دور ناظم كزار في محاولة انقلاب ٣٠ حزيران ١٩٧٣
عندما حصل ما أطلق عليه بمؤامرة ( اللواء ناظم كزار لازم ) مدير الامن العام في (30 حزيران 1973), طرحت حينها حزمة من الاسئلة والاستفسارات يمكن تلخيصها بالآتي : ( ما هي دوافع الاقدام على تنفيذها ؟ من هو المستهدف منها ؟ ما سبب اختيار توقيتها ؟ من يقف ورائها في الداخل ؟ هل لها ارتباطات خارجية ؟).وللإجابة على تلك الاستفسارات لا بد من استعراض بعض مجريات الامور التي سبقت حصولها .
1- كان الاسكان الدائمي لـ ( كتيبة دبابات 14 رمضان ) في معسكر ابي غريب وهي مرتبطة بمقر اللواء المدرع العاشر وموقعه في معسكر الرشيد مع (ك د ب المنصور + فوج مشاة الثاني الالي ) , واللواء بأكمله ضمن خطة امن العاصمة بغداد ,بالإضافة الى لواء الحرس الجمهوري وكذلك وحدات اخرى تقع في ضواحيها . غالباً ما يكون تعداد الكتيبة (50%) من الموجود الكلي في الحالات الاعتيادية, ولكن يكون تعدادها (100%) تقريباً في الحالات الطارئة . يغادر (آمر الكتيبة) الثكنة في (الساعة الرابعة عصراً) اغلب الايام بملابسه المدنية وسيارته الشخصية كعادته , ويعود اليها في (الساعة الرابعة من فجر اليوم التالي) على الارجح .
2- غادر(الرئيس البكر) العاصمة (بغداد) للقيام بزيارة الى اوربا الشرقية جمهوريتي (بلغاريا وبولونيا) لمدة اسبوع .وكان من المقرر عودته في (الساعة السادسة مساء يوم السبت 30 حزيران 1973) .لقد جرت استحضارات مراسيم الاستقبال في مطار بغداد الدولي بالوقت المحدد, وتغيب عن الحضور كل من ( وزيري الدفاع والداخلية ومدير الامن العام ). ولكن لم يصل ( الرئيس البكر ) الى المطار في موعده ,وبناءً عليه تأجلت مراسيم الاستقبال . فقد وصلت الطائرة التي تقله في (الساعة الثامنة مساءً) وكان بأنتظاره ( نائب الرئيس ),ورافقه بنفس السيارة الى القصر الجمهوري ( لا يستطع أي شخص ان يعرف او يتكهن ما دار بينهما من حديث خاص حول الارباك الذي حصل ) .
3- وضعت ( ك د ب 14 رمضان ) بالإنذار عند (الساعة التاسعة مساءً نفس اليوم) . فأستدعي من أمكن استدعاءه هاتفياً وأرسلت عجلات عسكرية لجلب الاخرين بسرعة . وفي (الساعة العاشرة مساءً )تحركت سرايا الكتيبة خارج نطاق سياجها, وانتشرت على المساحة المحيطة بالمعسكر متهيئة للحركة بأي اتجاه يطلب منها . لم يعلن او يذاع لحد ذلك الوقت أي بيان رسمي, ولم تصدر تعليمات واضحة تبين ما الذي حصل او جرى فعلاً . وانتشرت حينها اشاعات مفادها بوجود محاولة انقلابية يتزعمها وزيري الدفاع والداخلية (بسبب تخلفهما عن حضور مراسيم الاستقبال في مطار بغداد ).
4- جرى البحث عن (آمر الكتيبة) بكل الوسائل المتاحة وحضر الى المعسكر بحدود (الساعة الثانية عشر ليلاً) , بعد تامين الاتصال معه والتأكيد عليه بضرورة حضوره الفوري الى المعسكر. لقد أستمعنا الى بيان اذاعه ( ناظم كزار ) شخصياً بعد (الساعة الحادية عشر ليلة 30حزيران /1 تموز 1973) عبر شبكة شرطة النجدة ( يوجد جهاز لاسلكي على نفس الشبكة قرب مقر الكتيبة ) كان البيان موجهاً الى القيادة السياسية ,وذكر فيه: (ابرز الظواهر السلبية والاخطاء التي اعتبت المسيرة من يوم30 تموز 1968 وحتى يوم 30 حزيران 1973. واحتوى البيان مطالب اخرى واقترح التفاوض معه عبر ممثل عنه في بيت عبد الخالق السامرائي عضو القيادتين). على ما يبدو ان (ناظم كزار ) يبحث عن حل للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه او تورط به , ولكن بث بيانه عبر الاثير اصابه بمقتل, فكانت ( القشة التي قسمت ظهر البعير ).
5- أُذيع بيان صادر من القيادة العليا وعبر وسائل الاعلام الرسمية بأحالة (اللواء ناظم كزار) على التقاعد وتجريده من كل مناصبه وصلاحياته والقاء القبض عليه حياً او ميتاً ( صدرت اوامر وتعليمات تحدد صلاحية تحريك القطعات العسكرية والقوة الجوية والتنظيمات الحزبية بالرئيس البكر حصراً).أغلقت الحدود البرية والمنافذ الاخرى جميعها, وبدأت الطائرات والسمتيات تجوب اجواء المنطقة الشرقية من العراق لمراقبة اية حركة غريبة والاخبار عنها بسرعة . وفي (فجر يوم الاحد 1 تموز 1973 ) خبرت الجمعيات الفلاحية في منطقة ( النهروان / مزرعة الرواد ) بانها طوقت عن بعد مجموعة سيارات مدنية مع وجود عدة اشخاص قرب مخفر المديفر ( مخفر قديم ومتروك يعود لشرطة الكمارك ).
6- صدرت الاوامر من ( الرئيس البكر ) بأرسال سرية قوات خاصة ( من وحدات الحرس الجمهوري ) محمولة بالسمتيات بأمرة ( م.اول ق .خ كريم الدوري) وبالإضافة الى حركة ( سرية مشاة آلية من ف مش2 آلي ل مع10 ) من معسكر الرشيد باتجاه المنطقة المذكورة آنفاً . ذكر ( النقيب فيصل نجم السعدون ) آمر سرية الواجب بانه قد احاط سيارة (ناظم كزار) الذي كان واقفاً بالقرب منها وقد تخلى عن الدرع الواقي وملقى على الارض. وحاول (نقيب فيصل) توجيه ضربة أليه بأخمص البندقية الآلية الا انه صرخ بوجهه قائلاِ : (قف محلك لا علاقة لك بالقضية هناك قيادة تحاسبني على عملي ).
جرى تبادل اطلاق نار بين الطرفين, قتل فيها ضابط برتبة ملازم من القوة المحمولة و م.اول من الشرطة المحلية ,وجرح عدة اشخاص من كلا الطرفين. وعندما رأى (ناظم كزار) لا جدوى من المقاومة أمر مجموعته بأيقاف الرمي, والتسليم الى القوة المهاجمة دون ان يصاب هو بأذى .لقد نقل (ناظم كزار) بإحدى السمتيات الى القصر الجمهوري تحت سيطرة ( م. اول ق.خ كريم الدوري ), وبقى محجوزاً ومعزولاً في احدى الغرف تحت سيطرة (م. اول برزان ابراهيم حسن ) مرافق (نائب الرئيس) واخيه غير الشقيق .
7- تبين من الكشف الميداني للمكان الذي كان موجوداً فيه (ناظم كزار) بانه حاول ومجموعته عبور مجرى مبزل يمتد من ( قضاء بعقوبة ) ويصب في (هور شبجة ) جنوب شرق المنطقة التي تجول فيها (ليلة 30 حزيران/ 1تموز 1973) للبحث عن معبر لأجتياز المجرى دون جدوى ( وجدت سيارتين حاولتا عبور المبزل وغرزت بالوحل), مما اضطره ومجموعته الى التوقف والمبيت داخل مخفر المديفر ,على امل مغادرة المنطقة صباح اليوم التالي. لقد منع (ناظم كزار ومجموعته) من محاولة الحركة والخروج من المنطقة (فجر يوم الاحد 1 تموز 1973) لأنها كانت مطوقة من قبل رجال الجمعيات الفلاحية المسلحين والمنتشرين فوق التلال المشرفة على المخفر. فحاول (ناظم كزار) التفاوض معهم بشتى الوسائل ولكن بدون جدوى . لقد ذكر السيد الفريق الركن طارق محمود شكري ( اطال الله بعمره وانعم عليه بوافر الصحة والعافية ) بانه: ( عندما كان برتبة عقيد ركن آمر لواء مشاة آلي 25 موقعه قرب معسكر سعد / بعقوبة قد ارسل سرية مشاة اليه من أحد افواج لوائه بقيادة ملازم اول عدنان الخدران الى ناحية بلدروز ومرت السرية بمرقد امام بجلي وعند وصولها الى قناة البزل توقفت وترجل الجنود من الناقلات وعبروا قنطرة كونكريتية/ خرسانية وعثروا على سيارتي بيك آب دبل قمارة صالحة للعمل ومتروكه في المنطقة فأستصحبوها معهم عند عودتهم الى المعسكر ).
8- لو نفترض جدلاً بان ( ناظم كزار ومجموعته) نجحوا في اجتياز قناة البزل والمرور بمرقد ( امام بجلي) والوصول ( ناحية بلدروز), حيث يوجد طريق يتجه شرقاً حتى يصل (مدينة مندلي) وامتداده شرقاً يجتاز سلسلة مرتفعات حمرين عبر خانق ( مضيق حران) ثم يصل الى حوض سومار حيث ( مرقد امام سومار) داخل الاراضي الايرانية,وذلك المنفذ مغلق من قبل مخافر قوات الحدود العراقية وقطعات الجيش ( ل مش آلي27 وسرية مدرعات من كتيبة استطلاع صلاح الدين ) المنتشرة قرب منطقة الحدود ويوجد طريق اخر يتفرع من مدينة ( مندلي ) يتجه الى الجنوب بمحاذات الحدود المشتركة وقريباً من سلسلة مرتفعات حمرين الممسوكة من قبل تلك المخافر. وهو طريق طويل غير معبر يمر بالقرب منها ويصل الى ( ناحية زرباطية / واسط), وعندها يتفرع منه طريق يتجه شرقاً عبر الحدود ماراً بمدينة ( مهران) داخل الاراضي الايرانية . والمعبر مغلق ايضاً بسبب النزاع المستمر على مخافر الشريط الحدودي الممتد جنوباً والمحاذي للحدود الادارية لمحافظتي ( واسط وميسان). وبذلك نصل الى نتيجة بعدم امكانية ( ناظم كزار ومجموعته) من اجتياز خط الحدود ضمن القاطع المذكور انفاً.
9- نعود الى ناحية ( بلدروز ) التي مر ذكرها سابقاً , حيث يوجد طريق غير معبد يمتد من تلك الناحية ويتجه الى شمالاً ويمر بمرقد ( امام ويس ) ومنطقة الموالح, وامتداده يقطع الطريق العام الواصل بين اقضية محافظة ديالى ( بعقوبة – مقدادية – خانقين – منفذ المنذرية ). ويصل ذلك الطريق الى ناحية (منصورية الجبل), حيث يوجد (معسكر المنصورية) وهو الاسكان الدائمي ( لواء المدرع الثلاثون ) وآمره ( المقدم الركن وليد محمود سيرت العزاوي ). ومن خلال استعراض طبيعة المنافذ الحدودية في المنطقة وصعوبة اجتيازها من قبل ( ناظم كزار ومجموعته ) .وبالإضافة الى ان علاقة (ناظم) وجهازه الامني سيئة جداً مع الاجهزة الامنية الايرانية كعلاقة النظامين الحاكمين في كلا البلدين متدهورة وبينما ما صنع الحداد . بينما طبيعة علاقة ( ناظم كزار ) مع آمر لواء المدرع الثلاثون فانها وديه. مما يرجح أحتمالية توجهه الى معسكر المنصورية لكسب الوقت بانتظار اجراء المفاوضات مع القيادة السياسية, وتدخل الاطراف المؤثرة لإيجاد مخرج لتلك الازمة ( أٌستدعي آمر ل مع 30 وحجز عدة ايام على ذمة التحقيق للاشتباه بوجود علاقة مع ناظم كزار ). ولكن حذر آمر اللواء وتحوطه وسبقه للحدث ,وتسليمه قيادة اللواء الى المسؤول السياسي رمزياً ,مما عزز موقفه امام اللجنة التحقيقية( أُعدم لاحقاً عندما كان قائد الفيلق الاول برتبة لواء ركن ضمن اللذين تم اعدامهم في مجزرة قاعة الخلد نهاية تموز 1979 لاتهامه بان له علاقة بمؤامرة اعضاء القيادة القطرية الوهمية والمفبركه لتصفيه من شعر نائب الرئيس بانهم مناوئين له واعتبرهم عقبة امام صعوده الى المركز الاول في السلطة ) .
دور ناظم كزار في محاولة انقلاب ٣٠حزيران ١٩٧٣/الحلقة الثانية والأخيرة
10- استمعنا وبطريقة خاصة لشريط تسجيل (كاسيت) جلب من قبل امر (ك د ب14 رمضان) الذي حضر مؤتمر قطري استثنائي عقد بعد فشل الحركة, ومسجل عليه حديث (نائب الرئيس) بالرد على سؤال موجه اليه من قبل احد الحاضرين في المؤتمر, هل ان (ناظم كزار) عميل لجهاز السافاك؟ (على افتراض انه كان ينوي اجتياز الحدود المشتركة مع ايران وتسليم نفسه مع مجموعته والرهائن المحجوزين الى النظام الايراني حينذاك).
فكان جوابه على السؤال: (كلا انه ليس عميلا للنظام الايراني او أي جهة اخرى بل كان رفيقنا حتى يوم 30 حزيران ولكن بعد فشل مؤامرته غير المتوقع هام على وجهه لا يلوي على شيء, لان خطته كانت بسيطة التفاصيل وسهلة التنفيذ ومضمونة النجاح. وتتلخص باغتيال الرئيس ونائبه في مطار بغداد وتوجيه الاتهام الى الرهائن المحتجزين لديه بانهم وراء عملية الاغتيال وانهم خططوا للقيام بحركة انقلابية على القيادة السياسية ثم تجري محاكمتهم واعدامهم).
11- التقى (نائب الرئيس) بناظم كزار بعد اعتقاله في احدى غرف القصر الجمهوري تحت سيطرة وحماية أخيه (غير الشقيق) ثم ارسل بواسطة سيارة دفع رباعي مظلله الى (مديرية المخابرات العامة) بأمر منه وبمرافقه اخيه (م اول برزان ابراهيم) وسلمه باليد الى (سعدون شاكر) وجرت تصفيته هناك. وعندما طلب (الرئيس البكر) احضار (ناظم كزار) امامه للاستفسار منه عن سبب اقدامه على ذلك العمل المحير والمثير للدهشة. فكانت الاجابة بانه فارق الحياة خلال التحقيق معه (كان ناظم كزار الشخص الوحيد الذي يدخل مكتب الرئيس البكر صحبة سلاحه الشخصي وفي أي وقت يشاء حتى لو كان في عز نومه, بينما لا يسمح بذلك لأي شخص اخر. ويستخدم الهاتف فقط لإيقاظه من نومه وتبليغه بالأمور المهمة).
12- أقدم (ناظم كزار ومجموعته) على تصفية (وزير الدفاع فريق اول حماد شهاب و م. اول خطاب عمر), واصابة (وزبر الداخلية فريق اول سعدون غيدان) بجروح بليغة (تشافى منها بعد العلاج داخل العراق وخارجه). وعاد بقية المحتجزين أحياء منهم (منذر المطلك مدير مكتب الرئيس البكر وصهره), ومن ضمنهم ايضاً (الرائد الركن عدنان شريف آمر ف مش الي ل ح.ح) عثر عليه صباح يوم 1 تموز 1973 (داخل الصندوق الخلفي لسيارة صغيرة غرزت في وحل مزرعة الرواد/ النهروان عند مرور ناظم كزار ومجموعته منها ليلة 30 حزيران/1تموز من قبل فلاحي المنطقة) وعاد الى القصر الجمهوري ظهر نفس اليوم وكتبت له حياة جديدة (قتل العقيد الركن عدنان شريف مع كوكبة من ضباط الجيش العراقي بـإسقاط السمتية التي أقلتهم داخل الاجواء العراقية بمقذوف سلاح ضد الاهداف الجوية محمول على الكتف نوع ستريلا / سام 7 داخل الاراضي العراقية وذلك عندما كان يشغل منصب رئيس اركان فرقة المشاة الثانية في قاطع زرباطية – واسط نهار يوم 23 ايلول 1980 بداية الحرب, وبالرغم من تثبيت العلامات المميزة والواضحة على السمتية التي تبين عائديتها).
13- ذهب (ر.ر عدنان شريف) الى مستشفى الرشيد العسكري للقاء (نقيب أمن لطيف رشيد) الراقد فيها (احد معاوني اللواء ناظم كزار وكان بصحبته في مخفر المديفر صباح يوم 1 تموز وقد جرح خلال المواجهة التي جرت وقتذاك), للاستيضاح منه عن سبب اقدامهم على العملية التآمرية يوم 30 حزيران فكان جوابه: (انها بعلم ومعرفة وتوجيه نائب الرئيس نفسه), ثم فارق (نقيب الامن) الحياة عاجلاً. وعاد (ر.ر عدنان شريف) الى القصر الجمهوري واخبر (الرئيس البكر) بتلك المعلومات, بالاضافة الى ما ذكره (منذر مطلك) بعد عودته من الاحتجاز. ولكن (الرئيس البكر) لم يصدقها فأنفعل وزجره وطلب منه عدم تكرار الحديث بهذا الموضوع مرة اخرى. لقد وجد (الكيبل الكهربائي) الذي يوصل مفتاح تشغيل جهاز الانذار الموجود في مكتب (الرئيس البكر) مقطوعاً بفعل فاعل مجهول (المنظومة تشغل اجراس تنبيه كبيرة في كل وحدات لواء الحرس الجمهوري والتي تجعلهم في حالة استعداد تام وفوري لمواجهة المواقف الطارئة). وتشغل المنظومة من قبل (الرئيس البكر) وفي حالة عدم وجوده يشغلها مدير مكتبه وصهره (منذر المطلك) وكذلك م .اول (خطاب عمر) المسؤول السياسي للواء الحرس الجمهوري, لذلك ركز (ناظم كزار) على حجز الاثنين معاً لتدارك اية احتمالات غير متوقعة. فمن كان وراء ذلك العمل التخريبي الذي يساعد على نجاح عملية (30 حزيران 1973)؟.
14- اكتمل التحقيق مع (ناظم كزار ومجموعته) ومحاكمتهم واعدامهم رمياً بالرصاص في ميدان رمي تابع لاحد افواج الحرس الجمهوري قرب منطقة الحارثية. لقد تبين من خلال التحقيق أن آمر (ك د ب14 رمضان) كان ضمن المدعوين لزيارة (مديرية المشروع/ المعمل التابعة لمديرية الامن العامة في منطقة الرشاد) للاطلاع على تجربة انتاج سلاح وعتاد يخص الجيش العراقي, لكنه لم يلبِ الدعوة لسبب غير معروف. وعلى ضوء المعلومات التي ظهرت خلال التحقيق أٌستدعي (آمر الكتيبة) للتحقيق معه في قصر النهاية امام اللجنة التحقيقية (شكلت بأمر من مجلس قيادة الثورة حينذاك بعد فشل الحركة). وقبل مثول (آمر الكتيبة) أمام اللجنة استدعى احد امري سرايا الدبابات واخبره بانه ذاهب الى قصر النهاية للتحقيق معه بصدد حركة ناظم كزار وأمره أنه في حالة عدم عودته الى الكتيبة قبل (الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم) او في حالة عدم الاتصال هاتفياً قبل ذلك الوقت عليه التقدم بسرية الدبابات باتجاه قصر النهاية وتطويقه واخراجه منه واعادته الى الكتيبة (عند الضغط على ر.ر عدنان خير الله اثناء التحقيق معه أخبر اللجنة التحقيقية بانه في حالة تأخره عن العودة الى الثكنة او عدم اتصاله هاتفياً قبل حلول الساعة الثامنة مساءً ينطبق سقف المكان الموجودين فيه على الارض) فأحدث ذلك الكلام تاثيراً على اللجنة التحقيقية لصالحه, وهكذا انتهى التحقيق معه بحجة وعكة صحية ألمت به ولم يتمكن من تلبية دعوة (مدير الامن العام) والحضور مع المجموعة المحتجزة.
15- عقد (الرئيس البكر) اجتماعاً استثنائياً للمكتب العسكري بعد فشل الحركة وتحدث قائلاً: (ان النائب اعاد مسؤولية المكتب إليه ووضع عبئاً مضافاً على كاهله كان قد حمله عنه طيلة الفترة الماضية).
واضاف (الرئيس البكر) بعد ان حمل بيده اناء ماء كان موجوداً امامه قائلاً: (اقسم بحق هذا الماء الذي يغسل حياً وميتاً لم نعتقل جميع المشاركين بمؤامرة ناظم كزار وزمرته). وقد ذكر احد الحاضرين في الاجتماع (عقيد ركن قوات خاصة) بانه لاحظ وجه (نائب الرئيس) وقد اصبح شاحباً اصفر اللون ولم ينبس ببنت كلمة.
16- نستعرض بقية الاحداث التي مرت والتي لها علاقة بالقضية حتى نستكمل الاجابة على بقية الاستفسارات التي طرحت في المقدمة أنفاً. خلال عامي (1990-1991) تفكك الاتحاد السوفيتي وحصل تغيير في طبيعة الانظمة السياسية لدول اوربا الشرقية وقتذاك بعد اقدام الرئيس السوفيتي(غور باتشوف) على عملية الاصلاح الاقتصادي والسياسي (البيروستروكيا). وحصلت محاولة انقلابية فاشلة نتج عنها حصول فوضى عارمة في عموم الاتحاد السوفيتي (السابق)، انعكس ذلك الوضع سلباً على الامن الداخلي, وحدثت خروقات خطيرة لأمن المعلومات أدت الى تسرب الكثير من التقارير والوثائق بالإضافة الى فقدان بعض المواد الخطرة من الترسانة العسكرية لـ(حلف وارسو), وكذلك الى انشطار جمهورية (جيكسلوفاكيا) الى جمهوريتي (الجيك – سلوفاكيا), بأثرها بعثرت الملفات السرية التي تحتوي على وثائق مهمة وخطيرة على ارصفة شوارع العاصمة (براغ).
17- بعد سقوط نظام الحكم في العراق يوم (9 نيسان 2003) ظهرت صحف يومية عديدة ومتنوعة (غير مجازة ولا تحملها ضوابط) فاقتنيت العديد منها يومياً واغلبها مجاناً والبعض الاخر بأسعار زهيدة, لأشغال الفراغ الذي كنا نعيشه حينها. فقرأت في صحيفة (لا أتذكر اسمها لأنها اختفت عن الصدور مبكراً) خلاصة تقرير كتب خلال عام 1973 مرسل من قبل محطة الـ(كي جي بي) لسفارة الاتحاد السوفيتي في بغداد الى مرجعه الاعلى في (موسكو) مضى على كتابة ذلك التقرير ثلاثين عاماً عند احتلال العراق وقتذاك. والتقرير عبارة عن عرض واقع حال النظام السياسي في العراق واهم ما ورد فيه: (وجود رأسيين مؤثرين في السلطة الحاكمة هما الرئيس البكر وبين عنه بانه كبير السن وعسكري قديم ومتدين وذو عقلية عشائرية ومحافظة واغلب مؤيديه من كبار السن وقدماء العسكريين. والاخر هو نائب الرئيس وذكر عنه بانه قائد شاب متحمس وناشط سياسي وميوله تقدميه واغلب مؤيديه من الشباب والطلبة والمثقفين. ويقترح كاتب التقرير بدعم نائب الرئيس لان مستقبل قيادة البلد تأول اليه, ويختتم كاتب التقرير بانه توفرت لديه معلومات تفيد بوجود محاولة لتصفية الرئيس البكر وازاحته عن دفه الحكم. فكان رد المرجع الاعلى في (موسكو) عكس ما اقترحه كاتب التقرير في بغداد: (اكد على ضرورة دعم الرئيس لأنه شخص ناضج وسياسته واضحة ومن المستبعد حصول تغيير او تبدل في مواقفه الودية من الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية. ووجه المرجع على بذل كل الجهود لإفشال أي مخطط لتصفية الرئيس البكر مستقبلاً).
18- قام (الرئيس البكر) بزيارة رسمية بدأها بجمهورية (بلغاريا) ثم جمهورية (بولونيا) قبل نهاية (شهر حزيران 1973). وبعد انتهاء الزيارة وفي طريق عودته من (بولونيا) الى (بغداد) مروراً بأجواء (بلغاريا) استلم قائد الطائرة اشارة من سيطرة مطار (صوفيا) عاصمة بلغاريا بضرورة هبوط الطائرة حسب طلب الرئيس البلغاري (جيف كوف), لاستكمال توقيع الاتفاقيات المعقودة بين الطرفين. حطت طائرة (الرئيس البكر) في المطار وكان في استقباله (نائب الرئيس البلغاري) واصطحبه الى (منتجع فارنا) القريب من العاصمة لحين الانتهاء من توقيع العقود (الذي حصل لم يكن محسوبا ضمن المنهاج المقرر للزيارة). مما يؤشر الى احتمالية صحة التقرير المذكور آنفاً وان القيادة السوفيتية في حينها (كوسجين وبريجنيف) على علم بوجود محاولة لتصفية (الرئيس العراقي) عند عودته الى بغداد، وبناءً عليه تم اخبار الرئيس البلغاري (جيف كوف) بضرورة تأخير طائرته المتجهة الى بغداد وعدم وصولها بالوقت المحدد في (الساعة السادسة من مساء يوم 30 حزيران 1973). فوصلت الطائرة التي تقل الرئيس في (الساعة الثامنة مساء ذلك اليوم) الى مطار بغداد الدولي. فبادر اللواء (ناظم كزار) الى سحب الزمرة المكلفة باغتيال (الرئيس البكر) عند نزوله على سلم الطائرة معتقداً فضح او كشف الخطة, إذ كان يراقب مطار بغداد وما يجري فيه عبر شاشة جهاز التلفاز من مكتبه في مديرية الامن العامة (منطقة السعدون مقابل القصر الابيض) بانتظار تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة.
19- ظهر على شاشة التلفاز في مقابلة لأحدى القنوات الفضائية العراقية غير الرسمية (قناة البغدادية) على ما أتذكر بين عامي (2008-2009) شخص قدم نفسه بانه لواء امن متقاعد (لا اتذكر اسمه بالضبط) ولكن اتذكر خلاصة ما جاء في حديثه اذ قال: (انه كان برتبة نقيب امن في منتصف عام 1973 ورافق مدير الامن العام اللواء ناظم كزار وقد صحبه الى محافظة ديالى حيث توقفت السيارة التي تقلهم على جانب الطريق العام خارج قضاء المقدادية, وبعد قليل وصل موكب نائب الرئيس وسيارة اخرى تقل محمد فاضل البياتي عضو القيادة ونائب مسؤول المكتب العسكري. وترجل الجميع وركب محمد فاضل في المقعد الامامي وناظم كزار في المقعد الخلفي للسيارة التي كان يقودها النائب شخصياً وتحركوا باتجاه قضاء خانقين. وبقي الاخرون ينتظرون في اماكنهم, وبعد بضع ساعات عادة السيارة التي تقل الثلاثة الى قضاء المقدادية. وترجلوا منها وركب كل واحد منهم مع مجموعته وعادوا ادراجهم الى قضاء بعقوبة ومنها الى العاصمة بغداد). وبين المتحدث من خلال شاشة التلفاز ان اللقاء قد حصل خلال فترة غياب (الرئيس البكر) عن العراق.
ويعتقد (لواء الامن المتقاعد) من خلال تحليله واستنتاجه الشخصي بوجود علاقة لذلك اللقاء المريب الذي حصل بينهم ومحاولة اغتيال (الرئيس البكر) ويشك بان (نائب الرئيس) هو العقل المدبر لتلك المحاولة.
20- ان المحاولة الفاشلة لم تخرج عن نطاق المكتب العسكري (اذ ان نائب الرئيس هو مسؤول المكتب ونائبه محمد فاضل المسؤول الحزبي المباشر لناظم كزار عضو المكتب وامين سر فرع بغداد العسكري واعضاء قيادة الفرع هم المدعوين الذين تم حجزهم واخذهم رهائن في مديرية الامن العامة ومحسوبين بشكل واخر على الرئيس البكر). ولم يحضر العضو الاخر معهم لان ولاءه محسوم الى (نائب الرئيس), ذلك هو السبب الذي اتوقعه وراء عدم حضور (ر.ر عدنان خير الله امر ك د ب 14 رمضان) تلك الدعوة المميتة. اظهرت الخطة الجهنمية خبث معدها ومصممها لأنه في حالة فشلها يكون مصير (محمد فاضل وناظم كزار) كبشي فداء. وسهولة تملص مدبرها لأنه قد احكم سيطرته على الاجهزة الامنية وفرض طوقاً محكماً حول (الرئيس البكر), ويستطيع بكل بساطة تزوير الحقائق وتجيير الفشل لصالحه. وفي حالة نجاح العملية يبطش بصاحبيه ليقطع دابر التقولات والاشاعات التي يحتمل ان تروج بعدها, ويٌحكم قبضته الحديدية على السلطة وينفرد بها. يدرك الجميع ان (نائب الرئيس) كان يستعجل الامور ويقدم على المستحيل ويستخدم كل الوسائل الملتوية وغير المشروعة في سبيل ازاحة (الرئيس البكر) واعتلاء المركز الاول, وفعلاً نجح في ابعاده عن الرئاسة غصباً وقهراً. وحتى بعد تنازله عن السلطة (منتصف شهر تموز 1979) لم يتركه يعيش بقية حياته بهدوء وسلام بل وضعه تحت الاقامة الجبرية والمراقبة الشديدة, وضيق عليه الخناق وعد عليه انفاسه, حتى مات حسرةً وكمداً وربما سرع في موته (عام 1982). وبذلك ينطبق عليه القول (جزاء الاحسان بكان).
المصدر/ المشرق - زهير عبدالرزاق
1447 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع