رسالته السرية بتاريخ 21 سبتمبر الماضي وسوف اقوم وبطريقة خاصة بإعلام المستشارين بما تم الاتفاق عليه اعلاه.
ليس من الضروري وكما اعتقد بالنسبة لي ان اعلق وبالتفصيل حول هذه المحادثة مع الملك فيصل. التوضيحات التي قدمها الملك لي بشان ابعاد نوري السعيد هي وكما اعتقد هي صحيحة من حيث اساسها، وانني لا اعتقد ان هنالك اي سبب للخوف من ان هذه الخطوة ستنتج عنها تغيير في مواقف الحكومة العراقية اتجاه حكومة صاحب الجلالة البريطانية. وان كل ما كنت قد سمعته من السير هربرت يونك والسير كينيهان كورنواليس وجعفر باشا ومنذ عودتي الى بغداد يؤكد ما صرح به جلالته من ان خلافاته مع نوري هي تماما شخصية وليست سياسية. هو ومن دون شك قد تعب من نوري وهو يغار من السمعة الدولية التي قد حاز عليها. ان شكواه بان نوري يمارس منح رعايته لمصلحة اصدقاءه وهي شكوى تعني وببساطة بان جلالته يرغب ان يحتفظ بهكذا رعاية تماما لان تكون لنفسه.
الوزراء الجدد برغم كونهم جدد في العمر الوزاري الا انهم يتمتعون بسمعة بوصفهم اكفاء ورجال موثوقين، وانني لا اتوقع بوقوع اي مصاعب في علاقتي معهم. ايضا لا اجد اي سبب يدعو للخوف بانهم سيسيئون في عملهم لحكم بلادهم. هنالك وعلى اية حال احتمالية بان العمل تحت اوامر الملك قد يتسبب بعزل عدد الموظفين ممن هم في الخدمة العامة كان قد تم تعيينهم من قبل نوري باشا والذي يرى فيه جلالته امرا غير مرغوبا فيه. هؤلاء الرجال هم بالتأكيد سيناشدون نوري لآجل حمايتهم وهو ومن دون شك يشعر بان من واجبه ان يساعدهم . ان نوري هو رجل يمتلك من الشجاعة وعدم التردد وانه وخلال صراعه مع الحكومة فانه سيعمل وكما هو متوقع بتوظيف وسائل من شأنها ان تحرج كثيرا انسيابية عمل ماكنة الادارة. انني اعتقد بانني امتلك نفوذا شخصيا كافيا لان امنعه من يلجا لاستخدام اجراءات عنيفة وانني ومن خلال الحوارات الخاصة التي كانت لي معه خلال الايام القليلة الماضية فإنني قد نصحته لان يبقى هادئا وان ينتظر المستقبل وهو يحتفظ بكراماته وبثقته بنفسه.
ان وجهات نظر الملك فيصل الخاصة سنراها وكما اعتقد في شكل البرلمان الجديد والذي ومن دون شك مساعيه السرية لدعمه لمن سوف يرشحهم بنفسه. كما ولم اجد اي مؤشر من ان جلالته يرغب بان يستغني عن المساعدة البريطانية وتقديم الارشاد له، وانني اؤمن بانه تماما شاكرا لما قدمناه لآجل عرشه وبلاده. لقد تصرف بطريقة محرجة ومؤثرة اتجاهي وانا اغادر جلالته.
1205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع