الصباح:باتت ظاهرة اقتناء السلاح في العراق مزدهرة بشكل كبير بعد العام 2003 بعد ان كانت في ايام النظام السابق تجارة غير مشروعة ولكن يتم تداولها سراً « تحت العباءة» متجاوزين بذلك القوانين الشرعية في كيفية البيع والشراء، والتي كانت تنحصر بقوات الجيش والشرطة والجهات الحزبية الموجودة انذاك، كما ان عددا لا يعد ولا يحصى من العشائر كانت ولا تزال تفخر بنوعية السلاح الذي تقتنيه.
كانت الاسلحة المعروفة قبل العام 2003 هي «البنادق» منها «الروماني »و«الهنكاري» «الجيكي » و"اليوغسلافي" وحتى " المصري " و "التبوك العراقي" الذي يعد أردأ الانواع. واما انواع المسدسات التي كان يستخدمها عسكر النظام فتنحصر باربعة انواع لا أكثر هي «9 طارق» و«التوكاريف» و«البرونيك» و«السي زنت» الجيكي، أما اليوم فان قائمة الأسلحة ليس لها حدود، ما يستوجب البحث عن كيفية ايجاد حلول جذرية لتداولها.
مشكلة الشركات الأمنية
ازدهرت تجارة الاسلحة وبشكل علني بعد سقوط النظام السابق، لا سيما بعد تعرض مشاجب الكثير من الوحدات العسكرية الى النهب، وهو ما أدى إلى تسرب الاسلحة الخفيفة والمتوسطة.
بهذه العبارات ابتدأ (وسام .خ) احد المواكبين لتلك الفترة حديثه قائلا : ان تفشي ظاهرة بيع السلاح كان يعتمد فيما بعد على الزمر الفاسدة في الشركات الامنية التي لم تلتزم بالشروط المتفق عليها كاتلاف الاسلحة حال انتهاء العقد، ولكن بعض من عناصرها سعى الى بيعها في السوق بدلا من اتلافها، وجني ارباح مادية مقابل اغراق السوق بها! فتقوم باتلاف 10بالمئة منها باعتبارها اسلحة مستهلكة وخارجة عن الخدمة و 90 بالمئة منها يتم بيعها بصورة غير شرعية ! مثل القناص "الاشتاير" النمساوي والغدارات الحديثة بارا الماني الصنع العيار 9 ملم HKMB5 الملساء الحديثة والغدارة الثانية sIGsauer سويسري الصنع وأيضا تصنع في الولايات المتحدة والغدارة اوزي الحديث العيار 9 ملم اسرائيلي الصنع.
ويؤكد وسام ليس من الممكن اهمال العمليات التي نتج عنها نهب المشاجب العسكرية بعد العام 2003 وساعدت بشكل كبير الى تداول الاسلحة بين المدنيين،ومازالت مخلفات المشاجب المنهوبة وفساد بعض العناصر الامنية اسهما في اغراق السوق بالاسلحة بعيدا عن اعين الاجهزة الرقابية التي ساهمت حملاتها الى الحد نسبيا من هذه التجارة التي تهدد امن المجتمع.
هواة الأسلحة النادرة
في جانب آخر من المشكلة نفسها هناك من يهوى اقتناء الاسلحة وحيازتها وهناك من يتاجر بها وهذا من اختصاص (م.ن ) الذي يقتني من الاسلحة أندرها والتي تضاهي اسعارها اسعار المنازل قائلا: منذ شيوع تجارة الأسلحة وكثرة متداوليها اصبح كل من هبّ ودبّ يسعى للحصول على الاسلحة وعتادها لبيعها في السوق السوداء مهما كانت اسعارها، فهناك من يختص بالبنادق والكلاشنكوف والتبوك التي تعد أرخص نوعية في السوق، وهناك من يختص بالاسلحة النادرة التي تباع باسعار خيالية لصعوبة الحصول عليها في سوق اغرق بالاسلحة بجميع انواعها فالقناص الاشتاير النمساوي الذي يعد ادق قناص بالعالم وصل الى 30،000 دولار، ومع زيادة عرض الاسلحة وسعة تداولها بدأت اسعارها بالانخفاض حتى وصل سعر القطعة النادرة الى 7000 آلاف دولار.
التحوير يدخل عالم الاسلحة
يقول محمود سبطانة كما يناديه اصدقاؤه بان التحوير متعة ورغبة قبل ان تكون غاية لجني المال، فلها سوق وعليها طلب على الرغم من الانفجارات العرضية التي تحدث نتيجة التلاعب والتحوير بالسلاح، واكثر الاسلحة سهلة التحوير هي الاسلحة التركية واستطعنا تحوير حتى الاسلحة الحديثة، ويوضح سبطانة ان الاسلحة المحورة تفتقر للدقة و ضحاياها هم من الشباب المراهقين.
أكثر من سلاح لعنصر أمني
أجازت الفوضى العارمة في توزيع الاسلحة بعد تشكيل الاجهزة الامنية للعديد من عناصرها تسلم أكثر من قطعة سلاح.
هذا ما تحدث عنه احد عناصر الشرطة طالباً عدم ذكر اسمه قائلا: بدأنا عند تشكيل الاجهزة الامنية بالانخراط في دورات عسكرية في النعمانية مع القوات الاسترالية، وعند دخولنا ساحات التدريب كانت توزع علينا الاسلحة من دون مستند رسمي ورقم يثبت عائدية هذه القطعة، ما جعل استلام قطعة اخرى سهلاً جداً والثالثة باتت اسهل بكثير، فانتهى بي المطاف اثناء مسيرتي الأمنية بثلاثة مسدسات، وهذا احد الامور التي دفعت العديد من منتسبي تلك الأجهزة الى عدم الادلاء بكمية السلاح التي يملكونها فبالتالي يقومون ببيعها.
ويؤكد المتحدث ان الحال استمر ستة اشهر بعد 2003 ولعبة توزيع الاسلحة لم تنته الا بعد ان تم فرض القانون وبدأت مفاصل الدولة تتشكل وتقبض على السلطة وتفرض القوانين على حيازة السلاح، وعدم تسليم أية قطعة من السلاح الا بمستند ورقم يثبت حيازته، والتشديد على اتخاذ جميع الامور القانونية لتجنب تداول السلاح العسكري بين المدنيين، ناهيك عن العقوبة القانونية التي تفرض اضافة الى فرض غرامة تقدر بخمسة ملايين دينار في حال الفقدان.
( التورنة) على الخط
(س.م ) وهو صاحب مشجب اسلحة متقاعد يقول: على الرغم من الاجراءات الاحترازية التي فرضتها الدوائر الامنية على حيازة الاسلحة العسكرية، فهناك حوادث عرضية تحدث، كأن يفقد أحدهم سلاحه او يقوم ببيعه، فالخوف من العقوبة القانونية والغرامة التي تفرض في هاتين الحالتين تدفع العناصر الامنية الى اقتناء سلاح ذي نوعية عسكرية ويقوم بحزّ الرقم عند مختص من "المزورين " خوفا من العقوبة والغرامة التي تفرض، والامر يتم بسهولة اذا تم فتح (النيكلة) التي تقع اسفل قنطرة الزناد وتبديلها (بنيكلة )جديدة .
ويوضح( س.م)أكثر فيقول: لكن الصعوبة تظهر عندما يكون الرقم مدرجا على السبطانة والترباس معا، فبالتالي يحتاج الى حفر الرقم يدويا بواسطة مسمار خاص، هذه طريقة قديمة.
أما الطرق الحديثة فبطلتها "التورنة" ذات الشاشة الكترونية فهي قادرة على وضع رقم بشكل ليزري وعلى الرغم من الدقة المتناهية في هذه الطريقة الا ان بعض اصاحب المشاجب المتمرسين يستطيع كشفها من خلال الصبغ الذي يختلف كليا عما هو عليه في السلاح الاصلي، وعدم قدرته على تحمل درجة الحرارة العالية عند الاطلاق ، ويوضح ان بعضهم لا يعير اهمية لمثل هذه الامور، فهي تمر في الكثير من الحالات نتيجة للرشاوى المقدمة.
الجهود العسكرية المكثفة
ان تكثيف الجهود العسكرية والطاقات للتركيز على مسألة الاسلحة الخفيفة يعد امرا غير منطقي هذا ماتحدث عنه العقيد المتقاعد محمد جاسم قائلا: ان اغلب القوات الامنية وجميع مراكز الدولة تعلم اهمية السلاح المدني واقتناءه لدى الاشخاص المدنيين، وبرغم من ان اغلب المناطق المعزولة تترأسها قوة امنية لحمايتها وبمسافات لاتتجاوز اغلبها 200 متر، الا ان بعض المواطنين يسعى الى توفير سلاح في منزله للشعور بالطمأنينة لا اكثر، ولكن اغلب القوات الامنية لاتعير اهتماما لحيازة الاسلحة الخفيفة بل تكثف جهودها لامور اهم بكثير كالمفخخات وعمليات الاغتيال بالكواتم التي تعد من القضايا الاولية لتركيز الطاقة العسكرية وتكثيفها، ويوضح بانه ليس من المنطقي تكثيف الجهود العسكرية على مثل تلك المسائل فيما تترك الامور الاخرى التي تهدم الهيكل الداخلي للبلد، اضافة إلى انه لا يمكن غض النظر عن اجراء التبعات الامنية في تحديد مفاصل حيازة وحمل السلاح لتلافي الاسهاب في تداوله وتهاون مقتنيه.
رخص أسلحة تثير الشكوك
رخصة السلاح تثير مخاوف المواطنين. هذا ما يؤكده أحد منتسبي الدائرة القانونية في مركز للشرطة طالبا عدم الكشف عن اسمه. ويوضح المتحدث قائلا: قمنا باصدار اعلانات الى المواطنين لغرض حصر الاسلحة الموجودة، وهي على كل شخص يملك سلاحاً في منزله الحضور الى مركز الشرطة، وذلك لتسجيل السلاح وكمية العتاد الذي معه تمهيدا لمنحه رخصة حيازة السلاح، فاجراءات المركز تكون قائمة للتأكد من رقم السلاح اذا كان مسروقاً من جهة او اذا كان مطلوباً عن جريمة قتل فاذا تم توفر جميع الاجراءات والضوابط يعطى الهوية،مقابل ان يؤخذ تعهد من مالكه بعدم استخدامه اثناء المناسبات، وان لا يتم استخدامه من قبل شخص اخر، وعدم حمله خارج المنزل، الا ان تلك الاجراءات التي قامت بها المراكز باءت بالفشل، فمنذ شهر لم يأت اي مواطن لتسجيل سلاحه!.
أسلحة مرخصة
يقول سعد المحمداوي أحد (رغابة) اقتناء الاسلحة بأن دور الجهات الامنية يعتمد بصورة كبيرة على اعطاء رخصة حيازة السلاح للاسلحة المدنية وغير المملوكة للجهات الامنية، وعلى الرغم من ان بعض هذه الاسلحة مصدرها معروف كضوء الشمس واغلبها مستورد بصورة غير شرعية، الا انها لا تخضع الى المساءلة، ومن اين لك هذا؟ ولكن مايشغل الجهات الحكومية هو ان لا يكون السلاح من النوع العسكري، فالمسدس"الكلوك " من غير المسموح ان يحمل هذا النوع الا رجل الشرطة العراقية، حتى وان كان سلاحا مدنيا ولا يحمل رقما ولكنه من النوع العسكري، فيجب على الجهات ان تضع امام اعينها البحث وراء نوعية السلاح المدني ايضا وليس العسكري فقط.
الصلاحيات القانونية لمنح الرخصة
العميد سعد معن الناطق الاعلامي لوزارة الداخلية أوضح لـ( الصباح)ان اية هوية حيازة وحمل السلاح تصدر بعيدا عن وزارة الداخلية تعد غير نافذة، فالاشخاص الذين تمنحهم وزارة الداخلية اجازة حيازة وحمل السلاح قد تكون استثناء،منهم مدراء واطباء واساتذة جامعيون وصحفيون وغيرهم، ولكن وفق ضوابط وشروط تحددها الوزارة، ويجب توفرها في الشخص المتقدم بطلب الحصول على هذه الاجازة، اما بالنسبة الى امكانية فتح محال خاصة لبيع الاسلحة فهو أمر لا ينظر اليه في الوقت الحالي.
واضاف معن ان الوزارة لا علاقة لها باية هوية تصدر من غير وزارة الداخلية وتعتبر باطلة، وانه لا صلاحية قانونية لاية جهة باصدار مثل هذه الاجازات، وجاء هذا الرد بعد ان تمت مساءلة عدد من المواطنين الذين تم الامساك بهم يحملون اجازة حمل وحيازة، عن مجلس محافظة بغداد، والتي عدّها معن بانها غير كافية.
حلول جذرية لتقنين امتلاك السلاح
عدد من هواة اقتناء السلاح يرغبون بان يكون هناك حل جذري لكيفية تداول السلاح وبصورة قانونية، ويؤكدون ان اغلب دول العالم فيها محال لبيع السلاح، واكثر بلد لبيع السلاح بصورة غير شرعية هو العراق، فهو لا يباع بصيغة قانونية.
وفضلا عن ذلك لا توجد حلول جذرية لهيكلة موضوع السلاح المدني، فالسوق السوداء اتاحت للعديدين اقتناء السلاح وفي اي وقت كان، فلذلك هناك عدد كبير ممن يرغبون بفتح محال لبيع الاسلحة ويكون المسؤول الاول امام اية اختراقات امنية تحدث نتيجة تداول السلاح، وان يتم التعاون من قبل وزارة الداخلية وفق ضوابط تفرض من قبلهم، وهي أمور نفتقر لها ونحتاج الى دراستها وايجاد حلول جذرية لتلافي مشكلاتها وانعكاساتها الخطيرة.
1079 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع