كتاب معسكر بعقوبة / الجزء الثاني

كتاب معسكر بعقوبة /الجزء الثاني

اللاجئون من عام 1914 حتى وقت نزوحهم من آسيا الصغرى وكردستان وشمال غرب بلاد فارس في عام 1918.

شهد منتصف صيف عام 1918 وصول حوالي أربعين ألف لاجئ معوزين ومنهكين إلى الأراضي المحتلة. قبل القمع الإسلامي والعداء المسلح من قبل الأتراك والأكراد والفرس، أجبر هؤلاء المسيحيون، رجالا ونساء وأطفالا، على الفرار من منازلهم السابقة في الجبال والسهول الواقعة بين بحيرة وان في الأراضي التركية وبحيرة أورومية في بلاد فارس، وطلب الحماية من البريطانيين الذين أعلنوا أنهم حليفهم، قبل حوالي ثلاث سنوات. هؤلاء اللاجئون هم من المسيحية القديمة ويمكن تجميعهم تحت ثلاثة عناوين متميزة: - (أ) الأرمن، من آسيا الصغرى وبحيرة وان. (ب) الأثوريين من منطقة هكاري او كما يلفظها البعض حكاري في كردستان التركية، والرعايا الأتراك سابقا. (ج) الأثوريون والأرمن في سهول أورومية وسلماس والرعايا الفرس سابقا. تحت العناوين الثلاثة المذكورة أعلاه أقترح أن أسرد بإيجاز مسار الأحداث التي أدت إلى هذا النزوح العام للمسيحيين من آسيا الصغرى وكردستان وشمال غرب بلاد فارس.

(أ‌) - الأرمن.
لقد سمع الجميع عن السنوات الأخيرة، عن القمع المستمر للأرمن، وتشهد مذابحهم العديدة على مذابح عامي 1895 و1896 التي عانوا منها على أيدي الأتراك، وأخيرا وليس آخرا، ذبحهم الأخير خلال هذه الحرب على أيدي الأتراك والأكراد والفرس. لقد كان تاريخهم قصة طويلة من سفك الدماء والبؤس بلغت ذروتها، خلال الحرب العالمية، بطردهم من بلدهم وتشتتهم في جميع أنحاء العالم كمنبوذين. من بين الأربعة عشر ألفا من الأرمن الذين أخذناهم تحت جناحنا واستوعبناهم في الأراضي المحتلة، جاء ما يقرب من ثلاثة أرباعهم من بحيرة وان وبيتليس. أما الآخرون فهم بقايا غريبة من الأمة، تم التقاطها من أجزاء مختلفة من الإمبراطورية العثمانية، وتركزت في ولاية الموصل وأرسلت إلى هذا المعسكر. أدناه مخطط توزيع وأعداد الأرمن كما كانت في 1 أكتوبر 1919. وكما هو واضح إن أعداد الأرمن الكلي كان 14612الف مقابل 24679 ألف أثوري.


عند اندلاع الحرب، كان الوضع في ولاية وان هادئا إلى حد ما. ونتيجة لذلك، ظل الأرمن موالين للأتراك، حتى حوالي أذار\مارس 1915، عندما كانوا الروس يتقدمون باتجاه بلدة وان، فقطعوا علاقتهم بحكامهم المحمديين، وأخذوا نصيبهم مع حلفائهم المسيحيين الروس. في ذلك الوقت كان هناك العديد من الأرمن يخدمون في الجيش التركي. تم ذبح هؤلاء على الفور من قبل الأتراك. في حزيران\يونيو من نفس العام، قام الروس بإجلاء وان وتراجعوا إلى القوقاز. رافقهم الأرمن بشكل جماعي. بعد شهرين تقدم الروس مرة أخرى إلى وان وعاد عدد كبير من الأرمن إلى ديارهم معهم، ولكن فقط ليتم تركهم في عام 1917 تحت رحمة المسلمين، عندما حصلت الاضطرابات في روسيا، والانسحاب اللاحق أيضا لجيشها من آسيا الصغرى. في بداية عام 1918 أجبر الأرمن على مغادرة منازلهم والفرار عبر كردستان التركية إلى سلماس في الشمال الغربي لفارس. في الطريق تم ذبح عدد كبير منهم، هذه المرة على يد سمكو وهو زعيم كردي.
بعد بضعة أشهر، تعرضوا للمضايقة من جميع الجهات من قبل الأتراك والأكراد والفرس، واضطروا مرة أخرى إلى الفرار وبدأوا والى جانبهم حوالي ثلاثين ألف آشوري الانسحاب العظيم من شمال غرب بلاد فارس - رحلة 500 ميل للرجال والنساء والأطفال، المعوزين والمحبطين، الذين سعوا إلى أن يجدوا في الحكومة البريطانية الحماية التي حرموا منها لفترة طويلة.
(ب) الآثوريون الجبليون من كردستان.
سريان الشرق والمعروفين بشكل أفضل الى العالم في هذه الأيام بوصفهم نساطرة، يشكلون ملة مثيرة للاهتمام ولكنها صغيرة (أمة) في داخل الإمبراطورية العثمانية. انهم بقايا عرق قديم جيد جدا من الناس، والتي مقرها الرئيس يتواجد في المدائن في بلاد النهرين، ولكن مع بروز الإسلام فقد تبعته مذبحة تيمور لنك مما دفعهم الى داخل فارس ومنها انتقلوا تدريجيا مهاجرين الى داخل كردستان التركية.
قبل الحرب، كان عددهم حوالي 1،00،000 نسمة، ولكن هذا العدد شمل بعض الآلاف ممن هاجر الى أرمينيا. أكبر عدد من هؤلاء الأثوريين سكنوا بين الموصل وبحيرة وان وبحيرة أورومية ولعلهم انقسموا الى جماعتين.
نتناول هنا أولا مسيحيي هكاري في كردستان التركية. كما ذكرت أعلاه، تم تقسيمها إلى فئتين: -
(1) عشائر أو أثوريين قبليين. Ashirat or Tribal Assyrian
(2) الريات أو الأشخاص الخاضعين. The Ryat or subject people
عاش الأثوريون العشائريون في ثبات يتعذر الوصول إليه تقريبا على المياه العليا للزاب الأكبر. كانوا في الغالب رعاة بسطاء، وكانوا مسلحين بأسلحة عفا عنها الزمن، ولم يعترفوا بأي سيادة بخلاف بطريركهم مار شمعون ومن هم بدرجة مالك أو الشيوخ, لم يكن لدى الأتراك تعاملات مباشرة معهم، ولكن عندما كانت تحين الفرصة فان الأتراك يستخدمون كل ما لديهم من نفوذ لوضع القبائل الكردية ضدهم, الأثوريون من جهتهم كانوا دوما مستعدون للانتقام من الأكراد.
كانت كلتا الطبقتين متحررتين من التطلعات الوطنية وعلى هذا الحساب نجتا من مذابح الأرمن في عامي 1895 و1896. لكنهم تذكروا بامتنان ما أنجزته الحكومة البريطانية لهم في وقت مذابح بدر خان عام 1840، وفي وقت التوتر كانوا يتطلعون دائما إلى قناصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في وان والموصل للحصول على الدعم. في خريف عام 1913، قام مبعوث روسي بجولة في المناطق القبلية الأثورية، ووزع هدايا فخمة وبنادق حديثة وادعى لقبول الأرثوذكسية.
لذلك لسنوات عديدة ماضية، كان هؤلاء الأثوريون يعتزون بالأمل في أن يحررهم أما الإنكليز أو الروس من الاضطهاد الذي كانوا تحته. وكان من الطبيعي، لذلك، أنه عندما تندلع الحرب، سيكون تعاطفهم مع الحلفاء ضد الأتراك. ونتيجة لذلك في مايس\مايو 1915، عندما تقدم الروس إلى جولاميرك، تم إقناعهم بمهاجمة الأتراك، نتيجة للمبادرات والوعود التي قدمها لهم القائد الروسي. لقد اعتقدوا بطبيعة الحال أن الروس يعتزمون الاحتفاظ جولاميرك ودعمهم. بدلا من ذلك قيل لهم بعد بضعة أيام أن الروس يعتزمون الانسحاب. هذا يعني تدميرهم. وبناء على ذلك طلبوا من القائد الروسي ثلاثة أيام لجمع شعبهم لإخلاء منطقتهم أو على الأقل إعطائهم الأسلحة والذخيرة بكميات كافية للدفاع عن أنفسهم. تم رفض الطلبات، وانسحبت القوة الروسية وهاجم الأتراك الأثوريين بقوة. بعد ستة أشهر من القتال العنيف، تم طرد الجبليون هؤلاء، مع نسائهم وأطفالهم، منهكين ومعدمين وبدون ذخيرة من منازلهم إلى شمال غرب بلاد فارس. ثم شرع الأتراك في تدمير منطقتهم وتم تدمير جميع القرى.
على الرغم من أن الأثوريين اعتبروا هذا العمل من قبل الروس خرقا لحسن النية بين الحلفاء، إلا أنهم وافقوا مرة أخرى، بعد وصولهم إلى بلاد فارس، على مساعدة الروس، الذين دعوهم للحصول على خدماتهم في ذلك البلد. تم تنظيم كتيبتين من هؤلاء الجبليون ووضعوا تحت إشراف الضباط الروس، وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من الجيش الروسي. فيما بعد تم تشكيل كتيبة أخرى جرى وضعها تحت القيادة الخاصة للبطريرك.
كانت هذه الكتائب في الخدمة الفعلية تحت التوجيه الروسي ضد الأتراك والأكراد حتى حل الجيش الروسي: وخلال الجزء الأول من عام 1918 شكلت جزءا من القوة غير النظامية (كان لا يزال يقودها ضباط روس) وهي القوة التي دافعت عن سهول أورومية وسلماس وأبقت الأتراك تحت السيطرة على الحدود.
في أربعة عشر مشاركة متميزة، بين أذار\مارس وتموز\يوليو. 1918، هزموا كل قوة تم إحضارها للقتال ضدهم وبالتنسيق مع الأرمن. في نهاية المطاف تمت مهاجمتهم في وقت واحد من قبل الأتراك والأكراد والفرس، موقف الأرمن والأثوريين في المناطق حول اورميا بات ميؤوس منه، وبدأت رحلة الهرب إلى البريطانيين في أواخر تموز\ يوليو.

الاثوريين بملابسهم الشعبية

(ج) مسيحيو أورومية
الآن من الضروري التطرق بشكل مختصر الى الوضع التعيس للمسيحيين في سهول اورميا.
في عام 1897 ظهرت بعثة أرثوذكسية روسية في أورومية ووعدت بسياسية الدعم لجميع الذين يقبلون الأرثوذكسية. باستثناء عدد قليل من أتباع البعثات التبشيرية الأمريكية والفرنسية فان جميع أثوريوا سهول أورومية جرى تسجيلهم، ولكن الحماية التي تم توقعها لم تصبح موضع التطبيق لبعض الوقت، وحتى عام 1907، استمر مسيحيو السهول في كونهم مجتمعا قانعا ومزدهرا من المزارعين، يعيشون على شروط ودية مع أسيادهم الفارسيين ويعانون فقط من غارات عرضية من الأكراد القاطنين على الحدود.
في ذلك الوقت واصل الأتراك طريقهم وعبروا إلى سهول أورومية بمساعدة الكرد البكزادة وقاموا بطرد المسيحيين من منطقة تركوار. استمر الأتراك في تقدمهم على سهول أورومية مما أثار الشكوك الروسية وكانت النتيجة زيادة أعداد حراس القنصلية. بعثة مشتركة تشكلت لبضع أشهر وفي الحقيقة تراجع الأتراك الى المنطقة المضطربة، من بعد ذلك أرسل الروس بعض القوقاز الى قرية ماوانا لغرض إعادة توطين الأثوريين من منطقة تركوار، ولكن هذه القوة تم هزيمتها من طرف الأكراد، الين استولوا وبشكل جسيم أهانوا الضابط المسؤول. مشروع إعادة التوطين حينها جرى التخلي عنه، وان الغالبية من المسيحيين المستقرون في سهول أورومية ولغاية عام 1915، عندما التفوق للجيش الروسي تمكن من إجبار الأكراد لإخلاء المنطقة.
منذ عام 1908 ولغاية اندلاع الحرب كان الروس تدريجيا قد زادوا من قوتهم، وأخيرا باتت إدارة كامل السهل في أيدي قنصل ضعيف وأيضا بيد قس أرثودوكسي متطرف قوي جدا. هذا الأخير وبشكل طبيعي قام بدعم المسيحيين الذين ومن طرفهم قد سلموا الإدارة له، وجعلوا من انفسهم وبشكل عام جماعة غير سارة اتجاه السكان المسلمين.
مثل هذا التاريخ المختصر لمسيحيي سهول اورميا ولغاية خريف 1914 وقبيل إعلان اندلاع الحرب بين روسيا وتركيا، فان قوة تركية كردية عبرت الحدود الفارسية، وأحرقت عددا من القرى المسيحية، وهاجمت القوات الروسية في اورميا. مسيحيو السهول فورا التحقوا ورموا بأنفسهم مع الروس.
في شهر كانون الأول التالي هاجم الأتراك مرة أخرى ونجحوا في طرد الروس. العديد من الأثوريين غادروا معهم، ولكن حوالي 10000 الأف منهم تمت محاصرتهم. من بين هؤلاء حوالي 4000 الأف جرى قتلهم أو توفوا جراء الأوبئة بينما كانوا سجناء في البعثة التبشيرية الأمريكية. منازلهم جرى تدميرها، وكنائسهم أحرقت، الرجال ذبحوا، ونسائهم تم الاعتداء عليهم، والفتيات تم أخذهن بعيدا أسيرات. كل هذا حصل بشكل رئيسي في المناطق المجاورة لفارس.
شهر مايس من عام 1915 شهد إعادة احتلال اورميا من قبل الروس وتبع ذلك وفي شهر أب بالانسحاب الثاني لهم وبالتالي غادرت غالبية البعثة الأمريكية وبرفقتها الأثوريين. خلال صيف عام 1915 وكما تمت الإشارة اليه وصل الأثوريون الجبليون قادمين من المنطقة التركية ومعهم من هم شركائهم في الدين في مناطق فارس في خوي وسالماس واورميا, في ربيع عام 1915 تقدم الروس جنوبا وغربا إلى كردستان برفقة القوات الأرمنية والأثورية.
لمدة ثمانية عشر شهرا بعد ذلك عاش المسلمون والمسيحيون في سلام نسبي في سهول أورومية وسالماس. ولكن عندما حدث تفكك الجيش الروسي، استؤنفت المشاكل.
في أوائل تشريت الثاني\نوفمبر 1917، قرر الروس الانسحاب لقواتهم من شمال غرب بلاد فارس، نشأ السؤال الخطير، حول ما يجب أن تفعله الأمة الأثورية.

قررت في النهاية أن بوسعهم أن يبقون إلى جانب الأرمن في الشمال وكانوا يسعون إلى الاحتفاظ بالحدود الفارسية ضد الأتراك. قبلوا الأسلحة والذخيرة من الروس للقيام بذلك، وبقي بعض الضباط الروس إلى جانب ضابط فرنسي واحد كمدربين لهم. كان هذا التسليح للمسيحيين جرى مقاومته بشكل كبير من قبل الفرس وأدى في النهاية إلى العديد من الاضطرابات, في يناير 1918 وصل ضابط بريطاني إلى أورومية ووعد بدعم الأثوريين في حربهم ضد الأتراك. بعد فترة وجيزة، تم إرسال بعثة عسكرية فرنسية، ولكن بسبب الأعمال العدائية من جانب الفرس كانت هذه البعثة قد انسحبت.
تتابعت الأحداث بسرعة. بعد أن أمر الفرس الأثوريين بنزع سلاحهم، ولم يتم إطاعة ذلك، حاولوا ذلك بالقوة. وأدى ذلك إلى اضطرابات في خوي وسالماس وأورومية. في البلدة الأخيرة في 22 شباط، ألحق المسيحيون هزيمة ثقيلة بالمسلمين. تم منع تحقق السلام من خلال تدخل الفرس الخارجيين.

دعا سمكو آغا، وهو زعيم كردي في كوتير، المار شمعون، البطريرك، رئيس الأمة الآشورية، إلى مؤتمر سلام..

قتل فيه مار شمعون وأتباعه غدرا في نهايته. عندما وصلت الأخبار إلى بلدة أورومية، ذبح المسيحيون الأكراد على الفور.
تم تنظيم قوة أثورية على الفور وإرسالها لمعاقبة سمكو في حصنه في شارا.

بعد 36 ساعة من القتال، هزم سمكو وقتل العديد من شعبه: لكنه هرب هو نفسه مع حوالي 500 من أتباعه إلى خوي. في منتصف نيسان\ أبريل تقريبا، أفادت التقارير أن قوة تركية كانت تتقدم من اتجاه سوجبولاك وأوشنو. تقدم الأثوريون لمواجهة هذه القوة، وهزموا الأتراك، واستولوا على بعض البنادق بالقرب من أوشنو. لكن معارضة الديمقراطيين الفرس زادت ضد الأثوريين، وذبح حوالي 4000 منهم يعيشون في خوي بلا رحمة، ولم يتبق سوى عدد قليل من النساء والأطفال, منذ ذلك الوقت فصاعدا، وحتى نهاية تموز\يوليو، كان من الصعب على المسيحيين الدفاع عن أنفسهم ضد القوات المشتركة للأتراك والأكراد والفرس.
بعد أن هددتهم الأعداد الهائلة التي يواجهونها، وهم بدون ذخيرة، أجبر المسيحيون أخيرا على مغادرة منازلهم في سهول أورومية، والبدء في مسيرتهم الجنوبية الطويلة عبر بلد معاد بحثا عن مأوى وراء البريطانيين، الذين توقعوا منذ فترة طويلة أن يأتوا إلى منازلهم.

جدول يوضح أماكن نزوح الأثوريون من أورومية والأثوريون الجبليون وأعدادهم
التي وصلت معسكر بعقوبة

هروب المسيحيين إلى بلاد ما بين النهرين.
لم يكتمل الإخلاء قبل أن يقتل السكان الفرس النساء والأطفال، كبار السن والمرضى، في شوارع المدينة، ويتبعون على طول الطريق لقطع أعناق الذين يكابدون بغض النظر عن العمر أو الجنس. تم عزل حوالي 10000 الأف مسيحي ولم يتمكنوا من الانضمام إلى الهجرة الجماعية، وكان مصيرهم مجهولا على الرغم من أنه يعتقد أن معظمهم قد ذبحوا. استمرت هذه المذبحة في الجزء الأكبر من الرحلة بأكملها لمسافة 300 ميل. ولكن عندما قوبلت قوة بريطانية صغيرة في سين كاليه، تم تخفيف أهوال الرحلة إلى حد ما خلال آخر 200 ميل، من خلال الجهود الشجاعة، يوما بعد يوم، لهذه القوة الصغيرة لإبقاء المسلمين المطاردين في مأزق، ولتغطية انسحاب جحافل اللاجئين.
من أورومية إلى همدان، كان الطريق بالفعل في حالة مدمرة بعد أن دمره الأتراك والروس بدورهم. ونتيجة لذلك، أدت المصاعب الفظيعة التي عانى منها اللاجئون إلى وفاة الآلاف منهم من الجوع والإرهاق على جانب الطريق، إلى جانب العدد الهائل من القتلى أو الذين ماتوا بسبب المرض. تم تجريد آخرين وأسر العديد منهم, في نهاية المطاف، وصلت البقايا، حوالي 50,000 من الأقوياء والمعوزين والمكسورين روحا وجسدا إلى همدان في منتصف شهر أب\أغسطس 1918.
للعودة قليلا في السرد وشرح كيف بذل البريطانيون قصارى جهدهم لتخفيف عن هؤلاء المسيحيين. في وقت الخروج، احتفظ البريطانيون بخطوط الاتصال من بغداد إلى بحر قزوين، مرورا ببعقوبة وكرمانشاه وهمدان وكازفين وإنزيلي ، وقد تمت محاولات للاتصال بأورومية. في أوائل تموز\ يوليو 1918، تم إرسال طائرة بريطانية من مياويه إلى أورومية تحمل رسالة مع اقتراح بأن الأثوريين يجب أن يتحركوا عبر الخطوط التركية في سوجبولاك ويستولوا على قافلة من الذخيرة ومدافع نوع لويس من البريطانيين في سين كاليه في تاريخ معين. كان على الضباط البريطانيين أيضا مرافقتهم إلى أورومية وتولي تدريب القوة الاثورية من الضباط الروس. وافق الأثوريون على ذلك. ولكن ما إن غادروا أورومية إلى سين كالح حتى اجتاح الأتراك و الأكراد والفرس في وقت واحد أورومية وأجبروا على الإخلاء الفوري للمسيحيين. وصلت القافلة البريطانية إلى سين كالح في اليوم المحدد لتجد عدم وصول القوة الأثورية. بعد الانتظار لمدة ثلاثة أيام، اضطرت القافلة إلى التراجع بسبب صعوبة الحصول على الإمدادات. بعد ثمانية أيام وفي يوم 2 أب\أغسطس، عادت القافلة والتقت قافلة الأثوريين، ولكن بعد فوات الأوان لإنقاذ الموقف.
بسبب خط الاتصال الهائل، من بغداد إلى بحر قزوين، الذي كان البريطانيون آنذاك يمسكون به فأن مسألة الحصول على الإمدادات ونقلها كانت صعبة للغاية. ولذلك، كان من الواضح أن التدفق المفاجئ لعشرات الآلاف من اللاجئين المعوزين إلى همدان سيؤدي إلى مجاعة مفاجئة وأزمة غذائية خطيرة. لذلك تقرر تشكيل قوة غير نظامية من بعض الأعضاء الأكثر صحة من الأثوريين الذكور وتوظيفهم في بلاد فارس، بينما الآخرين سيتم من خلالهم تشكيل كتائب عمل للعمل على الطرق. أولئك الذين بقوا من اللاجئين كان من المقرر إنزالهم على دفعات على فترات منتظمة إلى الأراضي المحتلة، وإلى بعض المعسكرات، في بلاد ما بين النهرين، والتي يمكن توفيرها بسهولة من مستودعات الإمداد، تم اختيار بعقوبة كأكثر الأماكن احتمالا. ونتيجة لذلك، تم إرسال اللاجئين من همدان على دفعات من حوالي 1000 شخص، على مراحل. تم استحداث أماكن الطعام في هذه المراحل، وتم تعيين ضابط بريطاني مسؤول عن إصدار حصص الإعاشة، التي يتم توفيرها من المصادر المحلية، لإطعام جحافل الرجال والنساء والأطفال الجياع، واستقبالهم ونقلهم الى المرحلة التالية وهكذا وصل اللاجئون إلى بلاد ما بين النهرين تحت الحماية البريطانية.
تأسيس مخيم للاجئين في بعقوبة، بلاد ما بين النهرين.
تم اختيار موقع معسكر حشد على الضفة اليمنى لنهر ديالى، على بعد حوالي ثلاثة أميال من بلدة بعقوبة التي تقع على بعد 33 ميلا من بغداد. تقع بعقوبة على طريق القوافل الرئيسي من بغداد إلى همدان، وعلى طريق السكك الحديدية من بغداد إلى الحدود الفارسية. وهكذا، فإن إمدادات المياه والغذاء لا تشكل أي صعوبة.
قرب نهاية أب\أغسطس 1918، بدأ اللاجئون يتدفقون على بعقوبة، مرهقين ويعانون من الزحار وكل الأمراض المعروفة تقريبا. كان معدل الوفيات بينهم في هذا الوقت حوالي ستين وفاة يوميا. وعلى مدى الشهرين التاليين، استمر تدفق اللاجئين بشكل مطرد حتى نهاية شهر تشرين اول\أكتوبر تقريبا، وتم إيواء حوالي 40,000 شخص في خيام نوع E.P. ومآوي الحصير. في وقت لاحق تم زيادة هذا العدد إلى حوالي خمسة وأربعين ألف نسمة
تم تقسيم المخيم بأكمله الذي يغطي مساحة ميل مربع واحد إلى ثلاثة مناطق أ، ب، ج "على التوالي". تنقسم كل منطقة من هذه المناطق إلى أقسام، يتراوح عددها من 11 إلى 13 في كل منطقة. فوق كل منطقة كان هناك ضابط بريطاني، وكان لكل قسم ضابط بريطاني يعتني به بمساعدة 3 أو 4 جنود بريطانيين. كان هذا الشخص مسؤولا عن نظافة ورفاهية وانضباط قسمه*.
* ملاحظة - منذ أن تم كتابة ما ورد أعلاه، فان إدارة الأقسام تجري الآن من قبل اللاجئين أنفسهم، وقد تم الاستغناء عن الموظفين البريطانيين باستثناء "حالات قليلة.
يحتوي كل قسم على ما يقرب من 50 خيمة تستوعب حوالي 1,250 لاجئا، ويتم ضخ إمدادات المياه المكلورة من النهر والمراحيض والمحارق وحظائر الطهي. وهكذا، يتكون المخيم من سلسلة من قرى الخيام القائمة بذاتها حوالي 300 ياردة في 135، في حين أن الكل هو بلدة صغيرة، في الوقت الحاضر تأوي حوالي أربعين ألف نسمة، معظمهم من النساء والأطفال. أحضر اللاجئون معهم عدة آلاف من الحيوانات، وكان لا بد من ترتيب الإقامة لهذه الحيوانات، - بغال المهور والماشية والحمير إلى جانب قطعان الماعز والأغنام. ومع ذلك، توفي عدد كبير من هذه الحيوانات بسبب الإرهاق والمرض. تم إرسال عدد كبيرة منها إلى منطقة الرعي حيث لا يمكن شراء أي أرض رعي في المخيم أو بالقرب منه. تم إرسال العديد منهم لأغراض زراعية بينما شكل الباقون وسيلة نقل المخيم، ونتيجة للحالة المرضية للاجئين عند وصولهم إلى هنا، كان على كل رجل وامرأة وطفل المرور عبر منطقة التطهير قبل السماح لهم بالتوجه إلى قسم مفتوح. كان لا بد من بناء المستشفيات بسرعة للتعامل مع كل الأمراض المعروفة تقريبا التي كان الناس يعانون منها في هذا الوقت. تمت تلبية السؤال الصعب المتمثل في إطعام الناس من خلال فتح مستودع إمداد كبير يتم تغذيته من بغداد إلى جانب سكة حديد بغداد - التي تمر عبر المخيم. وتوزع حصص الإعاشة بكميات كبيرة على قادة المناطق، ومنهم على القسم، وعلى ممثلي الخيام.
تم افتتاح بازار في تشرين أول\أكتوبر 1918، والذي تم ملؤه على الفور من قبل أصحاب المتاجر اللاجئين الذين قاموا بتجارة مزدهرة خلال العام الماضي. في نفس الوقت تقريبا تم إنشاء دار للأيتام وتم إيواء حوالي ثمانمائة يتيم أرمني وأثوري. على مقربة من ثلاثة آلاف خيمة "تم تجهيزها ونصبها للاجئين. جميع ملاجئ الحصير التي يجب استبدالها بالضرورة، بسبب فصل الشتاء. تم تجهيز هذه الخيام من قبل مخازن التموين التي كانت قد افتتحت في المخيم بعد وقت قصير من بدايته؛ كما تم تسليم عدة آلاف من البطانيات وقطع القماش، وأدوات معدنية للشرب والمواد والملابس والأحذية للناس.
ولما كانت العمالة ضرورية للعمل على الطرق والسكك الحديدية، فقد افتتح مكتب عمل يتحكم في عمالة اللاجئين ويدفع لها، وهذا هو العمل كانوا هو الوحيد المتاح.
الدكتور
مؤيد الونداوي
للاطلاع على الحلقة السابقة:

https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/69739-2025-12-02-14-38-23.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1350 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع