محاكمة ناظم كزار لازم عام ١٩٦٤

   

    محاكمة ناظم كزار لازم عام ١٩٦٤

  

1- يَقع السجن المركزي (سابقاً) على الأرض التي تشغلها وزارة الصحة حالياً ومديره حينها الرائد المتقاعد ثامر حمدان (ضابط في الحرس الملكي مرافق ولي العهد الأمير عبد الإله بن علي خال الملك فيصل بن غازي والذي كاد أن يقتل مع العائلة المالكة داخل قصر الرحاب صبيحة يوم الاثنين 14تموز 1985, حيث بادر حين سماعه البيان الأول للثورة من المذياع إلى مغادرة منزله بسيارته الشخصية متوجهاً نحو قصر الرحاب ودخله من الباب الرئيسي مستغلاً حالة الفوضى الحاصلة وعدم تطويقه من جميع جهاته إذ كان رمي بنادق جنود الثورة خفيفاً في البداية وبعد وصول م. أول ثامر حمدان طلب من ولي العهد بضرورة مغادرته مع العائلة المالكة من الجهة الخلفية للقصر لان الثوار قد أحكموا سيطرتهم على داخل بغداد فقط, ولكنه رفض المغادرة وأفصح عن نيته التسليم إلى قوات الثورة دون الحاجة إلى المقاومة تجنباً لسفك دماء العراقيين بالاقتتال مع بعضهم, وعندما فتحت النار على العائلة المالكة أصيب (م. أول ثامر) بطلق ناري بإحدى رجليه واستطاع التسلل زحفاً من خلال الشجيرات والأحراش مغادراً منطقة القتل وبقى على قيد الحياة).

هذا ما اخبرني به الرائد المتقاعد ثامر حمدان عند لقاءي معه شخصياً وبحضور والدي.
2- يقع سجن النساء بالمنطقة القريبة من السجن المركزي للرجال ومديرته الحقوقية السيدة صبيحة المدرس (تمتاز بشخصية قوية وجرأة عالية وصوتها الجهوري). بالإضافة إلى وجود مستشفى الإمراض العصبية (العقلية) وبناية الطب العدلي/ الشرعي (لا زالت في موقعها حالياً). وخلف ذلك المجمع توجد الكليات الطبية الثلاث والمستشفى الجمهوري العام (مستشفى المجيدية سابقاً – مدينة الطب حالياً) يحتوي السجن المركزي داخل أضلاع سياجه الطويل والمرتفع موقف (معتقل) بغداد والذي يضم الموقوفين عن مختلف القضايا (سياسية – جنائية) والذين ينتظرون محاكمتهم وبعد صدور الأحكام بحقهم يرحلون إلى السجن المركزي القريب لقضاء مدة محكوميتهم.
3- زرت (كنت طالباً في الإعدادية المركزية للبنين حينذاك) والدي (طبيب في مستشفى السجون 1963 – 1966) حسب طلبه بالحضور إلى مكان عمله خلال الدوام الرسمي لسبب معين. اخبرني والدي هل ترغب بحضور محاكمة المتهم (ناظم كزار) المعتقل في موقف بغداد حالياً وذلك بناءً على دعوة رئيس المجلس العرفي الذي تربطه علاقة صداقة قديمة فأجبته:

نعم ارغب الذهاب معك لأنني سمعت بـ(ناظم كزار) كثيراً ولم يسبق لي رؤيته او التعرف عليه ..

           

(ولد ناظم عام 1940 في مدينة المقدادية/ شهربان حيث كان والده كراز لازم يخدم في إحدى وحدات الخيالة/ الفروسية, أكمل دراسته الإعدادية – الفرع العلمي بتفوق وقُبل بكلية الطب – جامعة بغداد ثم انتقل إلى كلية الهندسة ومنها إلى العهد الفني بسبب تقطعه عن مواصلة الدراسة لنشاطه السياسي.

               

تم اختيار ناظم عضواً في الهيئة التحقيقية الخاصة التي كان يديرها عمار علوش وآخرون والمرتبطة بقيادة الحرس القومي/ منظمة شبه عسكرية. زاولت تلك الهيئة عملها التحقيقي في بناية محكمة الشعب/ المهداوي (والان يمارس بيت الحكمة نشاطه الثقافي فيها). وقد حصل ذلك بعد نجاح حركة 8 شباط 1963 التي أطاحت بنظام حكم الراحل الفريق الركن عبد الكريم قاسم (رئيس الوزراء منذ يوم 14 تموز 1985 ولغاية 9 شباط 1963).
4- حصلت حركة (ردة) 18 ت2 عام 1963 والتي قادها المشير الركن عبد السلام عارف (رئيس الجمهورية من 9 شباط 1963 ولغاية 14 نيسان 1966) ضد نظام حزب البعث – فترة الحكم الأولى (كان اللواء احمد حسن البكر رئيساً للوزراء حينها). وعلى أثرها أُحيل المتهم (ناظم كزار) إلى المجلس العرفي برئاسة (العميد محمد نافع احمد العاني) وعضوية ضابطين آخرين يوم السبت 16 أيار 1964.
5- ذهبت مع والدي مشياً على الإقدام إلى موقع المجلس العرفي في الثكنة الشمالية (الكرنتينة) وبعد وصولنا جلسنا على المقاعد المخصصة للحاضرين. بدأت جلسة المحاكمة ونُوديَ على المتهم (ناظم كزار) وأدخل قفص الاتهام (كان يرتدي سروالا/ بنطلون رصاصي وقميص ابيض نصف كم/ ردن, ويتصف بنحافة البنية, متوسط الطول، اسمر السحنة, شعر رأسه اسود كث ويضع نظارة طبية سميكة على عينه) ركز المتهم نظرة للأمام محدقاً بهيئة المجلس العرفي.
6- سأل رئيس المجلس المتهم (ناظم كزار) السؤال التقليدي (الاسم, العمر, عنوان السكن, طبيعة العمل/ الوظيفة).

فأجاب على الأسئلة بكل أدب وهدوء. ثم أردف رئيس المجلس على كلامه سائلاً بتهكم واستهزاء: هل أنت من جماعة احمد حسن البُكرَ/ البَقَر؟

(حيث عرف عن الرئيس البكر من عادته تربية بقرة حلوب داخل حديقة داره لأنه يرغب شرب الحليب الطازج منذ الصباح الباكر بالإضافة إلى عمل اللبن/ الخاثر.

فأٌستفز ناظم وانفعل بشدة من هذا السؤال غير المتوقع وغير المنطقي. واستشاط غضباً فوثب من قفص الاتهام كالذئب الكاسر وتسلق المنصة وانقض على رقبة رئيس المجلس وانتزع إحدى فردتي حذائه (الصندل) وبدأ بضربه على رأسه وهو يصيح بأعلى صوته (إنا من جماعة القائد والزعيم احمد حسن البكر.. يا أيها..!).

لقد عمت الفوضى جلسة المحاكمة واختلط الحابل بالنابل فقال والدي هيا يا ابني نغادر المكان ونذهب إلى بيتنا سالمين قبل أن تتطور الأمور ويصير ضرب رصاص بدل ضرب (كذا...!).
7- عرفت فيما بعد أن المحكمة قد أجلت إلى أشعار آخر وحكم على (ناظم كزار) بعشر سنوات سجن من قبل حاكم آخر. ثم أطلق سراحه بعد مضي خمس سنوات بقرار عفو رئاسي في شهر شباط من عام 1968 من قبل الرئيس الراحل المهيب عبد الرحمن عارف (رئيس الجمهورية من 16 نيسان 1966 ولغاية 17 تموز 1968.
8- بعد قيام حركة (17-30 تموز عام 1968) كلف مكتب العلاقات العامة أجراء التحقيقات بالقضايا الخطيرة التي تمس أمن الدولة وحماية النظام السياسي وشخصياته المهمة. يعتبر المكتب امتداداً لمنظمة (حُنين) التي مارست نشاطها المخفي داخل الجهاز الحزبي والتي تضم عناصر صدامية مجهزة بأسلحة خفيفة وسيارات صغيرة بداية عام 1964 لتنفيذ الواجبات التي تكلف بها من قبل القيادة الحزبية حينها. مارس مكتب العلاقات بعد تعزيزه بعناصر شابة ونشيطة عمله في قصر النهاية (قصر الرحاب سابقاً) المجاور لمعرض بغداد الدولي (حاليا). تالف المكتب من شعبتين, الأولى مسؤولها (سعدون شاكر) تختص بالنشاط الخارجي والثانية مسؤولها (ناظم كزار) تختص بالنشاط الداخلي. تطور مكتب العلاقات الى مديرية المخابرات العامة والتي أصبح مديرها (سعدون شاكر).
9- منح (ناظم كزار) رتبة لواء أمن وعُين مديراً للأمن العامة نهاية عام 1969. وفي نهاية شهر حزيران عام 1973 اتهم ناظم كزار بمحاولة اغتيال القيادة السياسية وتدبير محاولة انقلابية لتغيير قمة الهرم. بعد اجراء تحقيق فوري ومحاكمة عاجلة غير معلنه أُعدم ناظم ومجموعته بداية شهر تموز 1973.

هل كان من الممكن ان يتغير مصير ناظم لو أصبح طبيباً او مهندساً؟ وهو مؤهل وقادر على ذلك لكان قد نفع نفسه وأهله واستفاد منه الآخرين ايجابيا؟؟.

المشرق / زهير عبدالرزاق

  

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1394 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع